«كرنفال فني متكامل»، هذا هو الوصف الذي قد يليق بحفل توزيع جوائز الأوسكار والذي تفصلنا عنه أيام قليلة. يصحبنا هذا التقرير في تحليل أسباب اختيار الأفلام الفائزة بجائزة أفضل فيلم في السنوات الماضية.

تعتبِر الأغلبية العظمى من محبي السينما أن يوم إعلان الجوائز هو يوم احتفالي ينتظرونه من العام للعام، بداية من محبي الأزياء الجديدة فيتابعونها على السجادة الحمراء، أو منتظري مقدمي الحفل ولمحاتهم الكوميدية مع الحضور، أو حتى اللقطات الإعلانية المتفق عليها كما حدث في لقطة «السيلفي» الشهيرة في أوسكار 2014.

لكن الحدث الرئيسي يبقى دائمًا جائزة أفضل فيلم «Best Picture»، ولا شكّ أن هذه الجائزة تساهم في تخليد بعض الأفلام، وتبقى فرصة عظيمة لزيادة شعبيتها، أو حتى إثارة الجدل حول فوزها بالجائزة.

ينظر البعض للجائزة على أنها مُسلّمٌ بها أو نابعة من قناعات المصوّتين الخالصة، والبعض الآخر ينظر لها على أنها جائزة يتم منحها سياسيًّا بلا معايير معينة. يستغل بعض صناع السينما هذا التصور لصالحهم كما حدث في ضغط بعض مناهضي العنصرية على الأكاديمية لما يرونه استبعادًا للسود من الجائزة.

ولكن، الحقيقة أن جائزة الأوسكار تعتبر جائزة فنية في المقام الأول وبنسبة تتعدى الخمسين بالمئة، نابعة من آراء لجنة التحكيم الفنية الخالصة، أما الخمسون في المئة الأخرى، تبقى عُرضة لآراء اللجنة السياسية وموقعهم الاجتماعي والضغوطات الدعائية عليهم. أحيانًا يبدو واضحًا أن الجائزة مُنحت لفيلم لسبب سياسي، أو حتى مستبعدة عن فيلم لسبب سياسي. كذلك لا تميل اللجنة عادة لأفلام الحركة والإثارة أو الأفلام العقلية أو أفلام الخيال العلمي والفنتازيا أو الأفلام الفسلفية، حيث أن جائزة أفضل فيلم تعبتر جائزة محافظة إلى حد كبير، فهي تُعطى غالبًا لاختيارٍ آمنٍ مفهوم، ويكون غالبًا فيلمًا دراميًّا. بالتأكيد لهذه القاعدة استثناءات كما حدث مع فيلم The Lord of the Rings أو كما حدث في العام الماضي مع birdman. وسنعرض المزيد من التفاصيل على هذه الظواهر في الأفلام الفائزة بالجائزة في العقد الحالي من بدايته حتى الآن.


The King’s Speech: الخيار «الآمن» يفوز


http://gty.im/141918576

الفيلم الحائز على جائزة أفضل فيلم في أوسكار 2011، من بطولة كولن فيرث وهيلينا كارتر وجوفري رش، وحصل على ثلاث جوائز أخرى، من بينها أفضل نص أصلي وأفضل ممثل دور رئيسي وأفضل إخراج. يحكي الفيلم قصة الملك جورج الذي تولي المملكة في ظروف حالكة في أثناء صعود هتلر، وبرغم ذلك يعاني من أزمة نفسية تمنعه من التحدث بانتظام، وهذا ما يقف عقبة أمام المملكة التي تحتاج لكل تشجيع روحي بخطاباته، تسانده زوجته وتساعده في العلاج والذهاب إلى طبيب نفسي مميز وهو ليونيل لوف.

لا شك أن للفيلم نقاطًا كثيرة مميزة من ضمنها الأداء المميز من طاقم الممثلين الذي تُوّج بفوز وترشيحيْن آخريْن في فئات التمثيل، والإخراج المتميز من توم هوبر. ولكن فوز الفيلم كان محل خلاف؛ لأن في ذلك العام كان هناك فيلمان عظيمان وهما Inception لكرستوفر نولان وBlack swan لدارين أرنفوسكي.

كما ذُكر سابقًا، فالأوسكار جائزة محافظة بطبعها ولذلك انحازت للخيار الآمن على حساب تعقيدات Inception العقلية وفلسفة Black Swan.


The Artist: الفوز لإثبات الحيادية الفنية!

فيلم فرنسي من تأليف وإخراج ميشيل هازنفيسيوس، وبطولة جون ديجردان وبرنيس بيجو وجون جودمان. يحكي الفيلم قصة ممثل الأفلام الصامتة البارز الذي لم يستطع التطور مع تكنولوجيا الصوت، فخفت نجمه وأصبح فقيرًا، في نفس الوقت لصعود تلميذته التي أصبحت محط أنظار الجميع. حصل الفيلم على خمس جوائز أوسكار؛ كأفضل أزياء، وموسيقى، وممثل رئيسي، وإخراج، وأفضل فيلم.

يمتاز الفيلم رغم قصته المكررة بطريقة تنفيذه، حيث اعتمد المخرج على الصورة (الأبيض والأسود)، والفيلم صامت والموسيقى كأنها تعزف من فرقة موسيقية بجانب الفيلم، كما كان يحدث في الأفلام القديمة، وهذا ما أبرز الفيلم وجعله مختلفًا. رغم الاختيار الصعب ولكن المخرج نجح بشدة وساعده طاقم التمثيل الموسيقي وكل عناصر الفيلم. ساهمت عوامل عدة في فوز الفيلم بجائزة أفضل فيلم، فالعامل الأقوى في فوز الفيلم هو عدم وجود منافس يذكر، باستثناء Hugo الذي اعتبره كثيرون أحد أضعف أفلام مارتن سكورسيزي. لم يكن هناك منافس، كذلك كون الفيلم فرنسيًّا بدرجة أكبر، مما يصبح لفوزه جانبٌ سياسي سواء لإثبات حيادية الأوسكار أو للدعاية للسينما الفرنسية. ومن العوامل الأخرى التي ساعدت أيضًا في فوز الفيلم هو فوزه بأغلب الجوائز السابقة للأوسكار مما جعل فوزه أمرًا مقبولًا وطبيعيًّا.


Argo: حصد الأوسكار ليغيظ «إيران»!


http://gty.im/162622993

يتحدث الفيلم عن فترة التوتر الأمريكية الإيرانية بعد سقوط نظام الشاه وسيطرة الخميني على الحكم، والثورة العارمة التي حدثت من المواطنين الإيرانيين مما أدى لاحتجازهم للدبلوماسيين الأمريكيين في السفارة، ومحاولة مخابراتيّة لتحرير الدبلوماسيين الرهائن، الفيلم مستوحى عن قصة حقيقية.

يعتبر فوز الفيلم بجائزة أفضل فيلم لأسباب سياسية بحتة؛ فالفيلم من الناحية الفنية والجماهيرية يعد فيلمًا متوسطًا بكل المقاييس. أما الأفلام المناسبة فكانت من أقوى المنافسات في المرحلة الأخيرة حيث كان في المنافسة Life of Pi ،Django Unchained و Les Miserables. ولكن على الرغم من وجود هذه الأفلام الرائعة على اختلاف تصنيفاتها ولكن فاز Argo بالجائزة، ومعروف تمامًا الأسباب السياسية لذلك الفوز، فقد كانت فترة توتر العلاقات مع إيران وفرض العقوبات عليها. وما أكد أن الفوز هو فوز سياسي بالأساس هو تقديم سيدة الولايات المتحدة الأولى الجائزة من البيت الأبيض.


12Years A Slave: مجاملة السود تُنجح الفيلم


http://gty.im/479038454

يتحدث الفيلم عن سليمان نورثوب، المواطن الأسود الحر الذي تم اختطافه وتحويله لعبد، ويروي ما عاناه في العبودية ومحاولاته للتحرر. الفيلم من بطولة شيوتال إيجافور وإخراج ستيفن ماكوين.

فوز الفيلم بالجائزة كان متوقعًا لأسباب سياسية أيضًا، فبهاء فوز فيلم عن السود بالجائزة والفرص الدعائية، وتلافي الضغوطات التي قد تتعرض لها الأكاديمية إذا فاز فيلم آخر، جعلت فوز الفيلم أمرًا حتميًّا رغم فوز الفيلم بجائزتين أخرييْن فقط، في مقابل فيلم Gravity بسبع جوائز من ضمنها جائزة رئيسية وهي جائزة الإخراج، وكذلك فيلم Dallas Buyers Club الذي يتحدث عن موضوع شديد الحساسية، وكُتب بإتقان وأدّى ماثيو ماكونهي وجاريد ليتو دوريها ببراعة استحقّت فوزهما بجائزتيْ التمثيل للرجال، وفيلم Her الذي تميز بفكرته الجديدة وتنفيذه الرائع والنص والتمثيل الممتازيْن، وفيلم The Wolf of Wall Street لسكورسيزي وليناردو ديكابريو وماثيو ماكونهي. وفي هذا العام وما سبقه نستطيع القول أن المعيار السياسي هو المسيطر الأكبر على توجه اللجنة.


Birdman: الفوز المفاجأة للجمهور والنُقاد


http://gty.im/457092262

يتحدث الفيلم عن ريجان الممثل الذي خفت نجمه، وقد اشتهر دائمًا بشخصية بيردمان، وهو يحاول استعادة أمجاده. يبدأ الفيلم بقصة درامية طبيعية ثم تتصاعد سيريالية الأحداث تدريجيًّا إلى أن تطغى على أحداث الفيلم في نهايته. يمتاز الفيلم بطريقة تنفيذه، بداية من أن الفيلم مصورٌ كأنه مشهد واحد طويل، مرورًا بالموسيقى التصويرية، نهايةً بالأحداث والتحول من الدراميّة للسيريالية الرمزية.

الفيلم من بطولة مايكل كيتون، وإدوارد نورتين، وإيما ستون، ونعومي واتس، ومن تأليف وإخراج أليخاندرو جونزاليس إناريتو الذي حصد ثلاث جوائز منفردًا عن هذا الفيلم.

لا شك أن Birdman يعتبر مغامرة موفقة لخروج الأكاديمية عن المألوف، فكانت توقعات حصول الفيلم على جائزة أفضل فيلم أقل من Boyhood، وساعد في ذلك حصول Boyhood على جوائز الجولدن جلوب والبافات، بل إن البافتا تجاهلت Birdman فلم تعطه سوى جائزة السينما فوتغرافيا المحسومة منطقيًّا.

خرج الأوسكار عن المألوف ومنح Birdman جائزة أفضل فيلم وبالتأكيد كانت مفاجأة مفرحة لأغلب النقاد.


The Revenant: هل ينضم للقائمة؟

نترقب في جوائز هذا العام مَن الفيلم الفائز ويبدو أن الاختيار الآمن هو The Revenant، فقد حصل الفيلم على جوائز الجولدن جلوب والبافتا. ولكن هناك عوامل أخرى قد تجعل الأوسكار تميل لفيلم آخر، أولها حصول المخرج أليخاندرو جونزاليس على ثلاث جوائز العام الماضي، مما قد يجعل اللجنة تميل لإعطاء الجائزة لطاقم عمل آخر لم يحصل على الجائزة من قبل، والاكتفاء بحصول بطله ليوناردو ديكابريو وإيمانول لبوزكي على جائزة التمثيل والسينما فوتغرافيا وبعض الجوائز التقنية. والعوامل الأخرى أن بعض الأفلام تخوض منافسة شرسة مثل Mad Max و The Big Short و Spotlight. نحن في انتظار ما ستعلنه الأكاديمية، وحتى هذا الموعد: ما هى توقعاتكم عن الأوسكار؟.