لعل الإثارة الحاضرة بقوة في العشر دقائق الأخيرة من مباريات مونديال روسيا، لأبلغ دليل على أن الفرق بين الخسارة والفوز، لا يتجاوز أحيانًا بضع ثوانٍ، تنتقل فيها من قمة النجاح لغاية الفشل، قد لا يهم ما قدمه الفريق في شوط مهما كان مميزًا، أو لو امتد التميز لثمانين دقيقة، فإنه يذهب أدراج الريح، إذا لم يُترجم في شباك الخصم، وخاصة إذا لُدغ الفريق من لحظات قليلة، سواء كانت في ذروة التفوق أو بآخر ومضات المباراة.

المنتخب المغربي ذاق من نفس الكأس مرتين، فبعد لدغة قاتلة من مدافعه عزيز بوهدوز في الوقت بدل الضائع، أهدى من خلالها فوزًا لم تلعب له إيران، خسر أسود الأطلس أمام البرتغال بلحظة واحدة، سجل فيها رونالدو حضور فريقه الوحيد في اللقاء، والمتبقي كان اجتياحًا كاملًا من قِبل أبناء رينارد لم ينفعهم بشيء.


باجيو والكابوس المستمر

شعرت بالموت وقتها، كنت أفكر في شعور أبناء وطني، كان الأمر صعبًا وحتى اليوم لم أتقبل ما حدث.





باجيو في تصريح عام 2015.

لحظات مثل هذه تؤثر في بعض الأحيان لا على المنتخب فقط، بل على لاعبين بعينهم، على مصيرهم، وعلى مقدار النقد الذي يتعرضون له، وأحيانًا على الكرة الذهبية نفسها. من منا لم يشاهد أو على الأقل لم يسمع بركلة باجيو الشهيرة في مونديال 1994؟ النجم الإيطالي الذي حمل منتخب بلاده على كتفه، محرزًا

خمسة أهداف

من إجمالي ثمانية سجلها لاعبو الأتزوري وكان أكثر لاعبي البطولة تأثيرًا على فريقه، ما زال يطارده كابوس إهدار ركلة الترجيح الملعونة في نهائي البطولة ضد البرازيل.

لا أعرف كيف ذهبت الكرة بهذا الشكل فوق العارضة، كان أمرًا ليس له تفسير.

الأمر السيئ ألا أحد سيتذكر أجزاء المشهد الأخرى، فقبل باجيو، أضاع ماسارو الركلة الرابعة، وكابتن إيطاليا وقتها فرانكو باريزي أضاع الركلة الأولى، لكن وحده باجيو اختارته الكرة لتعاقبه بشكل أبدي. ولتكتمل الدراما، فإن

النجم الإيطالي صرح

بأنه أضاع بضع ركلات جزاء في حياته، جميعهم تصدى لهم الحارس.

بعد ذلك بخمسة أشهر، تحديدًا في 20 ديسمبر 1994، أكملت الساحرة المستديرة لعنتها

بتتويج ستويشكوف بجائزة الكرة الذهبية

، بعد حصده 210 أصوات بينما حل باجيو ثانيًا بـ136. الطريف أن اللاعب البلغاري كان من ضحايا عاصفة ميلانية، سحقت فريقه الكتالوني برباعية نظيفة بنهائي دوري الأبطال في نفس السنة.


أوليفر كان: الأسد الجريح

كرة القدم لعبة سهلة، 22 لاعبًا يطاردون الكرة لمدة 90 دقيقة، وفي النهاية يفوز الألمان.


مقولة النجم الإنجليزي

جاري لينيكير الشهيرة تنطبق بحذافيرها على المنتخب الألماني بمونديال 2002. فبالرغم أن الجيل لم يكن به أسماء رنانة باستثناء أوليفر كان ومايكل بالاك، ولم يكن المانشافت من المرشحين بقوة للفوز باللقب، إلا أن هذا المنتخب نجح في الوصول للنهائي، بأسماء أغلبها متوسطة وبحارس عملاق كان الأفضل حسب كثيرين وقتها. مشوار مميز قدمه الأسد الألماني طوال البطولة، فحرس عرين مرماه ببراعة منقطعة النظير، حتى أن الألمان لم يتلقوا سوى

هدف واحد

قبل المباراة النهائية. وهنا تبدأ ذاكرة البشر الانتقائية في اختزال اللحظات.

لحظتان فقط خذلتا «كان»، كلفا فريقه اللقب الذي لم يرشحهم أحد له. فعند الدقيقة 67، ارتدت الكرة من أحضان الحارس الألماني بعد تسديدة لم تكن بالقوة اللازمة من جانب ريفالدو، ليتابعها زميله رونالدو ويحرز هدف التقدم للسامبا، ثم بعد 12 دقيقة، يقوم الأول 10 بتفويت الكرة فتصل للظاهرة، الذي يوقع على هدف ضمان اللقب، وضمان أن أوليفر كان سيعيش أسوأ لياليه في الكرة.

الحسرة ليست فقط في أن «كان» سيظل يتذكره الجمهور بأنه أخطأ في هدف البرازيل الأول، بل في أن الأسد الألماني قدم أداءً جيدًا جدًا في اللقاء ونجح في التصدي لعدة

فرص خطرة

لرونالدو وجيلبرتو سيلفا، والحسنة الوحيدة أنه نال جائزتي أفضل حارس ولاعب في البطولة، لكنه حل ثالثًا في تصويت

الكرة الذهبية

خلف رونالدو روبرتو كارلوس على الترتيب.


زيدان والنطحة المريرة

كان مونديال 2006 بمثابة كارنفال للنجم الفرنسي، زين الدين زيدان، وما زالت فنياته ولمحاته ضد البرازيل المدججة بالنجوم. لقطات زيزو وهو يروض برشاقة أصعب الكرات، حاضرة في أذهان مشجعين الكرة. أداء أسطوري يليق بمشوار لاعب كبير. لاعب تعاني فرنسا في غيابه لتجد من يقود دفتها بعده. 3 أهداف أولها ضد إسبانيا في دور الـ16، ثم في نصف النهائي أمام البرتغال، وآخرها بمواجهة العملاق الإيطالي بوفون في النهائي، من ركلة جزاء على طريقة بانينكا، لكن كل ذلك لم يكفِ لتكون البطولة أفضل ما يتذكره زيزو عندما يسترجع إنجازاته.

كانت فرنسا الطرف الأفضل في النهائي بوضوح، وكان زيدان مصدر الخطورة المستمر، يضمن تفوق الديوك، إلى أن جاءت لحظة كانت وما زالت تسيل الكثير من الحبر. احتكاك لفظي بين النجم الفرنسي ومدافع إيطاليا، ماركو ماتيراتزي، انتهت بالنطحة الشهيرة، التي طرد على إثرها زيزو وأسهمت بشكل كبير في تتويج الأتزوري باللقب الغالي، بعد الفوز بركلات الترجيح 5-3.

بالطبع ألوم نفسي، لكنني إذا اعتذرت سأكون معترفًا بأن ما قاله طبيعي. بالنسبة لي لم يكن طبيعيًا، هذه الأمور تحدث في الملعب وحدثت معي عدة مرات، لقد شتموا والدتي أكثر من مرة ولم أرد، لكن هذه المرة لم أتحمل.

هكذا علق

زيدان

على الحادث بعد أربع سنوات، لم يأبه زيزو بالشتائم التي تعرض لها في اللقاء، ولو أنه استمر على هذا المنوال لحقق ربما الكأس للمرة الثانية له ولفرنسا، لكنها اللحظات يا عزيزي. «سأعطيك قميصي بعد المباراة إذا كنت تريده لهذا الحد»، قالها زيدان أثناء تعرضه للشد من طرف

ماتيراتزي

، ليرد الأخير: «أفضّل أن تعطيني أختك». هنا أطلق الفرنسي رأسه في معدة الإيطالي غير آبه بشيء، وتاركًا تحقيقه لجائزة أفضل لاعب في المونديال، يذكره بمرارة لحظة النطحة.


شنايدر: ضحية اللحظات والنسيان

شهد موسم 2009-2010 ذروة التألق لنجم الوسط الهولندي ويسلي شنايدر، على مستوى النادي والمنتخب، فرديًا وجماعيًا. بعد ثلاثية تاريخية لم يحققها في إيطاليا غير إنتر ميلانو، وبتأثير كبير من الهولندي الذي مثل ركيزة أساسية في خطة المدرب جوزيه مورينيو، استمر شنايدر في موسمه الناجح، متجهًا رفقة زملائه في المنتخب إلى مونديال 2010 بجنوب أفريقيا، الذي كان

هدافه

برصيد خمسة أهداف بالتساوي مع مولر، وفورلان، وفيا، والذين يلعبون جميعهم كمهاجمين.

الطواحين يتقدمون ويصلون أخيرًا للنهائي المنتظر منذ عام 1978. من المؤكد أن شنايدر قد سمع بسوء الحظ الذي يرافق هولندا، والذي لم يقدر لاعبهم الأعظم يوهان كرويف على ترويضه، غير أن ويسلي لم يكن يؤمن بذلك ربما، إلى أن جاءت الدقيقة 61، فبتمريرة سحرية من صاحب الرقم عشرة، كادت لتصنف من أجمل التمريرات الحاسمة في نهائيات كؤوس العالم، رفض أرين روبين دخول التاريخ، وأضاع مجدًا شخصيًا وآخر وطنيًا، وثالثًا، هو أقساهم، مجد شنايدر الذي كان أكثر من يستحق.

بالطبع كرة القدم ليست كريمة لتعطي هولندا فرصة أخرى كتلك التي أضاعها روبين مرة ثانية، لكن وليتأكد ويسلي أن الساحرة المستديرة انقلبت عليه، تلقى الجناح السريع غير الحاسم، كرة سبق فيها بويول وبيكيه، ليصل إلى كاسياس ويفشل في مراوغته، وكما قال الشوالي أثناء تعليقه وقتها: «مش مكتوبك مش نصيبك يا هولندا»، ونسي كما نسي الآخرون بعد ذلك، شنايدر نفسه.


الأمر المفزع أن القائمة الثلاثية لجائزة الكرة الذهبية تغاضت عن «ويسلي» على حساب ميسي الذي أُقصي على يد فريق شنايدر بالذات، إضافة لتشافي وصاحب هدف الحسم أمام هولندا، إنييستا، والأكثر فزاعة أن

الإعلام الإيطالي

وحده هو من غضب لعدم تواجد اسم الهولندي في الترشيحات النهائية.

السنوات التالية لم تحمل الكثير لشنايدر، الذي نساه الجميع ولم ينصفوه في ذروة تألقه، فلم يكن مستغربًا أن يغيب عن الأضواء، خاصة أنه انتقل لجالطة سراي التركي، بعد موسم مخيب مع إنتر، ثم إلى نيس الفرنسي ومنه إلى الغرافة القطري.

نسيان الجميع لشنايدر إلا قلة من الصحفيين المنصفين والمشجعين أصحاب الذاكرة القوية، لربما تعتبر القصة الأسوأ من بين ما سردنا، فباجيو رغم ضياعه لركلة الجزاء، لقى احتفاءً عالميًا به، والملايين بكوا تعاطفًا معه، كما استمر في التألق مع يوفنتوس وميلان وإنتر وبولونيا وبريشيا. كذلك أوليفر كان، واصل اللعب إلى أن شارك في مونديال 2006 ولو كانت بمباراة تحديد المركز الثالث، أما زيدان فقد اعتزل ولم يتأخر نجاحه المدوي بتحقيقه ثلاثة ألقاب متتالية لدوري الأبطال، في وقت لم يتمكن أكثر المدربين عبقرية من حصد لقبين متتاليين من نسخة البطولة الجديدة.

قد يرى كثيرون أن فوز شنايدر بالكرة الذهبية، أمر غير مضمون بسبب ضعف إحصائياته مقارنة بالثلاثي ميسي وتشافي وإنيستا، لكنه حتمًا أنقذ مسؤولي الفيفا من الحرج، في حال أحرز روبين أيًا من انفراديه الضائعين، لأن وقتها سيكون ويسلي أول لاعب – باستثناء رونالدو الذي نالها بـ2002- يفوز بدوري الأبطال والمونديال بنفس السنة ولا يحقق الكرة الذهبية.