عنوان صادم بالطبع، أليس كذلك؟

لعلك تتساءل الآن؛ كيف يمكن لبعض اللاعبين الذين يحترفون الرياضة الأكثر الشعبية حول العالم أن يكرهوها؟ بل أن يصرحوا بذلك علانية في أكثر من مناسبة؟ هل يوجد شيء أمتع من ممارسة الرياضة أصلًا؟ وهل يوجد رياضة تضاهي كرة القدم في الإثارة والندية؟

نحن نسأل كل تلك الأسئلة لأننا مشجعون متيّمون بكرة القدم. فكلنا يشجع الأندية المحلية والأوروبية، وينتظر مباراة فريقه الأسبوعية بلهفة، ويتابع سوق الانتقالات ليعرف من سيدافع عن ألوان ناديه. وكلنا أيضًا يحب أن ينتصر فريقه على الخصم اللدود، خصوصًا عندما يكون صديقك أو زميل عملك من أنصار ذلك الخصم. هذه هي أجواء الإثارة والمتعة التي توفرها لنا اللعبة كمشجعين، وبالتالي ينصب تفكيرنا على تلك الجوانب، ونهمل في المقابل جوانب أخرى.

وأغلب هذه الجوانب الأخرى تندرج تحت حقيقة واحدة. وهي أن كرة القدم لم تعد رياضة وحسب، بل تحوّلت لصناعة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. صناعة يستثمر فيها كبار رجال الأعمال والشركات بل حكومات دول، وتجتذب الصحافة والإعلام على مدى الموسم، كما يعمل بها آلاف البشر في الاتحادات والأندية المختلفة.

بهذه النظرة، يمكن اعتبار لاعبي الكرة موظفين لدى الأندية. فكل لاعب مقيّد بعقد لعدد من السنوات، ينص العقد بالبديهة على مسئولية اللاعب عن خوض التدريبات والمباريات والانصياع لتعليمات المدرب، ويحصل في المقابل على راتب ومكافآت وشهرة وجماهيرية عريضة.

احتراف الكرة إذن وظيفة، بالتأكيد أنا وأنت نراها أكثر متعة من الطب والمحاسبة وهندسة الميكانيكا، لكن غيرنا من اللاعبين الكبار والمشاهير لا يرونها بتلك الأفضلية، وقد ضاقوا بالمناخ الذي يحيط بكرة القدم حتى أعلنوا عن ذلك صراحة.


1. غابرييل عمر باتيستوتا

غابرييل باتيستونا

المهاجم الأرجنتيني غابرييل باتيستوتا

من الصعب التصديق أن مهاجمًا كـ«باتيستوتا» يكره كرة القدم! مهاجم أحرز 354 هدفًا بمسيرته، وكان يحتفل بكل هدف بذلك الشكل الصاخب، فعشقه كل محبي التانجو الأرجنتيني، وتعلق به مواليد الثمانينيات والتسعينيات خصوصًا روّاد بلاي ستيشن 1 منهم، كيف لي أن أصدق أن مهاجمًا كهذا لم يكن يحب الكرة. إذا كان «باتي جول» يكره الكرة، فمن أصلًا يحبها؟

صدق أو لا تصدق؛

هذا التصريح

ليس إلا كلامًا على لسان باتيستوتا خلال مقابلة مع التلفزيون الأرجنتيني!

لكن الأغرب من ذلك التصريح هو ما ينقله

«أليساندرو ريالتي» كاتب السيرة الذاتية

للمهاجم الأرجنتيني، إذ يقول إنه اجتمع مع غابرييل لمدة خمسة أيام كاملة، تحدث فيها ذلك الأخير بشغف عن أسرته وحياته في الأرجنتين، لكن بمجرد أن انتقل الحديث لكرة القدم تغيّرت الحالة المزاجية لمهاجم الألبيسيليستي وطلب من أليساندرو مراجعة السجلات والشرائط ثم انصرف.

كان ريالتي يعلم أن باتيستوتا لا يحب أن تطغى كرة القدم على بقية حياته، ويفضل أن ينعزل عنها بمجرد خروجه من أرضية الملعب، لكنه لم يكن يتصور أن هدّاف الكالتشيو سيكون بذلك القدر من التحفظ عند التعرض لمسيرته.

أُثير الأمر مجددًا العام الماضي خلال

حوار لباتيستوتا مع موقع الفيفا

، حيث أكد أن التصريح المذكور قد جاء بالفعل على لسانه، لكنه أزال كثيرًا من الغموض شارحًا لماذا لا يحب الكرة.

يقول غابرييل إنه تعرض لضغوطات عنيفة خلال مسيرته في إيطاليا، إذ كان يخوض تدريبات بدنية شاقة، وتحاصره الطموحات الجماهيرية في كل موسم، بالإضافة إلى التنافس الشرس الذي اتسم به الكالتشيو خلال تلك الحقبة، وقبل كل ذلك تطارده الصحافة في كل مكان بأسئلة عن أي شيء، بداية من التكتيك وقوة الخصوم وحتى رأيه في الطعام الإيطالي.

لا يحب باتيستوتا ذلك الجانب من كرة القدم. الجانب المتعلق بالضغط الجماهيري، وبأسئلة الصحافة التي لا تتوقف، والجدال الدائم مع الخصوم. غير أنه عبر في اللقاء ذاته عن محبته للعبة نفسها، وبتسجيل الأهداف، وبالاحتفالات الصاخبة بالطبع.


2. إسبن بوردسين

هل يمكنك تصوّر لاعب يعتزل بإرادته وهو في التاسعة والعشرين من عمره؟ أو ربما السابعة والعشرين؟ إن كان يصعب عليك تخيل الأمر، فدعني أقدم لك «إسبن بوردسين» حارس توتنهام النرويجي الذي اعتزل وهو في الخامسة والعشرين!

* لماذا قررت اعتزال الكرة؟

** مللت منها!

بهذه البساطة يجيب إسبن خلال حواره مع

شبكة ذا أوبسيرفر

. لقد ملّ من الرياضة التي يراها الملايين حول العالم الأمتع والأكثر ندية. لكن هل يتعلق الأمر فقط بالملل؟ يشرح بوردسين بأن الضغط الذي عانى منه خلال مسيرته القصيرة كان الدافع الأهم لتعليق قفازه.

حيث لعب بوردسين في صفوف توتنهام لخمسة مواسم، ظهر خلالها في 22 مباراة فقط، وكان يتحصل على أجر جيد. لكن مدرب السبيرز آنذاك «جورج جراهام» لم يقتنع بإمكانياته، فتم بيعه لنادي واتفورد صيف عام 2000.

ودع إسبن أسرته وأصدقاءه، وانتقل من مسكنه للإقامة في فنادق واتفورد بحثًا عن فرصة لإثبات ذاته، لكنه اصطدم في أيامه الأولى بتسريب أخبار للصحافة عن أجره الذي يزيد عن أغلب زملائه، وهو الأمر الذي أثقل كاهله بالضغوط، خصوصًا بعد مباراته الأولى التي شهدت حضور 40 ألفًا من جمهور النادي الإنجليزي.

لم يكن بوردسين حارسًا مميزًا، وسرعان ما بدأت الجماهير بمهاجمته ودفعت الإدارة للتخلص منه، وبالفعل عرضوا عليه فكرة الإعارة لنادي إيفرتون ثم إلى شيفلد يونايتد، في تلك الأثناء خطر على بال النرويجي أمر آخر سيغير حياته تمامًا. فكر إسبن بأنه حقق أمنيته باللعب في البريمرليج، وشارك بالفعل ضمن قائمة النرويج بكأس العالم، فلماذا لا يتوقف عن لعب الكرة بعدما نال كل ما يريد، خاصة أنه لم يعد يتحصل على راتب كافٍ؟

أبلغ إسبن الإدارة برغبته، وتم فسخ التعاقد، وظل السؤال عالقًا: ماذا سيعمل الشاب صاحب الـ 25 بعدما ترك الكرة؟

كان بوردسين يريد أن يتولى زمام حياته، ولا يترك الظروف تتحكم فيها، فأقدم على رحلة حول العالم لاكتشاف ذاته استمرت لمدة 18 شهرًا، وعاد بعدها وأولوياته واضحة تمامًا، يريد العمل بالموارد المالية! لطالما كان شغوفًا بالتعاملات المالية، وقراءة مجلات المال والاستثمار خلال المعسكرات الرياضية، فقرر أن يبحث عن وظيفة بهذا المجال، وجاءت الفرصة سريعًا من شركة Eclectica.

واليوم يتولى بوردسين منصبًا رفيعًا في الشركة نفسها، ويقول في لقاءاته الصحفية إنه سعيد جدًا بقرار اعتزاله، فهو الآن أكثر استقرارًا، وأقل توترًا، ويعيش حياة صحية جدًا، والأهم من كل ذلك هو أنه أكثر ثقة في ذاته بعد أن وجد المجال الذي يتميز فيه فعلًا.


3. داني ألفيش

لا يشك أحد أن الظهير البرازيلي «داني ألفيش» يمتلك واحدة من أنجح المسيرات الكروية، خصوصًا على مستوى اللاعبين اللاتينيين. دعك من أنه يحتل المركز الثاني بقائمة أكثر اللاعبين غير الإسبان الذين دافعوا عن قميص برشلونة بعد «ليونيل ميسي»، ولكن طالع سجل البطولات التي فاز بها لتجد أنه حصد 40 بطولة، سواء مع منتخب السليساو أو الأندية التي لعب لها.

يمتاز ألفيش أيضًا بروحه المرحة التي تظهر بوضوح أثناء احتفالاته، وفي مزاحه مع زملائه، وتفاعله مع الجماهير. حتى عندما تعرض لهتافات وأفعال عنصرية، تمكن في لمح البصر من تحويل الأمر لموقف كوميدي ظل عالقًا في الأذهان.

لأكثر من عشر سنوات في ملاعب أوروبا كان ألفيش يركض، أو يضحك، أو يغني، ولم يبدُ عليه أبدًا أمارات الضيق من أي شيء. لذا فإن وجوده بتلك القائمة يعد أمرًا غريبًا. نعم، هو كذلك. غير أن تصريحاته التي نقلتها

شبكة الديلي ميل

عام 2015 تقودنا لاستنتاج آخر.

بالطبع لا يكره ألفيش الكرة كلعبة، لكنه يكره العالم الذي يحيط بها، هذا العالم الذي صار أسرع وأكثر ضغطًا من اللازم، حتى أن خطأ واحدًا على أرض الملعب أصبح كفيلًا بعرقلة مسيرة ناجحة للاعب جيد.

يكره ألفيش كرة القدم الحديثة المليئة -بحسب وصفه- بالأكاذيب والصراعات الفارغة، فالكل مشغول بإعلاء مصلحته حتى لو كان ذلك على حساب حقوق الآخرين، كما يشير إلى تغوّل الإعلام بشكل غير مسبوق في أدق التفاصيل التي تخص حياته وملبسه وعلاقاته.

في مارس/أذار 2016 وخلال لقاء مع

صحيفة الجارديان

، عاد ألفيش مرة أخرى ليفاجئنا بتصريحاته، إذ عبر عن كراهيته للشهرة التي وضعت حياته كلها تحت عدسة المجهر، فقيدت حركته وتسببت له ببعض المشكلات، الأمر الذي دفعه ليتخذ قرار الابتعاد تمامًا عن الكرة بعد الاعتزال، والاتجاه نحو السفر حول العالم أو العودة للحياة البسيطة في البرازيل حيث كان أكثر سعادة من مطاردة البطولات في أوروبا.

الملفت أن هذه التصريحات جاءت في وقت توترت فيه العلاقة بين ألفيش وبين إدارة برشلونة، وقد سبقت رحيله مباشرة عن قلعة الكامب نو. هذا الرحيل الذي وصفه داني بالمهين لمسيرته مع النادي الكتالوني.


4. كريستيان فييري

أنا لا أحب الكرة، هي فقط وظيفتي.

*كريستيان، هل يمكنك أن تخبرنا من هو مثلك الأعلى؟

**نعم. إنه ألان بوردر.

*من؟

**ألان بوردر. ألا تعرفونه؟إنه بطل أستراليا!

*في أي نادي يلعب السيد بوردر؟

**ليس لاعب كرة قدم، إنه يلعب الكريكيت.

دار

هذا الحوار

بين صحفي فرنسي وبين مهاجم منتخب إيطاليا «كريستيان فييري» خلال مونديال 1998، كان الصحفي يتوقع أن يذكر له فييري اسمًا كـ«باولو روسي، أو ميشيل بلاتيني، أو سكيلاتشي»، لكن مهاجم يوفنتوس وإنتر السابق ذكر اسم بطل الكريكيت الأسترالي «بوردر».

والحقيقة أن هذه ليست المرة الوحيدة التي يمنح فيها فييري أفضلية للكريكيت على الكرة، بل سبق

أن صرح

بميوله نحو ممارسة ومشاهدة الكريكت أكثر من أي رياضة أخرى خلال فترتي الطفولة والمراهقة.

بدأ الأمر من أستراليا، حيث نشأ كريستيان بمدينة سيدني وتأثر للغاية بفريق الكريكت الأسترالي ذائع الصيت، فمارس الرياضة وتابع نجومها عن كثب، وحلم أن يصبح يومًا لاعبًا محترفًا مثل ألان بوردر.

لكنه عاد إلى إيطاليا لتنقلب خططه رأسًا على عقب، إذ لم يكن للكريكيت ذلك الحضور وتلك الشعبية كما في أستراليا، مما اضطره لاختبار قدراته في كرة القدم بالرغم أنها لم تكن أولويته، وقد كانت إمكانيات كريستيان الكروية أفضل كثيرًا مما توقع.


تألق فييري في الكالتشيو خصوصًا رفقة إنتر ولاتسيو، وأضحى مهاجم منتخب إيطاليا الأول، إلا أنه برغم تلك المسيرة الناجحة لم ينسَ شغفه الأول، حيث تنقل عنه

صحيفة الجارديان

تصريحًا خلال عام 2003 -وفي أوج تألقه مع النيراتزوري- أكد فيه أن رغبته في أن يصبح لاعب كريكيت محترفًا لازالت موجودة وحاضرة، ولو تم تقديم عرض له يضاهي ما يتحصل عليه من كرة القدم فربما سيفكر جديًا في اعتزال المستطيل الأحضر!