شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 81 مع تسارع التطور التكنولوجي في المجالات البصرية تتبارى استوديوهات الرسوم المتحركة كل عام في رفع حدود الإبهار البصري باستخدام آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا من إمكانيات في الرسم والتحريك وبناء العوالم المختلفة. يتركز التطور في صناعة صورة تقارب الواقع، كل الشخصيات ثلاثية الأبعاد، ذات ملامح واقعية وملابس يمكننا أن نرى نسيجها المتشابك إذا نظرنا جيدًا، لكن في مقابل تلك النزعة الواقعية تصعد بعض الاستوديوهات كحركة مضادة تسترجع ذاتية الرسم اليدوي الخيالي، لا تنبذ التكنولوجيا لكنها تعلي من الأسلوبية والفنيات البصرية التجريبية، أشهر من يتمسك بذلك هم العاملون باستوديو جيبلي ghibli الياباني، لكن في الأعوام الأخيرة ظهر استوديو آخر مقره أيرلندا يسمى كارتون صالون cartoon saloon. المستذئبون wolfwalkers هو آخر أعمال الاستوديو الذي يغرق إنتاجاته في الثقافة الأيرلندية الأسطورية والبصرية، يعتبر الفيلم هو الإضافة الأخيرة لثلاثية تعنى بالفلكلور الأيرلندي من إخراج توم مور، بدأت بسر كيلز the secret of kells 2009 ثم أغنية البحر song of the sea 2014، لكن المستذئبين هو أكثرها حدة ومغامرة، هو مثل معظم قصص الأطفال يحكي مغامرة تبث قيم مثل تقبل الاختلاف ومعنى الصداقة ويملك ثنائيات خير وشر تتصارع حتى ينتصر الخير، ومثل معظم قصص الأطفال البريئة تلك يملك طبقات من المعنى والمجاز، يصنع الفيلم شبكة من الإسقاطات من نضوج الفتيات إلى الديكتاتورية والاستعمار، لكنه يفعل كل ذلك بخفة وطفولية وأسلوب بصري يبدو كأنه جزء من مخطوطة قديمة، فيسهل التعامل معه كفيلم ممتع للعائلة أو كمجاز عن السلطة والوعي البيئي والحرية. التاريخ، الأسطورة، وقصة الأطفال تدور أحداث «المستذئبون» في القرن السابع عشر في بلدة صغيرة في أيرلندا تدعى كيليني، روبين الفتاة الهاوية لصيد الذئاب وأبيها الحارس الضخم وصلا للتو من إنجلترا لبدء حياة جديدة، يعمل الأب في خدمة الحاكم المهيب الذي يدعو نفسه بالرب الحامي، مهمة الأب مثله مثل كل حراس وضباط الحاكم هي السيطرة على تلك البلدة، خاصة منطقة الغابات التي تعج بالذئاب البرية، يريد الحاكم غابة خالية من الحياة لكي يقوم العمال بقطع الأشجار في سلام، روبين بطلة الفيلم هي فتاة متمردة ومدنية، وعلى الرغم من افتقادها لوطنها فإن الطبيعة البرية للغابة تحمسها للصيد والمغامرة، حتى يأتي اليوم الذي تعاند فيه أباها وتقتفي أثره إلى أوكار الذئاب وهناك تقابل فتاة تدعى ميف، ليست فتاة تمامًا فهي قادرة على أخذ شكل ذئب مفترس في أثناء نومها، تتعرف روبين على العالم الآخر، وتنضج وتتعلم كيف تحتضن المختلف عنها في بلدة لا تملك أي تسامح مع ذلك الاختلاف. يقارن الكثيرون بين أعمال كارتون صالون وأعمال استوديو جيبلي الياباني الشهير، حيث يبزغ في المستذئبون ذلك التشابه أكثر من غيره، كلا الشركتين تتمسكان بتناول الفلكلور المحلي لها، ويتشارك المستذئبون موضوعيًّا مع الفيلم الشهير الأميرة مونونوكي princess mononke 1997 ، كلاهما يدور في عالم بين المدينة والغابة في عصور قديمة حيث للغابة وذئابها دور رئيسي في الأحداث، وتتوسط القصة فتاة جسورة، كلا الفيلمين يتعامل مع صراع أزلي بين الإنسان والطبيعة، وطبيعة الإنسان الاستعمارية والاستحوذاية، ويظهر تأثير مونونوكي بشكل واضح في فيلم «المستذئبون»، حتى إن صناعه أشاروا لأحد أشهر مشاهده بشكل مباشر. مشهد من الأميرة مونونوكي مشهد من المستذئبين في الأميرة مونونوكي تُناقش فكرة التوازن البيئي عن طريق طرح مفهوم مشاركة الحياة بين البشر والحيوانات البرية وحتى أشجار الغابة، الكل يفعل ما بوسعه كي يعيش، سواء البشريين أو المخلوقات الأخرى، يخلق هاياو ميازاكي مخرج الفيلم عالمًا بدون أشرار وأخيار بشكل حدي واضح، عالمًا يريد فيه الكل أن ينجو وأن يحمي بني جنسه، يأخذ «المستذئبون» طريقًا أكثر تقليدية في مقاربته لخلق الصراع، يرسم بطلًا واضحًا وشريرًا واضحًا، ويصنع ذلك عن طريق بناء شرير تاريخي يتيح للفيلم أن يستكشف ما هو أبعد من قصص الأطفال. يقع الصراع الرئيسي في الفيلم بين الحداثة والبرية، لكنه يقع بشكل مصغر بين روبين الفتاة المغامرة والحاكم الديكتاتور الملقب بالرب الحامي، بنى صناع الفيلم تلك الشخصية بناء على أوليفر كورمويل الحاكم البريطاني الذي استعمر أيرلندا في القرن السابع عشر ، ديكتاتور متسلط يسعى لحرق الغابات حيث تعيش الذئاب المتوحشة لكي تنعم مدينته بالأمن، يتعدى على أرض لا يملكها ولا يتسع عقله لفهم غيره، يتبعه حراسه بقوة التخويف والتهديد المستمر بالسجن وتقييد الحرية وحتى بالقتل، مجاز سياسي واضح وصورة نمطية لسلطة ديكتاتورية راسخة تبني قوتها على الترهيب والعنف. الرب الحامي أوليفر كورمويل يجادل الباحثون والمؤرخون الأيرلنديون بأن كورمويل هو أحد أكثر المستعمرين عنفًا ودموية، ويرجعون إليه واحدة من أكبر المجازر وعمليات التطهير العرقي في تاريخ أيرلندا، وهو ما يستخدمه الفيلم كبذرة لصراعه الرئيسي بين الإنسان والحياة البرية، فالرب الحامي في الفيلم هدفه الرئيسي هو ارتكاب مذبحة لسكان الغابة الأصليين: الذئاب، لكي يفرض سيطرته ويتخلص من المختلف عنه، وسواء بحثت وراء أصل الشخصية أو اعتبرتها مجرد شخصية شرير ضد بطل في فيلم أطفال، فإن مجاز الاستعمار قائم لا يهتز، الاستعمار كفكرة، أن تُخرج سكانًا من أرضهم أو تقضي عليهم لفرض سيطرتك، سواء كان كورمويل ديكتاتورًا تخيليًّا أو شخصية تاريخية، فإن الفيلم يثبت رؤيته، لكنه سوف يملك تأثيرات مختلفة على من يشاهده بخلفية عن الحقائق التاريخية أو بدونها. بجانب الصراع الأكبر بين الذات والآخر والصراع المتفرع منه كقصة رئيسية بين روبين والرب الحامي، يولد صراع آخر بين روبين وأبيها، بين روحها المتمردة وخوفه عليها ومحاولاته للانصياع للسلطة وخنوعه لها، فهو أحد حراس الحاكم ولا يملك من أمره شيئًا، يؤمر وينفذ، حتى إنه في أحد المشاهد يطارد ابنته عندما تخالف الأوامر، الأب لا يمثل شخصية شريرة، هو يمثل ما يمكن اعتباره مثالًا على نظرة المفكرة (حنا أرندت) للشر، ألا وهو التنفيذ الممنهج للأوامر دون تفكير فيما أسمته تفاهة الشر، ففي سياق آخر غير سياق الفيلم يمكن اعتبار الأب بسهولة شخصية شريرة تستحق نهاية سيئة، لا يقف في وجه الظلم ولا يملك صبرًا للتعامل مع الآخر، لكن وجوده يمثل فكرة الصحوة وفتح العينين على عالم أكثر تقبلًا، وحتى استخدام القوة المفرطة لكن في التخلص من شر أكبر، تجد روبين نفسها في عالم تحكمه عدة سلطات، منها السياسية والدينية، لكن الفيلم يشير لسلطة أخرى يمثلها كل من الحاكم والأب وهي السلطة الأبوية. السلطة الأبوية، النضوج، والحرية لا تخشوا الفتيات الجامحات والذئاب. تتكرر على لسان شخصية الرب الحامي تهديدات لجموع شعبه وللخارجين عن قوانينه من المستذئبين أو المناصرين للوعي البيئي، تتمثل في التوعد بترويضهم كما سيروض تلك الأرض البرية ويجعلها متحضرة، يرفض الحاكم فكرة الجموح ويرى أنه سوف يبدل أيرلندا من البدائية للتحضر باستخدام القوة، لا ينطبق ذلك فقط على الغابة وحيواناتها، لكنه يمتد إلى الفتيات الصغيرة، يمارس ذلك القمع بإدراج الفتيات في أعمال شاقة من التنظيف والطبخ، في أول ظهور له يجبر روبين على الالتحاق بذلك العمل بديلًا عن احتجازها في الأغلال لأنها على حد قوله فتاة برية جامحة، تكرر السيدات في المغسلة التي تعمل بها روبين على مسامعها أن العمل هو الصلاة، فيصبح هناك ضغط ديني إضافي عليها. تقع أحداث الفيلم في أعوام بعد العصور الوسطى في قرية كيليني البعيدة عن المدينة، تسيطر القبضة الدينية على المعيشة في القرية، كما أن فكرة مطاردة المستذئبين انتشرت في العصور الوسطى حيث سيطر الدين بشكل كامل على الحياة، وتوازى ذلك مع صيد الساحرات الذي استهدف النساء بشكل خاص، فأصبحت أي فتاة أو سيدة تخرج عن المألوف في المجتمع تتهم بكونها ساحرة وتحرق حتى الموت، يقدم الفيلم شخصية الفتاة المستذئبة ميف كتمثيل حي للطاقة والحرية ونبذ القيود، وهو بالضبط ما يريد الحاكم ترويضه، تنضم روبين لنفس الفئة بعد تحولها لمستذئبة إثر عضة ميف اللاهية. لا يتوقف طموح الحاكم عند حرق الغابة بأكملها لضمان أمن المدينة لكنه يأسر والدة ميف إحدى المستذئبات في قصره كناية عن قدرته الكاملة على إخضاع الكائنات المنفلتة المتوحشة في نظره، ولكي يثبت لجموع الشعب المتعطش للدماء أن بإمكانه حمايتهم من «الفتيات الجامحات والذئاب». لا يتوقف صراع روبين مع أبيها عند فكرة خنوعه للحاكم الظالم لكنه أيضا في داخله يريد أن يحميها عن طريق السيطرة عليها؛ لأنه وعد أمها قبل وفاتها بأنه لن يعرض ابنته لأي مكروه، يكبل هلع الأب حرية روبين، تشعر بروحها تختنق في بلدة تسجنها وتجبرها على الأعمال المنزلية الشاقة وتمنعها حتى من تكوين الصداقات، حتى تقف في وجه أبيها وتمنعه من الانصياع لأوامر قتل الذئاب، تقف روبين في ذلك المشهد بشعر حر منسدل يوازي مظهر صديقتها ميف ذات المظهر البري ونظرة متحدية في وجه سلطات متداخلة تسيطر على حياتها الفتية، لكن الأب لا يمارس أفعاله تلك فقط بداعي السيطرة، هو يجد الألفة في وجود ابنته ويرفض أن تنضج وتجد حريتها وتتركه وحيدًا. من فيلم wolfwalkers الطابع البصري بين الثبات والحركة يعتمد الفنانون في كارتون صالون على الدمج بين الرسم اليدوي ثنائي الأبعاد واستخدام التقنيات الحديثة في تلوين بعض الأجزاء وتحريك الشخصيات والخلفيات، ينتج عن ذلك حرية ومرونة وفردانية تميز التصميمات وتسهل الدمج بين المدارس الفنية المختلفة، فأفلامهم عادة ما تصمم لكي تظهر مشابهة لكتب الأطفال المزخرفة، فيبدو كل إطار كرسمة في كتاب غير محددة الجوانب أو مكتمل الأركان، في الفيلم الأخير «المستذئبون» تستخدم الزخارف النباتية بشكل مكثف نظرًا لوقوع أحداث الفيلم في الغابة، ينتهج الأسلوب البصري تسطيحًا متعمدًا للأسطح والمنظور، فيبدو الفيلم كقصة تدور داخل عقل طفل صغير. لا أريد أن ينتهي بك الأمر في السجن. -أنا في السجن بالفعل. مثل معظم أفلام التحريك تتعامل أفلام كارتون صالون مع عالمين، ولأنها دائمًا ما تدور في صراع بين التقاليد الثقافية الأسطورية المندثرة وبرودة الحداثة، فإن التضاد بين الأساليب البصرية يتعلق بتضاد العالمين، يمكن ملاحظة التركيز على التماثل وسيمترية الصورة في المشاهد الواقعة في البلدة، تماثل فاشي وقاسٍ، ملابس موحدة وحركة منظمة وخطوط هندسية تجعل من البلدة كلها سجنًا كبيرًا، ألوان تتنوع بين الأحمر الدموي والأسود والرمادي الضبابي، يرسخ ذلك الخيار البصري كلًّا من شعور روبين الداخلي بالاحتجاز ووقوع البلدة كلها تحت سيطرة حاكم يروضها بالقيود مجازيًّا وحرفيًّا. مطبوعة من القرن السابع عشر مشهد من المغسلة في فيلم المستذئبون في الأفلام الثلاثة المتعلقة بالفلكلور الأيرلندي يدمج المخرج توم مور التاريخ والأسطورة بالقصة التي يكتبها، فتعمل الخلفية التاريخية كدليل يرشد شكل الفيلم وأجواءه، في «المستذئبون» تقع الأحداث في القرن السابع عشر ويمكن رؤية تأثر الخيارات البصرية بفن الحفر والطباعة على الخشب، خطوط حادة وألوان مركزة واختصار في رسم ملامح الوجه وأعضاء الجسد. على عكس الطابع البصري الذي يميز مشاهد الغابة، تغيب الخطوط الأفقية والرأسية وتحل محلها خطوط لينة دائرية تتحرك بحيوية وتلتف حول نفسها، عالم تحكمه الزخارف النباتية وضوء الشمس الأصفر الذي يغطي المروج الخضراء، تمتد تلك المرونة في تصميم شخصية ميف ووالدتها، فكلاهما شخصيات يمكن وصفها بالدائرية، يكلل وجوههما شعر أصهب كث كهالة ملائكية عملاقة، وترتدي كل منهما أثوابًا خضراء، تساهم مرونة الخطوط والحركة في تلك المشاهد في تأطير الصداقة المستجدة بين ميف وروبين ومرحهما وصباهما المهدد بالفناء، في الغابة يمكنهما الركض بحرية والالتفاف بعضهما حول بعض على عكس حياة روبين المقيدة في المدينة. من فيلم Wolfwalkers Wolfwalkers فيلم بسيط في ظاهره، يحتفي بالطبيعة في ألوان نابضة بالحياة وشخصيات محببة سوف تجذب الأطفال والبالغين، لكنه وبدون إقحام أو فرض محاولات للجدية يناقش قضايا من القرن السابع عشر يمكن الشعور باستمرارها حتى وقتنا هذا. قد يعجبك أيضاً إبراهيم الأبيض والهروب من نمط البلطجة «برلين 68»: المنافسة الأقوى على جائزة أفضل ممثلة أهم 7 أفلام مصرية في عام 2018 أدب شباب السجون: صُنع في مصر شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram رحمة الحداد Follow Author المقالة السابقة حمزة نمرة: «فاضي شوية» أيها المولود سنة 80؟ المقالة التالية إبراهيم الأبيض والهروب من نمط البلطجة قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك شارلي شابلن: السينما والنقد الاجتماعي 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك سينما مصر 2017: الفن بين الجزارة والحرب على الإرهاب 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «Get Out»: العنصرية في ثوب الرعب النفسي 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك العالم الذي يمنح ديلان جائزة نوبل هو الذي يرشح ترامب... 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك ساق البامبو: عندما ينتصر الجمال على صعوبة اللكنة 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك البحث عن كانتونا — البحث عن صلاح 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كيف رصدت الصحافة المصرية الزعيم وهو يبني مملكته؟ 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك هشام يخفي سرًا – الحلقة الثانية 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك رواية «مزاج حُر»: حكايات الخيال تغير العالم 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم Another Round: ثقافة الشراب وبقايا دوغما 95 05/03/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.