دخل المعتقلون الإسلاميون بعدد من السجون اللبنانية -بينها سجن رومية سيئ السمعة- في إضراب عن الطعام في 13 مايو/آيار الجاري، بالتزامن مع وقفات وتظاهرات احتجاجية نظمها ذووهم والمتعاطفون مع قضيتهم، للمطالبة بسرعة إصدار قانون العفو العام الذي وُعِدوا به وعدة مطالب أخرى.

الإضراب الذي عُلِّق بعدها بأسبوع، للسماح للقيادة السياسية والدينية السنية بتنفيذ وعودها وتلبية مطالب الموقوفين، كان تعبيرًا عن تملك الغضب واليأس من نفوس المعتقلين الإسلاميين وذويهم، بعد سنوات من تجاهل معاناتهم بسبب الأجواء الطائفية في لبنان.


أصول القضية

تعود أصول قضية المعتقلين الإسلاميين في لبنان إلى

أحداث منطقة الضنية

التي وقعت في مطلع الألفية الجارية، والتي اُعْتُقِل على خلفيتها عشرات الإسلاميين. ثم تزايدت هذه التوقيفات عقب نشوء حركة «

فتح الإسلام»

ذات التوجه السلفي الجهادي، واشتباكها مع الجيش اللبناني في مخيم نهر البارد في عام 2007.

تصاعدت عملية توقيف الإسلاميين في لبنان، بعد اندلاع الثورة السورية في العام 2011، وظهور تنظيمات «داعش» و«النصرة» التي نجحت في جذب الإسلاميين الراديكاليين اللبنانيين إلى صفوفها. ويتجاوز عدد الموقوفين في لبنان بتهم الانتماء إلى «داعش» أو «النصرة» 500 شخص حتى منتصف العام الماضي.

كما تم اعتقال العشرات أيضًا على خلفية

أحداث التبانة

التي وقعت في مايو/آيار 2012، بين سكان جبل محسن (العلويين) وباب التبانة (السنة)، وأحداث

عبرا

الدامية التي وقعت في صيدا جنوبي لبنان، في صيف العام 2013، بين جماعة أحمد الأسير والجيش اللبناني،

وأحداث عرسال

في أغسطس/آب 2014، وهي أحداث اُعتبرت جميعها امتدادًا للحرب الدائرة في الجارة سوريا.

يعاني المعتقلون الإسلاميون في سجون لبنان من المعاملة السيئة وتعرضهم للتعذيب، وهو ما كشفت عنه

مقاطع فيديو

سُرِّبت من سجن رومية سيئ السمعة، ظهر خلالها عناصر من الأمن وهم يقومون بتعذيب سجناء إسلاميين وهم عرايا، وهو أمر لم ينفه وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق، الذي

قال

إن 6 من أفراد الأمن فقط هم من قاموا بالانتهاكات وسيُحَاسَبُون.

وجه آخر للمعاناة يتمثل في عدم وجود حد أقصى لمدة التوقيف الاحتياطي على ذمة جرائم الإرهاب، ما يجعل المعتقلين الإسلاميين عرضة للحبس لسنوات دون البت في قضاياهم بشكل نهائي، وهو ما حدث بالفعل في قضية «فتح الإسلام»، حيث صدرت أحكام بالبراءة لشابين بعد 7 سنوات من التوقيف.


ويشتكي

أهالي الموقوفين الإسلاميين من تعرضهم لإهانات من رجال الأمن، ومن اضطرارهم إلى دفع رشاوى لتسيير أمور ذويهم المحبوسين وارتفاع المصاريف داخل السجن.


مطالب ومخاوف

يطالب المعتقلون وذووهم الدولة اللبنانية بسرعة إصدار قانون عفو عام لا يستثني أحدًا، ومطالب أخرى بينها تسهيل عمل المحاكم، وتسريع إخلاءات السبيل، خاصة لذوي الحالات الصحية وكبار السن، وتحسين أوضاع السجون الرديئة والمكتظة (يوجد بسجن رومية حوالي 5 آلاف سجين، بينما أقيم ليتسع لـ1500 فقط).

ويخشى الموقوفون الإسلاميون أن يُسْتَثْنَوا كليًا أو جزئيًا من العفو العام، في ظل

أحاديث

عن سعي حزب الله إلى إقرار قانون عفو يشمل المطلوبين في مناطق البقاع -الخزان الشعبي للحزب- فقط، بعد تحركات أهالي بعلبك والهرمل للمطالبة بإلغاء عشرات الآلاف من مذكرات التوقيف، خاصة المتعلق منها بجرائم زراعة المخدرات والاتجار بها، والتي تجاوز عددها الـ35 ألف مذكرة.

النقطة الأخيرة خصوصا كانت الدافع الأساسي لتنظيم السجناء إضرابًا عن الطعام، قطبوا خلاله أفواههم، وامتنعوا عن تسلم وجباتهم الغذائية، ورفضوا حضور جلسات محاكمتهم، وذلك بالتزامن مع مظاهرات خرجت في أنحاء متفرقة من مدينة طرابلس دعمًا لهم.


ملف طرابلسي سني



يعاني المعتقلون الإسلاميون في سجون لبنان من المعاملة السيئة وتعرضهم للتعذيب، وهو ما كشفت عنه مقاطع فيديو سُرِّبت من سجن رومية سيئ السمعة



القيادة الدينية السنية في لبنان، وعلى رأسها مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، أعلنوا في العديد من المواقف دعمهم غير المشروط للموقوفين الإسلاميين.


يفضل

البعض الاستبدال بتسمية «المعتقلين الإسلاميين» ملف الطرابلسيين، إشارة إلى النسبة الكبيرة من التوقيفات التي تنال أبناء المدينة ذات الأغلبية السنية. ويُقر السياسيون الطرابلسيون بأهمية هذا الملف في تشكيل الرأي العام الشمالي.

لا يولي أبناء المدينة اهتمامًا بلعبة التوازنات السياسية والطائفية التي يجب أن يمر بها قانون العفو قبل خروجه إلى النور، ويلقون باللوم على ممثل السنة «تيار المستقبل» الذي يعتبرونه مساهمًا في الإجحاف بحقوق الموقوفين الإسلاميين، كما ينتقدون رئيس التيار والحكومة السني سعد الحريري، الذي لم ينفذ وعده بإصدار قانون العفو العام.

القيادة الدينية السنية في لبنان، وعلى رأسها مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، أعلنوا في العديد من المواقف دعمهم غير المشروط للموقوفين الإسلاميين، ففي أحدث تصريحاته حول الملف قال دريان: «مطالبكم مطالب محقة، ونحن ملتزمون التزامًا دينيًّا وأخلاقيًّا وإنسانيًّا بالدفاع عن المظلومين. نطالب بقانون للعفو العام شامل كلّ القضايا، ولا يجوز أن يكون فيه استثناء موقوف دون آخر».

كما تتولى القيادة الدينية عملية التنسيق مع القيادة السياسية من أجل إنهاء ملف المعتقلين الإسلاميين، وهو ما ظهر جليًا في الإضراب الأخير، حيث أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق، من منصة دار الفتوى، أنّ الرئيس الحريري والمفتي دريان ملتزمان بإقرار العفو العام، وقال أيضًا إنّ الرئيس الحريري والمفتي طلبا منه إبلاغ الأهالي التزامهما كل جهد للوصول إلى عفو عام يحقق العدالة ويرفع الظلم.

دفعت تصريحات المشنوق وتعهدات القيادتين، السياسية والدينية، السجناء الإسلاميين المضربين عن الطعام إلى إعلان تعليق إضرابهم خلال شهر رمضان، في انتظار حدوث جديد في قضيتهم، مع التأكيد أنهم سيعودون إلى الإضراب مجددًا إذا لم تنفذ مطالبهم.