هل يخلط الزيت بالماء؟ الإجابة العلميَّة تكون لا، فيترفَّع الزَّيت ويطفو فوق سطحِ الماء، ولكن هناك حالات استثنائية، بإضافة مستحلَب لعملية الخلط، سواء كان مسحلَبًا مؤقتًا أو مسحلَبًا دائمًا أو مستحلَبًا بتكنولوجيا النَّانو، كذلك الأمر في العلاقات بين الأقطاب المتنافرة سياسيًا وعقائديًا، فإيران «الزَّيت» دائما ما تترفَّع عن وجود علاقات مع التنظيمات السَّلفية الجهادية «الماء»، ولكن من إن وُجِد المستحلَب فالأمر يتغير، والشَّاهد أنه دائما ما يكون مستحلَب مؤقَّت، يحتاج دائما للرَّج ليظل الامتزاج قائمًا، وقبل الرَّج لا بد وأن يكون الوعاء مغلقًا جيدًا.وعليه تخبرك الكيمياء السِّياسية حال ما أردت فهم طبيعة العلاقات بين قطبين متنافرين فعليك بالبحث عن ثلاث: المستحلَب « المصالح المشتركة»، إحكام الغلق «السِّرية»، الرَّج «التَّفاعل وعدم الثَّبات في العلاقة».


إيران والقاعدة:

تَشِيع في الفترة السَّابقة أقاويل حول علاقة تنظيم القاعدة بإيران ودعم الثَّانية له، حقيقة الأمر للوهلة الأولى من الممكن أن يُسرع البعض للنفي؛ فلا يُعقل أن يلتقى شيعيٌ متطرفٌ مع سنيِّ متطرفٍ! ولكن في عُرف السِّياسة كل ما هو مُتاح مُباح، «وطبيعي أنوجود علاقة ما بين الطرفين شبه مستحيل» ولعل الخلاف العقدي هو الأساس في ذلك، ولكن لكل قاعدة شواذ.

السعودية مستحلبًا:

تنظيم القاعدة لديه من الاستثناءات التي تدفعه نحو قبول علاقة مامع إيران تتلخص في: عداء الثَّانية للسَّعودية والولايات المتحدة اللذان مثَّلا عدوًا للثاني، وكذلك الأمر بالنسبة لإيران فبعداء القَّاعدة للَّسعودية وأمريكا من الممكن أن يدفعه نحو إيران.والشَّواهد عدة على وجود تقارب إيراني قاعدي منذ نشأة التنظيم وتحديدًا بعد تحرير الأفغان وتوجه الجهاديين نحو المنطقة العربية وفِرار أتباع القاعدة إلى السُّودان ودعم إيران لهم عقب سحب السَّعودية الجنسية من «ابن لادن» وعمل السلطات الأمريكية والسَّعودية على ملاحقة أتباع تنظيم القاعدة وذلك وفقًا لتحقيقات 11 سبتمبر الرَّسمية ولعلَّ ما يُدلِّل على ذلك كون تلك الفترة كانت من أزهر فترات التقارب الإيراني السوداني في عهد الرئيس عمر البشير المتولِّي للحكم عقب انقلاب 1989.شاهد أخر يرتبط بأحداث تفجيرات الرِّياض بالثاني عشر من مايو 2003 وما دار حول كون مكالمة قيادي القاعدة «سيف العدل» مصدرها إيران مما دلَّل بصورة أساسية على صحة المعلومات التي كانت متداولة عقب أحداث سبتمبر عن كون أن هناك فرقة تابعة للقاعدة فرَّت من أفغانستان إلى إيران عقب الغزو الأمريكي، كذلك وفقًا لرسائل «أبوت أباد» التي حصل عليها في منزل «ابن لادن» يُشار إلى أن بعض الأفراد القاعديين كانوا بإيران، وهذا وفقًا لما قاله «ابن لادن» لـ الشيخ محمود «عطية عبد الرحمن» «فيما يخص الأخوة القادمون من إيران فأرى أن يكونوا في هذه المرحلة في أماكن آمنة خارج مناطق القصف».ولعل أخر ما شاع حول العلاقة بين الطرفين يرتبط بتصريحات «أبو محمد العدناني» المتحدث باسم داعش في العام 2014 قائلا «ظلَّت الدولة الإسلامية تلتزم نصائح وتوجيهات شيوخ الجهاد ورموزه، ولذلك لم تضرب الدولة الإسلامية الروافض في إيران منذ نشأتها، وتركت الروافض آمنين في إيران، وكبحت جماح جنودها المستشيطين غضبًا، رغم قدرتها آنذاك على تحويل إيران لبرَكٍ من الدماء، وكظمت غيظها كل هذه السنين، تتحمَّل التهم بالعمالة لألدَّ أعدائها إيران لعدم استهدافها، تاركة الروافض ينعمون فيها بالأمن والأمان، امتثالًا لأمر القاعدة للحفاظ على مصالحها، وخطوط إمدادها في إيران».


إيران وطالبان:

كانت تلك الكلمات من بيان لحركة طالبان خرج في مايو من العام 2015 أعلنت فيه أنها قامت بإرسال وفدٍ من مكتبها ب«قطر» إلى «إيران» لبحث الأوضاع في «أفغانستان» مع مسئولين إيرانيين، في الوقت الذي كان هناك العديد من الأقاويل المتداولة حول وجود علاقة سرية بين الطَّرفين،ومنذ أيام تخرج العديد من التحليلات التي تفيد وجود تحالفٍ – إن صحَّ التعبير – ما بين إيران وطالبان لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد الأفغان.

الحالة الطبيعية للعلاقة:

وبالإضافة للمانع العَقَدي الذي يدفع البعض لنفي وجود علاقات ما بين إيران والقاعدة، تأتي أسباب أخرى تدفع نحو استبعاد وجود علاقة ما بين طالبان وإيران، فمن ناحية طالبان فلديها العديد من المبررات لعداء إيران، بداية من مساندة إيران لتحالف الشَّمال الأفغاني أو الجبهة الإسلامية المتحدة للإنقاذ في أفغانسان بقيادة «أحمد شاه مسعود» حركة مناهضة لطالبان، وكذلك الدور الذي لعبته إيران في مؤتمر «بون الأول» المؤسس لما بعد طالبان بنوفمبر من العام 2001 ودعمها الوفد الثالث بالمؤتمر«وفد قبرص»، إلى جانب هذا يأتي الدعم الإيراني للولايات المتحدة ومدّها بالخرائط التي تحدد مواقع طالبان بداية غزوها للأفغان وتقديمها عرضًا لتدريب جنود من القوات الأفغانية آنذاك للقضاء على طالبان.من ناحية إيران فالسبب الأسياسي – بخلاف العقيدة – الذي دفعها لرفض طالبان كان متمثلا في جماعة «جند الله» التي ظلَّت مبايعة لطالبان حتى نهاية العام 2014، والتي قامت في العام 1998 باستهداف دبلوماسيين إيرانيين بالقنصلية الإيرانية في مدينة «مزار شريف» الأفغانية.داعش مستحلبًا رئيسيًا:

الدافع الأساسي المستخدم لتفسير وجود علاقة ما بين الطرفين هو «تنظيم الدولة» وتمدُّده في بلاد الأفغان الأمر الذي يهدِّد الحدود الإيرانية، من ناحية ويهدد وجود طالبان من ناحية أخرى خاصة بعد وفاة «الملا أختر منصور» وما سيتبع ذلك من تداعيات.

بداية السبب وراء رفض إيران للعلاقات مع طالبان والمتمثل في جماعة «جند الله» ودعم الثانية له، قد أزيل بمبايعة الجماعة لداعش في نوفمبر من العام 2014، وتبع ذلك تحركات من قبل طالبان نحو إيران وأبرزها في إرسال وافد بمايو من العام 2015، وقبل ذلك يأتي الصراع الأمريكي الإيراني ما قبل الاتفاق النووي، سببًا في تقارب طهران وطالبان، في العام 2007 حيث أُشِيعت أخبار حول مدِّ إيران لطالبان بأسلحة ودعم مالي إثر تكليف «الملا عمر» لـ «خير الله سعيد» في العام 2000 لتحسين العلاقات مع إيران.من ناحية أخرى تأتي زيارات «الملا أختر منصور» لإيران في فبراير ومارس وأبريل من العام الحالي والتي آخرها كان قُبيْل مقتله حيث يُذكر أنه كان عائدًا من إيران وقت استهدافه بطائرة بدون طيار، شاهدًا آخر على تقبُّل إيران لطالبان والسَّعي للتحالف معها، كما أن الانسحاب الأمريكي من الأفغان والذي لم يكتمل بعد. ما زال يمثِّل تهديدًا للمصالح الإيرانية التي دائمًا ما رأت في التواجد الأمريكي هناك مهدِّدا لمصالحها، من ناحية أخرى تواجد داعش يهدد باستمرار عدم الاستقرار في بلاد الأفغان مما يهدد المشاريع الإيرانية المنوط بها هناك.


التفسير العقدي لإقامة علاقات:

بعيدًا عن أن المنحى العقدي غير مؤثرٍ بصورة أساسية في عملية صنع القرار بإيران، إلا أن الإجابة على سؤال: لماذا يتحالف شيعيٌ متطرفٌ مع سنيٍ متطرفٍ من الناحية العقدية؟تتلخص باختصار شديد في نقطتين أساسيتين هما: «استغلال الظروف» و«الضرر العام والخاص»، فالعقل السياسي للمتطرفين يتَّسم بمبدأ هام ألا وهو استغلال الظروف، ولعل هذا ما يدفع متطرف شيعي للتحالف مع متطرف سني فإيران تعمل منذ قديم الأزل على زعزعة الاستقرار في المنطقة وتحجيم النفوذ السعودي والقاعدة في حالة عداء مع السعودية من ناحية، ومن ناحية أخرى طالبان تعد قوة غير مؤثرة على إيران مقارنة بتنظيم داعش، فحال ما يتمكن داعش من القضاء على طالبان يكون الأمر في غير صالح إيران ومن ثَمَّ هناك دافعا للتحالف بينهما مؤقتًا.إلى جانب هذا تأتي القاعدة الأساسية التي تستند إليها الجماعات المتطرفة « دفع الضرر العام بارتكاب ضرر خاص» الضرر العام هنا ما يراه تنظيم القاعدة من السكوت عن أفعال الدول العربية التي يكفرها وتراه طالبان في السكوت عن مواجهة داعش، والضرر الخاص هنا هو التحالف مع قطب شيعي ومن ثَمَّ – وعملًا بالقاعدة – فقبول كليهما التعامل مع إيران كملاذٍ وممولٍ أمر مقبول لديهم ما داموا يدفعون ضررًا أكبر.


مستقبل العلاقات الإيرانية بالسلفية الجهادية:

أن وفدًا رفيع المستوى بقيادة «طيب آغا» قام مؤخرًا بزيارة إلى إيران.

بقى لنا نهايةً الحديث حول مستقبل العلاقات الإيرانية بالسلفية الجهادية في ظل التوتر السعودي الإيراني من ناحية والتمدد الداعشي وضعف طالبان من ناحية أخرى.فمن ناحية القاعدة فعلى الرغم من كون هناك تصريحات قاعدية عدة تشير إلى أن إيران لا يمكن الثقة بها بناءً على حادثة مقتل نجل ابن لادن «سعد»، وكذلك طرد إيران صهر ابن لادن « سليمان أبو غيث» إلا أنه لا شك أن القرار السعودي قرارًا مؤثرًا بصورة كبيرة على التحركات الإيرانية السياسية في الفترة الحالية وسيدفعها نحو اللعب بكافة الأوراق الممكنة من أجل الحفاظ على نفوذها في المنطقة ولعل ورقة تنظيم القاعدة من الأوراق الهامة لها في ذلك الوقت خاصة للتواجد القاعدي في اليمن وطبيعة الصراع هناك من ناحية، ومن ناحية أخرى ما يشاع حول كون القاعدة أصبحت جزءًا من الماضي فحاجة التنظيم للعودة بقوة للساحة قد تدفعه إلى قبول أي وسيلة من وسائل التعاون مع إيران في تلك الأوقات وعليه ربما نجد في الفترة القادمة تقاربًا إيرانيًا قاعديًا في أشد صوره.من ناحية طالبان الأمر أكثر وضوحًا شيئًا ما من القاعدة، فالهدف الأساسي من التقارب الإيراني الطالباني يتمثل في تواجد تنظيم داعش في بلاد الأفغان وتمدده وتهديده للحدود الإيرانية – وإن كان هناك علاقة ما بينهما – ولكن بزوال هذا السبب تنتهي عملية الخلط بين الزيت والماء ويتوقف التفاعل ما بين إيران وطالبان، ولكن حال التمكن من تحجيم داعش ببلاد الأفغان يعود الصراع ما بين طالبان وإيران والذي يرجَّح أن ينتهي لصالح إيران.


المراجع




  1. .Exclusive: Iran Teams With Taliban to Fight Islamic State in Afghanistan.foreignpolicy

  2. العلاقة بين القاعدة وإيران في الميزان الغربي، جريدة الشرق الأوسط

  3. بين طهران وطالبان: تحالف المصلحة، نون بوست

  4. مع تأكيد الحركة .. حقيقة العلاقات بين طالبان وايران، بوابة الحركات الإسلامية

  5. تحالف الشمال، موقع المعرفة

  6. بدء مؤتمر بون الدولي بشأن مستقبل أفغانستان فيشر‏:‏ المجتمع الدولي يطالب الأطراف الأفغانية بتحمل مسئولياتها، مؤسسة الأهرام

  7. حسن قطامش، الموقف الإيراني من حرب أمريكا لأفغانستان: الجمهورية الحائرة.. والخيارات الخاسرة، مجلة البيان