رغم افتتاح الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» لـ «قناة السويس الجديدة» في أغسطس من العام الماضي، والتي هي في واقع الأمر توسعة وتفرعة جديدة لقناة السويس، بتكلفة بلغت حوالي 8 مليار دولار؛ على أمل أن تزيد حركة السفن في القناة في الاتجاهين، إلا أنه على الرغم من هذا الإنفاق والذي كان وسيكون له تداعيات اقتصادية وسياسية على مصر، يلاحظ أن إيرادات قناة السويس قد انخفضت على إثر هذه القناة الجديدة على عكس التوقعات والتصريحات التي تنبأت بتسديد تكلفة القناة الحديدة في فترة وجيزة للغاية عن طريق فائض الأرباح الذي ستضخه. يعود ذلك إلى المنافسة والتهديد الكبيرين الذين تواجههما قناة السويس نظرًا لقيام بعض الدول بمشاريع منافسة بل وبديلة للقناة، مثل خط السكة الحديد الذي أطلقته الصين وينتهي في إسبانيا، وتهديدها مؤخرًا بتحويل حركة سفنها عبر القطب الشمالي إن لم تخفض مصر رسوم المرور في قناة السويس إلى النصف، بالإضافة إلى عدد من المشاريع الأخرى التي تهدد مستقبل قناة السويس كطريق التجارة الأهم في العالم.


أبرز الطرق المنافسة لقناة السويس

أصبحت قضية القنوات البحرية والطرق البرية من أهم عناصر التنافس الإقليمي والدولي حيث تسعى الدول إلى تشكيل ممرات وطرق خاصة تتحكم فيها إذ لم تعد المسألة اقتصادية فقط. وبالنظر إلى قناة السويس والتي تسيطر على حوالي 7% من حركة التجارة العالمية، نظرًا لموقعها الجغرافي المتميز؛ مما أكسبها على مدار العقود الطويلة الماضية أهمية إستراتيجية واقتصادية كانت كافية لإشعال الحروب الكبرى للسيطرة عليها. إلا أنه قد برزت مؤخرًا مشاريع لطرق جديدة وإعادة إحياء لطرق قديمة، سواء بحرية أو برية؛ الأمر الذي شكل منافسة وتهديدًا للقناة القديمة التي حفرها المصريون وبذلوا في سبيلها أرواحهم. ويمكن عرض أبرز هذه المشاريع كالتالي:

1ـ الممر الشمالي الشرقي

كشف تقرير لصحيفة الصين ديلي يوم 20\4\2016 أن الحكومة الصينية ستحث شركات الملاحة على استخدام «الممر الشمالي الشرقي» المار عبر المحيط المتجمد الشمالي، الذي فتح بفضل الاحتباس الحراري الذي ذوب الجليد في القطب الشمالي؛ لتقليل الزمن وتفاديًا لتكاليف المرور عبر قناة السويس وقناة بنما. وإذا ما أرادت القناتان الاحتفاظ بجاذبية المرور عبرهما، فيجب على قناة بنما تقليل الرسوم بنسبة 30% تقريبًا، وقناة السويس بنسبة 50% تقريبًا. إذ ستقل الرحلة من شنغهاي بالصين إلى هامبورغ بألمانيا عبر الممر الشمالي الجديد هذا بحوالي 2800 ميل بحري عن الطريق المار عبر قناة السويس موفرة بذلك الوقت والوقود. وارتفع عدد السفن التى استخدمت هذا الطريق من نحو 5 سفن عام 2009 إلى 71 سفينة عام 2013. ورغم أن ذلك لا يقارن بحوالي 17 ألف سفينة شحن تعبر قناة السويس سنويًّا، فإن تضاعف السفن التي تستخدم هذا الممر يعكس الاهتمام الدولي به.



بفضل الاحتباس الحراري أصبحت السفن الصينية قادرة على المرور عبر المحيط المتجمد الشمالي مختصرة الطريق إلى أوروبا دون المرور بقناة السويس.

ونجد أن الصين الوحيدة التي هددت باستخدام هذا الطريق؛ وذلك للضغط من أجل تخفيض رسوم العبور، حيث تبلغ حصة بكين من إجمالي الحاويات المحملة العابرة لقناة السويس حوالي 23%. وبلغ حجم تجارة الصين من البضائع العامة العابرة لقناة السويس حوالي 10.7% من إجمالي البضائع العامة العابرة للقناة، وبلغ عدد سفن الحاويات التابعة لشركة الحاويات الصينية 452 سفينة، فيما بلغت أعداد الناقلات التي تحمل البترول الخام أو منتجاته والغازالمسال أو الكيماويات 118 سفينة. لكن رغم هذه التهديدات تعتزم مصر قريبًا زيادة رسوم العبور معتمدة في ذلك على صعوبة العبور في الممر الجديد، خاصة في فصل الشتاء، وأن قناة السويس ما زالت تتمتع بأهميتها الإستراتيجية إضافة لمساهمة مشروع القناة الجديدة في تقليل ساعات الانتظار واختصار ساعات الرحلة عما كان عليه الوضع من قبل.

مقارنة بين طول الطريق المارعبر قناة السويس (باللون الأحمر) بطول الممر الشمالي الشرقي (باللون الأزرق)

2. طريق الحرير الجديد

افتتحت بكين، يوم 18\11\2014، أطول خط سكك حديد عابر للقارات بالعالم والذي أسمته «طريق الحرير الجديد». يمتد هذا الطريق من مدن الساحل الشرقي للصين حتى العاصمة الإسبانية «مدريد»، وتبلغ هذه المسافة 13 ألف كم تقريبًا، في رحلة ستستغرق 17 يومًا، بدلًا من 6 أسابيع بالبحر. لا تعتبر الصين هذا الطريق مجرد سكك حديد تصلها بأوروبا بل مشروع استثماري عملاق، حيث

أوضحت بكين

أن إجمالي الاستثمارات الصينية في 64 دولة ومنطقة تقع على طول طريق الحرير والحزام الاقتصادي المحيط به بلغ 161.2 مليار دولار حتى نهاية مايو 2015، بالإضافة إلى تأسيس بنك آسيوي للبنية التحتية بمشاركة أكثر من 50 دولة ليخدم المشاريع التي ستقام على هامش طريق الحرير هذا. قد يكون لهذا الطريق إن فُعِّل بشكل كامل تأثيرات سلبية حقيقية على قناة السويس متعلقة بتمرير صادرات الصين إلى أوروبا مباشرة بعيدًا عن قناة السويس. لكن هناك من يرى أن طريق الحرير هذا قد يخدم مصر؛ لأن تجارة الصين التي تخرج إلى الدول العربية والأفريقية ستمر عن طريق قناة السويس مرة أخرى.

3. قناة بنما وقناة نيكاراغوا

عملت بنما على توسعة القناة البحرية الخاصة بها والتي تربط بين المحيطين الأطلسي والهادي بطول 80 كم والتي سيتم افتتاحها في 26\6\2016، إذ نفذ أكثر من 97٪ من عملية تعميق مجرى القناة وبهذا ستستقبل سفن يصل غاطسها إلى نحو 58 قدمًا بدلاً من نحو 40 قدمًا. لكن تأثير ذلك سينصب على التجارة التي تصل إلى موانئ الساحل الغربي للولايات المتحدة، ولن يكون لها تأثيرات كبيرة على قناة السويس التي تتركز أهميتها في توفير طريق مختصر لحاملات النفط من الخليج العربي إلى أوروبا، وكذلك في الربط بين جنوب شرق آسيا وأوروبا. في حين تتميز قناة بنما بملاءمتها الجغرافية في تدفق التجارة بين اليابان وأستراليا ودول أمريكا الجنوبية والساحل الشرقي لأمريكا. ومع ذلك سيوجد تنافس بين القناتين حول نقل البضائع بين آسيا وأمريكا الشمالية، إذ كانت سفن الحاويات الضخمة – والتي لا تستوعبها قناة بنما قبل توسيع وتعميق مجراها – تستخدم قناة السويس لنقل صادرات الصين إلى ساحل الولايات المتحدة الشرقي، ولكن بعد عمليات التوسعة سيؤثر ذلك على قناة السويس. ولكن هذا التأثير سيظل متوقفًا على عدة عوامل أرجعها الخبراء لمعدل الاقتصاد العالمي والتجارة العالمية، وتكلفة الخدمات ورسوم العبور

.



في مقابل قناة بنما التي تسيطر عليها الولايات المتحدة عملت الصين على حفر قناة جديدة بين المحيطين الهادي والأطلسي عبر أراضي نيكاراغوا.

في مقابل قناة بنما التي تهيمن عليها الولايات المتحدة، بدأت شركة صينية في ديسمبر 2014 مشروع حفر «قناة نيكاراغوا» والتي تربط هي الأخرى المحيط الأطلسي بالهادي، لمنافسة قناة بنما. وستمتد قناة نيكاراغوا إلى 278 كلم طولاً وبعرض يتراوح بين 230- 520 م وعمق 27.6 م، بتكلفة تقدر بـ 50 مليار دولار. ومن المتوقع أن ينتهي العمل فيها خلال خمس سنوات، وأن تستطيع حمل ما يصل إلى 25 ألف حاوية، ويعتبر هذا المشروع ذا أهمية إستراتيجية لأن التمويل والتنفيذ سيكون صينيًّا وبدعم روسيا وبعض دول أمريكا اللاتينية؛ الأمر الذي سيجعل بكين تتحكم في معبر مائي دولي على مشارف الولايات المتحدة. لكن يرى «خبراء مصريون» عدم وجود تأثيرات سلبية لقناة نيكارغوا على قناة السويس، إذ تخدم مناطق بعيدة عن تلك التي تخدمها قناة السويس.


ردود الفعل المصرية

قناة السويس الممر الشمالي الشرقي

قناة السويس الممر الشمالي الشرقي

رغم انتهاء النظام المصري في 6\8\2015 من مشروع «قناة السويس الجديدة»، والتي أعلن أنها ستزيد عائدات القناة لحوالي 13 مليار دولار في عام 2023، إلا أن إيرادات القناة انخفضت عام 2015 إلى 5.175 مليار دولار مقارنة بـ 2014 والتي بلغت حوالي 5.465 مليار دولار؛ بسبب تقلبات الاقتصاد العالمي وانخفاض أسعار النفط، بينما شهد عدد السفن العابرة للقناة زيادة طفيفة.


http://gty.im/453215578

وتعليقًا على المشاريع الجديدة المنافسة لقناة السويس وآخرها الممر الشمالي الشرقي، وصف رئيس هيئة قناة السويس «مهاب مميش» استخدام ممرات بحرية بديلة للقناة في

تصريح لصحيفة «المصري اليوم»

بأنه «جزء من مخطط المؤامرة على مصر»، معتبرًا أن هذا الكلام لا أساس له من الصحة، إذ لم ترصد مصر أي تحركات للسفن في هذا الاتجاه بشكل يؤثر على المعدلات اليومية للملاحة بقناة السويس، والتي تبقى خارج منافسة أي قناة أو طرق بديلة. وأوضح أن الهيئة اعتمدت خطة شاملة لتنمية مواردها وتعظيمها وجذب مزيد من العملاء، واعتبر أن هذه التصريحات جاءت لتضر بمصر مع اقتراب موعد إعلان رسوم العبور الجديدة للقناة خلال الأيام المقبلة. التصريح الذي لاقى تأييدًا من «خبراء مصريين» أكدوا أنه لا يمكن استخدام الممر الشمالي الشرقي طوال السنة، بسبب تجمده لفترات تصل إلى 6 شهور، وأن تكلفة إذابة الجليد أو تكسيره لتذليل الطرق أمام السفن للعبور سترفع تكلفة النقل، إضافة لصعوبة تغيير الخطوط الملاحية التي تتطلب تجهيز الموانئ لاستقبال الزيادة بعدد السفن المارة بها.