شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 52 مع تحرك الحكومة الفرنسية قدمًا لإقرار إصلاحات بقانون العمل الفرنسي – عرفت إعلاميًا باسم «قانون الخومري» – اندلعت مظاهرات قُدر المشاركون فيها بعشرات الآلاف، شملت طلابًا وعاملين من أحزاب يسارية إضافة إلى بعض الاتحادات العمالية لرفض هذه الإصلاحات. هذا وقد تحولت التظاهرات إلى اشتباكات مع قوات الأمن التي ألقت القبض على عشرات منهم، حيث أدت التظاهرات إلى نقصٍ حادٍ في الوقود ومصادر الطاقة بعد إغلاق المتظاهرين لمحطات بترول وإحدى محطات الطاقة النووية مما استدعى الحكومة الفرنسية إلى اللجوء إلى احتياطيها الإستراتيجي من الموارد البترولية. يُذكر أن حركة يسارية جديدة تطلق على نفسها «النهوض ليلًا» La Nuit Debout تقود وتدفع هذه التظاهرات. ما الهدف من تلك الإصلاحات ومن المحرك؟ تهدف الإصلاحات محل الجدل بالأساس إلى السيطرة على معدلات البطالة التي تقترب من ال 10 % منذ ما يزيد عن عقد من الزمان، والتي ترتفع في الفئة العمرية 18: 25 إلى 24 % وذلك عن طريق تخفيف القواعد المتعلقة المنظِمة لتشغيل الفرنسيين، وقد شمل ذلك السماح بتجاوز عدد ساعات العمل الأسبوعية لحاجز ال 35 ساعة، إضافة إلى الحد من القيود المفروضة على الهيئات والشركات في حال رغبتها في الاستغناء عن بعض عامليها في أوقات الأزمات الاقتصادية، كما أنه يضعف من سلطات الاتحادات العمالية في الإشراف على بيئة العمل.ترى الحكومة أن هذه الإصلاحات سوف تدفع معدلات التشغيل قدمًا، حيث تتوقع أنه بعد إقرارها ستوفر شركات القطاع الخاص عقودًا طويلة الأمد نسبيًا للعاملين بدلًا من تلك قصيرة الأمد، بحيث تنهي اللا مساواة بين عدد قليل يحصل على عقود عمل مدى الحياة وآمنة للغاية مقابل أغلبية تعاني من عدم توافر الحد الأدنى من الاستقرار في تعاقداتها.وفقًا لآخر استطلاعات الرأي فإن غالبية الفرنسيين تؤيد إصلاح قانون العمل الفرنسي إلا أن 70 % منهم يرفض الطريقة التي تتبناها الحكومة الفرنسية للقيام بهذه الإصلاحات.ربما يكون غريبًا أن يقدم حزب يساري على هذه الإصلاحات الضخمة لكن يعتبر الحزب الاشتراكي الفرنسي من أحزاب اليسار الوسط كما يبدو أن الحزب ليس على قلب رجل واحد فيما يتعلق بهذه الإصلاحات، حيث تم تمريرها بالجمعية الوطنية الفرنسية «الغرفة الدنيا بالبرلمان الفرنسي» دون تصويت، مما يشير إلى وجود انقسام داخل حزب الاغلبية الحاكم. هذا وقد حاول رئيس الوزراء الفرنسي احتواء التظاهرات الغاضبة بقوله أنه بالإمكان إدخال بعض التعديلات على الإصلاحات المقترحة إلا أن ذلك لم يُستقبل بالتَرحاب من المتظاهرين. توقيت التظاهرات وآثرها على الداخل الفرنسي يبدو أن توقيت هذه التظاهرات سيء للغاية، سواءً على الصعيد الفرنسي الداخلي أو على الصعيد الأوربي. فعلى الصعيد الداخلي يأمل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في أن يفوز بفترة انتخابية جديدة حيث تقعد الانتخابات الفرنسية العام القادم، إلا أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن حظوظه ضعيفة للغاية كما أن الإصلاحات المطروحة أحدثت انشقاقًا داخل حزبه ما بين مؤيد للإصلاحات ومعارض لها. كما أن منافسته اللدود – مارين لوبن، قائدة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف – لن تتوانى عن استخدام القانون لرفع أسهمها وحظوظها في الانتخابات القادمة. أثر الاحتجاجات على الاتحاد الأوربي تُضعف الإصلاحات الجديدة سلطات الاتحادات العمالية وقدرتها على الإشراف على بيئة العمل من ناحية، وتحد من القيود المفروضة فيما يتعلق بالاستغناء عن العمال. على الصعيد الأوربي تأتي هذه الاحتاجات قبل حوالي شهر من الاستفتاء البريطاني حول البقاء في الاتحاد الأوربي أو الخروج منه، لذا فمن المحتمل أن توظف الحملة المؤيدة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي الأحداث الفرنسية الأخيرة لصالحها بحيث تتهم الاتحاد الأوربي بأنه من فرض هذه الإصلاحات على فرنسا. بينما يراقب كلٌ من المفوضية الأوربية وألمانيا – طالما دفعوا باتجاه تبني إصلاحات هيكلية فرنسية – الموقف في فرنسا بعين قلقة، حيث يواجه الرئيس الفرنسي موقفًا قد يكون قريبًا من احتجاجات 1995 أو ربما أحداث شغب باريس 2005، مما يعني أن احتمالية تراجعه عن إصلاحاته أمر وارد، وما يعنيه ذلك من تحول دولة بحجم فرنسا هي الأخرى لنقطة ضعف بهيكل الاتحاد.إلا أنه من الخطأ التوهم بوجود تطابق بين حالتي فرنسا واليونان، فالاحتجاجات الفرنسية ليست ضد إجراءات تقشفية كما أن حركة النهوض ليلًا حاولت الاقتداء بحزب سيريزا اليوناني وعمدت إلى احتلال ميدان رئيسي بباريس مارس الماضي، إلا أن ذلك لم يفلح في جذب الفرنسيين. لذا فمن المنتظر أن يكون اليمين هو المستفيد الأول من الأحداث وليس اليسار الراديكالي.الجدير بالذكر أنه بعد الأزمة المالية العالمية كانت فرنسا قد أحجمت عن القيام بأي إصلاحات هيكلية اقتصادية، كما أنها لم تعمد إلى تقليص نفقاتها العامة اقتداءً بباقي دول جنوب أوربا، مما جعل الإنفاق الفرنسي العام الأكبر في منطقة اليورو. كما أن الثقافة السياسية الفرنسية بصفة عامة ثقافة مشاركة Participant political culture تسمح بسرعة التعبئة والحشد للتعبير عن رفض أي قرار يمس حياة المواطنين.ختاما، إن الأحداث الأخيرة قد عكست انقسامًا حادًا باليسار الأوربي، بين يسار يدرك أهمية الإصلاح والتجديد والمضي قدمًا نحو سياسات قادرة على أن تساير متطلبات هذا العصر وإن جاء ذلك على حساب بعض المبادئ اليسارية التي عفى عليها الزمن، وبين يسار راديكالي يتشدق بالشعارات اليسارية التقليدية حتى وإن كانت نتيجة ذلك معدل بطالة يتجاوز ال 10 %. قد يعجبك أيضاً كيف تستفيد «النهضة» من الأزمات الداخلية في تونس؟ الاستيطان في القدس إخوان موريتانيا وهندسة الديمقراطية الداخلية التنازلات التي قدمها أوباما للإيرانيين لإتمام الاتفاق النووي شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram أحمد الهاشمي Follow Author المقالة السابقة أن يصدر الملك أمرًا بمنع عمائم إيران من الحج المقالة التالية كيمياء السياسة: عندما يختلط زيت إيران بماء «السلفية الجهادية» قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك استدامة الشبكات الإقليمية في الفضاء الأورومتوسطي 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك العنف الطائفي في الهند: الجذور التاريخية والواقع الحالي 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «حمائية» ترامب: الطريق إلى حرب تجارية قادمة 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك حكاية عباس: 11 سنة من «السلطة» 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك حان وقت التفاوض في أفغانستان 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك لقاء تاريخي لزعيمين لا يملكان الحل 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فورين أفيرز: تورط بوتين في سوريا.. واستفادة أوباما 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الطريق إلى الهاوية: التطرف السياسي وصناعة مأساة الهند 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الثورة الساذجة: هل كان القذافي مجنونًا أم ثائرًا؟ 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك حركة الجهاد الإسلامي: مسيرة المقاومة ومحاولات التطويع 01/03/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.