للقانون فى المجتمعات الحديثة مكانة وأهمية ترفعه إلى درجة التقديس، فهو يعتبر أداة التمييز والتفريق بين جميع الأشخاص داخل الدولة، ولا مجال لضبط حركة المجتمع على إطلاقها إلا بالقانون. والتزام الأشخاص داخل الدولة به لا يقبل النقاش، فلا يملك الأشخاص إلا تنفيذ الالتزامات القانونية الواقعة على عاتقهم متى استكمل القانون شرائطه الشكلية من صدوره عن سلطة مختصة ثم موافقة رئيس الجمهورية ثم نشره للكافة، والأخير هو الركن الأهم فى إلزام القانون، إذ يعتبر نشر القانون فى الجريدة الرسمية دليلًا لا يقبل الإنكار، ولا يجوز لشخص الاعتذار بالجهل بالقانون كقاعدة. وكي نفهم أحكام القانون والتزاماته والحقوق التي يحميها، علينا أولًا تعريفه.


ما هو القانون؟

فى اللغة: قانون كل شىء مقياسه

[1]

وطريقته، والقوانين هي الأصول

[2]

.

فى الاصطلاح: القانون مجموعة القواعد القانونية المطبقة فى بلد معين وزمن معين

[3]

، وذلك ما يعرف بالقانون الوضعي، حيث توضع قواعده سلفًا، ويستطيع الأشخاص داخل المجتمع الواحد تنظيم معاملاتهم وحياتهم وفقًا له. وقد يقصد بالقانون الوضعي معنى خاصًا، يتمثل فى مجموعة القواعد القانونية التي تضعها سلطة معينة فى الدولة بهدف تنظيم أمر معين، فيقال قانون الشهر العقاري والإصلاح الزراعي وتنظيم الجامعات والعمل والقانون التجاري والبحري والجوي

[4]

.


خصائص القاعدة القانونية

للقاعدة القانونية خصائص ثلاث تميزها عن قواعد الدين والأخلاق.

العمومية والتجريد

يقصد بتلك الخِصيصة أن يكون خطاب القاعدة القانونية موجها للكافة دون تخصيص، فهي لا تتعلق بشخص بذاته أو واقعة بعينها، لكنها توجه أحكامها إلى عموم الأشخاص داخل الدولة. وتكون القاعدة مجردة متى خاطبت أفراد المجتمع بأوصافهم لا ذواتهم، وأحاطت الوقائع بشروطها وأوصافها دون تعيين، كما لا يقتصر تطبيق القاعدة القانونية على جزء من أجزاء الدولة بل تشمل كل الأقاليم

[5]

. لكن لا يقصد بالتجريد ضرورة أن يتوجه خطاب القاعدة القانونية إلى جميع أفراد المجتمع، بل يتحقق التجريد متى كانت القاعدة تخاطب فئة معينة حُددت أوصافها، مثل الأطباء والمحامين والتجار

[6]

. وتكمن أهمية خصيصة العمومية والتجريد في تحقيق المساواة بين أفراد المجتمع والتأكيد على سيادة القانون.

السلوكية

يقصد بها إظهار السلوك الواجب على الأفراد داخل الدولة اتباعه فى غمار تعاملاتهم اليومية، وهي تبرر اختلاف القوانين ما بين دولة وأخرى، كما تبرز ارتباط القانون ببعض العلوم الإنسانية الأخرى مثل علم النفس والاجتماع والاقتصاد والسياسة. إلى جانب هذا، تهتم القاعدة القانونية بعلاقات الأفراد الظاهرية وتترك علاقاتهم الباطنية للدين، فالقاعدة القانونية لا تهتم بالدوافع النفسية التي تظل كامنة فى ضمير المواطن

[7]

.

الجزاء

ركن جوهري فى القاعدة القانونية، يختلف حسب القانون الذي يحوي القاعدة القانونية، فالجزاء فى القانون المدني قد يكون تعويضًا أو بطلانًا، أما في القانون الجنائي فيكون سجنًا أو حبسًا أو غرامة، وفي القانون الإداري يكون بطلان قرار أو لفت نظر أو حرمانًا من الترقية أو عزلًا للموظف العام من الوظيفة، فلا قاعدة دون جزاء.


أقسام القانون

ينقسم القانون الداخلي – أي المطبق داخل الدولة – إلى قسمين:

1 – قانون عام

ينظم العلاقات التي تكون الدولة فيها طرفًا ذا سيادة وسلطة عامة فى المجتمع.

يندرج تحت ذلك القسم:

– القانون الدستوري: مجموعة القوانين المكملة للدستور، تنظم سلطات الدولة وشكل العمل بها وواجبات الأفراد داخل تلك السلطات وتجاهها، مثل قانون مجلس النواب وقانون الأحزاب وقانون الانتخابات وقانون السلطة القضائية وقانون هيئة الشرطة.

– القانون الإداري: مجموعة القوانين المنظمة لعمل السلطة التنفيذية في الدولة، وتنسق عمل هيئاتها، كما تنظم إدارة الحكومة للمرافق العامة بالدولة، مثل قانون المناقصات والمزايدات وقانون الخدمة المدنية.

– القانون المالي: مجموعة القوانين المنظمة للمالية العامة للدولة وما لها من إيرادات وما عليها من نفقات، مثل قانون الضرائب على الدخل وقانون الضرائب العقارية والميزانية العامة للدولة، فدائمًا ما تصدر الميزانية على شكل قانون من مجلس النواب، تبدأ – الميزانية – فى الأول من يوليو وتنتهي في الثلاثين من يونيو كل عام.

– القانون الجنائي: مجموعة القوانين التي تحدد أنواع الجرائم والعقوبات المنوطة بكل جريمة، وكذا تنظيم المحاكم الجنائية ودرجاتها وواجبات السلطة القضائية فى التحقيق والقضاء فضلًا عن حقوق المتهم، مثل قانون العقوبات المصري لعام 1937 وقانون الإرهاب المصري لعام 2015 وقانون المرور وقانون الإجراءات الجنائية.

2 – قانون خاص

ينظم علاقات الأفراد داخل المجتمع معًا، وعلاقات الأفراد بالدولة بصفتها جهة عادية لا ذات سيادة أو سلطة عامة. ويندرج تحت هذا القسم عدة قوانين.

– القانون المدني: الشريعة العامة لقسم القانون الخاص. متى تعذر العثور على نص فى القانون الخاص يحكم واقعة معينة، يرجع الأفراد إلى القواعد الواردة فى القانون المدني. سمي عمدة القانون، لما له من أهمية قصوى فى الحياة، فلا تخلو تعاملات الأفراد اليومية من أحكام القانون، سواء عمليات البيع والشراء، وتأجير العقارات، والرهون الرسمية والحيازية.

– القانون التجاري: مجموعة القوانين المنظمة لعمل التجار والشركات فى المجتمع، مثل قانون التجارة المصري لعام 1999 وقانون الاستثمار لعام 2017 وقانون الشركات المصري وقانون هيئة سوق المال.

– القانون البحري والجوي: مجموعة القوانين المنظمة لعقود نقل الأفراد والبضائع بالسفن والطائرات، وكذا إنشاء السفن والطائرات وبيعها وتسجيلها والتأمين عليها وعلاقات عمل القباطين والطيارين المدنيين وطاقم الملاحة وطاقم الخدمة الجوية، وتعتبر الاتفاقيات الدولية الخاصة بالنقل البحري والجوي مصدرًا لها لا يجوز مخالفته.

– قانون العمل: ينظم عقود عمل الأفراد فى مواجهة أرباب العمل، وتعد أحد أهم القوانين التي يتغافل عنها العمال وأرباب العمل، فى شبه تواطؤ عام مسكوت عنه. وفرع قانون العمل حديث النشأة، إذ كان الرجوع فيما مضى إلى قواعد القانون المدني.

– قانون المرافعات المدنية والتجارية: قوانين إجرائية تنظم الدعاوى فى المحاكم، بداية من رفع الدعوى، مرورًا بإعلانها، ثم الجلسات، ثم الحكم، وأخيرًا تنفيذ الحكم سواء طوعًا أم جبرًا، وكذلك تحديد درجات المحاكم واختصاصها القيمي والمكاني والموضوعي، وطرق الطعن على الأحكام ووقف تنفيذها.


تصنيف وتقسيم القواعد القانونية

تنقسم القواعد القانونية إلى نوعين:

– قواعد آمرة: لا يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها، مثل ما نص عليه القانون المدني فى المادة 27 فقرة 2 من عدم جواز حساب نسبة فائدة تتخطى حاجز الـ 4% فى الأعمال المدنية و7% في الأعمال التجارية، وتعتبر كافة أحكام قانون العقوبات قواعد آمرة لا يجوز الاتفاق على مخالفتها.

– قواعد مكملة: يجوز للأفراد الاتفاق على استبعادها، مثل حالة عقد البيع، حيث يتوجب ذكر الثمن والشيء المباع فقط، ولا يلزم ذكر طريقة الدفع أو مكان التسليم وزمانه ورسوم التسجيل، إذ لا يؤدي غياب أي من ذلك إلى بطلان العقد، وإن كان يفضل ذكرها فى العقد بالتفصيل منعًا للتحايل.


مصادر القاعدة القانونية

في النظام القانوني المصري، مصادر القاعدة القانونية أربعة:

– التشريع: قواعد تسن لتنظيم العلاقات داخل المجتمع. وينقسم التشريع الى الدستور، تليه القوانين الأساسية المكملة للدستور، ثم القوانين العادية، ثم اللوائح التنظيمية والقرارات الإدارية والنشرات المصلحية. يصدر الدستور عن الجمعية التأسيسية، أما القوانين الأساسية والقوانين العادية فتصدران عن مجلس النواب، وتصدر اللوائح عن الحكومة بموافقة رئيس الوزراء، وتصدر القرارات الإدارية والنشرات المصلحية عن الوزارات وتعمم على كافة المصالح والهيئات والمؤسسات والشركات الحكومية.

– العرف: سلوكيات اتفق الوعي الجمعي للمجتمع على احترامها، واعتاد الناس فعلها بشكل مطرد. ودائمًا ما ينشأ العرف قبل التشريع، ويلزم لقيامه وجود ركن معنوي هو تمتعه باحترام الكافة، وركن آخر هو الاعتياد، بمعنى اعتياد الأفراد على ذلك العرف بصورة دائمة. ومن أمثلة ذلك في العلاقات التجارية تحمل المشتري تكلفة شحن البضائع، بينما إذا ردت البضائع إلى البائع تحت مسمى «المترجع» فيتحمل هو تكلفة شحنها، ويختصر التجار ذلك بمقولة «البضاعة الراجعة على أبوها». ومن أمثلة ذلك فى الأحوال الشخصية أحقية المخطوبة بالشبكة إذا فسخ الخاطب الخطبة، بينما ترد الشبكة إلى الخاطب إذا فسختها المخطوبة.

– الشريعة الإسلامية: قواعد وأدلة كلية تركها فقهاء المسلمين عبر العصور، وفي حين ينص القانون على أن مبادئ الشريعة مصدر احتياطي ثالث، تستقى أغلب قواعد القانون المدني أحكامها من الشريعة الإسلامية، فتجد أساس نظرية العقود ونظرية الحق وفكرة التعسف فى الحق والإيجار والوقف وغيرها فى الشريعة الإسلامية.

– قواعد القانون الطبيعي وقواعد العدالة والإنصاف: قواعد اتفقت عليها كافة الأمم والشعوب، تمثل الأسس المشتركة بينهم، مثل احترام المساواة بين الخصوم وعلانية الجلسات وما شابه.


النظام القضائي

حاليًا، يعرف العالم نوعين رئيسيين من الأنظمة القضائية.

– النظام الأنجلوسكسوني: يقوم على اختصاص عام للقاضي، يؤهله للنظر في كافة المنازعات، سواء منازعات إدارية أو منزاعات تندرج أسفل القانون العادي، كما يملك حق نظر دستورية القوانين. غالبًا ما تكون المحكمة من قاضٍ واحد، وهو النظام المطبق فى إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

– النظام اللاتيني: يقوم على فصل الجهات القضائية، بمعنى وجود هيئة قضائية خاصة بالمنازعات الإدارية، وهيئة خاصة بالقضاء العادي، ومحكمة تختص وحدها بنظر دستورية القوانين، وهو النظام المطبق في مصر وفرنسا. يكون مجلس الدولة فيه جهة القضاء الإداري، وهو جهة قضائية منفصلة، تتكون من المحاكم التأديبية والمحاكم الإدارية ومحكمة القضاء الإداري والمحكمة الإدارية العليا. أما القضاء العادي فتختص به المحاكم العادية، التى تتألف من المحكمة الجزئية والمحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف ومحكمة النقض. ولا يجوز لأي من المحاكم السابقة نظر دستورية القوانين، لكنها تملك إحالة الدفع بعدم الدستورية إلى المحكمة الدستورية العليا.



[1]

معجم لسان العرب.

[2]

القاموس المحيط.

[3]

د. محمد علي عمران،المدخل للعلوم القانونية، الجزء الأول ص6 طبعة 1987.

[4]

د. فيصل ذكي عبد الواحد، المدخل لدراسة القانون،ص 10 طبعة 2006.

[5]

د. أحمد سلامة، المدخل لدراسة القانون، ص 47 طبعة عام 1975.

[6]

د. محمد علي عمران، المرجع السابق ص 13.

[7]

د. فيصل ذكي عبد الواحد،المرجع السابق ص23.


المراجع



  1. معجم لسان العرب