خلال الأيام الأولى للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أعلنت

الاستخبارات الوطنية الأوكرانية

أن مجموعات من مرتزقة فاجنر الروسية، ذائعة الصيت، سعت لاغتيال الرئيس فولوديمير زيلينسكي، مضيفةً أن نحو 400 من المرتزقة الروس، نقلوا من دول أفريقية إلى أوكرانيا، قبل 5 أسابيع من الغزو، وتلقوا تكليفًا من أجهزة الأمن والاستخبارات الفيدرالية الروسية بتنفيذ عملية الاغتيال مقابل مكافأة مالية ضخمة.

وبعد وصول معلومات استخبارية للحكومة الأوكرانية عن عملية الاغتيال المفترضة عبر مصادر روسية عاملة في جهاز  الأمن الفيدرالي FSB ومعارضة لغزو أوكرانيا، فرضت الحكومة حظرًا للتجول داخل العاصمة كييف، قبل أن تُعلن، لاحقًا، أن الجهاز الأمني لزيلينسكي تمكن من تصفية مجموعة من مرتزقة فاجنر كانوا في طريقهم لتصفية الرئيس الأوكراني.

وكشفت البيانات التي نشرتها الاستخبارات الوطنية الأوكرانية واحدًا من الأدوار التي تضطلع بها شركة فاجنر الروسية، في

الحرب الروسية الأوكرانية

، رغم نفي موسكو ، رسميًا، مشاركة شركات الأمن الخاصة (ومنها فاجنر)، والمحظورة رسميًا في روسيا، في العملية العسكرية التي لا تزال دائرة حتى الآن.

ومع أن مرتزقة «فاجنر» فشلوا في مهمتهم المكلفين بها وهي اغتيال الرئيس الأوكراني، إلا أن العديد من الشواهد تُشير إلى مشاركتهم في مهام حربية عديدة داخل الدولة الأوروبية المجاورة لروسيا.

فاجنر بين القرم وكييف

فمنذ اندلاع أزمة شبه جزيرة القرم بين روسيا وأوكرانيا، عام 2014، على خلفية الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي لروسيا، فيكتور يانكوفيتش، عمدت موسكو إلى استخدام تكتيكات

الحرب الهجينة

التي تجمع بين توظيف القوات النظامية وغير النظامية في العمليات العسكرية بما فيها مرتزقة فاجنر، لتحقيق غرض سياسي.

وفي خضم تلك الأزمة، أنشأ العميد السابق في الجيش الروسي

ديمتري أوتكين

، والذي شغل سابقًا منصب قائد فرقة العمليات الخاصة الروسية الشهيرة، سبستيناز، والتابعة للواء الثاني في المخابرات العسكرية الروسية، مجموعة فاجنر التي سميت بهذه التسمية نسبة للموسيقار الألماني- المفضل لدى أوتيكن – ريتشارد فاجنر (1813-1883) والذي كان مفضلًا لدى الزعيم النازي أدولف هتلر.

واستفاد أوتيكن، الذي يُعد حاليًا

قائدًا عملياتيًا لمجموعة المرتزقة الروسية

(فاجنر) والموضوع على قائمة العقوبات الأمريكية لدوره القتالي المساند للانفصاليين الأوكرانيين (حلفاء موسكو) في شرق أوكرانيا، من خبرته السابقة المستمدة من عمله في مجموعة «

موران للأمن

» العاملة في مجالات توفير الأمن والحراسة البحرية، في تأسيس

شركة فاجنر المسجلة رسميًا في الأرجنتين

، وذلك بسبب حظر القانون الروسي الاتحادي في مادته 359 لتأسيس شركات المرتزقة.

وتُسلط خلفيات أوتيكن وخبرته العسكرية السابقة الضوء على جانب آخر من جوانب ارتباط شركة فاجنر بأجهزة الاستخبارات العسكرية الروسية (GRU)، إذ إن مجموعة موران للأمن- والتي أسست شركة

الفيلق السلافي

(مسجلة كشركة في هونج كونج) الذي قاتل في سوريا إلى جانب نظام وجيش الرئيس بشار الأسد، منذ عام 2013- منبثقة في الأساس من شركة «أوريل» لمكافحة الإرهاب، والتي تأسست على أيدي نخبة من ضباط القوات الخاصة الروسية السابقين أبرزهم سيرجي إبيشكين، في أواخر التسعينيات وسُجلت رسميًا في روسيا عام 2003، كمركز تدريب عسكري غير حكومي، لكنها كانت في الحقيقة حلقة وصل بين الشركات الأمنية الخاصة وبين جهاز الأمن الفيدرالي الروسي.

ومن الناحية القانونية لا يُوجد لفاجنر أي أثر على الأراضي  الروسية، لكن من الناحية الواقعية فإن المركز الرئيس لشركة المرتزقة، هو معسكر تدريب سري في مولينكو بمنطقة كراسنودار، بجوار منشأة تدريب تابعة للقوات الخاصة العاملة ضمن اللواء العاشر في الاستخبارات العسكرية في جنوب روسيا، ويبلغ تعداد المتعاقدين معها نحو 5 آلاف فرد أغلبهم من العسكريين الروس السابقين، بجانب مقاتلين آخرين من روسيا البيضاء وأرمينيا وغيرها.

وترتبط فاجنر، باسم

يفغيني بريغوزين

، رجل الأعمال المقرب من الرئيس الروسي والمعروف بـ«طباخ بوتين»، والذي يُعتقد بأنه ممول شركة المرتزقة ورئيسها، لكنه ينفي في العلن وجود أي صلة بينه وبين الشركة، رغم نشر تسريبات تُثبت علاقته المباشرة بالمرتزقة الروس.

ونشطت فاجنر، بشكل مكثف في مناطق الانفصاليين الأوكرانيين الموالين لروسيا، كما نشطت لاحقًا، في سوريا وشاركت في مواجهات عديدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أبرزها استعادة مدينة تدمر، عام 2017، وأسس المرتزقة الروس وحدة تُعرف بـ«صائدو الدواعش»، كما شاركوا في هجوم كبير ضد

قاعدة لقوات سوريا الديمقراطية

، عام 2018، لكنهم منيوا بخسائر كبيرة بعد قصفهم من قبل الطائرات الأمريكية ما أسفر عن مقتل وإصابة نحو 300 من عناصر المرتزقة الروس.

واستفادت شركة فاجنر من عمليات التوتر في سوريا وليبيا وإفريقيا الوسطى ومالي وموزمبيق، في توسيع نطاق عملياتها وانتشارها، بما يخدم

أجندة السياسة الخارجية الروسية

، ويساعد موسكو في إحياء صلاتها بحلفائها القدامى في إفريقيا وخارجها.

وقبيل
انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، حركت موسكو المرتزقة التابعين لها
من دول إفريقية إلى الحدود الروسية الأوكرانية، وكلفتهم بمهام سرية في كييف من
بينها اغتيال الرئيس الأوكراني، بحسب التقارير الصادرة عن الاستخبارات الوطنية
الأوكرانية.

عمليات «فاجنر» السرية في أوكرانيا

إلى ذلك، تبقى مشاركة وعمليات مقاتلي فاجنر في أوكرانيا محاطة بهالة من السرية الكبيرة الناجمة عن طبيعة الأدوار المناطة بهم، ضمن خطة الحرب الروسية في أوكرانيا، لكن التقارير والمعلومات الغربية تبين وجود مشاركة لأفراد المرتزقة الروس في مهام داخل العاصمة كييف، بعد دخولهم إليها من الحدود البيلاروسية.

ووفقًا لما نشرته مجلة التايمز البريطانية فإن مرتزقة فاجنر كلفوا باستهداف 24 مسؤولًا أوكرانيًا بارزًا (منهم الرئيس فولوديمير زيلينسكي)، للإطاحة بالحكومة الأوكرانية وتنصيب أخرى موالية لموسكو، وهو ما تم إفشاله بعد تسريب معلومات عن المهام السرية للمرتزقة عن طريق مصادر استخبارية.

ومن الواضح أن

المهام الموكلة لمقاتلي فاجنر

ستركز على القيام بعمليات توغل خلف خطوط العدو في عمق الأراضي الأوكرانية، وكذلك القيام بعمليات «

العلم الكاذب

» بما سيتيح لموسكو التنصل من المسؤولية عن هجمات أو عمليات حربية قد تعود بالسلب عليها، خصوصًا بعد تحريك

دعاوى في محكمتي العدل الدولية

(تابعة للأمم المتحدة)، والجنائية الدولية، تتهم روسيا بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا.

وسيساهم نشر عناصر فاجنر  في أوكرانيا، في تقليل

الخسائر الروسية الرسمية في العملية العسكرية

الجارية في أوكرانيا، وإنكار الخسائر الحقيقية، وفي هذا الصدد يمكن ملاحظة أن هناك فارق في حصيلة الخسائر الرسمية التي أعلنتها وزارة الدفاع الروسية والتي تُقدر بـ 500 قتيل و 1600 مصاب، وبين الخسائر التي أعلنتها المصادر الأمريكية والغربية فمثلًا تُقدر

الاستخبارات الأمريكية

أن الجيش الروسي فقد ما بين 2000: 4000 قتيل، حتى الآن.

وعلى
الرغم من أنه لا يمكن التسليم بالإحصائيات المنشورة عن خسائر أي من الطرفين
المتحاربين، في ظل استمرار العمليات الحربية، وزيادة وتيرة عمليات التضليل والحشد
الدعائي والحرب النفسية من قبل الأطراف المنخرطة في الصراع ومن قبل الأطراف
الخارجية المستفيدة منه، إلا أن تجارب روسيا السابقة في سوريا وليبيا وغيرها تؤكد
أن السلطات الروسية تميل إلى عدم الاعتراف بخسائرها الحقيقية وكذلك تجاهل الخسائر
التي تقع في صفوف المرتزقة الروس ونفي الصلة بينهم وبين القوات الروسية الحكومية.

فاجنر والسقوط المحتمل لكييف

وبينما تتواصل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتتزايد المؤشرات على

احتمالية سقوط كييف

في قبضة الجيش الروسي، فمن المحتمل أن يكون هناك دور آخر لمرتزقة فاجنر في الصراع الحالي، وهو مكافحة عمليات التمرد الأوكراني وإجهاض عمليات المقاومة المسلحة.

ومن
المتوقع أن تتواصل عمليات المقاومة الأوكرانية ضد الوجود الروسي في البلاد، لا
سيما وأن الاستخبارات الأمريكية والبريطانية دربت، قوات أوكرانية خاصة، لسنوات
الغزو الروسي، على

عمليات الحرب غير النظامية/ حرب العصابات

، لتكبيد
الجانب الروسي أكبر خسائر ممكنة وزيادة الكلفة السياسية والاقتصادية لاحتلاله
لأوكرانيا للضغط عليه وإجباره على العدول عن فكرة السيطرة المكانية عليها.

ويُرجح أن تتنامى أهمية ودور مقاتلي فاجنر في مرحلة ما بعد سقوط العاصمة الأوكرانية في قبضة القوات الروسية- في حال سقطت كييف قبل التوصل لاتفاق/ هدنة لوقف الحرب- خاصةً أن عناصر المرتزقة الروس اكتسبوا خبرة طويلة في مواجهة الثورات والتمردات المسلحة، وكذلك مجابهة حروب العصابات، نتيجة انخراطهم في مهام قتالية في العديد من البلدان، منذ عام 2014.

ومع أن الخبرة السابقة لمقاتلي فاجنر تُلمح إلى احتمالية نجاحهم في أداء أدوار قمع ومواجهة التمرد المسلح في أوكرانيا، إلا أن الإخفاقات التي صاحبت تجارب المرتزقة الروس في سوريا وموزمبيق وغيرها، بجانب عوامل سياسية وعسكرية واقتصادية أخرى، تؤكد أن تجربة الحرب الروسية الهجينة في أوكرانيا تبقى محفوفة بالمخاطر ومعقدة وهو ما يوحي بأن فكرة الاستعانة بالمرتزقة في الدولة الأوروبية قد لا تُحقق النتائج المرجوة منها، وقد تفشل بشكل كامل كما فشلت عملية اغتيال الرئيس الأوكراني زيلينسكي التي ما زالت تفاصيلها غامضة بشكل كبير.