من بين كل اللاعبين الذين تحولوا إلى أسماء كبيرة في عالم التدريب، نستطيع التوقف بشيء من الفحص عند كل من «بيب جوارديولا» و«زين الدين زيدان» نظرًا لسرعة تحولهما من مرحلة اللاعب المعتزل إلى مرحلة المدرب الناجح.

بشكلٍ أو بآخر، أثرت تجارب جوارديولا وزيزو على كافة اختيارات المدربين من بعدهما. ومن بعد تجربة زيدان بالتحديد، باتت مدة التحول من المرحلتين أقصر كثيرًا، حتى بلغنا مراحل يتولى فيها اللاعب مسؤولية تدريب فريقه حتى بدون أدنى خبرة، أو حتى قبل اعتزاله.

وبنظرة سريعة على مسيرة كل منهما، نجد أن هناك نقطتي تشابه بينهما؛ الأولى هي أن كليهما كان لاعب وسط ملعب سابق، والثانية هي ربطة العنق والبدلة الرسمية التي تزين مظهرهما على خط التماس.

فبات الإعلان عن الاحتياج لمدير فني جديد لأي فريق سهلاً للغاية، فقط نحتاج لمتوسط ميدان معتزل حديثًا، يستطيع ارتداء بدلة رسمية في أيام السبت والأحد من كل أسبوع.


كيف بدأت ربطة العنق؟

ارتفعت تساؤلات الجماهير عن أسباب تكرار تلك الظاهرة بعد تعيين المدرب الإيطالي «أندريا بيرلو» في مهمة الرجل الأول في يوفينتوس، وهو تعيين تم دون أدنى خبرة سابقة كمدرب، ولا حتى في الفرق السنية الأصغر. تحولت تلك التساؤلات إلى تعليقات ساخرة هزلية.

تلك الوصفة البسيطة التي تُشير إلى ربطة عنق وبدلة رسمية وسابقة أعمال كمتوسط ميدان في أحد الفرق في أوروبا، ربما تحمل شيئًا من الصواب، أو ما يعني أننا على الطريق السليم للبحث عن مدرب ناجح فعلًا.

لنبدأ بالبدلة الرسمية، يمكن النظر لهذا الأمر من منطلق التغيير. لاعب عاش حياته بالكامل في ملابس رياضية، الأكيد أنه سيحتاج إلى كسر ذلك النمط. وإذا وضعنا في الاعتبار أنه مدرب اعتزل اللعب حديثًا، فبالتأكيد سيحاول أن يضيف مزيدًا من الرسمية على التعامل بينه وبين لاعبيه، أو على الأقل هذا ما تعتقده شبكة

«بي بي سي»

.

لكن الأمر أعمق من ذلك، فحسب تأكيد أحد مسؤولي موقع

basketballword.com

، والذي بحث حول أسباب اعتماد الرياضيين على الأزياء الرسمية في أيام المباريات،

أجريت دراسة على مرتدي البدلات الرسمية

منهم، ووُجد أنه أثناء ارتداء تلك البدلات تتغير طريقة تفكيرهم.

تشعرهم البدلة بمزيد من القوة وتضاعف شعورهم بالثقة، وهو شيء نابع من زيادة التعامل المحترم معهم بسبب الزي الرسمي. كلها أشياء تساعد على خلق حالة ذهنية أفضل تتناسب مع الظروف الصعبة أثناء مجريات المباريات.

وحين تتحدث عن طريقة التفكير خلال ظروف المباريات، فإن كل ما قد تحتاج إليه كمدرب كرة قدم، هو الهدوء والقدرة على العمل تحت الضغط. ربما يعتبر ذلك جزءًا من تفسير ظاهرة متوسطي الميدان أيضًا، وليس فقط ربطات العنق والبدلات الرسمية.

يعمل تحت الضغط

وإذا ما افترضنا أن بحث الأندية عن مدربين يتم وفقًا لطريقة البحث عن المتقدمين للوظائف في إحدى الشركات الكبرى، فإن المتقدمين يجب أن يرتدوا البدلات الرسمية، كما أوضحنا، ومن ثم ستبدأ متطلبات العمل بضرورة أن يكون المتقدم قابلًا للعمل تحت الضغط «work under pressure».

في

قائمة أفضل 50 مدربًا عبر كل العصور

والتي صدرت عام 2011، عن موسوعة Football Pantheon، تواجد لاعبو خط الوسط بكثافة شديدة، حيث احتلوا 20 مركزًا من أصل 50، في حين تواجد 10 مدافعين، وحارس مرمى وحيد، و7 مهاجمين، و7 رؤوس حربة والبقية لم يسبق لهم ممارسة كرة القدم أصلًا. فما سر سيطرة لاعبي الوسط على هذه القائمة؟

في حال تم تقسيم عملية بناء أي هجمة إلى 3 مراحل: هم البناء والتحضير والإنهاء، فإن عملية التحضير، والتي تتم في وسط الملعب، هي أسهل مراحل قتل أي هجمة. وبالرغم من تباين طرق الضغط بين الفرق، فإن عملية الضغط تمارس في الغالب في منطقة وسط الملعب، حيث لا تقوى أغلبية الفرق على الضغط من مناطق متقدمة من الملعب.

قدرة لاعبي وسط الملعب على التكيف مع الضغط الذي يتم التعرض له خلال أغلب دقائق المباراة، سواء في الفرق الدفاعية التي تحتاج للخروج بالكرة سريعًا من الثلث الدفاعي، أو في الفرق الهجومية التي تسعى للحفاظ على الكرة في الثلث الهجومي، فإن ذلك يعزز من قدرتهم على اتخاذ القرارات الدقيقة وبشكلٍ أسرع، والتي من شأنها أن تكسر سحابة الضغط المطبقة من لاعبي الخصم.

ينقلنا ذلك إلى عملية التصرف ما بعد كسر الضغط. إجمالًا، فإن كل الفرق تسعى إلى بلوغ أحد الأهداف الأربعة لكرة القدم كما

يراها «رينيه ماريتش»

، المدرب المساعد في بوروسيا مونشنجلادباخ.


متعدد المهام

تنقسم كرة القدم إلى 4 محاور، هم: الهجوم، والدفاع، والتحول من الدفاع إلى الهجوم، والتحول من الهجوم إلى الدفاع. يميل مدربون أمثال بيب جوارديولا للسيطرة على كل تلك المحاور في كل مباراة، بينما يحاول أمثال «أنشيلوتي» أن يتقنوا جزءًا منهم فقط حسب متطلبات كل مباراة.

وإذا ما استمررنا في نفس الطريقة للبحث عن المدير الفني على طريقة الإعلان عن الوظائف، فإن ثاني المتطلبات الواجب توافرها في المتقدم لتلك الوظيفة، أن يكون متعدد المهام. من جديد، عليك التقدم بما يفيد بأنك شاركت كمتوسط ميدان من قبل كدليل على قدراتك في ذلك الجانب.

بمعنى، أنه في كل الأحوال، سواء كنت من مدرسة جوارديولا المُهيمنة، أو من مدرسة كارلو التي تحاول التكيف، فإن عليك أن تتقن في عقلك المحاور الأربعة لأي تكتيك في اللعبة.

هل تستطيع أن تجد مركزًا في الملعب يمكنه فهم المحاور الأربعة أفضل من لاعب وسط الملعب؟ الإجابة بالقطع ستكون لا. إذا كان فريقًا يعتمد على الدفاع ثم التحول إلى الهجوم، فإن متوسط الميدان هو ركيزة ذلك التحول وأحد أكثر المتحملين للأدوار الدفاعية، والعكس صحيح، على نطاق تدوير الكرة في الحالة الهجومية وقطع ووقف الهجمة عند التحول للحالة الدفاعية.

لمزيد من التبسيط، فإذا كنت حارس مرمى، فإن عليك منع تسجيل الأهداف، يشاركك في ذلك السعي لاعبو خط الدفاع، أما إذا كنت في خط الهجوم فإنك تسعى لتسجيل الأهداف بالقطع، أما كوسط ملعب؟ نعم، تسعى لذلك كله.

إتقان تلك المحاور الأربعة والذي يتيح لأي متوسط ميدان المشاركة في كل عمليات الفريق التكتيكية يتطلب صفة هامة جدًا، يفضل جوارديولا تسميتها «الرؤية».


أفضل مشاهد للمباراة


يقول «ديل بوسكي»

، رجل الحقبة الذهبية لمنتخب إسبانيا، إنك إذا شاهدت أي مباراة، فإنك لن تشاهد «سيرجيو بوسكيتس»، لكن إذا جعلت تركيزك على «بوسكيتس» وحده، فإنك ستشاهد المباراة بأكملها.

يغطي متوسط الميدان مساحة كبيرة جدًا من الملعب، طولًا وعرضًا، يحاول دائمًا أن يختار المكان الأفضل للتمرير، أو يتوقع المكان الذي سيمرر إليه الخصم. قطع الكرة ومن ثم تمريرها كلها مهام تحتاج إلى كشف الملعب وخلق ملعب موازٍ له في رأسك.


يُحكى أن

والد فرانك لامبارد كان حاضرًا لإحدى مباريات ابنه في عمرٍ صغيرة، وصرخ فيه: «الصور! لا تتوقف عن التقاط الصور!». يمكنك أن تسعى خلف مسيرة لامبارد لتكتشف كم كانت هذه النصيحة غالية للغاية.

ينبغي على لاعبي وسط الملعب كشف كل سم في الملعب، رسم خطة كاملة تعتمد على ما يدور في عقله، دراسة حالة الخصم وتمركزه وتوقع قرارات لاعبيه، وأيضًا فهم كل شيء يخص زملاءه، وتوقع قراراتهم أيضًا.

قسم الموارد البشرية داخل الملعب

وفي نفس السياق، يحكي «أليكس فيرجسون»

في سيرته الذاتية

التي صدرت عام 2013، عن التدريب الأول لروبن فان بيرسي» داخل فريق مانشستر يونايتد، أنه كل من «بول سكولز» و«جيجز» قد وجدا معاناة في فهم طريقة تحرك المهاجم الهولندي.

يمكن أن نكتشف من ذلك كم يتطلب من لاعبي وسط الملعب فهم خصائص كل زملائهم. فسواء كان في خط الهجوم، فيجب أن يتم خلق حالة من التفاهم بغرض تمرير الكرة في الوقت والمساحة اللازمتين، والتي يعتقد المهاجم أنه سيجد الكرة فيهما. عليه توقع فكر المهاجم والتكيف عليه.

والأمر ذاته مع لاعبي خط الدفاع، حيث يجب أن يتخذ أفضل موقع لاستلام تمريرة زملائه من خط الدفاع، وفي الوقت الذي ينتظره فيه المدافع.

كل تلك المعلومات تتواجد في عقل لاعب وسط الملعب خلال كسور من الثانية، والتقصير في أي منها أو عدم وضوحها بشكلٍ كامل، يؤثر بالسلب بكل تأكيد على طريقة اللعب إجمالًا.

الآن وبعد إتقان كافة أدوار التكتيك الكروي، رؤية كل زوايا الملعب، قدرات على العمل تحت الضغط، وكذلك قدرات على توقع أفكار الخصم، وفهم أفكار زملائه، هل تعتقد أنه يوجد أي مركز في الملعب يستطيع أن يعبر الجسر ويتحول من مرحلة اللاعب ليصبح مدربًا في المستقبل، أفضل من لاعبي وسط الملعب؟

فقط على إدارة النادي نفسها أن تجد الوقت المناسب للتعيين، أما عن المتقدم المثالي لوظيفة المدرب القادم، فأنا أظن أن الأمر بغاية البساطة: فقط نحتاج لمتوسط ميدان معتزل حديثًا، يستطيع ارتداء بدلة رسمية في أيام السبت والأحد من كل أسبوع.