يبدو مشهدًا مصريًّا تسعينياتيًّا مألوفًا للغاية، شاب مكافح من مدينة بسيطة خارج العاصمة يقرر السفر إلى الخارج باحثًا عن فرص ثراء أكبر. يتمكن الشاب من النجاح، ثم يقرر العودة لمصر بصفته رجل أعمال.

تستقبل العاصمة هذا العائد بالكثير من الترحاب بعد هيئته الجديدة، ومع الوقت يصبح من رجال الأعمال المرموقين في البلاد. بعد أن يستقر الأمر تمامًا يأخذه الحنين إلى الجذور، ويؤكد أن هناك أجدع جيران، وهناك أصحاب زمان، كما هو معروف.

يعود الرجل إلى مدينته ويقرر إسعاد أهله، فلا يجد أفضل من كرة القدم. ربما يتكفل بصفقة ما لفريق المدينة، أو يقرر الاستعانة بمدرب أجنبي، فهو يعرف أن الأجانب دومًا على صواب.

وسط تعلق الجميع ومناشدة الأكثرية يقرر الترشح لرئاسة هذا النادي الجماهيري؛ ليكون في منصب المسئولية لا المحب فقط. ينجح الرجل ويكتشف المفاجأة، أن رئاسة أحد الأندية الشعبية صفقة أهم مما كان يتخيل.

هل تخيلت الآن قصة المهندس يحيى الكومي رئيس النادي الإسماعيلي؟ حسنًا فلتمسح كل هذا من ذاكرتك، فهذا الرجل من مواليد محافظة المنوفية، بل إنه لم يزر الإسماعيلية إلا في دوائر المسئولية.

قرر هذا الرجل قديمًا أن يترأس القلعة الصفراء وهو يعرف تحديدًا ما يجنيه، ثم قرر العودة الآن لأنه عرف جيدًا أن كرة القدم حل سحري لكل مشاكله.

يحيى الكومي: رجل أعمال ماركة مبارك


كما يُعرف نفسه

فقد حصل يحيى على بكالوريوس هندسة جيولوجية عام 1976 من طرابلس في ليبيا، ثم عمل بقطاع البترول الليبي لفترة طويلة قبل أن يسافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لعمل دراسات عليا في الهندسة الجيولوجية.

عاد بعد ذلك إلى مصر وعمل في مجال البترول، وأنشأ عددًا من المشاريع، وتعمقت علاقته كثيرًا بطبقة رجال الأعمال السياسيين، والتي كانت تتحكم آنذاك في مصر. أحد أهم هذه العلاقات كان السيد سمير فهمي، الذي كان يملك مكتبًا استشاريًّا تولى من خلاله إعداد الدراسة لمشروع مصفاة بترول أقامها الكومي في العاشر من رمضان عام 1995. ثم امتلك سمير أسهم عضوية تقدر بـ 200 سهم كعضو مجلس إدارة في إحدى شركات الكومي.

عام 1999 تولى وزارة البترول السيد سامح فهمي، الابن الأكبر للسيد سمير فهمي. لك أن تتخيل الآن مدى قوة علاقات يحيى الكومي بعد ذلك، وصولًا لقصة مصنع إسالة الغاز في دمياط، حيث تأخذ القصة منحًى آخر.

ما يهمنا هنا هو أن الرجل خلال فترة وجيزة للغاية اقترب من دوائر صناع القرار، وأحد هؤلاء كان اللواء صبرى العدوي محافظ الإسماعيلية الأسبق، الذي قرر أن يتم تعيين الكومي نائبًا لعبد المنعم عمارة في لجنة قيادة النادي الإسماعيلي. ومن هنا ظهر الكومي للمرة الأولى في الإسماعيلية.

سحر الشهرة: مين ده؟

ربما تبرم صفقة بمليارات الدولارات في أي مجال ولا يعرف عنك أحد. لكن إذا ما استطعت تجديد عقد حسني عبد ربه مقابل مليوني جنيه فلن يتوقف الحديث عنك أبدًا.






يحيى الكومي


هكذا يلخص الرجل ما جعله يقرر الدخول دائرة كرة القدم، كان ما ينقص الرجل في اعتقاده أن يصبح نجم مجتمع ويتردد اسمه في كل الشاشات. لكن الرجل لا يفقه شيئًا عن كرة القدم؛ ولذا كان التعيين منطقيًّا، ثم تعيين آخر، ثم رئاسة النادي.

ورغم كل ذلك لم يكن ملمًّا بتفاصيل كرة القدم، حتى إنه اعترف أنه تعرض في البداية لمحاولات خداع كثيرة فيما يتعلق بالتعاقدات؛ كونه يجهل تلك القواعد بشكل تام.

مع شهرة الرجل أصبح الأمر مربكًا بشكل متزايد. يشبه الأمر الميم الشهير للقرموطي عندما يصافح أحدهم بحرارة، ثم ما يلبث أن يرحل هذا ليستغرب القرموطي ويقول: مين ده؟

في كل مرة يتحدث الكومي، سواء فرحًا بإنجاز أو اعتراضًا على حدث ما، فبمجرد أن ينتهي من الحديث تشعر أن تلك الهالة المفترضة لرجل ذي سلطة ونفوذ ومال تنقشع تمامًا، ويسيطر عليك التعجب: كيف وصل هذا الرجل لكل ما وصل؟

تريد الشهرة؟ تفضل

بعد قيام ثورة يناير ظهرت عدة قضايا فساد تتعلق بالتربح واستغلال المناصب. كان للمهندس الكومي نصيب وافر منها. ظهر الكومي في قضايا الغاز الشهيرة، ثم زجت علاقته الوطيدة بوزير الإسكان الأسبق محمد إبراهيم سليمان به في قضايا استغلال أراضي مملوكة للدولة.

لم يثبت على الكومي شيء، ولأنه قرر وضع نفسه تحت نقطة الضوء، ولأنه لا يمتلك أدنى مقومات ذلك، كانت كل تهمة تنال من الرجل بغض النظر عن الحكم. ناهيك عن سلوكه الشخصي، حيث أثيرت قضية عجيبة تتناول زواجه من طليقة الملياردير السعودي الوليد بن طلال السيدة خلود العنزي.


اتهم الكومي

السيدة خلود بالنصب والحصول على ما قيمته 150 مليون جنيه. أكدت العنزي أنها زوجة الكومي، وأن عقد الزواج هذا تم أمام 20 شخصًا دفعة واحدة. رفض الكومي التأكيد على فكرة الزواج، مؤكدًا أنه تلقى اتصالًا تليفونيًّا من رجل سعودي أكد له أن خلود العنزي زوجته، فكيف يتزوج امرأة متزوجة. حسنًا ما العلاقة التي بمقتضاها نصبت عليه هذه السيدة طبقًا لقوله؟ لم يرد الكومي أبدًا.

حسنًا ما علاقة كل ذلك بكرة القدم. حسنًا تلك هي النقطة التالية.

وداوني بالتي كانت هي الداء

نحن هنا لا نتعرض لسيرة الرجل من باب التسلية، وإنما فقط أشرنا إلى كيفية دخوله عالم كرة القدم، ثم كان لا بد من الإشارة لحياته الشخصية لمحاولة فهم لماذا عاد الكومي إلى مدينة الإسماعيلية.

منذ سنتين لا أكثر، إذا قررت أن تكتب اسم يحيى الكومي في محركات البحث فستجد عشرات النتائج التي تحمل ألفاظًا مثل القبض على وفضيحة الغاز أو ملف الكومي الأسود. حاول أن تفعل ذلك الآن، حسنًا أنت تعرف النتيجة بالطبع. الكومي يجدد عقد عبد الرحمن مجدي، الكومي يقيل حسني عبد ربه، وهكذا.

حسنًا لهذا كان لا بد أن يعود الكومي في محاولته الأخيرة لإزالة هذا الماضي اللعين. لقد وضعته كرة القدم في دائرة الضوء، ولم يرحمه أحد عندما دارت الدائرة وانكشف المستور، والآن لا يملك لكي ينسى الجميع كل ذلك إلا نفس بقعة الضوء، ونفس الحديث، ونفس الطريقة الكلاسيكية التي لا يعرف غيرها.

يتبقى لنا هنا عنصر أخير، ربما جال في خاطرك أن تلوم أهل الإسماعيلية الذين كان لهم القرار في عودة الرجل للمشهد. لكن الأمور هناك لا تسير كما تتوقع أنت إطلاقًا.

أبناء الإسماعيلية

في البداية دعنا نضع قاعدة: لا أحد يفوز في انتخابات النادي الإسماعيلي أمام آل عثمان. أما القاعدة الثانية: فلا أحد يفوز بغير مباركة آل عثمان. أما القاعدة الثالثة فهي: إذا ما قرر آل عثمان الانسحاب من المشهد، فالاختيارات ليست وفيرة ولا مريحة.

لا يمتلك النادي الإسماعيلي ناديًا اجتماعيًّا، ولذا فالجمعية العمومية عددها محدود، والنصاب القانوني عدده صغير للغاية، بل إنه على الأرجح ألف شخص فقط، قد يقررون مصير نادٍ بحجم الإسماعيلي. وفي الانتخابات السابقة قرر آل عثمان الانسحاب دون مباركة أحد أو التحذير من آخر.

كان الكومي خيارًا وحيدًا، وإلا فمن قد يصرف على نادٍ يصارع الهبوط. أدرك الكومي ذلك في المقابل، وبلور الأمر بدعوة التبرع للنادي على وسائل التواصل الاجتماعي وإبراز المبالغ الهزيلة في رسالة واضحة أنه لا أحد سيدفع غيري.


يعلم الكومي أن الأمور ليست كالسابق أبدًا، فالأموال التي سيصرفها تحت النظر والحساب، وفي المقابل لا يملك خيارًا خارج البلاد مثل كامل أبو علي مثلًا. لذا يحاول الرجل تيسير الأمور، وهذا ما أدركه الجمهور أيضًا.

الميزة الأخرى التي وجدها أبناء الإسماعيلية في هذا الرجل أنه قابل للضغط.، يحتاج المنصب ويحتاج التواجد؛ لذا ربما يشتري لاعبًا أو يجدد عقد آخر، وهو ما حدث، لكن على استحياء. عملية تيسير الأمور من أجل بقاء وقت طويل دون مشاكل حقيقية. عقد متوسط للاعب حر أو شيكات مؤجلة للاعب سابق في الأهلي أو الزمالك. وعندما تحدث أزمة سيدفع الحد الأدنى من المال لتجاوز تلك الأزمة فحسب.

هكذا عاد الكومي، وهكذا يمكنك توقع مصير النادي الإسماعيلي في القادم من السنوات.