إذا كنت أحد هؤلاء الذين تثيرهم أخبار ميركاتو الأندية، فهنيئًا لك، بات لديك منذ أيام خلت وحتى أسابيع قادمة مادة ثرية ستتبارى كل المصادر الصحفية في تناولها.

حبكة ممتازة؛ نادٍ بحجم جماهيرية برشلونة يمر بمرحلة صعبة، ورجل أعمال لا يعبأ كثيرًا بالأرقام في سبيل شراء ما يريد كـ«ناصر الخليفي»، ولاعب لاتيني لا يشك أحد بإمكانياته بنفس القدر الذي لا يتردد أحد باتهامه بالرعونة، وصحافة تتلهف لقضية ساخنة تشغل فراغ انتظار الدوريات بإجازة الصيف، كل العناصر مكتملة لنشهد مسرحية مثيرة للبعض ومزعجة لآخرين بطلها هو «نيمار».

والحق أن ظهور البرازيلي بميركاتو هذا العام ليس الأول، فقد طاردته أخبار سابقة عن انتقاله تارة لمانشستر يونايتد، وتارة أخرى لريال مدريد على غرار ما فعله «لويس فيجو»، غير أن الأخبار هذه المرة اتسمت بقدر من الاستعدادية لدي الطرف الآخر بالتعاقد مع «نيمار» وتحمل كلفته الخرافية لم تكن موجودة قبل ذلك، ثم حاوطت تلك الأخبار سحابة من الإثارة بعد توتر علاقة الكتلان بـ«باريس» على خلفية التعثر بضم «ماركو فيراتي».

لكن البرازيلي بقي صامتًا منذ بدأت تحركات البارسيين، لم يعلن أبدًا عن نية واضحة بالبقاء أو الرحيل، لقد علق الجميع من صحفيين ومتابعين، مدربين ووكلاء لاعبين، حتى نجوم اللعبة السابقين

كـ«ريفالدو»

استفزتهم الواقعة للتعليق والتأكيد على أن نيمار يستمتع بمدينة برشلونة ولا يجب عليه المغادرة، لكن أبدًا لم يعلق «نيمار» تاركًا عشرات الاحتمالات تعبث بعقول متابعي الكرة خصوصًا بعد الأنباء عن كلفة الصفقة التي ستتجاوز المائتي مليون يورو، صمت «نيمار»، كما وصفته

صحيفة السبورت

، أكثر ما جرح الكتلان!

ترى هل كان «نيمار» يستعد حقًا لتوديع كتالونيا، أم يسعى للضغط على إدارة برشلونة لأجل شروط جديدة؟


توضيح الواضح

القصة لم تبدأ خلال منتصف يوليو/تموز الحالي عندما خرجت حزمة من الأخبار دفعة واحدة تقول بأن «نيمار» سيغادر لفرنسا، بل إن الفشل الكتالوني بإدارة ملف البرازيلي بدأ حتى قبل أن يرتدي الأخير قميص البلوجرانا!.

إذ يقول

«واجنر ريبيرو» وكيل «نيمار»

السابق بأنه تلقى ثلاثة عروض رسمية للحصول على خدمات لاعبه من نادي سانتوس، الأول والثاني كانا من نصيب ريال مدريد وتشيلسي، أما الثالث صاحب العرض المادي الأقل كان لبرشلونة، وبالتالي انصب جام اهتمامه على العرضين الأول والثاني، لكن الكتلان كانوا قد تواصلوا بشكل مباشر مع أسرة اللاعب، عندها حُسِم كل شيء؛ هكذا يروي «ريبيرو».

على لسان «بارتوميو» نفسه، الذي كان حينها نائبًا للرئيس «روسيل»، اعترف

بتصريحات نقلتها ESPN

تقول بأن والد «نيمار» تقاضى 40 مليون يورو عند توقيع البرازيلي خلال عام 2013، لاحقًا أبدى اللاعب استنكاره وانزعاجه من سهام الانتقادات التي وجهت بسبب تدخلات أبيه، فكان لـ«بارتوميو» أن يطيب خاطره بـ50 مليون إضافية عند تجديد العقد في 2016، اللافت أن هذه الإستراتيجية هي ذاتها التي حاول بها باريس سان جيرمان استمالة اللاعب ولكن بمزيد من الأعداد الصفرية، ربما بطائرة خاصة، أو بقصر يمر تحته البحار السبعة، أطلق لخيالك العنان.

وحتى لو ذهبت بعيدًا بأفكارك، فإن برشلونة اختصرت عليك الطريق ومنحته أحد

أكثر بنود العقود هزلية

بتاريخ اللعبة، فقد اشترط «نيمار» على ناديه تحمل الكلفة الكاملة لزيارة مجموعة من أصدقائه البرازيليين مرة على الأقل كل شهرين للتنزه بأحد أجمل وأغلى بقاع العالم كـ«كتالونيا»؛ أحيانًا يستشعر المرء كم قصّر بحق أصدقائه!.

بالتأكيد حرص على مضاعفة راتبه خلال الأعوام الثالثة المنقضية، حتى وصل بحسب

تقرير «فوربس»

لـ37 مليون دولار سنويًا، لكن هذا الرقم المعلن لا يساوي كثيرًا من دخل «نيمار» الحقيقي، فالأخير هو لاعب كرة القدم الوحيد الذي يتحصل على أموال من خارج الملعب أكثر مما يتقاضى نظيرًا لأدائه، المقصود هنا عقود الرعاية الضخمة التي تربطه بشركات “نايكي، باناسونيك، جيليت”.

الشاهد من تلك الأمثلة، أن «نيمار» لم يحصل على التقدير المادي والمعنوي المناسب من ناديه وحسب، بل أملى عليهم شروطه، وآلت علاقة اللاعب بالإدارة التي وفرت له مستويات من الرفاهية إلى درجة كوميدية، ثم تحوّل الضلع الرئيس بعلامة الـ MSN والتي جنت إدارة «بارتوميو» منها الكثير لصداع تعاني نفس الإدارة من طلباته.

نيمار إلى جانب والده.


بالون دور بعيون كرويف

في المقابل، أضاف «نيمار» لبرشلونة قوة هجومية لا خلاف عليها، فقد بات أحد أفضل الأجنحة الهجومية بالعالم بفضل مهارته الخارقة خصوصًا على الخط بالمواجهات الفردية، البرازيلي يمكنه مراوغة أي لاعب وكسر التكتل الدفاعي.

الجانب الآخر المهم هو سرعته، فخفة حركة «نيمار» تكسبه ميزة كبرى كجناح عكسي يتغول من الطرف لعمق الملعب لاستقبال تمريرات وتسجيل أو صناعة الأهداف.

قوة «نيمار» الهجومية تمتد أيضًا لدقة تنفيذه الكرات الثابتة من أي مكان بوسط الملعب الهجومي، فقد أثبت قدرته على مشاركة «ميسي» تنفيذ تلك الضربات.

هذه المواصفات، التي يبرزها أي فيديو مجمع على يوتيوب للبرازيلي، تمنح أي مدرب كل ما يريده بلاعب الجناح، لكن ما لا تكشفه الفيديوهات هو «نيمار» في غير حالته، لا تُظهره عندما تتغلب فرديته على جماعية برشلونة، أو عندما تصيبه رعونة الدنيا أمام المرمى، وأحيانًا يغريه العند لإذلال ذلك المدافع الذي تعمد إيذاءه ويغض الطرف عن حالة الفريق، ناهيك عن بعض تهور إضافي لا تخلو نتيجته من كروت حمراء بتقويتات هامة!.


https://www.youtube.com/watch?v=o22pkv3Jk0o

قد تفاجأ أن يكون عرّاب برشلونة «يوهان كرويف» أبرز من عارض ضم البرازيلي، ليس لمشكلة بإمكانياته، بل على العكس فقد أثنى عليها غير مرة، لكن

كلمات الهولندي

انصبت على علاقة «نيمار» بـ«ميسي». يظن «كرويف» بأن الإدارة لن تتمكن من الحفاظ على الثنائي معًا لفترة طويلة؛ لأن الفريق لن يتحمل هذا القدر الهائل من التفرد والاستثنائية، ناهيك عن النجومية والأضواء خارج الملعب.

نستنتج من كلام الهولندي بأن المنافسة بين الثنائي ستكون موجودة مهما بدا ظاهر الأمور بغير ذلك، وبأن البرازيلي ربما يقبل بظل «ميسي» على منصة الكرة الذهبية لثلاثة مواسم، ولكن ليس لسبعة مواسم مثلًا.

الأهم أن الأمر تحكمت به عوامل أخرى خصوصًا بعد رحيل الهولندي عام 2015، إذ تراجعت أدوار صنّاع اللعب ببرشلونة بعد أن فقد «إنيستا» كثيرًا من بريقه، وغاب «راكيتيتش» عن الخريطة، ولم يستطع «جوميش» سد هذا الفراغ، فاتجه «إنريكي» لتحميل أدوار صناعة اللعب على الثنائي اللاتيني بجانب أدوارهما بثلث الملعب الأخير، وبالتالي باتت خيارات برشلونة قاصرة بأكثر الأحيان على «ميسي» و«نيمار» ولا غير!.

«نيمار» يهتم بصورته حاليًا أكثر من عوامل أخرى، يعرف تمامًا أنه تحول لبطل قومي ببلاد السيليساو، وعليه فلا يمكن نزع بريق لقب أفضل لاعب بالعالم من سياق قصة البرازيلي.


العبور إلى المجهول

خلال الأيام الفائتة، لا يبدو طرف واثقًا من قراره بشأن بقاء أو رحيل البرازيلي بقدر رغبة البارسيين، صحيح أن الاتجاه الغالب داخل إدارة البلوجرانا هو الإبقاء على «نيمار» كورقة فنية هامة لجدولة أمور الفريق مع «فاليفاردي»، لكن دخول والده على الخط خصوصًا بعد اجتماعات مع مسئولي النادي الفرنسي والرقم الخرافي المعروض قد يمثلان ضغطًا كبيرًا!.

لكن إدارة «بارتوميو» التي فشلت بضم هدفها الأول «فيراتي»، وإضافة مدافع جيد، ولها تاريخ مع صفقات سيئة، تخشى عدم تعويض البرازيلي ببديل مناسب، هذا لأن أغلب الخيارات لا تبدو متاحة أصلًا.

برشلونة لا تستطيع ضم «هازارد» أو «كوتينهو» بسهولة، وما كان من الصعب على «بارتوميو» إضافة الموهبة الفذّة «عثمان ديمبيلي» قبل شهور بسيطة، لكن الآن الألمان لن يقبلوا برقم هزيل، الأمر يتفاقم بحالة «ديبالا» الموجود على رادار تعويض البرازيلي رغم أنه أصلًا ليس لاعب طرف بل مهاجم ثانٍ ولكنه سيبقي على قوة اليوفي، وأخيرًا الاعتماد على «دولوفيو» أو «توران» بهذا المركز يُعد مغامرة كبرى!.

لذلك فإن الموافقة على رحيله تبدو عبورًا للمجهول لم يسبق الإعداد له ولا تمتلك برشلونة ضمانًا بتعويضه قبل بداية الموسم بأيام قليلة، على تلك الخلفية يتحرك النادي بدوافع من «فاليفاردي» الذي بدا اعتماده على البرازيلي خلال المواجهات الودية.

أما «نيمار» فسيعبر هو الآخر للمجهول إذا قرر الرحيل، صحيح بأنه سيكون عبورًا بطريق مفروش بمئات الملايين، لكن ذلك لا يغير من المجهول في شيء.

فاللاعب صاحب الـ25 عامًا يمتلك إمكانيات استثنائية، تحتاج لإدارة وتوظيف فني دائم لمزيد من التطور، ولمواجهات على درجة عالية من النديّة إلى جانب معاونة زملاء على قدر كبير من الخبرة والطموح؛ فهل يجد كل هذه الاحتياجات بفرنسا بنفس درجة برشلونة؟.

الإجابة هي لا، فباريس لا يمتلك مدربًا من الطراز الأول، فقد العرش المحلي ولاقى شر هزيمة بدوري الأبطال في مباراة، يا للعجب، صال وجال فيها «نيمار» نفسه، ثم إن مواجهات الدوري الفرنسي لا ترقى بحال لمقارعة تلك بإسبانيا.

صحيح أن باريس تمتلك «كافاني، دي ماريا، فيراتي، رابيو»، لكن هل يمكن مقارنة تلك الأسماء فقط بـ«ميسي وسواريز»؟، لو الإجابة بنعم لما كانت برشلونة تخطت باريس دائمًا بمواجهات التشامبيونزليج!.

«نيمار» متعجل للقب النجم الأول، بالرغم أنه بالفعل رجل السليساو الأول، لكنه يظن أن قيادته لنفس المجموعة البرازيلية في باريس سيزيد من فرصه، وهي نظرة قاصرة تتغافل قوة المنافسين الذين ينبغي لباريس تخطيهم لتحقيق الإنجاز الأوربي كريال مدريد، بايرن ميونخ، برشلونة، اليوفنتوس، وأندية أخرى بدأت في استعادة توازنها كاليونايتد، السيتي، ليفربول لجانب السيتي.

المثير أن العرض المقدم من باريس يمتد لخمسة أعوام، مما يعني إذا رحل إليهم «نيمار»، فربما يقضي البرازيلي أهم 5 أعوام بعمر لاعبي كرة القدم بأروقة النادي الفرنسي، لا يعود ذلك فقط لأن «الخليفي» لا يترك نجومه يرحلون بسهولة و«فيراتي، ماتويدي، ماركينيوس» شهود على ذلك، ولكن لأن راتب «نيمار» وقيمته حينها ستصل لرقم أكثر جنونًا مما هو معروض اليوم ولن يقدر على تحمل تلك الكلفة سوى بضعة أندية، أو ربما باريس وحدها.

والخلاصة بأن وضع «نيمار» مع «سواريز» الذي ربما لا يمتلك خفة ظل «ألفيش»، ومع «راكيتيتش» غير المشغول بما قد يهتم به «ماركينيوس»، يظل آمنًا ويمنح خيارات أكثر من الانتقال الآن لباريس.


نلقاكم بروسيا

أخبار البرازيلي تتغير بسرعة الصاروخ، فبينما تُنشر أخبار عن إقناع كبار لاعبي الفريق لـ«نيمار» بالبقاء، تخرج أخبار عن بدء استعدادات استقباله بباريس!،

أخبار البرازيلي تتغير بسرعة الصاروخ، فبينما تُنشر أخبار عن إقناع كبار لاعبي الفريق لـ«نيمار» بالبقاء، تخرج أخبار عن بدء استعدادات استقباله بباريس!،

ماذا لو سأل مدرب منتخبه «تيتي»؟! سيميل الأخير للاستقرار ومواصلة اللعب لبرشلونة حتى المونديال، لكن والده سيكون له رأيٌ مغاير وله أصداء أكبر، أما الكوميدي والدرامي بآن واحد هو اكتشاف السبب الوحيد القادر على تغيير هذه المعادلة، وهو أن يضخ الكتلان مزيدًا من الأموال للوالد ليكف قليلًا عن رحلاته المكوكية بين البرازيل وفرنسا وأمريكا.

لكن الوالد لن يكف، فحتى لو استمر ابنه هذا الموسم الذي سيحرص فيه على تقديم أداء أفضل وكسر أرقامه سواء التهديفية أو تلك الخاصة بمشاهدات اليوتيوب، فربما نرى الوالد يجلس بجانب مندوب باريس بملاعب روسيا ينتظر وصول البرازيل لنصف النهائي لتكون إشارة جديدة لبدء حلقة جديدة من مسلسل التفاوض.

وأيًا ما كانت النتيجة، هناك حقيقة واحدة ثابتة، وهي أن «نيمار» أوقف برشلونة على قدم وساق بشكل لم يحدث عندما رحل «رونالدينهو وإيتو»، بل وعندما رحل «جوارديولا» نفسه، ولم يحدث عند تجديد عقد «ميسي»، وباتت كلمة البرازيلي أهم وأقوى من مجلس «بارتوميو» كله، وهي النتيجة الحتمية لسلسلة من القرارات المتسرعة وغير المدروسة بالتعامل معه من البداية، انتصر البرازيلي بمعركة تسيير الأمور فقط وفقًا لهواه حتى لو كلفته لاحقًا مسيرته كلها؛ أليس «روبينيو» هو مثله الأعلى؟