حلم الطفل «يايا توريه» الذي تحول إلى حقيقة

هكذا أجاب «يايا توريه» على أحد الصحفيين حينما كان لاعبًا في السابعة عشر من عمره في أكاديمية «ميموسيفكوم» في ساحل العاج والتي كانت تخضع تحت إشراف المدرب الفرنسي المغمور جيان مارك غيو.

جيان الذي قال عنه يايا توريه إنه كلمة السر وصاحب الفضل في كل شيء بعد كرم الله الذي لم ينقطع عنه منذ أن كان طفلًا أفريقيًا فقيرًا لم تنقطع دعواته عن السماء ليحظى بمسيرة كروية مميزة تناسب موهبته التي رآها الجميع كبيرة وكبيرة للغاية منذ أن كان لاعبًا في الأكاديمية الإيفوارية مرورًا بنادي بيفرين البلجيكي، أولمبياكوس اليوناني، موناكو الفرنسي ثم الوصول إلى قمة المجد عند التحاقه بالبلوجرانا الإسباني.

تحول مثير

تصريحات «جيان مارك غيو» مكتشف «يايا توريه».

جيان مارك غيو هو لاعب فرنسي سابق لم يحقق شهرة واسعة في كرة القدم الفرنسية، لكنه بدأ في رسم معالم طريقه التدريبي بوضوح بعد قيادة نادي كان الفرنسي عام 1983، وكان معاونه حينها هو الفرنسي الآخر أرسين فينجر، ويبدو أن اختيارهما لبعضهما البعض كان موفقًا إذ أن كليهما يهتم بالبحث والتنقيب عن المواهب الصغيرة في كافة أرجاء العالم.

انطلق مارك غيو للإشراف على الأكاديميات الرياضية في إفريقيا وخاصة في ساحل العاج، فاكتشف الأخوين حبيب كولو ويايا توريه، أرونا دينداني، باكاري كونيه، جيرفينيو، زاكورا وإيبويه، ساحل العاج تدين بالفضل لذلك الرجل لاكتشاف جيلها الذهبي بالتأكيد.

يستطرد غيو حديثه ليقول إنه حين رأى يايا توريه يتحكم بالكرة بهذه القدرة ثم التمرير بنفس الثقة والبساطة التي يتحكم بها بالكرة قال إن بإمكان هذه الجوهرة الإفريقية الفوز بالكرة الذهبية يومًا ما، وأن مكانه ليس إفريقيا بالطبع.

صدقت نبوءة غيو ولم يستمر توريه في ساحل العاج سوى بضعة شهور بعد انضمامه للأكاديمية وانضم بعدها في عام 1999 إلى نادي بيفرين البلجيكي وهو في السابعة عشر من عمره رفقة خمسة شباب آخرين من الأكاديمية ذاتها التي يُشرف عليها مارك غيو.

أوروبا وكرة القدم الحقيقية

«يوهان فان رومست» زميل «يايا توريه» في نادي «بيفرين» البلجيكي.

يقول يايا توريه إنه كان يشعر بالطبع بنمط جيد ومختلف للحياة، أكل نظيف، شوارع متميزة، ولكن كان هناك حنين دائم إلى عائلاتنا فكنا نبكي جميعًا، كنت فقط أريد رؤية أمي ووالدي وأخي وأختي لبضع دقائق فقط لاغير، طعام أمه والأطباق الخاصة التي كانت تجهزها له كانت لا تفارق ذهنه في عامه الأول في أوروبا.

كان يايا توريه أول من وقع عليه الاختيار من أكاديمية غيو إلى نادي بيفرين البلجيكي، وكذلك أول من رحل عن النادي من رفقائه الخمس بعد موسمين ونصف في بلجيكا مقابل مليوني يورو إلى نادي ميتالورغ دونيتسك الأوكراني في ديسمبر/كانون الأول من عام 2003، وفي غضون أربع سنوات كان الشاب الإيفواري قد لعب لثلاثة أندية مختلفة، فبعد النادي الأوكراني انتقل إلى أولمبياكوس اليوناني ومنه إلى موناكو الفرنسي.

كتالونيا لا تفارق الخيال

قضى «يايا توريه» في اليونان واحدًا من أفضل مواسمه، موسم 2005/2006، ونجح أولمبياكوس معه ومع ريفالدو في الفوز على ريال مدريد في دوري أبطال أوروبا في هذا الموسم، قال له ريفالدو حينها إن لاعبًا بموهبته لابد وأن يلعب في برشلونة، فلم يصدقه يايا وقال له: «حقًا؟ هل ترى فعلًا أني جدير بذلك؟».

انتقل الشاب الإيفواري بعد هذا الموسم الرائع إلى نادي موناكو الفرنسي في موسم 2006/2007 ليحقق مع نادي الإمارة الفرنسية مستوى وأرقامًا مميزة ويسجل معهم خمسة أهداف في 28 مشاركة رسمية، حتى أتى له وكيله «ديمتري سيلوك» ذات ليلة ويخبره بالخبر الأهم في حياته والذي طالما حلم به منذ الصغر. نعم، كتالونيا في انتظارك يا يايا.

أرض الأحلام

يايا توريه يحكي

عن تفاصيل المكالمة الهاتفية مع زوجته بعد عرض برشلونة.

حقق الطفل الإفريقي حلم حياته بالانضمام لأحد أعظم أندية العالم، النادي الذي لم يفارق أحلامه في الصغر وداعب طموحات شبابه حين أتى لأوروبا في أول مرة تاركًا أسرته وعائلته وأصدقائه. يقول توريه إنه ظل لعدة أيام لا يصدق ماذا يحدث حين نزل التمرين مع نجوم النادي الكتالوني لأول مرة في حياته.

صحيح وأن وصول يايا توريه إلى برشلونة لم يحدث في الوقت المناسب، إذ أنه حضر إلى كتالونيا في الموسم الأخير لفرانك ريكارد مع برشلونة وقد كان موسمًا عصيبًا على كل جمهور كتالونيا، لكن بمجرد بدء موسم 2008-2009 كان نجم ليونيل ميسي قد بدأ في البزوغ وكذلك كان النجم الكاميروني صامويل إيتو في أفضل حالاته الفنية وتيري هنري قد أتى لتوه من العاصمة اللندنية مُحمّلاً بخبرات عميقة.

كل تلك العوامل قد اتحدت مع عبقرية المدرب الإسباني بيب جوارديولا فقدّم برشلونة موسم السداسية التاريخي والذي أبهر العالم أجمع، كرة متكاملة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ. وبالرغم من توتر علاقة النجم الإيفواري ببيب جوارديولا إلا أن موهبته قد حجزت له مكانًا أساسيًا مع برشلونة في تلك الفترة حاله حال النجم الكاميروني صامويل إيتو.

ولكن تلك التوترات لم يتحملها بيب أو يايا توريه ذاته فرحل إيتو إلى إنتر مورينيو ورحل توريه إلى مانشستر سيتي في عام 2010 بعد أن حقق كل البطولات الممكنة مع برشلونة في موسم 2008-2009 الاستثنائي. ذلك التوتر المزعوم قد نفاه يايا توريه لاحقًا وقال إنه رحل بسبب صعود العديد من اللاعبين الشباب للفريق الأول ولكن إيتو أصرّ على رواية الخلافات بين اللاعب الإيفواري وبيب.

لعل أبرز تلك البطولات بالنسبة ليايا كانت نهائي روما عام 2009 أمام أبناء فيرجسون، والذي قدّم فيه توريه مستوى خرافي بالرغم من بطء حركته النسبي كما صرح ريان جيجز حينها. على طائرة برشلونة المتجهة إلى روما قبل نهائي 2009 الشهير طلب يايا من لابورتا رئيس نادي برشلونة أن يصطحب الكأس إلى بلاده إذا فاز بها برشلونة لكي يراها والداه وعائلته، وشعب ساحل العاج بأكمله لكي يفخروا بابنهم الذي لم ينساهم يومًا ما.

وبالفعل حقق لاعبو برشلونة اللقب واصطحب يايا توريه الكأس إلى العاصمة الايفوارية أبيدجان للاحتفال مع أبناء بلده، بالطبع كان احتفالًا خاصًا.