«التأكيد على السيادة القومية للدول، والسعي لكسب الوقت، والهدوء في ردود الأفعال تجاه القضايا الدولية، وأخيرا عدم التباهي بالقدرات الصينية المتوفرة» تلك هي المبادئ الأساسية للسياسة الصينية كما وثّقها الرئيس الأسبق «جيانغ زيمين».

إن الصين أصبحت لاعبا رئيسيا في منطقة الشرق الأوسط، ولكنها لاعب اختار ملعبه حيث عمدت إلى تعظيم وجودها وتحسين علاقاتها لخدمة نموها الاقتصادي والاستفادة من سوق الشرق الأوسط الكبير، وهذا ما نستطع فهمه من خلال الأسس التي يبنى عليها القرار الصيني فيما يخص

السياسة


الخارجية

، الذي يهدف إلى تعظيم مصالح الصين في إطار أهداف ثلاث رئيسية وهي تدعيم تنميتها الاقتصادية والتحديث -خاصة بعد تطبيقها لبرامج الإصلاح الاقتصادي منذ 1979- وهو الهدف الرئيسي،تنمية القدرات العسكرية لمواجهة النزاعات الداخلية أو المجاورة،وأخيرا تدعيم وضعها القومي بتحسينها علاقاتها الخارجية وتنويعها مما يفسر تطوير علاقتها مع الدول شرق أوسطية والأوربية،وتعتمد على سياسة الباب المفتوح لخدمة مصالحها وأهدافها وهو ما يفسر زيادة مبادلاتها التجارية وتطور ميزانها التجاري.


العلاقات الصينية العربية قبل ثورات الربيع العربي


علاقة


الصين

مع المنطقة العربية قبل ثورات الربيع العربي كانت حذرة وتعتمد على منهجها العام في السعي لخلق بيئة دولية مستقرة والسعي لنشر السلام العالمي لذا فقد كان مستوى التعاون السياسي أضعف من الاقتصادي، حيث التعاون الاقتصادي تطور منذ توجه الصين لتنمية علاقاتها مع المنطقة العربية فزاد حجم التبادل التجاري عدة مرات من عام 2001 إلى 2010، فبلغ 145.5 مليار دولار بعد أن كان يبلغ 20 مليار دولار فقط، واستمر ذلك على الرغم من الاضطرابات التي صاحبت ثورات الربيع العربي فزاد التبادل التجاري إلى

195.9

مليار دولار بزيادة 34.7% عن العام الذي يسبقه، وكذلك بلغ

251.2

مليار دولار في 2014 بزيادة 5.2% عن 2013.

لذا سعت لتطوير علاقتها الاقتصادية للاستفادة من حجم السوق العربي الكبير وللاستفادة من النفط حيث إنها من أكبر الدول المستهلكة له، وتعتبر المدخل الاقتصادي مدخلا ومؤسسا للتأثير السياسي فيما بعد، وإن كان ذلك صعبا بسبب تطوير العلاقات الصينية الإسرائيلية والاهتمام بها عن العلاقات الصينية العربية، وكذلك بسبب التباعد الثقافي والفكري بين الطرفين، لذا فلم تطور الصين أي تدخل عسكري في المنطقة واعتمدت على القنوات الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي كمساهمتها في حل أزمات الإقليم.

فبالعودة لتاريخ التدخل الدبلوماسي نجد أنها امتنعت عن التصويت على قرار رقم 678 لسنة 1991، الذي يؤيد قيادة الولايات المتحدة لتحالف دولي لإيقاف احتلال العراق للكويت، وكذلك موقفها المعارض تماما لفرض أي عقوبات على إيران فيما يخص برنامج إيران النووي والتزامها الطرق الدبلوماسية كحل، حيث تمثل واردتها النفطية من إيران

11%

من إجمالي وارداتها، وهي النسبة التي تمثل 22% من الصادرات النفطية الإيرانية، وكذلك موقفها المحايد من قضية الجزر الإماراتية الثلاث التي تسيطر عليهم إيران، ويرجع ذلك إلى عدم وجود علاقات عربية صينية قوية آنذاك كاليوم.

إلا أنها بدأت في تطوير العلاقات الدبلوماسية حيث أسست آليات أخرى كاجتماع رجال الأعمال والمنتدى التعاون الصيني العربي والاجتماعات الوزارية والحوارات بين الحضارتين الصينية العربية، والمشاركة في عمليات مكافحة القرصنة وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ولكن يظل ذلك جهدا محدودا ونخبويا في التعاون بين الصين والمنطقة العربية.


العلاقات الصينية العربية بعد ثورات الربيع العربي

يحكم وجهة النظر الصينية تجاه ثورات العربي

فكرتين

رئيستين متتابعتين تاريخيا، فقد كانت الفكرة الأولى أن ثورات الربيع العربي هي مثل الثورات الملونة التي اجتاحت أوروبا الشرقية في أوائل 2000، وأنها مدعومة من الخارج وقد تؤثر على استقرار المنطقة وتزيد من خطر انتشار الإرهاب، ثم طورتها للفكرة الثانية وهي التعامل مع تلك الثورات كأمر واقع يجب التعامل معه وأن تلك الثورات قامت في أغلبها لأجل أهداف تتعلق بالتنمية وهذا ما لا تعاني منه الصين.

لذا فعلى الرغم من زيادة الاهتمام الصيني بالمنطقة في تلك الفترة عن ذي قبل إلا أنه يظل تحركا محدودا ينافي الكتابات التي بشرت بداية بتدخل صيني قوي ينافس التدخل الأمريكي أو الروسي حيث أن الصين تهدف بعدم الانخراط في قضايا الإقليم لعدة أسباب أهمها:

الحفاظ على مصالحها الاقتصادية في منطقة معقدة، وبها الكثير من اللاعبين المؤثرين من غير الدول كحزب الله وداعش وغيرهم، عدم السعي للانخراط العسكري أو السياسي بشكل كبير لارتفاع تكلفة تلك التدخلات بالإضافة أنها تفقدها حيادها مما يمكن أن يؤثر على مصالحها، مثلما أعلنت فرنسا الحرب على داعش ولاحقتها التفجيرات. إن الوجود الأمريكي في الإقليم حفظ لها استمرار العديد من مصالحها وكذلك الوجود الروسي.

لذا فإنها لا تسعي على المدى المنظور أو المتوسط أن تكون فاعلا رئيسيا في المنطقة وإن لم يتعارض ذلك مع زيادة نشاطها بعد الثورات، وقد كان ذلك كالتالي:

على المستوى الداخلي قد تأثرت بقضايا الإقليم حيث أقرت أول قانون لمحاربة الإرهاب في كانون الأول \ديسمبر 2015 بعد الزيادة الملحوظة في أعداد الصينيين المنضمين لداعش والذي يعطى للصين الحق في القيام بعمليات

لمكافحة


الإرهاب

في الخارج إذا وافقت الدول المعنية، وكذلك بسبب اهتمام داعش بمنطقة آسيا الوسطى القريبة من الصين و

الاضطرابات

الداخلية في إقليم شينجيانغ من قبل الأقلية الأويغوارية ونشاط الجماعات المسلمة المعارضة في الإقليم.


http://gty.im/502380432

إنها أصبحت فاعل أكبر في القضية السورية حيث حالت دون تصعيد الإدانة الدولية فقامت باستخدام حق الفيتو مع روسيا

3


مرات

لمنع إدانة سوريا، وأكدت على ضرورة المفاوضات السلمية، ويرجع تشددها لاستفادتها من موقف الأزمة الليبية حيث امتنعت عن التصويت على القرار 1973حيث تم الاستفادة من القرار وتفعيل الخيار العسكري والسماح بتدخل الناتو وإسقاط نظام معمر القذافي في ليبيا، بالإضافة لتشديدها على الحلول الدبلوماسية حيث استضافت وزير الخارجية السوري وليد المعلم في كانون الثاني\ديسمبر 2015 وبعدها بأسبوعين استقبلت رئيس الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية خالد خوجة.

السعي لتخفيف حدة الأزمة بين طهران والرياض (كلا البلدين يمدانها

بنصف

إمداداتها من النفط التي تستخدمه بعد أن أصبحت المستهلك الأول في العالم للطاقة) على خلفية إعدام السعودية ل 47 شخصا من بينهم نمر باقر النمر في 2 كانون الثاني \ يناير 2016 من خلال إرسال نائب وزير الخارجية تشانغ مينغ لكلا البلدين لتهدئة الأوضاع.


ماذا تحمل الزيارة الأولى للرئيس الصيني؟

هي الزيارة الأولى للرئيس الصيني «شي جين بينغ»منذ توليه رئاسة الصين بعد جولات مكوكية في الثلاث سنوات الأخيرة لأغلب بقاع الأرض لتقوية روابط علاقات الصين وتدعيم تنميتها التجارية والاقتصادية، وهي الزيارة التي امتدت من 19 إلى 23 كانون الثاني\يناير 2016، وشملت السعودية ومصر وإيران، تلك الزيارة التي كانت مفترضة في

ربيع


2015

ولكن تم تأجيلها بسبب الهجوم العسكري لقوات التحالف بقيادة سعودية على الحوثيين في اليمن، وهذا ما كان سيخلق توترات بين الصين وإيران.


http://gty.im/480651362

ولكن سير الزيارة كان من البداية يشمل السعودية ومصر ودولة الأمارات المتحدة ولكن على خليفة التوترات بين إيران والسعودية بسبب إعدام باقر النمر، فلم تُرِدْ الخارجية الصينية تصدير مشهدٍ يوضح أن الصين تفضل البلاد ذات الأغلبية السنية، وبذلك تم وضع إيران بدلا من الإمارات وتلك هي أول زيارة لرئيس دولة رفيعة المستوى كالصين لإيران بعد التوصل للاتفاق النووي الإيراني في 14 يوليو 2015 ورفع العقوبات في 16 يناير 2016 نهائيا عن إيران بعد تأكيد وكالة الطاقة الذرية التزام إيران بالاتفاقية، تلك الاتفاقية التي كانت الصين طرفا أساسيا فيها في مجموعة (5+1).

وقد حملت تلك الزيارة العديد من النتائج المثمرة لكلا الطرفين ودشنت للمشروع الصيني الأكثر طموحا وهو ما تم طرحه باسم مشروع “

الحزام


والطريق

، بمعادلة تعاون سميت بمعادلة 1+2+3″، بسبب أن الطاقة هي المحور الرئيسي للتعاون، بالاعتماد على جناحي الاستثمارات والبنية التحتية،والتعاون في ثلاث مجالات ذات تكنولوجيا متطورة وهي الطاقة النووية، الفضاء والأقمار الصناعية ومجال الطاقة المتجددة، وهو المدخل لمشروع الصين الأكبر الذي يمثل السيطرة على اليابسة والممرات المائية الذي يمتد من الصين حتى قلب أوروبا.

وفي تلك الزيارة الأخيرة أقامت الصين مع السعودية الشراكة الإستراتيجية الشاملة وبذلك الدولة العربية الثالثة بعد مصر والجزائر، بالإضافة لحضور الرئيس شي حفل تدشين مصفاة النفط «ياسرف» وهو المشروع المشترك بين شركة أرامكو والسعودية وسينوبيك الصينية وهو ما يعد أكبر استثمار صيني في السعودية ويقدر بقيمة

10

مليار دولار.


http://gty.im/460799258

وعلى الجانب المصري وقعت الصين مذكرة تفاهم مع مصر بشأن تطبيق مشروع الحزام والطريق، بالإضافة

لاتفاقيات


التعاون

في مجالات البنية التحتية والكهرباء والتجارة وغيره وقدرت قيمة عوائد تلك الاتفاقيات كما صرحت وسائل الإعلام المصرية ب

10

مليار دولار،وكذلك حضوره مراسم تدشين المرحلة الثانية من منطقة التعاون التجاري والاقتصادي الصينية – المصرية في السويس وقدر صرح الرئيس شي أن تلك المنطقة ستجلب لمصر 100 شركة وأكثر من 10 آلاف فرصة عمل.

أما على الجانب الإيراني فأكمل الرئيس الصيني تطوير شراكته مع إيران إلى شراكة إستراتيجية شاملة كما السعودية ومصر، ووقع مع إيران وثيقة بخصوص مبادرة الحزام والطريق، بالإضافة التوقيع العديد من الاتفاقيات التجارية واتفاقيات التعاون في المجالات المختلفة وتأكيد الرئيس شى على دور بلده في دعم والمساهمة في تعافي الاقتصاد الإيراني بعد السنوات التي عانت فيها إيران من العقوبات الاقتصادية.

وهذا كله شمل توقيع العديد من الاتفاقات بخصوص تنمية الشراكة العلمية ببين البلاد العربية والصين. ولم تتجاهل الصين الجانب الفلسطيني حيث تقديم

50

مليون يوان صيني مع تقديم الدعم لمشروع الطاقة الكهروشمسية في فلسطين، وقد سبق ذلك كله إصدار الحكومة الصينية في 14 يناير 2016 بمناسبة مرور 60 عاما على العلاقات الدبلوماسية الصينية العربية، وثيقة هي

الأولى

من نوعها التي تخص تنظيم السياسة الصينية تجاه الدول العربية، والتي ترسم العلاقة بين الطرفين على أساس الاحترام والتعاون المشترك وخاصة في مشروع الحزام والطريق.


لذا

فإن سياسة الصين تجاه المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط عنوانها الحذر والمحاولات الحثيثة للابتعاد عن الصراعات السياسية المعقدة في المنطقة، والسير بخطى حثيثة نحو ترسيخ مكانة الصين والمساهمة في ثقل وزنها وتدعيم قوتها ولكن من خلال الجانب الاقتصادي أولا وأخيرا، فهو الإجابة الصينية لكل مشاكل المنطقة، والتي تسعى إليه دائما في تعاملها مع المنطقة وقد أعلنتها صراحة؛ لا يهم من يحكم بل يهم من يجلب الاستقرار الذي يسهم في ازدهار وتنمية مصالحها.