أعلنت الاثنين الماضي القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا عن فرض سيطرتها الكاملة على مدينة سرت المطلة على الساحل الليبي ومسقط رأس الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، بعد حوالي عامين من بسط تنظيم الدولة الإسلامية سيطرته عليها.

وتعد تلك الهزيمة للتنظيم في أحد أهم معاقله في ليبيا، هي جزء من متوالية التراجع والانهيارات التي يشهدها التنظيم بعد هزائمه المتتالية في سورية منذ مطلع العام الماضي وتحديدًا منذ هزيمته في مدينة عين العرب كوباني، التي توالت الهزائم بعدها في تل أبيض منبج وجرابلس ودابق ومدينة الباب في الشمال السوري، وفي العراق الذي شهد سلسلة متزامنة أخرى من الهزائم والتراجعات للتنظيم منذ هزيمته في تكريت في مارس / آذار من العام الماضي، وانسحاباته المتتالية بعدها من سنجار والرمادي والقيارة والشرقاط، وصولًا إلى معركة الموصل التي ما زالت تدور حتى الآن.

شيء واحد على الأقل يُستطاع الجزم به حتى الآن، هو أن الهزيمة الأخيرة للتنظيم في سرت، قد أسهمت في إحباط أحد السيناريوهات التي كانت مرشحة بقوة للحدوث في هذا الإطار، ألا وهو سيناريو اتجاه التنظيم بعد هزائمه في سوريا والعراق، إلى نقل ثقل وتركز وجوده التنظيمي والقيادي إلى ليبيا، وهو السيناريو الذي كان قد حذر منه الرئيس الأمريكي بارك أوباما خلال اجتماع عقده في مقر «وكالة الاستخبارات المركزية» الأميركية (سي آي إيه) مع مستشاريه في مجال الأمن القومي في أبريل (نيسان) 2016، وحذر منه كذلك جيل دو كيرشوف المنسق الأوروبي لشئون مكافحة الإرهاب، وهو سيناريو تم إعادة طرحه أيضًا من قبل بعض المراقبين في الأشهر الأخيرة. بعد انتقال عدد من قيادات التنظيم في سوريا والعراق إلى ليبيا مؤخرًا كأبي البراء الأزدي وأبي نبيل الأنباري الأمير السابق لمحافظة صلاح الدين في العراق.

إلا أنه في ضوء المعطيات الجديدة الآن يبدو من المستبعد أن يسعي التنظيم إلى ذلك بالفعل، ستسعى السطور التالية إلى تقديم صورة كلية عن وجود التنظيم في ليبيا، والوجهات التي يمكن أن يسلكها مقاتلوه الهاربون من سرت.


أين حاول داعش تكوين «إمارته» في ليبيا؟


تواجد

الموالون لتنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا خلال العامين الماضيين في البيضاء، وبنغازي، وسرت، والخمس، والعاصمة الليبية طرابلس.و

أقام

التنظيم في تلك الأثناء العشرات من المعسكرات في ضواحي درنة فيما يسمى «إمارة برقة». كما أن لديهم مرافق كبيرة في منطقة الجبل الأخضر، حيث يتدرب المقاتلون القادمون من البلدان الأخرى في شمال أفريقيا.

وقد برز التنظيم فعليًا على أرض الواقع في ليبيا في 13 نوفمبر عام 2014 بعد مبايعة مجموعة من المسلحين بمدينة درنة المبايعين بالولاء لزعيم التنظيم أبي بكر البغدادي. الذي أعلن إثرها إنشاء ثلاثة فروع في ليبيا: برقة في الشرق، فزان في الصحراء جنوبا، وطرابلس في الغرب.


http://gty.im/466521962

و

بحسب

وكالة الأناضول فقد تم دق أول إسفين في نعش تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا في يونيو/حزيران 2015، بعد أن تم طرده من معقله الرئيسي في مدينة درنة في شرق ليبيا، لينتقل مركزه الرئيسي إلى مدينة سرت (وسط)، حيث تمكن من بسط سيطرته على مساحة واسعة من الساحل الأوسط في البلاد، من بلدة «بن جواد» شرقا إلى جسر «السدادة» غربا على طول 250 كلم، إلى أن تلقى مؤخرًا ضربة كبيرة أنهت تواجده عمليًا في سرت.

وفي صبراتة، (غرب)، ظل تواجد خلايا داعش حاضرًا بقوة حوالي عام، إلى أن قامت طائرة حربية أمريكية بقصف مركز تجنيد للتنظيم في المدينة هذا العام، تلاه تطهير كتائب محلية للمنطقة من عناصر التنظيم، وفرار العشرات من عناصره نحو تونس، لكنهم فشلوا في تأسيس إمارة لهم في مدينة «ابن قردان» التونسية القريبة من الحدود الليبية. وحاليا ينحسر تواجد «داعش» في أحياء محدودة في مدينة بنغازي، وخلايا نائمة في طرابلس، وفي بني وليد (جنوب شرق طرابلس)، وفي الجنوب الغربي لليبيا.


التحالف بين أنصار القذافي وداعش

من اللافت في هذا الإطار أن التنظيم قد انتشر بوجه خاص في داخل ليبيا في الأماكن التي يتركز فيها وجود أنصار الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، حيث أشارت ليبراسيون الفرنسية في العام الماضي في هذا السياق إلى أن تعاظم نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا كان بفعل احتضان الموالين لرئيس النظام السابق معمر القذافي له، حيث كان الصراع الدائر بين مدينتي مصراته وسرت أثناء الثورة الليبية هو سر ترحيب سكان المدينة الأخيرة برجال التنظيم، الذين تم وصفهم من قبل أحمد قذاف الدم منسق العلاقات الليبية المصرية سابقًا وابن عم معمر القذافي، بأنهم «أصحاب قلوب نقية».

وبحسب الأندبندنت البريطانية أيضًا فإن جنود العقيد الليبي الراحل معمر القذافي قد عادوا مجددًا، ليقاتلوا الآن تحت راية تنظيم الدولة الإسلامية، وكل ذلك ربما يعطينا مزيدًا من الإشارات عن الأسباب التي يمكن تكهنها للعداء الشديد الذي أبداه تنظيم الدولة الإسلامية للكتائب التي شاركت في ثورة السابع من فبراير وعلى رأسهم قوات فجر ليبيا، حيث لعب تواجد العديد من أنصار النظام السابق داخل التنظيم دورًا كبيرًا في ذلك العداء بلا أدنى شك.


بعد خسارة سرت، هل تونس والجزائر هما الهدف؟

بعد الهزيمة المتوقعة للتنظيم في الأشهر المقبلة،

تسود

الخشية في دول الجوار الليبي من انتقال عناصر التنظيم الهاربة إلى أراضيها، حيث استنفرت بالفعل كل من الجزائر وتونس جيشيهما لمراقبة الحدود عن كثب، عبر تسيير دوريات عسكرية، وتحليق مروحيات للاستطلاع، وتشديد إجراءات التنقل بينهما وليبيا، بل وقد بدأت تونس بالفعل خلال الفترة الماضية في بناء جدار على طول الحدود المشتركة مع ليبيا لضبط تحرك عناصر التنظيم والمهربين. كما أوردت صحف جزائرية أيضًا في السياق نفسه أن الجزائر تبني حاليا سياجًا على حدودها مع ليبيا لمنع تسلل المقاتلين إلى داخل البلاد.

وتذكر صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية في سياق متصل ،أن مصادر محلية ليبية على صلة وثيقة بالعمليات الجارية في سرت أبلغتها بفرار عدد من مقاتلي التنظيم من المدينة باتجاه الجنوب وتحديدًا نحو الحدود مع الجزائر والنيجر.

كما تخشي كذلك العديد من دول أوروبا الغربية الآن من تمكن مقاتلي «داعش» من عبور المتوسط على متن القوارب التي تقل الآلاف المهاجرين غير الشرعيين إلى شواطيء أوروبا، وهو ما يبدو أحد السيناريوهات المتوقعة لا سيما مع وجود العديد من التسهيلات والخلايا والشبكات السرية للتنظيم في أوروبا بالفعل، والتي قامت بعضها بعدد من العمليات المعروفة في هذا السياق خلال العامين الجاري والماضي كهجمات باربس وبروكسل الداميتين.

و

يخشى

أخيرًا في هذا السياق، أن يؤدي هروب فلول مقاتلي التنظيم بعد سلسلة هزائمهم في ليبيا، من نجاح تنظيم الدولة في إقامة معقل جديد له في الصحراء الإفريقية هذه المرة التي تعد بيئة مثالية لتنامي وجوده ونشاطه. لا سيما وأن التنظيم قد أعلن عدة مرات عن سعيه لإقامة دويلة إسلامية أخرى في المغرب العربي وإفريقيا، بعد نجاحه في تدشين دويلته في العراق والشام خلال الأعوام الماضية، وذلك بالتنسيق مع الجماعات التي بايعت قائده أبو بكر البغدادي كجماعة «بوكو حرام» و«المرابطون».