شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 59 من كان يصدق أن طفلًا مصابًا باضطراب «نقص الانتباه مع فرط النشاط» أو «ADHD»، سيكبر ليصبح ممثلًا كوميديًا مشهورًا، ومؤلفًا لعشرة كتب، وسيحصل على أكثر من إحدى عشرة جائزة، ومن ثم سيصبح عمدة مدينة ريكيافيك الآيسلندية؟ في هذا المقال سنتعرف على «جون جنار Jon Gnarr»، أشهر ممثل آيسلندي على الإطلاق، ومؤلف كتاب « الهندي الأحمر الآيسلندي ».[1] في كتابه يروي «جنار» أن مجيئه إلى الدنيا كان صدمة حقيقية لعائلته، فوالدته كانت في الخامسة والأربعين من عمرها، أما والده فكان في الخمسين. يبدو الكتاب في البداية مجرد مذكرات عادية لطفل شقي. لكننا نُفاجأ، بعد كل عشرين صفحة تقريبًا، بورود فقرة من تقرير طبي نفسي، تصف بدقة وبلغة طبية أحوال ذلك الطفل. أما المكان الذي صدر عنه ذلك التقرير، فهو المستشفى الوطني، عنبر الأمراض النفسية، قسم الأطفال. إحدى فقرات التقرير وصفته كالتالي: يبدو منطويًا على نفسه، وتطوره الاجتماعي متأخر مقارنة بعمره. يبدو عاجزًا عن التفكير في نتائج أفعاله. محاولاته لتنظيم أفكاره واستيعاب عالمه ضعيفة ولا تجدي، إضافة إلى المسؤولية الواقعة على البيئة المحيطة، فإني أشك بدرجة كبيرة في وجود تلف ما في عقله. لكن جنار يتركنا في حيرة دون توضيح الأمر تمامًا. وبالعودة إلى ما كُتب على الغلاف الخلفي للطبعة الإنجليزية للكتاب، يخبرنا الناشر مزيدًا من التفاصيل عن «معضلة جنار». ففي عام 1972، وهو العام الذي أُدخل فيه جنار إلى المستشفى، وكان في الخامسة من عمره، لم يكن اضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة ADHD معتمدًا لدى الأطباء هناك، فضلًا عن «الديسلكسيا» أو «عسر القراءة»، وهما المرضان الحقيقيان اللذان عانى منهما جنار. وبناءً على ذلك، فقد شُخّص جنار خطأ على أنه معوق ذهنيًا، وقضى عدة أعوام في منزل للأطفال المعوقين ذهنيًا. وأخيرًا سُمح له بالخروج، لتبدأ رحلة جديدة من المعاناة بسبب سخرية زملائه في المدرسة. ويبدو أن جنار يتمتع بذاكرة حديدية، فهو يروي بالتفصيل العديد من المشاكل التي كان يتورط فيها. ففي مرة، قام بإشعال النيران في إحدى الغابات، ما تسبب بحرق ساقه وأجزاء من شعره. الطريف في الأمر أنه بقي مختبئًا في مكان قريب حتى وصل رجال الإطفاء، ثم خرج من مخبئه والتقط أحد خراطيم المياه وساعد في إطفاء النيران، وكانت النتيجة في النهاية أن صورته نزلت في الجريدة اليومية وتحتها مقال يثني على شجاعته في مساعدة رجال الإطفاء! كما روى بالتفصيل مغامرته عندما قام بصناعة قارب صغير ثم الإبحار به في عرض المحيط دون إخبار أحد ودون التفكير بعواقب أفعاله. وبعد ابتعاده كيلومترات عديدة في عرض المحيط، استطاعت الشرطة الوصول إليه في قارب مطاطي ومن ثم إنقاذه. أيضًا يروي جنار في مذكراته أن والديه لم ينتبها إلى أنه يعاني من قصر شديد في النظر بلغ -6 في عين و-7 في الأخرى، إلا حين دخل المدرسة الابتدائية، حيث أرسله المعلم للكشف على نظره، وحينها أخذه والده لشراء النظارة. وكان هذا العيب الإضافي من جملة ما سبب له متاعب متعددة. يبدو «جنار الطفل» في الكتاب واعيًا تمامًا لاختلافه عن الآخرين، ولمدى الإزعاج الذي يسببه، ويصف في أكثر من موضع ضيقه الشخصي هو نفسه بأفعاله، وتوقه للحصول على رضى والديه. ويورد جنار فقرات حزينة تصف مدى تعاسته فيقول: لست مميزًا، لن أصبح ذا شعبية أبدًا، أنا أحمق، أفسد كل شيء، ولا أتصرف بشكل صحيح مطلقًا، لست كسائر الصبية، لدي شعر أحمر وسخيف، لا أجيد لعب الرياضة، أنا غبي ولا أتعلم، كل ما يتعلق بي مزعج ومثير للاشمئزاز، لن تعجب بي أي فتاة أبدًا، لدى الآخرين أشقاءُ وحياة أسرية سعيدة، يذهبون في رحلات ويقومون بأنشطة مع عائلاتهم، أما نحن فلا نقوم بأي شيء. أما الصفحة الأخيرة من مذكراته فتبدو مؤثرة، حيث يقول: «كأن هناك خطأ ما، لماذا لا أشبه الآخرين وأعجز أن أكون مثلهم؟ ما خطبي؟ لا أجيد أي شيء، لا المدرسة، ولا الرياضة، ولا التعامل الاجتماعي، ليس لدي حتى ذوق جيد في الموسيقى، ما يجده الآخرون طبيعيًا ويسيرًا أجده غريبًا ومعقدًا، كلما حاولت أمرًا فشلت، لا يمكن إلقاء اللوم على غيري، المشكلة داخلي لكني لا أعرف ماذا تكون، أنا مختلف، لا أشبه أحدًا، أنا قبيح وغبي ومزعج، كأني ملعون». رغم كل ذلك، كبر جنار ليصبح ممثلًا كوميديًا، وليصنفه موقع «IMDb»، في مقال نُشر عام 2011، بأنه الممثل الأظرف والأكثر إضحاكًا، متقدمًا على 19 ممثلًا آخرين، من بينهم «ماثيو بيري» و«جيم كاري» و«روبن ويليامز»! جدير بالذكر أن الناشر العربي اختار، على الغلاف الخلفي للطبعة العربية، أن يخبر القارئ العربي نبذة عن وصول جون جنار إلى منصب عمدة مدينة ريكيافيك، مما قد يوهم القارئ أن الكتاب يتحدث عن ذلك الموضوع. والحقيقة أن هذه القصة كانت موضوع الآخر «How I Became the Mayor of a Large City in Iceland and Changed the World» ، أما في كتاب «الهندي الأحمر الآيسلندي» فلم يرد أي ذِكر لهذا الموضوع. وأخيرًا اخترت لكم هذا المقطع القصير الذي يظهر فيه جنار في كوميديا ارتجالية ساخرًا من دولة الدنمارك. المقطع باللغة الآيسلندية ومترجم إلى اللغة الإنجليزية. مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير. المراجع هذا الكتاب صدر عام 2006 تحت عنوان «The Indian»، وترجمته دار «العربي» المصرية، العام الماضي 2016، تحت عنوان «الهندي الأحمر الآيسلندي». قد يعجبك أيضاً تجديد خطاب الحرية كيف بدأت؟ المسألة المعرفية: بين بربرية التخصص ووهم الموسوعية مبادرات الخيال العلمي العربي شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram إيمان الشريف Follow Author المقالة السابقة الثقافتان والثورة العلمية: أو كيف تأكل «الانتلجنسيا» نفسها؟ المقالة التالية الأحلام: لغة اللاوعي بين فرويد ويونغ وفروم قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك العرب والعداء للقراءة 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك من الأدب الياباني: رواية توتوتشن ونظام تعليمي خيالي 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك نشاطات جديدة 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كم «نِصف فرَنك» دفعت اليوم؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «Inglourious Basterds»: التاريخ على طريقة تارانتينو! 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك قراءة في رواية الجريمة والعقاب لـ«دوستويفسكي» 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الكتابة بالحليب 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك التضامن والكوميديا السوداء: كيف يبدأ السؤال؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك عن أخلاقية عمليات التطهير ضد جماعة كولن 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك تصريحات ماكرون: أين تكمن الأزمة؟ 27/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.