(1)

يناير/كانون الثاني 2015،بابا الفاتيكان يزور الفلبين فيتسبب موكبه في زحمة مرورية في العاصمة،

يعلق

السياسي الصاعد «رودريغو دوتيرتي» على تلك الحادثة بقوله :

عندما سألت عن سبب زحمة المرور وأبلغوني أن بابا الفاتيكان سبب ذلك، أردت أن أقول له: يا ابن العاهرة، عد إلى وطنك ولا تقم بزيارتنا مرة أخرى.


—


بعدها بشهور يتم انتخاب دوتيرتي لمنصب رئيس البلاد.

(2)

قلت لـه: إن سفيركم مثلي الجنس، وابن عاهرة، لقد أثار استيائي بسبب تدخله في الانتخابات وإدلائه بتصريحات تخص شأن البلد.

دوتيرتي

متحدثا

أمام حشد من جنود بلاده،عن تفاصيل لقاء جرى بينه وبين وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري».

(3)

الخامس من سبتمبر/أيلول الماضي، وخلال مؤتمر صحفي ساخن عقده قبل لقاء مزمع انعقاده مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، يُسألُ الرئيس الفلبيني «رودريغو دوتيرتي» عن رده إزاء الانتقادات الأمريكية لوحشية الحرب التي يشنها على تجارة المخدرات في بلاده، فيُجيب بغضب:

لاحقا وعلى إثر هذه التصريحات،

أعلن

البيت الأبيض إلغاء الاجتماع الذي كان مقرراً عقده على هامش قمة مجموعة دول جنوب شرق آسيا «آسيان» في لاوس.

في السادس من سبتمبر/أيلول، وبعد يوم من تصريحاته القاسية، الحكومة الفلبينية

تعلن

في بيان لها أن دوتيرتي «يُبدي أسفه» لأوباما على تلك التصريحات، ورئيس مجلس الشيوخ الفلبيني يؤكد أن علاقات بلاده بواشنطن ستبقي وطيدة رغم تلك التصريحات.

بدا ذلك كمحاولة فلبينية لاحتواء الأزمة مع واشنطن،محاولة لم تصمد طويلًا علي كل حال.

(4)

هتلر قتل ثلاثة ملايين يهودي. في بلادنا ثلاثة ملايين مدمن للمخدرات .. سيسرّني ذبحهم.

تصريح ناري آخر للرجل،

جاء

في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، بعد عودته من رحلة إلى فيتنام.

(5)

فقدت كل احترامي لأمريكا، اذهب إلى الجحيم يا سيد أوباما .. اذهب إلى الجحيم.


تصريح

لدوتيرتي يوم الرابع من أكتوبر/تشرين الأول، وذلك في نفس اليوم الذي بدأت فيه الفلبين والولايات المتحدة مناوراتهما العسكرية السنوية المشتركة، والتي قال الرجل أنها ستكون الأخيرة في عهده.

(6)

لن أزور بلد «ابن العاهرة» مرة أخري . حان الوقت لقطع العلاقات مع الولايات المتحدة.

دوتيرتي في تصريح لوكالة

سبوتنيك

الروسية، في العشرين من أكتوبر/تشرين الأول، على هامش زيارته لجمهورية الصين الشعبية، تلك الزيارة التي أعلن فيها عن «انفصال» بلاده عن الولايات المتحدة وانضمامها للمعسكر الصيني.

«دونالد ترامب» الشرق

ذلك هو اللقب الذي أطلقه البعض على الرئيس الفلبيني، رودريغو دوتيرتي، السياسي المثير للجدل منذ صباه،

ولد

الرجل في إقليم «ليت» الجنوبي لأسرة مهتمة بالعمل السياسي، كان والده سياسيًا وشغل منصب حاكم إقليم دافاو وعمدة دانو، وبعد الثورة الشعبية السلمية التي قامت في الفلبين عام 1986م،فاز الرجل بمنصب عمدة دافو، وظل به مدة عشر سنوات، حتى عام 1998، حيث ترشح حينها للانتخابات البرلمانية، وفاز بمقعد برلماني.

دفعته تجربته السياسية الطويلة إلى ترشيح نفسه لمنصب رئيس البلاد التي جرت في مايو /أيار 2016م، لم يتوقع أحد أن يفوز الرجل بالمنصب، فهو معروف بالتسرع والاندفاع وشطط اللسان، إلى حد أن البعض يعتبره «دونالد ترامب الشرق»، غير أنه فاز بالانتخابات بشكل مفاجئ، وهو ما يرجعه البعض لتبنيه خطاباً شعبوياً نجح في استقطاب شرائح واسعة من الجماهير، تعهد فيه باستئصال الفقر والقضاء على الجريمة، فضلا عن محاربة الجريمة المنتشرة في ربوع البلاد، عزز ذلك خطابه القاسي الصريح، وتجربته السابقة في حكم الإقليم الجنوبي، التي انتهج فيها القسوة مع المجرمين و

سياسة

عدم التمييز تجاه المسلمين، وهو ما جعله يفوز بالكثير من أصواتهم، الذين يرون أنه حول دافو إلى مدينة متطورة وآمنة تعيش سلما مجتمعيا في نموذج يصلح تطبيقه في جميع أنحاء الفلبين.

حربه على المخدرات والجريمة

خلال فترة رئاسته لإقليم دافو الجنوبي، اتُّهم دوتيرتي بتأسيس ما يسمي بـ «سرايا الموت» لتصفية المجرمين المفترضين، ويبدو أنه قد قرر تعميم التجربة على أساليب مكافحة الجريمة في البلاد ككل، فقد شن حربا حقيقية على المجرمين وتجار المخدرات، واعتبر -ببساطة- أن الموت الفوري هو العقاب العادل الذي يجب أن يتلقاه الجميع، دون التفات إلى شعارات حقوق الإنسان التي سئم منها. وللرجل عدة

تصريحات

تتنافس في قسوتها وشدتها تجاه تلك القضية.

الذين يقتلون بلدي سيُقتلون. الأمر بهذه البساطة وليس هناك نصف إجراء.

سأحث البرلمان على إعادة العمل بعقوبة الإعدام شنقاً، هذا أكثر إنسانية، كما أني لا أريد تبذير الرصاص.

مئة ألف شخص سيموتون، وستلقى جثثهم للأسماك في خليج مانيلا.

إذا قاومتم وأبديتم مقاومة عنيفة، فإن أوامري إلى الشرطة ستكون إطلاق النار لقتلكم.

كما أعلن أنه ينوي منع تناول المشروبات الكحولية في الأماكن العامة بعد الساعة 22:00، ومنع خروج الأطفال إلى الشوارع بمفردهم في المساء. وقال إنه إذا وجد طفلا في الشارع، فإن والديه سيسجنان بتهمة «التخلي عنه».

وفي حين يبدو أن تلك الإجراءات تحظى بدعم من الفلبينيين الذين أنهكهم الفساد والجريمة، فإن ذلك يعرضه لانتقادات الكنيسة الكاثوليكية ومنظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة، ولكنه

يصر

على مواصلة ملاحقة مهربي المخدرات والتخلص منهم، وقال إنه يرفض تلقي الأوامر من الولايات المتحدة ولا يهمه كيف ينظرون إليه، كما يشن هجوما دائما علي معارضيه متهما إياهم بنفاق الولايات المتحدة «هناك أشخاص بكين عقولهم بمستوى عقول الكلاب التي تلعق مؤخرات الأمريكيين».

الهجرة من واشنطن إلى بكين

عليك أن تحترم الآخرين،ولا تلقي فقط بالأسئلة والتصريحات. يا ابن العاهرة. سألعنك خلال المنتدى، وسنتمرغ في الوحل مثل خنزيرين إذا فعلت ذلك معي.

تمتعت الفلبين بعلاقات قوية مع واشنطن جعلتها حليفا مخلصا للولايات المتحدة يقف بوجه العملاق الصيني الصاعد، كما دعمت الإدارة الأمريكية المطالبات الفلبينية فيما يتعلق بمنطقة «بحر الصين الجنوبي» ذات الأهمية الاستراتيجية،وقد صُنّفت الفلبين كحليف استراتيجي للولايات المتحدة خارج الناتو

Non NATO ally

كما

تبلغ

قيمة الاستثمارات الأمريكية المباشرة في الفلبين 4.7 مليار دولار.

لمعرفة المزيد:

بحر الصين الجنوبي، ما قيمة المحكمة في حضرة السلاح؟

جاء دوتيرتي إلي بكين بعقلية الغاضب من النفوذ التاريخي للأمريكيين في بلاده، والقارئ لتراجع النفوذ الأمريكي على الصعيد العالمي في مقابل صعود أسهم موسكو وبكين موسكو وبكين،

أعلن

الرجل بعبارات قاسية كعادته أنه عازم على التوجه صوب الأسلحة الروسية والصينية

الولايات المتحدة لا تريد بيع صواريخ وأسلحة أخرى للفلبين،على الرغم من أن هذا يمكن أن يبدو شيئا تافها بالنسبة لكم إلا أن واجبي المقدس يقتضي أن أحافظ على وحدة هذه الجمهورية وسلامة شعبها.

وأضاف إذا كنتم لا تريدون بيع الأسلحة سأذهب إلى روسيا. أرسلت جنرالات إلى روسيا وقالت روسيا لا تقلق فلدينا كل ما تريد.. وسوف نعطيه لك، أما بالنسبة للصين قالوا فقط تقدم ووقع وكل شيء سوف يسلم لكم.

ولم يمكث الرجل طويلا للبرهنة أن سعيه لتغيير بوصلة السياسة في بلاده أمر جد حقيقي وليس محض خطابات حنجورية للاستهلاك للإعلامي،

زار

الرجل العاصمة الصينية بكين، واعتبر أن الصين هي الفرصة الوحيدة لإنقاذ اقتصاد الفلبين، مؤكدا عزمه على إنهاء النزاع البحري معها وعدم الالتفات إلى الولايات المتحدة.

الصين جيدة. لم تجتاح يوما قطعة أرض واحدة من بلادي عبر كل هذه الأجيال.

خلال الحرب الباردة، اعتُبرت الصين طرفا شريرا، وخلال كل هذه الأعوام، ما قرأناه في كتبنا المدرسية كان فقط دعاية فبركها الغرب.

لا يُعلم تحديدا مدى رغبة الرجل في -أو قدرته على- الخروج من عباءة واشنطن لكن المؤكد أن تصريحاته وأفعاله، وما يتردد حول تمتع سياسته تلك برضا وقبول بين الأوساط الشعبية في البلاد تعكس جانبا من حقيقة تراجع النفوذ الأمريكي في المجال الأسيوي، كما في الشرق الأوسط ومناطق أخري من العالم، ليس الرئيس الفلبيني هو أول رئيس مشاكس يشهده العالم، فقد حفلت الحقبة الباردة وما بعدها برؤساء من ذوي اللسان السليط، لكن المؤكد أن الأمر يحمل طابعا مختلفا هذه المرة، كون الرجل يقود بلدا يفترض به أن تكون حليفا تاريخيا للولايات المتحدة، وهو ما يؤشر -ربما-إلى حقيقة أن الولايات المتحدة لم تعد تحظى بالكثير من الاحترام، بين الأصدقاء والأعداء على السواء.