يختلف رقم العام الذي يتبع التقرير، لكن لا تختلف تقارير «هيومن رايتس ووتش» بخصوص السعودية كثيرًا، ربما تخلفت الظروف والحقائق التي يسردها التقرير من عامٍ لآخر، ولكن تتفق التقارير جميعًا على حقيقة قمع المعارضة، وعدم الاكتراث بالوضع الإنسانيّ للمهاجرين، والعوار القانوني الذي يشوب السلطة القضائية السعودية، وعلى أن «الشريعة الإسلامية» ليست مصدرًا للقانون السعودي بقدر ما هي سيفٌ مقدسٌ تسلطه الحكومة على رقاب من لا تُحب. و

تقرير هذا العام

ليس بِدعًا من التقارير السابقة؛ عرضت فيه المنظمة أبرز مواقف السعودية داخليًا وخارجيًا.


اليمن: خطيئة «ابن سلمان»

المجاعة ، الحرب على اليمن، اليمن، السعودية

اليمنيين واستلام المعونات الغذائية لمواجهة الجوع بسبب الحرب

في عام 2008 غابت السعودية عن توقيع اتفاقية حظر استخدام القنابل العنقودية، ويبدو أن القيادة السعودية كانت من الحكمة لأن تعرف أنها ستضطر إلى استخدام هذا النوع من القنابل المُحرمة. فكما أورد تقرير «هيومن رايتس ووتش» لهذا العام، فقد استخدمت القوات السعودية القنابل العنقودية في 16 هجومًا في اليمن، نفتهم المملكة جميعًا إلا هجومًا واحدًا.

والقنابل العنقودية واحدةٌ ضمن جرائم إنسانية كثيرة ارتكبتها قوات التحالف المُكون من 9 دولٍ تحت قيادة المملكة السعودية منذ بداية حرب اليمن في 26 مارس/آذار 2015. فكما ذكرت «المفوضة السامية للحقوق الإنسان» قُتل 4125 مدنيًا وأُصيب 7207 آخرون، وكانت الغارات الجويّة هي رأس الحربة في إراقة هذه الدماء دون تمييز بين مدني وعسكري.



وثقت «هيومن رايتس ووتش» 58 غارة جوية غير قانونية علي اليمن،قامت دول التحالف بعقد تحقيق بخصوص 8 غارات منها فقط

واستطاعت «هيومن رايتس ووتش» أن تُوثق 58 غارة جوية غير قانونية، استهدفت فيها قوات التحالف مدارس ومستشفيات ومساجد وبيوت وأسواق، مثلما حدث في أكتوبر/تشرين الأول حين استهدفت الغاراتُ مجلسَ عزاء، فقتلت 100 وأصابت ما يفوق الـ 500 إنسان.

كما وثقت المنظمة أيضًا استهداف قوات التحالف لمصانع ومخازن مدنية، ويُعد قصف تلك المواقع المدنية جريمةً من جرائم الحرب، وخرقًا للأعراف والقوانين التي تحاول تنظيم الحروب. وبلغت جريمة السعودية في اليمن ذورتها -بحسب تقرير المنظمة- حين أصبح ما يُقارب الـ 14.4 مليون يمني غير قادرين على تحصيل حاجاتهم الغذائية.

قامت دول التحالف بعقد تحقيق بخصوص 8 غارات فقط نظرًا للتغطية الإعلامية التي حازت عليها تلك الغارات، لكن التحقيق توصل إلى تعويض ضحايا هجومٍ واحد فقط. أما الهجوم على المستشفى التابع لـ «أطباء بلا حدود» فرأى التحالف أنّ المنظمة تبالغ في رد فعلها؛ حيث لم يُؤدّ الهجوم إلى خسائر في الأرواح، ولكنّ هجومًا آخر في أغسطس/آب على منظمة تابعة لـ «أطباء بلا حدود» أودى بحياة 19 شخصًا، ما جعل المنظمة تسحب عامليها من 6 مستشفيات في شمال اليمن.

ولكل ما سبق أُضيف اسم المملكة السعودية إلى «قائمة العار» التي تصدر عن الأمين العام للأمم المُتحدة بخصوص الأطفال والنزاعات المُسلحة؛ لتصبح المملكة وعدوها الحوثي على قائمة واحدة، المملكة بسبب قيامها بالهجوم على المدارس والمستشفيات، وهجماتها التي أدت إلى تشويه عددٍ كبير من الأطفال. والحوثي بسبب تجنيده للأطفال في الحرب منذ عام 2011. لكن دبلوماسية «دفتر الشيكات» آتت أُكلها كالمعتاد؛ حيث هددت الممكلة بقطع ملايين الدولارات التي تُقدم إلى الأمم المُتحدة كمساعدات؛ فتم حذف اسم المملكة وتحالفها من القائمة بـ «انتظار المُراجعة».


حرية التعبير: الحق الغائب خلف القضبان

محمد بن سلمان غير مهتم بتحسين سجل بلاده في حرية التعبير وسيادة القانون.

«سارة ليا ويتسن»-مديرة قطاع الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش

ما أشبه الليلة بالبارحة، فلا تبدو سياسة الاعتقالات وتكميم الأفواه جديدةً على القيادة السعودية، وكما أورد التقرير فقد حُكم على اثني عشر ناشطًا بارزًا بالسجن لفترات طويلة دون وجود جريمةٍ حقيقيةٍ اقترفوها، سوى بعض الاعتراضات المكتوبة أو الشفهية على ولاة الأمر وشِرعتهم.

فخلف القضبان يُكمل «وليد أبو الخير» عامه الثالث ضمن حكم بالسجن لمدة 15 عامًا، قضت به محكمة سعودية في 2014 بسبب انتقاداته في بعض المقابلات التلفزيونية. ويُشاطره مرارة السجن المُدّون «رائف بدوي» الذي يمضي عامه الرابع ضمن حكم بـ 10 سنوات لنفس التهمة. وانضم إليهم في مارس/آذار الصحفي «علاء برنجي»، والذي يقضى حكمًا بالسجن 5 سنوات وحظر من السفر لمدة 8 سنوات، وكانت جنايته تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» يدعم فيها حق المرأة في قيادة السيارة، ويواسي أصدقاءه المُعتلقين.



علي الرغم من أن السعودية قد أقرت قانونا يسمح بتأسيس جمعيات مدنية، ونشرت ﻻئحته في 2016 إﻻ أنه لم يتم تسجيل أي جمعية حتي اليوم

وخلف القضبان أيضًا يوجد «عبد العزيز الشبيلي» و«عيسى الحامد» ويواجهان حكمًا بالسجن لمدة 8 و 9 سنوات من قبل محكمة الإرهاب، وهما من أبرز نشطاء «جمعية الحقوق المدنية والسياسية»، التي تعتبرها المملكة جمعيةً محظورةً، وبحلول منتصف 2016 كانت المملكة قد سجنت جميع مؤسسيها.

يُذكر أن الممكلة أقرت في ديسمبر/كانون الأول 2015 قانونًا يسمح بتأسيس جمعيات مدنية، لكن اللائحة التي نُشرت في 2016 تعطي للحكومة الحق في حل أي جميعة لأسباب فضفاضة ومُبهمة -على حد وصف التقرير، ومنها «أن تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، أو تخالف النظام العام، أو تتنافى مع الآداب العامة، أو تخل بالوحدة الوطنية، أو تتعارض مع أحكام النظام أو اللائحة». والمُلفت أنه حتى هذه اللحظة لم يتم تسجيل أي جمعية أهلية أومدنية وفقًا لهذه اللائحة!.

وعطفًا على ما أوردناه في بادئ الحديث من تشابه التقارير الحقوقية حول المملكة، يمكننا التنبؤ بما سيحوي تقرير المنظمة لعام 2018 حين يتحدث عن

حملة الاعتقالات الأخيرة

في 10 سبتمبر/أيلول 2017، والتي طالت دعاةً ومفكرين بارزين منهم «سلمان العودة»، و«عائض القرني»، و«علي العمريّ»، وغيرهم ممن لحقوهم مؤخرًا أمثال الداعية السوري «محمد صالح المنجد» وغيره.

كما مُنع بعض الكتاب كـ «جمال خاشقجي» والذي منعته صحيفة الحياة من كتابة عموده المُعتاد مرةً أخرى بعدما مُنع سابقًا، وأعلنت المملكة أنه لا يمثل حكومة المملكة، بعد انتقاده دونالد ترامب في محاضرة ألقاها 10 نوفمبر/تشرين الثاني في العاصمة الأمريكية واشنطن.


إعدامات بالجُملة!

حتى اللحظة الراهنة تفتقد السعودية إلى نص قانونيّ مكتوب يتم التحاكم إليه، وتعتمد المملكة على «الشريعة الإسلامية» كقانون وطني، مع إصدار بعض القوانين والقواعد التى يتم بموجبها إدراج مُخالفات عديدة تحت طائلة القانون. ونظرًا لهذا القصور القانوني فإنه بإمكان القضاة وضع جملة عريضة من المُخالفات غير المنصوص عليها باعتبارها مُخالفات قانونية تحت طاولة «الخروج على ولي الأمر» أو «تشويه سمعة المملكة».

علاوةً على ذلك، فإن المملكة لا تُفرق بين الأطفال والبالغين في التعامل الجنائي، فيُمكن أن يحكم على طفلٍ بالإعدام فقط إذا ظهرت عليه علامات البلوغ البدني. في سبتمبر/أيلول كان كلٌ من «علي النمر»، و«داود المرهون»، و«عبد الله الزاهر» في انتظار الإعدام بسبب جرائم قالت المملكة إن الثلاثة ارتكبوها في 2011 و 2012 بينما كانوا أطفالًا. هذا بجانب أن المحكمة بَنت الاتهام بناءً على اعترافٍ من الثلاثة بارتكاب الجريمة، الاعتراف الذي أعلن الثلاثة أمام هيئة المحكمة أنّه انتُزع منهم بالإكراه تحت التعذيب، لكن المحكمة لم تُلق لهذا بالًا.

كما تفتقر السعودية إلى نظام قانوني صحي يسمح بمحاكمة عادلة وشفافة؛ فالسلطات ليست دائمًا تُخبر الموقوفين بسبب إيقافهم، ولا بالجريمة التى احتجزتهم بناءً عليها، ولا تسمح لهم برؤية أدلة الادعاء، ولا تعطى المحامين الحق في مساعدة موكليهم أثناء مرحلة الاستجواب، كما تُعيقهم عن استجواب الشهود، أو عرض الأدلة على المحكمة. كما يمكن أن تطول مدة الحبس الاحتياطي لشهور وسنوات دون تهمة واضحة أو محاكمة قضائية عادلة أو غير عادلة.

كما حدث في فبراير/شباط 2016 في محاكمة بحق 32 مُتهمًا بالتجسس لصالح إيران، حيث شملت لائحة الاتهام مزاعم كثيرة لا تشبه أيًا من الجرائم المُتعارف عليها، ومنها «دعم المظاهرات» و«الإضرار بسمعة المملكة» ومحاولة «نشر التشيع»، والمُلفت أنّ جميع المحتجزين، باستثناء واحد، هم رهن الحبس الاحتياطي منذ العام 2013.

وأشار التقرير إلى 3 عمليات إعدام جماعي قامت بهم المملكة في 2 يناير/كانون الثاني 2016 بحق 47 مُتهمًا بتهمة «جرائم إرهابية»، كانت هذه هي أكبر عملية إعدام تقوم بها المملكة منذ عام 1980. 43 منهم حُكم عليهم لاتهامهم أنّهم كانوا على صلة بهجمات القاعدة في أول الألفية، و 4 منهم كانوا شيعةً بزعم تورطهم في مظاهرات في 2011 و2012. وممن خصّهم التقرير بالذِكر «سعيد آل ربح»، إذ ذكر القاضي أنه كان دون الثامنة عشر في بعض الجرائم التي ارتكبها.

والشيخ «نمر النمر» الذي حُكم عليه بالإعدام في 2014 بجملة من الاتهامات الفضفاضة غير المُحددة، ما يثير الشك في أن إعدامه كان لانتقاده السلطة السعودية لا أكثر. وحسب البيانات الرسمية لوزارة الداخلية السعودية فقد أعدمت المملكة 144 شخصًا بين يناير/كانون الثاني ونوفمبر/تشرين الثاني 2016.


المرأة: عدو الممملكة رغم «نقص عقلها»

لا يُثار اسم السعودية في أي محفلٍ أو تقرير دولي إلا وأُردف بالحديث حول المرأة وحقوقها. ولهذا أفرد تقرير «هيومن رايتس ووتش» جانبًا لأوضاع المرأة السعودية، فذكر التقرير نظام «الولاية»، والذي تُمنع المرأة بموجبه من الحصول على تصريح بالسفر أو السكن وغيرهما من المصالح كرفع الدعاوى القضائية إلا بوجود قريبٍ ذكرٍ معها كالأب، الابن، الأخ أو الزوج. هذا بجانب القضية الشهيرة بحرمان المرأة السعودية من قيادة السيارات.

حتى في المرة التي شهدت تحولًا نوعيًا في هذه النقطة في الانتخابات البلدية في ديسمبر/كانون الأول 2015 حين انتُخبت 38 امرأة وتم تعيينهن في المجالس البالغ أعضاؤها 3159، في سابقةٍ تاريخية، عادت الحكومة في فبراير/شباط وطالبت المجالس بالفصل بين الجنسين، وأن تجلس النساء في غرف مستقلة، ولا يشاركن في الاجتماعات إلا عبر «الفيديو».

بجانب حرمان الفتيات السعوديات من المشاركة في الألعاب البدنية والرياضية في المدارس السعودية، إلا أن التقرير ألمح إلى تحول إيجابي بهذا الصدد في 1 أغسطس/آب، حيث أعلنت «الهيئة العامة للرياضة» التي تُقابل وزارة الرياضة عن إدارة جديدة للنساء، وفي أغسطس/آب مثلت 4 نساء السعودية في أولمبياد «ريو دي جانيرو» في البرازيل.


الكفيل: عبودية القرن الـ 21

من النقاط الشائكة التي تُؤرق العديد من المُنظمات الحقوقية هي استمرار السعودية في تطبيق نظام «الكفيل»، إذ يجب على العامل الوافد الحصول على تصريح كتابي من الكفيل إذا أراد تغيير العمل أو الخروج من البلاد. ويستغل الكفيل هذه النقطة فيقوم بمصادرة جواز سفر العامل، وتأخير راتبه بدون سند قانوني، بجانب العديد من الانتهاكات المعنوية والجسدية التي تحصر العامل في ظروف أشبه بالعبودية. كما يعاقب النظام السعودي من يفر من هذه الانتهاكات بالسجن أو الترحيل.

وبسبب فرض السعودية تأشيرة الخروج، التي تمنع الوافد من الخروج من السعودية بدون تصريح كتابي من الكفيل، تراكم عدد كبير من العاطلين في مخيمات عشوائية داخل الممكلة، ويعتمدون على مساعدات إنسانية من سفارات بلادهم. نتج هذا عن فرض النظام السعودي كوتة للعمالة السعودية في الشركات الخاصة، ومعاقبة الشركات الخاصة التي لا تلتزم بها، ما دفع الشركات إلى الاستغناء عن عدد كبير من العمالة المُهاجرة، خاصةً بعد الانكماش الاقتصادي الناجم عن انخفاض أسعار النفط.

وخص التقرير بالذكر العمالة المنزلية من النساء، التي تتعرض لجملةٍ من الانتهاكات كالأعمال الزائدة، تقييد الإقامة، عدم سداد الأجور، والحرمان من الطعام، والأذى النفسي والبدني والجنسي، كل هذا دون أن تقتص لهن السلطات السعودية من أرباب أعمالهن. بل على النقيض، إذا حاولت إحدى العاملات الإبلاغ عما تتعرض له، لاحقتها دعوات السرقة والشعوذة.


وكما هو معتاد: لا أحد مهتم بإدانة السعودية

ختمت «هيومن رايتس ووتش» تقريرها السنوي بالإشارة الخجولة إلى دور الأطراف الدولية فيما تفعله السعودية. فأشارت إلى الولايات المُتحدة التي أدانت بشكلٍ باهت الانتهاكات السعودية لحقوق الإنسان، في نفس الوقت الذي أمدتها فيه بمعلومات لوجيستية متعلقة بحرب اليمن، إضافة إلى صفقة مهولةٍ من الأسلحة بقيمة 1.5 مليار دولار.

ولم تلق مطالب «هيومن رايتس ووتش» وغيرها من المنظمات الحقوقية بتجميد تصدير الأسلحة إلى السعودية، أو تعليق عضويتها في مجلس حقوق الإنسان، آذانًا صاغية من أيّ من الدول الكبرى. إما لأنّ هذه الدول تتقاطع مصالحها مع مصالح المملكة، أو لأن المال السعودي هو حجر الزاوية للعديد من المُنظمات الحقوقية الدولية.

وختامًا، لا يبدو المستقبل مُبشرًا بخروج السعودية من النفق المظلم لانتهاكات حقوق الإنسان، أو مبشرًا بمزيد من الاهتمام بحقوق العمالة الداخلية، أو بتحسين الأوضاع المعيشية، أو بتشذيب القوانين السعودية الفضفاضة، بل تبدو الأمور متجهةً إلى مزيد من التعقيد والقمع بوصول الأمير الشاب «ابن سلمان» إلى السلطة الظاهرة بعد أن كان لاعبًا من وراء الستار.

وجاءت حملة الاعتقالات الأخيرة غير واضحة الأسباب، إما كانت لإجهاض حراك 15 سبتمبر/أيلول المزعوم، أو تمهيدًا لتولية «ابن سلمان» رسميًا، لتؤكد المملكة أنها لن تتخلى عن سياستها المُعتادة في التعامل سواءً مع المعارضين أو مع القضايا الداخلية الشائكة.