محتوى مترجم
المصدر

The Jerusalem Post
التاريخ
2017/04/26
الكاتب
يونا جيريمي بوب

بدأ تقرير «الجيروزاليم بوست» بالإشارة إلى أنه رغم غياب أيّ تصريح قانوني يضفي صفة رسمية تبريرية على مواصلة المستوطنات الإسرائيلية الاستيلاء على أراض من الضفة الغربية، فإنها أحرزت تقدمًا فعليًا في ذلك على الأرض، حيث إن الوضعية القانونية للضفة الغربية قد تقررت عام 1963، لا بعد حرب 1967، حين تمكنت القوات الإسرائيلية من السيطرة على الضفة الغربية.

فقد كتب «مئير شمغار»، المدعي العام العسكري، أطروحة عما ينبغي فعله بخصوص المسائل القانونية إذا سيطرت إسرائيل على الضفة. وقد تجسدت أفكاره في ممارسات إسرائيل بعد 1967، وعلى مدى خمسين عامًا تالية، حتى صدور قانون تنظيم المستوطنات في فبراير/شباط الماضي.

يطرح التقرير تساؤله عن كيفية حدوث ذلك في حين أن التوقعات باستمرار خضوع الضفة لسيطرة إسرائيل كانت في غالبيتها سلبية؟ وعن طريقة فهم المفكرين القانونيين الإسرائيليين لوضع المستوطنات، وتأثير ذلك على الوضعية القانونية للضفة الغربية طوال الخمسين عامًا السابقة.

يرى «يوفال شاني»، العميد السابق لكلية الحقوق العبرية وزميل المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، أن نقطة البدء هي أطروحة «شمغار» وقبول إسرائيل تطبيق لوائح لاهاي لعام 1907 على الضفة الغربية، وهي الملزمة لإسرائيل باحترام حقوق الشعب المحلي الموجود بالفعل وعدم أذيته، أيْ الفلسطينيين. وقد كان القبول بتلك اللوائح هو الحل الوحيد في ظل إحجام كل الحكومات عن اتخاذ قرار ضم الضفة الغربية لإسرائيل.



قبول إسرائيل بلوائح ﻻهاي مع رفض اتفاقيات جينيف ملزما لإسرائيل بحماية حقوق الفلسطينيين الإنسانية دون تسليم بحقوق الأردن في الضفة

على جانب آخر، هناك اتفاقيات جينيف التي ترفض إسرائيل تطبيق أي جزء منها سوى جزء المعونات الإنسانية. ويوضح شاني أن السبب وراء هذا هو أن اتفاقيات جينيف تذكر «دولة مستقلة سابقة»، بخلاف لاهاي، التي تتكلم عن «إقليم متنازع عليه». وبتذكر أن الأردن ضمت الضفة الغربية لأراضيها خلال حرب 1948، فإن تطبيق اتفاقيات جينيف يعني إعطاء الأردن أحقية قانونية في الضفة، وبهذا يكون قبول إسرائيل بلوائح لاهاي مع رفض اتفاقيات جينيف ملزمًا لإسرائيل بحماية حقوق الفلسطينيين الإنسانية الفردية، دون تسليم بحقوق الأردن في الضفة.

وعن هذا يقول مايكل سفارد، المحامي الحقوقي والمنتقد لحكومة إسرائيل، إن رجال القانون الإسرائيليين كانوا يعرفون أن اتفاقيات جينيف تنطبق على «المناطق المنتزعة» (كالضفة الغربية)، لكنهم أرادوا طرقًا إبداعية لتفادي الاعتراف بهذا. بدليل اعتبارها مقبولة في البداية، ثم تدارك أنفسهم واستخدام وصف «المناطق المُدَارة» عوضًا عن ذلك.

ثم عملت السياسة أكثر مما عمل القانون، حيت تسارع نمو المستوطنات في سباق مع الزمن، فوصل عام 2015، لحوالي 389 ألف مستوطن يهودي في الضفة الغربية، و375 ألف مستوطن غيرهم في أحياء القدس الشرقية المتنازع عليها.

يزعم البعض أنها محاولة من إسرائيل لاستخدام الأرض كورقة ضغط مقابل السلام، لكن سفارد يرفض أية سردية تدّعي عدم وجود نية مسبقة من إسرائيل للقيام بضم جزئي للضفة الغربية. فقد أعلنت جامعة الدول العربية في مؤتمرها المنعقد بالخرطوم، سبتمبر/أيلول 1967، أنها لن تتفاوض على الأرض مقابل السلام.

وهكذا، تستمر إسرائيل في بناء المستوطنات بلا رادع، مع اتباع موقف نظري يزعم أن الضفة الغربية بكاملها قابلة للتفاوض مع جيرانها العرب كجزء من قرار مجلس الأمن رقم 242، بغير أيّ تعريف لوضعية المستوطنين القانونية، وبالتالي فقدان أيّ تعريف ممكن منطقيًا أو واضح قانونيًا للضفة الغربية.


التغيرات ونقاط التحول

تبعًا لـ «آلان بيكر»، كبير المستشارين القانونيين السابق بوزارة الخارجية، كان التغير الرئيسي على الجانب الإسرائيلي هو التأكيد بقوة أكبر على الحقوق الأساسية التاريخية والقانونية لليهود في الأرض حسب وعد بلفور، ومعاهدة سان ريمو 1920، وغيرها من الوثائق السابقة لقيام إسرائيل. ويرى «إيلان كاتس»، النائب السابق لجيش الدفاع الإسرائيلي، أن عدم اعتراف المجتمع الدوليّ بقانونية المستوطنات لم يغيره شيء، حتى اتفاقات أوسلو.

أمّا سفارد فيقول إن اتفاقات أوسلو حوّلت الاحتلال من احتلال صغير إلى احتلال فاخر، فقبلها لم يكن الفلسطينيون يستطيعون إدارة دولتهم باستقلالية، لكن حاليًا، تستطيع إسرائيل التبجح أمام العالم باستقلالية الدولة الفلسطينية.

لكن كانت هناك نقطة تحول كبيرة فعلا، هي الحكم في قضية ألون موريه عام 1979 بالمحكمة العليا، والذي لم يؤيد أو يرفض قانونية مشروع المستوطنات، لكنه وضع حدودًا بخصوص الأماكن المتاح البناء فوقها. فقد منع أخذ الأراضي المملوكة للأفراد الفلسطينيين بنابلس لبناء مستوطنة ألون موريه. مع أنه لم يعارض البناء على أراضي الدولة بالضفة الغربية.

واستغلت «بليا ألبيك» ذلك، بحكم كونها رئيس الإدارة المدنية بمكتب المدعي العام للدولة، باقتراح قانون يزيد الأراضي المملوكة للدولة بحوالي 100 ألف هكتار في الضفة الغربية. أسست مقترحها على قانون عثماني صادر عام 1858، يقضي بتحويل الأراضي الزراعية التي لم يعتنِ بها أحد خلال عدد معين من السنين إلى ملكية الدولة. وقد اعتبرت المحكمة العليا حكمها قانونيًا، رغم اعتراض المجتمع الدولي.

يعتبر سفارد تأثير المحكمة العليا سلبيًا – حتى وإن كانت أحيانًا قد قيدت إجراءات الحكومة فيما يخص المستعمرات – إلّا أنها تقوّي موقف إسرائيل قانونيًا وتعطي سلطة هائلة المؤسسات الإسرائيلية وتوافق تقريبًا على كل القرارات الأمنية الوطنية واستخدام الدولة للعنف. بغير وجودها كانت خروقات إسرائيل للقانون الدولي ستصبح أشد وضوحًا.

مؤخرًا، أصدر مجلس الأمن القرار رقم 2334، مُدينًا المستوطنات، وواصفًا إياها بغير القانونية لأول مرة منذ 1981. ومن جانب الكنيست الإسرائيلي، تم تمرير قانون تنظيم المستوطنات في فبراير/شباط الماضي، الذي يسمح – لأول مرة – بمنح الشرعية القانونية بأثر رجعي لبعض مساكن المستوطنين، رغم بنائها على أراض مملوكة للفلسطينيين، بشرط حصول الفلسطينيين على تعويضات واستيفاء معايير محددة أخرى.

اعتبر كل من كاتس وبيكر قرار مجلس الأمن غير فعّال، حيث لا يقضي بعقوبة واضحة في حال تخلف إسرائيل عن تنفيذه. أمّا قانون الكنيست، ففي رأيهما لن يكون له تأثير كبير، لأن المحكمة العليا في الغالب ستعتبره غير دستوري.

أمّا سفارد، فيعيب الفجوة الكبيرة بين قوة كلمات المجتمع الدولي وانعدام أفعاله، ما أتاح لإسرائيل استغلال ضعف القانون الدولي طوال عقود. وكنتيجة، لم تعد إسرائيل تتكلم عن المفاوضات، بل عن ضم الأرض.


ما يحمله المستقبل؟



مرر الكنيست قانون تنظيم المستوطنات الذي يسمح بمنح الشرعية القانونية بأثر رجعي لبعض مساكن المستوطنين رغم بنائها علي أراض الفلسطينيين

يرى شاني وبيكر أن الوضع الحالي من غير الممكن استمراره، وسينتهي بتسوية سياسية تتخلى فيها إسرائيل عن جزء من الأرض. أمّا كاتس، فيرى محاولة التخمين صعبة للغاية، وطوال الوقت يدخل لاعبون جدد الحلبة؛ حماس مثلا لم تصبح لاعبًا إلّا في التسعينيات. وأشار إلى أن الفلسطينيين متأثرون حاليًا بسلطات خارجية كإيران وحزب الله والجهاد الإسلامي، وحتى داعش. وعمومًا، تنبأ بأن الأوضاع ستسوء قبل أن تتحسن، فستندلع حرب أخرى، وبعدها، ربما يمكن الكلام عن اتفاق.

وتوقع سفارد أن ينتهي الاحتلال، لكن بأيّ ثمن؟ لا يوجد سبيل للبقاء أمام الوضع الحاليّ، والكارثة تحوّم حول الفلسطينيين والإسرائيليين.

وبعد خمسين عامًا، لا أوضح هنالك من عدم التوصل إلى حلّ للوضعية القانونية للضفة الغربية والمستوطنات. لكن مع اختلاف المحللين في رؤاهم للمستقبل، يعتقد جميعهم أن الأمور ستتغير بالتأكيد، وبعد خمسين عامًا من الآن ستختلف الصورة تمامًا.