غموض وتساؤلات عدة ترتبط بالحادث الذي أصاب مصر في بئر العبد، إثر الهجوم على مسجد الروضة، والذي

راح ضحيته

ما ينوف على 300 شهيد إلى جانب العديد من المصابين. هل يعبر الحادث عن تطور في فكر وإستراتيجية الجماعات الإرهابية في الداخل المصري؟ أم يرتبط بجهات ومصادر أخرى لها أهداف خاصة؟ وهل ستشهد مصر حوادث مماثلة في مناطق أخرى؟ أم سيظل الأمر مرتبطًا بسيناء؟


تشريح الحادث

عبوة ناسفة، وبعض الأسلحة الرشاشة، كافية لسقوط نحو 300 شهيد، حال ما يغيب الأمن

روى العديد من

شهود العيان

لمواقع إخبارية عدة تفاصيل الحادث الإرهابي الذي طال مسجد الروضة ببئر العبد، وأشارت غالبية الروايات إلى أنه مع انتهاء الأذان الثاني لصلاة الجمعة سمع المصلون صوت انفجار بمحيط بالمسجد، تبعه إطلاق نيران من قبل مسلحين صوب المصلين لوقتٍ يقترب من 20 دقيقة، سواء على من بالداخل أو من حاول الفرار.

الحقيقة أن كل المؤشرات تشير إلى كون المسجد تابعًا لأحد الطرق الصوفية أو أن رواده في غالبهم من الصوفيين، ووفقًا لتطورات المشهد في سيناء ومحاولة استهداف الصوفيين قبل الآن، تشير بعض المصادر إلى

كون الأجهزة الأمنية

في مصر قد وضعت حواجز ترابية وأغلقت بعض الطرق المؤدية للمسجد ذاته من قبل، ومع ذلك وقع الحادث بطريقة مثيرة للدهشة.

واقع الأمر، بقدر دموية الحادث إلا أنه بسيط من حيث التنفيذ، ويعبر عن تطور جديد في أسلوب وإستراتيجيات الجماعات الإرهابية، وتحولها بصورة واضحة نحو الأهداف الرخوة واستهداف المدنيين، وهذا هو الأخطر في الحادث، حيث إن طبيعة مثل هذه العمليات تلقى نجاحًا كبيرًا لدى الجماعات الإرهابية. إلى جانب أنها صعبة السيطرة عليها في غالبية حالاتها باستثناء حادثة بئر العبد، لما للمنطقة من خصوصية من ناحية، ومن ناحية أخرى لخصوصية هذا المسجد.


حوادث مماثلة

نقول لجميع الزوايا الصوفية، شيوخًا وأتباعًا، في داخل مصر وخارجها، إننا لن نسمح بوجود طرق صوفية في ولاية سيناء خاصة، وفي مصر عامة

كانت هذه الكلمات جزءًا من إصدار داعشي العام الماضي 2016، عقب حوادث مشابهة اتجهت فيها «ولاية سيناء» فرع تنظيم داعش بمصر نحو الطرق الصوفية ورموزها، كان أبرزها:

1- في العام 2013 بينما يؤدي المصلون صلاة التراويح ليلة الرابع من أغسطس/آب، سمعوا دوي انفجار، وتبين فيما بعد أنه تفجير لضريح الشيخ «سليم أبو جرير» بقرية مزار غربي العريش، وضريح الشيخ حميد بمنطقة المغارة في وسط سيناء.

2- في العام 2016 أصدر تنظيم داعش بيانًا توعد فيه الطرق الصوفية في سيناء خاصةً، ومصر عامةً. تبع ذلك في شهر نوفبر/تشرين الثاني من نفس العام إعلان تنظيم داعش ذبح الشيخ «سليمان أبو حراز»، أكبر مشايخ الطرق الصوفية بسيناء. قام أتباع تنظيم داعش بخطفه من أمام منزله بحي «المزرعة» جنوبي العريش أمام الجميع تحت تهديد السلاح، بدافع ممارسة السحر والشعوذة، وبعدها بساعات نشر التنظيم صوره على مواقع التواصل الاجتماعي وقد أعدموه بالسيف.

وقد برر «أمير الحسبة» بتنظيم داعش في حوار نشر بمجلة «النبأ» التابعة للتنظيم استهداف الصوفيين قائلًا: «اعلموا أنكم عندنا مشركون وكفار، وأن دماءكم عندنا مهدرة، ونقول لكم إننا لن نسمح بوجود زوايا لكم في سيناء».


لماذا الجريرية؟

أتباع الطريقة الجريرية يقدسون الأضرحة للغاية، ويقرأون كلامًا يحتوى على ألفاظ تدخل في الشرك، مثل الاستغاثة بالنبي وطلب الشفاعة

كانت هذه الكلمات في إطار حديث «أمير الحسبة» بتنظيم داعش في سيناء، خص فيها بالذكر الطريقة الجريرية التي ينتمي إليها غالبية المنطقة التي وقع في نطاقها الحادث، والتي يعد المسجد المستهدف مكان نشأتها الأول ومقرها الرئيسي. ووفقًا لتصريحات للشيخ «عبدالرحيم الجريري»، نائب الطريقة الجريرية، لأحد المواقع، فإن أتباع الطريقة اعتادوا أداء الصلاة في هذا المسجد للقاء الشيخ «مسعد الجريري»، الذي لم يكن يوم الحادث موجودًا بالمسجد، مؤكدًا أن الصوفيين بصفة عامة وأتباع الجريرية بصفة خاصة أصبحوا هدفًأ للتنظيم الإرهابي.

الجريرية طريقة متفرعة من الأحمدية أو البدوية المنسوبة للشيخ «أحمد البدوي» المولود في العام 596 هــ بمدينة فاس بالمغرب، والملقب بـ«أبو الفتيان» من قبل فرسان مكة، نظرًا لشدة شبهه بالإمام علي. أحمد البدوي هو مؤسس الطريقة في «طندتا»، «طنطا» حاليًا، انتلقت الطريقة إلى ربوع مصر كافة، وإلى خارج مصر، وانبثقت عنها الطريقة الجريرية في سيناء على يد «عيد أبو جرير»، وهي أحد الطرق الصوفية الصادرة في قانون 118 لعام 76.

بصورة عامة في تاريخ مصر يوجد العديد من الشواهد على دور الطرق الصوفية سياسيًا، سواء قبل مصر الجمهورية كما جاء في العام 1919 وقت الثورة ومحاولة جمع توقيعات تؤيد بقاء المحتل الإنجليزي في مصر على يد «محمد إبراهيم الجمل» شيخ «السادة السمانية» آنذاك، وبعد مصر الجمهورية وطرح الصوفية على الساحة كمحاولة لسد الفراغ جراء الإجراءات المتبعة ضد التنظيمات الإسلامية الأخرى، سواء في العهد الناصري أو الساداتي أو المباركي.

فترة الرئيس «السيسي» أيضًا شهدت دعمًا من الطرق الصوفية للنظام السياسي. بل بلغت أقصى درجات الدعم، إذ توجه البعض للقول بأن «نبي الإسلام محمد راضٍ عن السيسي» كما جاء على لسان رئيس الاتحاد العالمي للطرق الصوفية الشيخ «علاء أبو العزائم»، وبعد التصريحات نظمت الطرق الصوفية ممثلة في الاتحاد العالمي للطرق الصوفية بالتعاون مع وزارة الأوقاف لإطلاق ملتقى «التصوف ضد التطرف» في شهر يونيو/حزيران من العام 2015 عقب دعوة الرئيس «السيسي» لتجديد الخطاب الديني.

اقرأ أيضًا:

الزاهد والسياسي: العلاقة بين الطرق الصوفية والنظام في مصر


من يقف وراء الحادث؟

تحليلات عدة جاءت في إطار الحديث عن مرتكبي حادثة مسجد الروضة، فالبعض أشار إلى كونها صادرة من جماعات عنف مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين للدفع نحو مزيد من الشائعات بكون النظام المصري غير قادر على السيطرة في سيناء، والبعض أشار إلى أنها من أفعال تنظيم داعش، والبعض رأى أنها تعبير عن وجود قاعدي بمصر، وجزء آخر ذهب إلى كونها من أجهزة تابعة للدولة في إطار ادعاء البعض نية الدولة لتهجير أهالي سيناء. ولكي نقف على مرتكب الحادث فعليًا لابد بداية من الإجابة على سؤال: لماذا مسجد تابع للطريقة الجريرية بالأخص؟ هذا السؤال يساعدنا بصورة واضحة في تحديد هوية المستفيد الأكبر من الحادث.

واقع الإجابة على هذا السؤال تكمن خلف «قبيلة السواركة»، التي ينتمي الكثير منها إلى الطريقة الجريرية، التي لطالما أعلنت مساندة الجيش المصري في سيناء، والتي اشترت بذلك عداءً صريحًا لتنظيم داعش. ترتب عليه مقتل العديد من أبناء القبيلة كما جاء في شهر فبراير/شباط من العام 2015. أذاع تنظيم الدولة في فيديو مصور عملية ذبح لعشرة من أبناء شمال سيناء أغلبهم من قبيلة السواركة، بسبب ما قال إنه تعاون من جهتهم مع القوات المسلحة في الضربات العسكرية الموجهة ضد التنظيم.

إلى جانب هذا أعلنت قبيلة السواركة من قبل في مايو/آيار 2017 استعدادها الدخول في مواجهة عسكرية مسلحة ضد تنظيم «داعش»، بعد فترة وجيزة من إعلان قبيلة «الترابين» الدخول في اشتباكات مسلحة مع التنظيم.


من خلال الوقوف على المؤشرات والدلالات السابقة نجد أن المستفيد الأكبر من الحادث هم أتباع تنظيم الدولة بمصر، خاصة أن الاستهداف جاء بالأساس نحو قبيلة السواركة، وإن كان ليس من المنطقي أن يتجه التنظيم لذلك، خاصة في ظل خسارته تعاطف العديد من أتباعه والخسارات التي تتوالي عليه في كل مناطق وجوده، إلا أنه من الممكن أن يقرأ الأمر من زاوية أن التنظيم يحاول بث رسالة مفادها الوجود، وأنه مازال هاهنا بسيناء، يمثل عنصر خطورة واضحًا في ظل الحديث من قبل الأجهزة المصرية عن التحجيم للتنظيم.


هل هناك قصور أمني؟

بصورة مباشرة يمكن القول إن الحادث لا يشوبه مطلقًا وجود قصور أمني، خاصة أن جزئية تأمين المساجد كافة أمر شبه مستحيل. لكن بالوقوف على خصوصية المنطقة بصفة عامة والطريقة الجريرية ومساجدها وزواياها بسيناء بصفة خاصة، يمكن القول بأن هناك قصورًا أمنيًّا واضحًا، خاصة أن الأجهزة الأمنية استشعرت وجود خطر يحوم حول تلك المنطقة، وعليه قامت بإغلاق بعض الطرق وإقامة حواجز ترابية. إلى جانب هذا، فوفقًا لشهود العيان استمر إطلاق النيران لنحو 20 دقيقة ما يثير تساؤلًا حول كفاءة الأجهزة المعنية وقدرتها على الوجود السريع.

ختامًا، على الرغم من كون هجوم كهذا متوقعًا ليس لبعد عقائدي بتكفير الصوفيين بالأساس، وإنما لمساندة صوفيي سيناء -خاصة الجريرية- للجيش المصري في مواجهة الجماعات التكفيرية، وأنه بناء على هذا من المنطقي أن يكون الهجوم مقتصرًا على الداخل السيناوي، إلا أن حجم النجاح والتغطية الإعلامية والاهتمام بنتائج العملية من الممكن أن يدفع الجماعات الإرهابية نحو المزيد من استهداف المدنيين، سواءٌ في مؤسسات دينية أو خارجها. إلى جانب احتمالية استهداف التجمعات المدنية، كذلك من المتوقع أن تشهد أضرحة وزوايا الطريقة الجريرية بمناطق أخرى، وكذلك غيرها من الطرق الصوفية في مختلف أنحاء الجمهورية وخارجها خاصة الأردن التي يوجد بها عدد لا بأس به من أتباع الطريقة ذاتها، تفجيرات، عملًا بمبدأ أثر العدوى والانتشار.