في جنوب شرقي آسيا، في أحد بلدان الهند الصينية تقع بورما «ميانمار حاليًا»، ذلك البلد الذي يشهد قصة معاناة ومأساة مسلمين، ما جنُوا غير أنهم أقلية وسط أغلبية بوذية متوحشة، ووسط مجتمع دولي يشجب ويدين، لكنه يدع الحال كما هو عليه.

مأساةٌ لم تكن وليدة تلك الأيام، بل امتدت جذورها إلى عام 1784 م عندما سقطت مملكة «أراكان» المسلمة وتحولت إلى إقليم تحت إمرة مملكة «بورما البوذية»، ومنذ ذلك الحين والأقلية المسلمة هناك تشهد عمليات إبادة جماعية وتهجير من قبل الأغلبية البوذية، وفي عام 1962 م بدأ فصل جديد من القصة، عندما استولى العسكريون على الحكم في ميانمار بعد الانقلاب العسكري الذي قام به الجنرال «نيوين». خمسة عقود منذ ذلك الحين، لاقى فيها مسلمو أراكان المعروفون باسم «الروهينغا» كافة أنواع الظلم والاضطهاد؛ من قتلٍ وتهجيرٍ وتضييق اقتصادي وتشريد، ومصادرة لأراضيهم وطمس لهويتهم وسحق لمساجدهم ومحاصرة لشعائرهم الدينية.

ظلت

قضية مسلمي

أراكان قضية مغيبة لا يعرف عنها الكثير ولا يهتم لأمرها إلا القليل، إلى أن عادت تلك القضية لتفرض نفسها مرة أخرى على الساحة الدولية، عندما أعلن مجلس الروهينغا الأوروبي -وهو مجلس حقوقي مستقل- في 28 أغسطس/آب الماضي، عن مقتل ما بين ألفين وثلاثة آلاف مسلم من الروهينغا في هجمات للجيش بأراكان (راخين) خلال 3 أيام فقط، نتيجة أعمال عنف دامية تفجرت بعد أزمةٍ استمرت طيلة الخمسة أعوام الماضية


، وعلى إثر تلك الأزمة، بدأ الآلاف من الروهينغا في الفرار، إذ أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن ارتفاع عدد مسلمي «الروهينغيا» الهاربين من هجمات الجيش الميانماري والبوذيين المتطرفين، إلى بنجلاديش إلى

73 ألف

شخص.








ردود الأفعال الدولية والإقليمية


بين رفض وشجب وتنديد وإدانة، اتفقت الدول جميعها على خطورة ما يحدث في ميانمار، إلا أن الأمر حتى الآن لا يتعدى سوى مكالمات هاتفية ولقاءات واجتماعات لا تسفر عن جديد سوى الإعراب عن القلق والأسف حيال ما يحدث دون تحركات فعلية وقرارات صارمة؛ وفيما يلي نستعرض أبرز المواقف الدولية تجاة أزمة مسلمي أراكان.

تركيا

أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بصفته الرئيس الدوري لمنظمة التعاون الإسلامي، على

أهمية تحرك

الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لإيقاف هذه الأزمة قبل أن تتفاقم، وأشار إلى ضرورة تسخير جميع آليات الضغط على حكومة ميانمار لوقف هذه المأساة الإنسانية، وأشار إلى أن تركيا بذلت ما بوسعها فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية، وأنها على أتم الاستعداد لتقديم المزيد.

كما أضاف أنه خلال الثلاثة أيام الماضية، أجرى اتصالات مع رؤساء الدول الأعضاء في المنظمة للتباحث حول الأزمة، كما أنه تحدث إلى الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش» يوم الأربعاء 30 أغسطس/آب، للنظر في الانتهاكات التي يتعرض لها مسلمو الروهينغا.

الولايات المتحدة الأمريكية

في حين أدانت الولايات المتحدة، يوم الخميس 31 أغسطس/آب، أعمال العنف في ولاية «أراكان» ذات الأغلبية المسلمة، وحمّلت قوات الأمن المسئولية عن حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات إلى المحتاجين، إلا أن «نيكي هايلي»، المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة رغم تحميلها المسئولية لقوات الأمن ومناشدتها ضرورة الامتناع عن مهاجمة الأبرياء المدنيين والعاملين في المجال الإنساني، إلا أنها أشادت بهم وأكدت أنهم يعملون على منع المزيد من العنف، كما دعت المندوبة الأمريكية جميع أعضاء مجلس الأمن إلى دعم حكومة «ميانمار» في ضمان حقوق وكرامة جميع الطوائف في ولاية «أراكان». فتحول الأمر بدلاً من الضغط على حكومة ميانمار الوحشية، إلى الحث على ضرورة دعمها.

إندونيسيا

كان التحرك في إندونيسيا، البلد ذو الأغلبية المسلمة، على

مستوى المنظمات

الحقوقية والدولة أيضًا، إذ أدانت منظمة حقوقية إندونيسية مستقلة، كافة أشكال العنف ضد مسلمي «الروهينجا» في إقليم «أراكان»، ودعت إلى ضروروة وقف الجرائم ضد الإنسانية وعمليات الإبادة الجماعية بحقهم.

وحثت المؤسسة الإندونيسية للمساعدة القانونية، في بيان لها يوم السبت 2 سبتمبر/أيلول، حكومة إندونيسيا وميانمار على «وجوب اتخاذ خطوات فورية تتوافق مع مبادئ حقوق الإنسان، والقانون الدولي»، من أجل التصدي للانتهاكات بحق مسلمي «الروهينجا»


.

بينما كلف رئيس إندونيسيا «جوكو ويدودو»، الأحد الثالث من سبتمبر/أيلول،

وزيرة خارجيته

«ريتنو مرسودي» بالتحاور مع مستشارة الدولة في ميانمار (رئيسة الحكومة) «أونغ سان سوتشي»، لبحث أزمة مسلمي الروهينجا ووقف أعمال العنف ضدهم.

باكستان

الأحد الثالث من سبتمبر/أيلول، أعربت باكستان عن أسفها وقلقها الشديد حيال الانتهاكات التي تستهدف مسلمي الروهينجا، وأكدت وزارة الخارجية الباكستانية، في بيان لها،أن باكستان ستعمل مع المجتمع الدولي وعلى رأسه منظمة التعاون الإسلامي، في إطار

الدفاع

عن حقوق جميع المسلمين حول العالم، من أجل مساندة مسلمي أراكان والدفاع عن حقوقهم.

مصر

جاءت الإدانة في مصر من قبل مرصد «الإسلاموفوبيا» التابع لدار الإفتاء المصرية، الذي شجب عمليات الابادة الجماعية وندد بالاعتداءات الوحشية والانتهاكات بحق المسلمين الروهينجا، ودعا في بيان له إلى «تقديم كل سبل الدعم المادي والمعنوي لمسلمي الروهينجا الذين يتعرضون للتطهير العرقي والإبادة الجماعية من قبل سلطات ميانمار»، كما أدان منع مسلمي أراكان من الإدلاء بأصواتهم في انتخابات ميانمار، وشدد على «وجوب الالتزام بما أقرته الشَّرائِع السماوية والقوانين الدولية من حقوق المُواطَنة لِكُل مواطن، والتى من أهمها المُشاركة في اختيار من يمثلهم في أوطانهم أيًّا كانت

دياناتهِم

أو مُعتقداتهم».

قطر

بحسب صحيفة الوطن القطرية، أعربت دولة قطر عن رفضها واستنكارها الشديد للهجمات العنيفة ضد مسلمي «أراكان»، والتي أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين وفرار الآلاف من مناطقهم، إذ عبرت وزارة الخارجية في بيان لها يوم الجمعة الأول من سبتمبر/أيلول، عن قلق دولة قطر العميق تجاه ما يحدث من «انتهاكات وفظاعات بحق مسلمي الروهيجا»، كما شدد البيان على وجوب التزام حكومة ميانمار بالقانون الدولي لـ «

حماية المدنيين

وتحقيق المصالحة».

الإمارات


أدان

وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، الدكتور أنور بن محمد قرقاش، استخدام قوات الأمن في ميانمار للقوة ضد الأقلية المسلمة، واعتبر أن استمرار مأساة مسلمي الروهينجا والمعاناة الإنسانية التي يشهدونها أمر «غير مقبول على الإطلاق».

يمكن إيجاد الحل السياسي لهذه المأساة الإنسانية، فالعنصرية والتعصب أو اللجوء إلى العنف ليسوا حلولاً على الإطلاق





أنور قرقاش – تويتر

روسيا

أول أمس الأحد، دعت وزارة الخارجية الروسية جميع الأطراف

للمشاركة

في حل الصراع في ميانمار وإنهاء العنف ضد أقلية الروهينجا المسلمة، وتبني سياسة الحوار.

إننا نراقب عن كثب الوضع بمنطقة راخين في ميانمار ونطالب جميع الأطراف المعنية بإقامة حوار بناء في أقرب وقت ممكن من أجل تهدئة الوضع، كما أننا نشعر بالقلق إزاء استمرار القتال والعنف الذى أدى إلى وقوع خسائر كبيرة بين صفوف المدنيين، وهو ما يعد تدهورًا حادًا للوضع الانسانى فى هذه المنطقة





الخارجية الروسية

السعودية

لم يصدر حتى الآن رد فعل رسمي من قبل المملكة العربية السعودية، لكن الغريب في الأمر هو تغطية الصحف السعودية للأزمة، فبينما وصفت صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية مسلمي «الروهينجا» بـ «الإرهابيين»، وصفت صحيفة «عكاظ» مسلمي الروهينجا الذين

يتعرضون

إلى إبادة جماعيةبـ «المتمردين»، وهو ما اعتبره ناشطون موقفًا كاشفًا للمواقف الحقيقية للإعلام السعودي إزاء قضايا المسلمين. ذلك فضلاً عن تحميل صحفية الشرق الأوسط «الروهينجا» المسؤلية المباشرة عن أعمال العنف، عندما قالت:

بدأت أعمال العنف الأخيرة بهجوم الجمعة الماضي على ثلاثين مركزًا للشرطة، نفذه عناصر حركة تمرد وليدة تطلق على نفسها «جيش إنقاذ روهينغيا أراكان»


الانتفاضة البريطانية

يعتبر الموقف البريطاني حيال الأزمة هو الأكثر وضوحًا والأحدّ تجاه ما يحصل، ففي أعقاب الأزمة طالبت بريطانيا بضرورة عقد مشاورات مغلقة لمجلس الأمن بشأن ما يحدث في «ميانمار»، وبعد انتهاء جلسة مشاورات مغلقة للمجلس، أشار المندوب البريطاني لدي الأمم المتحدة «ماثيو رايكروفت» إلى أن الجلسة المغلقة شهدت قلقًا كبيرا بشأن الوضع في «أراكان»، وأدان جميع أعضاء المجلس أعمال العنف من قبل جميع الأطراف،و

طالبوا بضرورة

خفض العنف،


ولكنه استبعد أن ينجح مجلس الأمن الدولي في القيام بخطوات عملية فيما يخص الأوضاع في «ميانمار» بسبب مواقف عدد من الدول في مجلس الأمن، مشيرًا إلى أن الوضع في ميانمار

يهدد الأمن

والسلم الدوليين.

هو بالطبع موقف تقليدي شأنه شأن مواقف الدول الأخرى، ولكن عندما نعرف أن بريطانيا تتبع «سياسة ناعمة» في ميانمار رغم إدراكها الجيد لحجم الانتهاكات التي تتم بحق مسلمي أراكان كل عام، ليس هذا فحسب بل هي تشدد إجراءات اللجوء بحق طالبيه من ميانمار، فهي في أروقة مجلس الأمن تدعي الإنسانية وتطالب بضرورة إنقاذ الأبرياء، وفي المقابل تصد أبوابها في وجوههم، إذا لجئوا إليها!

علاوةً على ملايين الجنيهات الإسترلينية التي تنفقها بريطانيا سنويًا لدعم جيوش من دول مختلفة من بينها الجيش الميانماري المسؤول عن الانتهاكات الوحشية بحق الأقلية المسلمة، إذ تشير الأرقام إلى أنه ينفق سنويًا

236.668 جنيها استر

لينيًا من أجل منح الجيش الميانماري دورات في القيادة وتعليم اللغة الإنجليزية وتدريبهم.

كما أنه في مطلع العام الجاري، في 20 يناير/كانون الثاني 2017، زار وزير الخارجية البريطاني «بوريس جونسون» ميانمار واجتمع مع مستشار الدولة «أونغ سان سو كي» في «نايبيداو»، وأعرب عن قلقه تجاه الوضع الذى يواجهه الروهينجا، لكنه في المقابل أخذ في الإشادة بإنجازات عملية الإصلاح الديموقراطي في ميانمار، فبدلاً من إدانة حكومة ميانمار والتحقيق معها بشأن انتهاكاتها،

أشاد بأداء

الحكومة وأثنى عليها ثناء غير مشروط.

يمكن الخلوص في النهاية إلى أن وضع مسلمي ميانمار يزداد سوءًا يومًا بعد اليوم، فأعداد الفارين في تزايد، وحجم استيعاب بنجلاديش للاجئين ليس بالدرجة الكافية، والمواقف الدولية هزيلة لا ترقى إلى حجم وفداحة ما يجري، ليس هذا فحسب بل إن منظمات الإغاثة الدولية التي تعد الملجأ الوحيد لمسلمي الروهينجا

اضطر عدد

منهم يوم الأحد الماضي إلى وقف أنشطة تقديم المساعدات الإنسانية إلى المخيمات التي يقيم فيها أعداد كبيرة من مسلمي الروهينجا في إقليم أراكان؛ خشية تعرضهم لمخاطر من الناحية الأمنية، الأمر الذي يجعل الوضع في ميانمار في غاية الصعوبة.


المراجع




  1. بورما مأساة تتجدد، المحور الشرعي، شبكة فلسطين للحوار