إذا رغبنا في فهم السلوك البشري، علينا أن نبدأ بالبنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع. قد تبدو الروابط بين تنظيم الإنتاج والعنف الجنسي شيئا يصعب ملاحظته ورؤيته، ومع ذلك فعلينا تحديدها.

كانت تِلك كلمات الفيلسوف الألماني كارل ماركس في ضوء تحليله لِلبُنى الاجتماعية والاقتصادية فيما يخص العنف الجنسي، ولكن ذلك العنف غير مقتصر فقط على الأقليات الجنسية أو اعضاء مجتمع الـ L.G.P.T، ولكنه يمتد أيضا ليشمل الحركة النسوية، فللتدليل على ظهور مفهوم النسوية وانبثاق أفكار ومدارس من ذلك المفهوم يرجع في الأخير لتحليل بُنى المجتمع الاقتصادية والاجتماعية، ولكن الحديث هنا ليس عن التحليل الماركسي للمجتمع وكيفية عمل الديالكتيك لترسيخ مصلحة طبقة على حساب طبقة أخرى إنما هو فقط توضيح لمفهوم النسوية إلى كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فماذا نعنى بالنسوية؟ وما هي المدراس التي انبثقت من هذا الفكر، وهل نستطيع نحن معشر الرجال أن نكون نسويين حقا؟!


ماذا تعني كلمة نسوية

ربما مرت هذه الكلمة على مسامعك من أحد الأصدقاء كثيفي الشعر مُرتديّ العدسات اللاصقة المُلتَحفين بوشاحهم القُرمزي مع العديد من الكُتب بين أيديهم، ولكن لم تفهم معنى تِلك الكلمة وظننت أنه تَفلسُف آخر من تفلسفاتهم الحمقاء عليك، ولَكن عندما نتحدث عن النسوية فنحن لسنا بصدد التمطع بقدر ما نحن بصدد تحليل فكرة ظهرت كنتيجة حتمية لسيطرة مُجحفة من بني جِنس على حساب جِنس آخر بدون أن يوقع الأخير على وثيقة التفاوت في حجم السيطرة.

فالنسوية لا تدور في فَلك أخذ السيطرة والغَلبة من الرجال بقدر ما هي القدرة على انتزاع اعتراف ضمني بوجود مساواة في الحقوق بين معشر الجنسين، فَيمكن تعريف النسوية على أنها مُختلف النظريات الاجتماعية والحركات السياسية والأيديولوجيات الفكرية التي تدعم فكرة مناصرة المرأة والتدليل على وجود حقوق مساوية لها مثل الرجل للوصول إلى هدف نهائي وسامٍ، ألا وهو النضال من أجل تحرير المرأة، ولكن إن كان هدف الحركات النسوية هو الوصول إلى تحرير المرأة فيجب علينا أن نخطو خطوة إلى الوراء.

ننظر إلى الصورة الكبيرة ونتساءل من رجح كفة الرجال على حساب النساء مما جعل هنالك تفاوتا في مفهوم المساواة؟ من الذي صرح بِكُل تلك الامتيازات والتفرقة على أساس الجنس لفِئة على حساب مصلحة فِئة أُخرى؟ هل هي الطبقة الحاكمة كما يراها ماركس وأنجلز بأنها هي من تضطهد النساء، تحولهن إلى مواطنات من الدرجة الثانية في المجتمع وداخل الأسرة؟ أم هي الأفكار الدينية التي رسخت على مدى عقود فكرة نقصان المرأة، وأنها لا تصلح كفاية لشئون الإدارة أو الحكم؟ أم أنها الأعراف المجمتعية والعادات التي طالما نصرت فئة الرجال على حساب النساء عن طريق السباب النابي لأعضاء النساء التناسلية ووصمها بالعار؟

ووصم الرجل الذي يتخلف عن مفاهيم الرجال بأنه «امرأة» أو عن طريق الخجل من أن تُعرف أسماء أمهاتنا ووضع أعضائهن التناسلية كَمحل للتنقيص والجدال حقًا لا أعلم، ربما تكون كل تِلك الأسباب كانت السبب في ظهور مفاهيم مثل النسوية، ربما سبب واحد منها أو ربما كُلها، أنا فقط أعلم شيئًا واحدًا أن هنالك فَارقا بين الرجال والنساء وهذا الفارق لا يتمثل فقط إلا في اختلاف أشكال وتكوين الأعضاء التناسلية لِكُلِ مِنهُم أما فيما عدا ذلك فالكل يجب أن يكون متساويا في الحقوق وأن يتحمل نفس الالتزامات، فحتى الجدال القائم بأن الرجال أقوى جُسمانيًا جدال غير صائب لأنه ترجمة لمجموعة من الأفكار والعادات التي كان من شأنها إقناع النساء بأنهن لسن بِتلك القوة، وأن يقَرن بيوتهن وأن الغَلبة للرجال، فالبتالي يجب أن تُحصر أنوثتهن فقط في الملبس الناعم المصنوع من الحرير، وفي مدى إطاعتهن للأوامر ليس أكثر.


المدارس النسوية وهل يستطيع الرجال أن يصبحوا نسويين؟

لا أعتقد أنه من المنطق أن نتحدث عن النسوية كَكتلة واحدة صماء بعيدًا عن اختلاف المدارس الفكرية والفلسفية في تحليل الفكر النسوي، فلا يمكن مساواة الأفكار النسوية الاشتراكية بنسوية ما بعد الحداثة، ولذلك تتبلور ضرورة تقسيم النسوية إلى مدارس فكرية لكي نتمكن من التوصل لمعنى هذا المفهوم.

هنالك «النسوية الماركسية» فكما عَبر عنها كريس هارمان في كتابه كيف تعمل الماركسية وعبرت عنها إنيسا أرماند، أول رئيسة لإدارة شئون المرأة بعد الثورة الروسية في تصريحها بأنه إذا كان تحرير المرأة لا يمكن تصوره بدون الشيوعية، فإنه لا يمكن تصور الشيوعية بدون تحرير المرأة فهذا التصريح يلخص العلاقة ما بين النضال من أجل تحرير المرأة وما بين الفكر الماركسي.

فوفقًا لهذا الفكر فإن المرأة ما هي إلا منتج يتم استخدامه من قبل المجتمع الطبقي في العمل غير المأجور ألا وهو العمل المنزلي، حيث تساهم في تكوين الأسرة النواة من وجهة نظر فريدريك أنجلز في كتابه الشهير أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة، ويتم أيضًا التحقير من دورها وقوة عملها في عملية الإنتاج والعمل مدفوع الأجر. ووفقًا للنظرية الماركسية فمن أجل التخلص من هذه القيود التي تخضع لها المرأة والوصول إلى المساواة الحقيقية لا يوجد سبيل إلا في التخلص من النظام الرأسمالي الداعم الأساسي لتلك السيطرة، فذلك المجتمع الطبقي يجب الاستعاضة عنه بمجمتع آخر، فليست المشكلة أو العيب في هذا المسئول أو ذاك أو حتى في الطريقة التي يدار بها النظام الرأسمالي وأفكاره بل في النظام كُله ويجب التخلص منه، وبالتالي سيتم تغيير وضع المرأة في ظل النظام الجديد.

ثم يوجد على الجانب الآخر من النقاش «النسوية الليبرالية» فمِن وجهة نظر الليبراليين يوجد حقًا تفاوت في الحقوق مما يجعل المرأة تظهر على أنها هي صاحبة المركز الثاني في سباق ليس من المفترض أن يكون فيه رابح وخاسر فهو سباق أو بالأحرى مُباراة يجب أن تنتهي بالتعادل وللوصول إلى هذا التعادل يجب الاعتراف أولًا بوجود المشكلة ثم السعي إلى حلها يتمثل في تمرير قوانين وإصلاحات من شأنها أن تُرجح الكفة للنسويات كَكُتلة واحدة للوصول إلى خانة التعادل ثم سَعي كُل امرأة بنفسها نحو تحقيق ذاتها واكتساب حقوقها تحت مظلة المجتمع الذكوري، فالتغيير الليبرالي ليس تغيير راديكالي، وإنما فقط إصلاحي أو كما يحلو للماركسيين مناداته تغيير من أجل تحسين شروط العبودية فوفقًا للنسوية الليبرالية نحن لا نحتاج لتغيير المجتمع كَكُل لتغيير وضع النساء بل فقط نحتاج لتمرير عدة إصلاحات ليس أكثر فَمُنذ متى أراد الليبراليون إحداث أي تغيير جذري في المجمتع؟

وننتقل هنا للنقطة الأخيرة، ألا وهي: هل يستطيع أن يكون الرجال نسويين حقًا؟

ليس من الهين أن يعترف شَخص مُهيمن أو أوهمته الظروف والمجتمع والعادات والتقاليد والأفكار السائدة في المجتمع بأنه المهيمن أن يعترف بحقوق الشخص الخاضع له، فَكما تَعودنا في الأمثال القديمة فإن الطبع يغلب التطبع، ولأننا تطبعنا وفقًا لعوامل النشأة والتربية بأن المرأة هي من تخضع لنا، فيصبح من الصعب أن نتنازل عن تلك الأفكار بين عشية وضحاها.

فتحول الرجل من الفكر الذكوري إلى النسوية ليس شيئًا يحدث فجأة، وإنما هي عملية طويلة ومستمرة من تغيير وتطوير المفاهيم نحو المرأة وقضاياها، فالرجال الحقيقيون هُم نَسويون حقًا، ولا يُعكر صفو هذا النضال إلا الخذلان من جانب المرأة حتى وإن كان خُذلانًا مُعلَلًا، ولكنه يؤثر في النضال كَكُل عندما يأتي الاتهام لكل مدافع عن حقوق المرأة بأنه يسعى إلى شيء ما، فاتهام كهذا يصبح منطقيًا إذا صدر من أحد الرجال تجاه رجل آخر كدليل على عدم مقدرته على التخلي عن كل تلك الامتيازات، وبالتالي فأي أحد يسعى لتغيير الكفة ومساواتها يسعى إلى شيءٍ ما ولكن لا يصبح هذا مفهومًا عندما يصدر من شركاء النضال نحو التحرر.

فالرجال والنساء في الأخير ليسوا إلا ضحية من ضحايا أفكار المجتمع ورجعيته، ويجب عليهم النضال سويًا للحصول على حريتهم، فالشاهد هنا أننا لا نناضل من أجل كائن اعتباري أو شخص وهمي، فنحن نناضل من أجل المرأة مع المرأة، فهي ليست خلفنا في هذا الماراثون الطويل ولا نحن بسابقيها فالعمل من أجل التحرر من كل تلك المفاهيم لا يأتي إلا عندما يعمل الجميع كِوحدة واحدة.



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.


المراجع




  1. The Encyclopedia of Libertarianism

  2. Are women human?

  3. Feminist Perspectives on Class and Work

  4. Marxism, Liberalism and Feminism: Leftist Legal Thought

  5. Marxist Feminism

  6. Liberal Feminism

  7. Different Types of Feminist Theories