هل يمكن أن يكون للشعب الألماني فلسفة، وللشعب الفرنسي فلسفة، وللشعب الإنجليزي فلسفة، في حين لا توجد للشعب المصري فلسفة؟ وإذا كان الفلاسفة المصريون قليلين في عددهم، فلا يعني هذا إخراج مصر من تاريخ الفكر الفلسفي؛ فمصر لم تخلُ تمامًا من الفلسفة، ولكن، هل يمكن أن نستخلص فلسفة مصرية من الأمثال الشعبية؟ بالطبع نعم؛ فالأمثال الشعبية لدى المصريين يمكن أن تعتبر أحد مصادر هذه الفلسفة؛ فهي تحمل الكثير من الحكمة، بتعبيرات بسيطة وطريفة.

ومن هذه الفلسفة المصرية الأصيلة، اخترنا ثلاثة أمثال شعبية لنجيب على السؤال التالي: لماذا لا يفضل المصريون دونالد ترامب، المرشح للرئاسة الأمريكية؟


اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش

«فلنجعل أمريكا دولة عظمى مجددًا»، شعار المرشح الأمريكي للانتخابات الرئاسية دونالد ترامب، الذي وعد باستعادة عظمة بلاده، دون أن يُعطي خطة واضحة، فأفكار ترامب ليست مختلفة فحسب لكنها مفككة بشكل خطير، بل اعتبرها البعض سلسلة من الأحاديث الفارغة الغريبة والعداءات الشخصية.

يتضح ذلك في وجود تناقض في تصريحات ترامب بشأن السياسة الخارجية، مثل دعوته إلى فرض رسوم جمركية على الواردات الصينية، في حين يتطلع إلى مساعدة بكين في كبح جماح كوريا الشمالية، فالواضح أنه لا يملك أي خبرة سياسية، كما أنه لا يريد أن يحيط نفسه بشخصيات ذات خبرة، بل يكتفي بتكرار الشعارات الشعبوية.



نشر 60 من المتمرسين بالسياسة الخارجية من الحزب الجمهوري خطابًا يتعهدون فيه بمعارضة ترامب لأنه يشكل خطرًا واضحًا على الحريات المدنية.

أظهرت نتائج استطلاع للرأي، أجرته صحيفة «وول ستريت جورنال» وشبكة «إن بي سي» الأمريكية، أن 61% من الناخبين الأمريكيين لديهم تحفظات إزاء نقص خبرة ترامب السياسية والعسكرية، بينما أعرب أكثر من 40% عن عدم ارتياحهم إزاء خلفية ترامب، التي تخلو من أي خبرة في الحياة العامة كمسئول منتخب، في حين عبر مسئولون بالمخابرات الأمريكية عن قلقهم من الأسلوب المندفع لترامب، وتأثيره الخطير على الأمن القومي، مؤكدين عدم امتلاكه الخبرة في السياسة الخارجية.

وبلغ الأمر ذروته، عندما نشر 60 من المتمرسين بالسياسة الخارجية من الحزب الجمهوري الأمريكي خطابًا، يتعهدون فيه بمعارضة ترامب، ويقولون إن مقترحاته ستقوض الأمن الأمريكي، وتشكل خطرًا واضحًا على الحريات المدنية، وانتهى خطابهم بتعهد صارم «ونحن نلزم أنفسنا بالعمل حثيثا لمنع انتخاب شخص غير مناسب بالمرة للمنصب». جدير بالذكر أن من بين الموقعين على الخطاب روبرت زويليك، الذي تولى من قبل منصب رئيس البنك الدولي، ومايكل تشيرتوف وزير الأمن الداخلي السابق، ودوف زاكيم المسؤول البارز بوزارة الدفاع في عهد جورج بوش، وكذلك ديفيد شيد، الذي كان مديرًا بالإنابة لوكالة مخابرات الدفاع بالبنتاجون.

ويدّعي ترامب أنه يمتلك بصيرة مثالية، من خلال الزعم في كتابه «أمريكا التي نستحقها»، أن أسامة بن لادن كان «مقرفًا» – على حد تعبيره – ويجب التخلص منه، وكذلك التنبؤ بتزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط بسبب الحرب على العراق، وعندما سُئل ترامب عن افتقاره للخبرة في السياسة الخارجية، وتحديدًا معرفته حول روسيا، ادّعى بأنه «يعرف روسيا بشكل جيد للغاية»؛ إذ كان له حدث كبير فيها قبل سنتين أو ثلاث سنوات، وهو مسابقة ملكة جمال الكون، الذي كان “حدثًا كبيرًا لا يصدق”، على حد وصفه.

هذا الأمر دعا الرئيس الأمريكي أوباما، إلى انتقاد ترامب ساخرًا بقوله: «يقولون إن دونالد يفتقر للخبرة بالسياسة الخارجية، لكنه وللإنصاف أمضى سنوات في لقاءات مع زعماء من أنحاء العالم: ملكة جمال السويد، وملكة جمال الأرجنتين، وملكة جمال أذربيجان»، مشيرًا إلى منافسات ملكة جمال الكون، التي كان ترامب سابقًا أحد ملاكها، وبنفس السخرية، قالت هيلاري كلينتون: إن ترامب سيدير الاقتصاد الأمريكي «مثل أحد ملاهيه الليلية».


القديمة تحلى لو كانت وحلة

أيّدت هيلاري كلينتون بشدة الهجوم الأمريكي على أفغانستان عام 2001، وقالت إنها فرصة لمكافحة الإرهاب، وتحسين حياة النساء الأفغانيات، اللاتي عانين من حكومة طالبان، كما صوتت لصالح قرار حرب العراق في أكتوبر 2002، وتصدرت كلينتون المشهد الأمريكي في التعامل مع ثورات الربيع العربي، وكانت مواقفها متناقضة أحيانًا، بدا ذلك جليًّا من خلال معاونة بعض الأنظمة الحاكمة في أثناء دعمها للمتظاهرين ضد هذه الأنظمة، كما أيّدت التدخل العسكري في ليبيا. كل هذه الأمور جعلت كلينتون وجهًا غير ذي ارتياح لدى العرب خاصة والمسلمين عامة.

ورغم ذلك فإن قِدَم عهد كلينتون بالعمل السياسي يعطيها الأريحية التي تنقصها، فقد بدأت حياتها السياسية مبكرًا، وتولت قيادة النشاط الطلابي للحزب الجمهوري في جامعتها، وشاركت في حملة نيلسون روكفيلار لرئاسة الولايات المتحدة، وقضت فترة كمستشارة قانونية بالكونجرس، وقد أدرجت مجلة القانون الوطنية كلينتون بقائمة «المحامين الـ 100 الأكثر تأثيرًا في أمريكا»، كما كانت عضوًا في الفريق القانوني المشكل من مجلس النواب أثناء إقالة الرئيس نيكسون بسبب فضيحة “ووترجيت”، وتم انتخابها عام 2000 كأول عضو أنثوي بمجلس الشيوخ، وأُعيد انتخابها بالمجلس حتى عام 2009، وتولت عضوية لجنتي القوات المسلحة والميزانية.

كما أنها زوجة بيل كلينتون، رئيس الولايات المتحدة منذ عام 1993 وحتى عام 2001، وخلال تولي زوجها للرئاسة تحدثت وسائل الإعلام عن نفوذها في صنع القرار، وهو ما أكده بيل كلينتون في إطرائه لها، إذ اعتبر أن أمريكا عندما اختارته رئيسًا لها اختارت معه رئيسة ثانية هي هيلاري.

وخلال الانتخابات الرئاسية لعام 2008، اكتسحت كلينتون الانتخابات التمهيدية، ولكنها خسرت في النهاية أمام أوباما، ثم تولّت وزارة الخارجية في عهد أوباما في الفترة من عام 2009 وحتى عام 2013، وخبرتها كوزيرة للخارجية، خاصة دورها في تقديم المشورة للرئيس أوباما خلال مهمة قتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن، تؤكد على أن نهجها السياسي هو الأكثر جدية، ويشهد بذلك وزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبرت جيتس، الذي قال إنه يعتقد أن كلينتون تستطيع أن تدير شئون الرئاسة الأمريكية بكفاءة، وتوقع جيتس أن تكون هيلاري من الصقور أكثر من الرئيس أوباما، ويؤكد المخططون الإستراتيجيون أن كفاءتها كرئيس لا يمكن التشكيك فيها؛ معوّلين في ذلك على خبرتها بشئون السياسة الخارجية والأمن القومي.

أما ترامب، فهو رجل أعمال، وملياردير، وشخصية تلفزيونية، ومؤلف، ورئيس منظمة «ترامب العقارية»، بدأ حياته بتجديد فندق الكومودور، وفي عام 2001 قام بإنشاء برج ترامب بمدينة نيويورك، الذي يحتوى على 72 طابقا، ويقع على الجانب المقابل لمقر الأمم المتحدة، وهو أطول برج في العالم قبل بناء برج خليفة بدبي، ثم انتقل إلى صناعة الطيران بشراء شركة «إيسترن شتل»، كما يمتلك اثنين من أكبر الكازينوهات، وهما: «أتلانتيك سيتي كازينو» و«كازينو تاج محل»، ويمتلك ترامب أكبر شركة بناء في الولايات المتحدة، وأكبر شبكة فنادق وكازينوهات عالمية، فضلا عن إدارته لعدة مشاريع وشركات ومنتجعات ترفيهية، بجانب العديد من الكازينوهات، والفنادق، وملاعب الجولف، والمنشآت الأخرى في جميع أنحاء العالم، وتأثر في ذلك كله بوالده فريد ترامب، أحد الأثرياء وملاك العقارات بمدينة نيويورك، ويبقى ترامب شخصية رئيسية في القطاع العقاري الأمريكي.


لسانك حصانك إن صنته صانك



خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2008، اكتسحت كلينتون الانتخابات التمهيدية، ولكنها خسرت في النهاية أمام أوباما.

لا يكف ترامب عن إطلاق لسانه اللاذع في أي مناسبة، بغض النظر عن قواعد اللياقة السياسية المتعارف عليها، فقد أشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن ترامب استغل أول جولة انتخابية كبرى له، وهاجم مجموعة عشوائية من الناس، ولم يبدُ أن هناك مكاسب سياسية سيحققها من وراء مهاجمتهم، فقد انتقد الجمهوريين الذين لم يعلنوا مساندتهم له مثل جيب بوش وسوزانا مارتينز، وميت رومني، الذي قال عنه ترامب: إنه يسير مثل البطريق، وأشار إلى أن هيلاري كلينتون لا تبدو رئيسة، وسخر من الذين يحتجون عليه، وانتقد الصحفيين الذين يغطون حملة ترشحه، وأكدت الصحيفة أن الإهانات التي وجهها ترامب كانت سمة ترشحه، ورآها أنصاره دليلًا على استعداده لمهاجمة المؤسسات بدءًا من الحزب الجمهوري وحتى الفاتيكان.

إلا أن المسلمين يحظون بمساحة خاصة وكبيرة من هجوم ترامب؛ فهو لا يترك أي مناسبة خاصة بالاعتداءات أو العمليات الإرهابية دون مهاجمة المسلمين، حيث اقترح ترامب منع دخول المسلمين إلى بلاده عقب هجمات باريس، والتي أودت بحياة 130 شخصًا، وإصابة قرابة 352، في نوفمبر الماضي، وبعد حادثة بروكسل، التي وقعت في مارس الماضي، وخلّفت أكثر من 34 قتيلا و135 جريحًا، قال ترامب: «ألم أقل لكم إنه يجب منع دخول المسلمين أمريكا؟».

وبدأ ترامب في التركيز على المسلمين منذ هجمات باريس، داعيا إلى مراقبة المساجد، وردا على سؤال من شبكة «أن بي سي نيوز» حول ما إذا كان يؤيد إنشاء قاعدة بيانات لرصد المسلمين بالولايات المتحدة، قال ترامب: «بالتأكيد سأطبق ذلك»، مما دفع المحللين لمقارنة اقتراحه هذا بطلب ألمانيا النازية من اليهود القيام بالأمر نفسه في ثلاثينيات القرن الماضي.



سخر ترامب من مرتديات الحجاب وأعلن عن استعداده لإغلاق المساجد في الولايات المتحدة ومنع دخول المسلمين إلى أمريكا.

ولا يتوقف الأمر على الرجال فقط؛ فقد سخر ترامب من مرتديات الحجاب المسلمات، قائلا: «إنهن يفضلن ذلك لأنه يقلل من استخدام مستحضرات التجميل»، ولكن سخرية ترامب من الحجاب ليست الهجوم الأول، فقد أعلن عن استعداده لإغلاق المساجد في الولايات المتحدة، وقبلها هاجم السعودية، وبلدان الخليج العربي، ورأى أن العالم كان يمكن أن يكون أفضل لو حافظ صدام حسين والقذافي على السلطة في بلديهما.

ارتفعت حدة خطابه المعادي للمسلمين في ديسمبر الماضي، بعد أن نفذ زوجان مسلمان هجومًا بالأسلحة النارية على تجمع في مركز رعاية صحية بمدينة سان برناردينو، بولاية كاليفورنيا، وأسفر عن مقتل 14 شخصًا، مما أدى إلى دعوة ترامب إلى وقف «كامل وكلّي» لدخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، وقال ترامب لوسائل إعلام: «إن استطلاعات رأي أجرتها مؤسسات متخصصة مثل «بو ريسيرش»، تضمنت بيانات تشير إلى أن المسلمين يكرهون الأمريكيين»، مؤكدًا أن «الحدود ينبغي أن تظل مغلقة أمام المسلمين حتى تتضح أسباب تلك الكراهية»، وردًا على سؤال حول ما إذا كان مقترح ترامب ينطبق فقط على المهاجرين، أم أنه سيشمل كل المسلمين من طلاب وسائحين وغيرهم، قال مدير حملته كوري لوفاندوفسكي: «الكل».

وتمثل معاداة المهاجرين إلى الولايات المتحدة إحدى دعائم حملة ترامب؛ إذ يدعو إلى بناء حائط على الحدود المكسيكية مع الولايات المتحدة؛ لمنع تسلل من وصفهم بأنهم مغتصبون ومدمنو مخدرات، مشيرا إلى أن الحاجز الفاصل الذي بنته إسرائيل في الضفة الغربية «فعّال إلى حد كبير في صد الإرهابيين»، كما وصفه.

رغم أن كل الاحتمالات تؤكد أن ترامب سوف يخوض المرحلة الاخيرة من انتخابات الرئاسة أمام هيلاري كلينتون، إلا أن كل التوقعات تؤكد صعوبة أن يتمكن ترامب من هزيمة هيلاري، والمروِّجون لانتخابه يحاولون إقناع الأمريكيين بأن ترامب شأنه شأن كل المرشحين للرئاسة، يبالغ في حملاته الانتخابية، لكنه سوف يكون أكثر واقعية إذا دخل البيت الأبيض، وكما توقع العرب أن أوباما يختلف عن سلفه بوش، ولم يجدوا بينهما اختلافا كبيرا، كذلك سيكون الحال إذا قارنّا بين ترامب وهيلاري أو غيرهما، عند تولّي المنصب الأعلى بالبيت الأبيض، ليتأكد لنا في النهاية مبدأ فلسفي مصري، يقول: «أحمد زي الحاج أحمد».


المراجع




  1. ويكيبيديا: هيلاري كلينتون.

  2. ويكيبيديا: دونالد ترامب.

  3. رويترز: كلينتون تصف ترامب بالمهرج الخطير في خطاب لاذع عن السياسة الخارجية.

  4. سكاي نيوز بالعربية: أوباما: ملكات الجمال مصدر خبرة ترامب في السياسة الخارجية

  5. الأهرام: استطلاع: 61% من الأمريكيين قلقون من عدم خبرة ترامب السياسية والعسكرية.

  6. رويترز: خبراء جمهوريون في السياسة الخارجية الأمريكية ينتقدون رؤى ترامب

  7. أخبار مصر: وزير الدفاع الأمريكي الأسبق: سياسة ترامب الخارجية متناقضة.

  8. مركز البيان للدراسات: تقييم السياسة الخارجية والمواقف المحتملة لهيلاري كلينتون ودونالد ترامب تجاه العراق.

  9. بي بي سي عربي: ترامب يدعو لمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة

  10. فرانس 24: المرشح الجمهوري الأمريكي دونالد ترامب يثير الجدل مجددا بعد كشفه عن أول إعلان انتخابي.

  11. فرانس 24: المرشح الجمهوري دونالد ترامب يريد إنشاء قاعدة بيانات خاصة لـ “رصد” المسلمين بالولايات المتحدة.

  12. روسيا اليوم بالعربي: “المهرج” الطامح لحكم الولايات المتحدة