تفاجأ المتابعون للشأن العام العربي، في شهر مارس/ آذار الماضي، بخبر

اكتشاف خلية تجسس إماراتية

في سلطنة عمان. لكن دلائل جديدة تشير إلى أن الخلية المكتشفة هي جزء صغير من حرب خفية تشنها دولتا الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ضد السلطنة الهادئة بهدف إخراجها من وضعية الحياد السياسي وإجبارها على الانضمام إلى معسكرهم في الحرب الإقليمية الدائرة.

الدلائل الجديدة

كشفتها مجلة The National Interest

الأمريكية في تقرير مطول بعنوان «حياد عمان في السياسات الإقليمية قد لا يستمر». نورد هنا مقتطفات لأبرز ما جاء في التقرير مع بسط الحديث عن بعض الوقائع التي وردت فيه.


الحرب التي بدأت قبل اليوم

خلية التجسس التي كُشف عنها النقاب قبل شهرين ليست الأولى، ففي أواخر يناير/ كانون الثاني 2011

أعلنت سلطنة عمان

بشكل رسمي اكتشاف شبكة تجسس تابعة لجهاز أمن الدولة الإماراتي تستهدف نظام الحكم في عمان وآلية العمل الحكومي والعسكري. وقالت مصادر في ذلك الحين إن الخلية كانت «تجمع المعلومات حول النشاطات العسكرية والأمنية والاقتصادية في السلطنة، وتتلقى مبالغ طائلة من المال من جهاز أمن الدولة في الإمارات»، كما أولت الخلية اهتمامًا خاصًّا «بمسألة خلافة السلطان قابوس في غياب ولي للعهد» في السلطنة.

نفت الإمارات بشكل قاطع صلتها بالخلية المكتشفة، ثم

تدخل أمير الكويت

الشيخ صباح الأحمد الصباح، ونجح في احتواء الأزمة بعد ما زار مسقط مصطحبًا معه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات، والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حيث جرى في الزيارة إنهاء المسألة و«تنقية الأجواء بين البلدين الشقيقين»، حسبما ذكرت الصحف في ذلك الحين.

بالتزامن مع اكتشاف خلية التجسس الثانية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي (الخلية اُكتشفت في نوفمبر 2018 لكن خبرها خرج إلى العلن في مارس 2019)،

أصدر السلطان قابوس أمرًا ملكيًّا

يحظر على غير المواطنين امتلاك الأراضي الزراعية والعقارات في عدد من المناطق، مثل: «البريمي، مسندم، ظفار، الظاهرة، الوسطى، شناص، ليوا، جبل الأخضر وجبل شمس، ومواقع التراث»، وبالقرب من المناطق الاستراتيجية. وأوجب القرار الملكي بيع الممتلكات غير المملوكة لعمانيين في هذه المناطق في غضون عامين، أو سيتم مصادرتها وبيعها بواسطة القضاء.

قرار السلطان قابوس، بحسب

The National Interest

، جاء ردًّا على قيام الإمارات بشراء أراضٍ وممتلكات في مواقع استراتيجية حساسة في جميع أنحاء السلطنة وفي المنطقة الحدودية الشمالية مع الإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص، ما أثار مخاوف المواطنين من الهدف وراء ذلك. وكان

متحف اللوفر أبوظبي نشر

، في مطلع العام 2018، خريطة جديدة لدولة الإمارات سمى فيها محافظة مسندم العمانية، التي تحتضن مضيق هرمز، كجزء من جغرافيا الإمارات العربية المتحدة.


تطويق عمان عبر المهرة وسقطرى

تمتلك سلطنة عمان حدودًا برية مع 3 دول، هي: الإمارات والسعودية واليمن. وتتماس حدود الأخيرة مع عمان عبر محافظة المهرة، التي تعتبر ثاني أكبر محافظات اليمن وبوابتها الشرقية. تُشكل المهرة الامتداد الاجتماعي والديمغرافي والعمق الأمني والاستراتيجي لسلطنة عُمان، وتعتبر حائطًا جغرافيًّا يعزل السلطنة عن الاضطرابات السياسية والاجتماعية والأمنية في اليمن، ويمنع انتقال تداعياتها إليها. وتمتلك عمان علاقات قوية للغاية مع زعماء وأبناء المحافظة، وقامت بتجنيس العديد منهم.

منذ بداية التدخل العسكري في اليمن عام 2015 أرسلت الإمارات قوات خاصة إلى المهرة، رغم بعدها بنحو 1300 كيلومتر عن مناطق الاشتباكات، ثم اضطرت إلى سحبها بعد ذلك، واكتفت بإبقاء عناصر استخباراتية في المحافظة.

وفي عام 2017، أرسلت السعودية قوات تابعة لها إلى المحافظة بدعوى توزيع المساعدات السعودية على اليمنيين واستعادة السيطرة على مطار الغيضة، الذي يُمثل العاصمة الإدارية للمحافظة والمطار الوحيد بها. وأسست منذ ذلك الحين سجنًا في المطار.

طوال العامين الماضيين، عملت السعودية على تأصيل وجودها في المهرة، رغم الاحتجاجات القبلية المستمرة على هذا الوجود. قامت المملكة بالسيطرة على مناطق المهرة الساحلية، وأقامت 26 نقطة تفتيش. وتتمركز حاليًا القيادة الساحلية السعودية في قلب بلدة نشطون الميناء الوحيد بالمحافظة. كما انتشرت القوات السعودية أيضًا على طول الحدود العمانية – اليمنية، وأقامت 20 نقطة تفتيش ومعسكرًا كبيرًا في مديرية حوف.

سيطرت قوات المملكة كذلك على معبري صرفيت وشحن الحدوديين مع عُمان، وبات العمل فيهما قاصرًا على خروج الجرحى اليمنيين من أجل تلقي العلاج في مستشفى السلطان قابوس في صلالة (لا توجد مستشفيات في المهرة). ويتخوف السكان المحليون من إمكانية قيام السعودية بإغلاق المعبرين، خاصة أن السعوديين أغلقوا معبر صرفيت أمام حركة التجارة، ولا يفتحونه إلا لعبور الأفراد.

بدأت السعودية منذ مارس/ آذار الماضي بإرسال قوات عسكرية ضخمة إلى المهرة، إذ أرسلت لواءين يتألفان من 2500 جندي سعودي، ولا يزال العدد يتزايد بشكل يومي. وبالإضافة إلى الجنود السعوديين نُشرت قوات أخرى، هم 1300 فرد من قوات حرس السواحل اليمني، و1500 فرد من القوات الخاصة، وهم ميليشيات يعملون خارج إطار الدولة اليمنية. كما وصل إلى المحافظة العديد من مقاتلي تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وسعت الإمارات لجلب ميليشيات مرتبطة بالمجلس الانتقالي الجنوبي إلى المهرة، وهو كيان تدعمه أبوظبي ويهدف لتأسيس دولة مستقلة في الجنوب.

وتدعم المملكة كذلك نشر الوهابية في المهرة، إذ قامت بنقل نحو ألف سلفي من محافظة صعدة اليمنية – معقل الحوثيين – إلى المهرة، وباتوا الآن يسيطرون على نحو ثلث مساجد المهرة البالغ عددها 314 مسجدًا، ومنها ينشرون أيديولوجيتهم، ما يهدد المجتمع المهري وأسلوب حياته، كما يهدد أيضًا محافظة ظفار العُمانية، التي تعد معقلًا سنيًّا معتدلًا.

وتعتقد

The National Interest

أن قيام الإمارات، في أبريل/نيسان 2018، بالسيطرة على جزيرة سقطرى اليمنية، لا يتعلق فقط بتسهيل عملية وصول الإمارات إلى شرق أفريقيا، بل يتعلق أيضًا بزعزعة استقرار عمان من خلال عملية استراتيجية إماراتية لتطويق السلطنة.

وتعتقد المجلة أن مناورة القوة الحالية ضد عُمان، التي أثارتها محاولات التجسس الإماراتية والوجود العسكري السعودي على الحدود اليمنية العمانية، تشير إلى أن الهدف الاستراتيجي الإماراتي هو خنق السلطنة، وإجبارها على التحول إلى دولة تابعة كجزء من سعي الإمارات للهيمنة على منطقة البحر الأحمر التي تمتد إلى القرن الأفريقي.

الخطورة هنا تكمن في أن هذه العملية تتم خلال استعداد عمان لحقبة ما بعد السلطان قابوس، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة المخاطر والتوترات بين الأطراف العربية المعنية. وهذا بدوره قد يؤدي إلى اندلاع أعمال القتال بين الكتلة الإماراتية – السعودية وسلطنة عمان.