إن كنت تذكر عادل إمام في مسرحية «الزعيم» الشهيرة، فهذا تقريبًا ما يحدث في أوكرانيا، في التمثيل على الواقع، فالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ليس سياسيًا عاديًا. صعوده إلى المنصب الرفيع في بلاده كان استئنائيًا. لذلك، كان طبيعيًا أن تكون كل الأحداث التالية غير عادية.

هل تتخيّل أن يترشّح عادل إمام لمنصب الرئيس لمجرد نجاحه في أداء دوره في مسرحيته الشهيرة؟ هذا ما حدث حرفيًا في أوكرانيا.

زيلينسكي في أدوار تمثيلية الحرب في أوكرانيا
زيلينسكي في أدوار تمثيلية قبل أن يصبح رئيسًا لأوكرانيا

وصل الممثل الكوميدي منعدم الخبرة السياسية منصبه عندما حقق فوزًا ساحقًا في الانتخابات الرئاسية الأوكرانية في أبريل 2019. وبعد بضعة أشهر فقط من ولايته، كان زيلينسكي في قلب فضيحة تتعلق بمكالمة هاتفية بينه وبين الرئيس دونالد ترامب دفعت الديمقراطيين في مجلس النواب الأمريكي لبدء إجراءات عزل ترامب بتهمة إساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونجرس.

والآن، يقود زيلينسكي مواطنيه المدنيين في مواجهة اجتياح عسكري
روسي بعدما تقاعس حلف الناتو عن مساعدته.

يحمل فولوديمير زيلينسكي، 44 عامًا، شهادة القانون من معهد كريفي ريه للاقتصاد، لكنه نال شهرته من خلال الكوميديا، خصوصًا

دوره الخاص

جدًا في المسلسل التلفزيوني «خادم الشعب» الذي حقق شعبية كبيرة في أوكرانيا.

فخلال الأحداث، لعب الرئيس الأوكراني الحالي شخصية مدرس تاريخ مثالي لكنه سيئ الحظ، صدمه مدى الفساد والانحدار السياسي في بلاده، فألقى على تلاميذه خطبة عصماء حول الفساد الحكومي، متمنيًا أن يصبح رئيسًا للبلاد ولو لأسبوع واحد، ليضع حدًا لتلك المهازل.

تعجب الخطبة أحدهم فيصورها خلسة بكاميرا هاتفه، ويرفعها عبر حسابات
السوشال ميديا فتحقق انتشارًا ضخمًا، ويجد المدرس نفسه مطالبًا بالترشح للرئاسة،
وينتهي الأمر به رئيسًا للدولة، شخصية Zelensky هي مدرس مدرسة مثالي يذهب في خطبة سريعة حول الفساد الحكومي
وينتهي به الأمر ليصبح رئيسًا.

وتجسيدًا لمقولة «الحياة تقلد الفن»، كانت حملة زيلينسكي الرئاسية مشابهة للمسلسل الذي أدى دور البطولة فيه من نواح عديدة؛ بدرجة دفعت الرجل ليؤكد في خطاب الترشح أن ترشحه للرئاسة حقيقي جدًا، وليس جزءًا من الترويج لمسلسله «خادم الشعب».

اعتمد فولوديمير زيلينسكي في حملته الانتخابية، على الإنترنت بشكل كبير، فترشح من دون انتماء حزبي ولا فريق واضح من المستشارين الخبراء حتى قبل أيام من الانتخابات، ولم يحضر أي فعاليات جماهيرية، ولم يعقد أي تجمعات، بل تحول إلى السوشيال ميديا ليصنع لنفسه اسمًا، اعتمادًا على شعار مكافحة الفساد المتفشي في أوكرانيا، مؤكدًا على وصف نفسه باعتباره «

دخيلاً على السياسة

، مستعد وحريص على زعزعة المؤسسة الحاكمة في كييف»، مركزًا برنامجه الأساسي في المقام الأول على هدفين: تفكيك القوة الاقتصادية لحكم الأقلية عديمي الضمير وإنهاء الحرب في الشرق.

لا أعلم من أين أتيت، ولكني أتيت

على الرغم من أن تفاصيل خططه لم تكن واضحة، نجح زيلينسكي بالفعل في أبريل/ نيسان 2019، في اكتساح الانتخابات بنسبة 73% من الأصوات، في غضون شهر من انتهاء عرض المسلسل، متغلبًا على الرئيس حينها، بيترو بوروشينكو الذي لم يحصد إلا 24%من الأصوات. لكن الرجل الذي نصب نفسه «مناضلًا ضد الفساد» واجه فورًا اتهامات بالتورط فيه، لا سيما فيما يخص علاقته برجل الأعمال إيهور كولومويسكي، مالك المحطة التلفزيونية التي بثت العرض الذي لعب فيه زيلينسكي دور البطولة، والموصوف باعتباره أحد أعمدة «حكم الأقلية».

وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن كولومويسكي، الذي كان منافسًا لسلف زيلينسكي، الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشنكو، وعاش في منفى اختياري،

عاد إلى أوكرانيا

قبل ثلاثة أيام فقط من تنصيب زيلينسكي.

سريعًا اتخذ زيلينسكي أولى خطواته الحاسمة، والمثيرة للجدل أيضًا، ففي مايو 2019، وكواحدة من أولى الإجراءات الكبيرة التي قام بها كرئيس، حل البرلمان الأوكراني، ودعا إلى انتخابات مبكرة. وبينما صور القرار باعتباره خطوة نحو الوفاء بوعده بالقضاء على الفساد، نُظر إليها على نطاق واسع باعتبارها محاولة لتوطيد السلطة في يده منفردًا.

في قبضة ترامب

لاحقًا، وجد زيلينسكي نفسه في قلب الصراع السياسي الأمريكي الداخلي
بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، حينما استقبل اتصالًا هاتفيًا من الرئيس
الأمريكي حينها دونالد ترامب في 25 يوليو 2019، حثه فيها مرارًا على فتح تحقيق بحق
نائب الرئيس السابق جو بايدن ونجله هانتر بايدن.

خلال الاتصال، أراد ترامب من زيلينسكي أن يبدأ تحقيقًا في

ملفات شركة بوريزما

، وهي
شركة غاز طبيعي أوكرانية كان هانتر بايدن عضوًا في مجلس إدارتها.  تسربت
المكالمة إلى وسائل الإعلام الأمريكية، وفتح الكونجرس تحقيقًا حولها، وصل إلى
تقديم ترامب لمحاكمة عزل.

ووسط الفضيحة التي أحاطت بالمكالمة الهاتفية، تجنب زيلينسكي التطرق
إلى الموضوع. وحتى حين وصل نيويورك لحضور اجتماعات الأمم المتحدة  في 25
سبتمبر 2019، تحدث زيلينسكي بشكل أساسي عن روسيا ولم يذكر ترامب مطلقًا.

خلال الزيارة نفسها، قابل زيلينسكي ترامب وجهًا لوجه لأول مرة. لكنه قال للصحفيين، إنه لا يريد «التورط» في الانتخابات الأمريكية. لكنه رفض فكرة أن ترامب «حاول دفعه للتحقيق» ووصفها بأنها مكالمة «عادية».

وصوت مجلس النواب على عزل ترامب بتهمة إساءة استخدام السلطة وعرقلة
عمل الكونجرس، لكن مجلس الشيوخ برأه في فبراير 2020.

خلال نفس الزيارة، دفع زيلينسكي لإجراء مفاوضات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن الصراع في شرق أوكرانيا، ودعا في الوقت نفسه إلى فرض عقوبات على روسيا. وقال في صحيفة «

نيويورك تايمز

»: «لن يشعر أحد بالأمن بينما تشن روسيًا حربًا على أوكرانيا في وسط أوروبا، إن التفكير في أن الحرب على أوكرانيا لا تخص المواطن الأمريكي سيكون قاتلاً».

امتصاص غضب موسكو

شن زيلينسكي حملة لتخفيف التوترات مع روسيا، لكن بعض الأوكرانيين يقولون، إن هذا الموقف لم ينجح كما لم ينجح الرئيس الأوكراني الذي سبقه؛ إذ يشكو العديد من الناخبين الذين أوصلوه للسلطة من أن الرئيس لم يحقق وعديه؛ فلا هو أنهى الحرب، ولا هزم الفساد.

لكن المواجهة مع روسيا باتت آخر قشة لإنقاذ صورة الرئيس.

أعرب زيلينسكي عن رغبته في تقديم طلب لضم أوكرانيا إلى

عضوية الناتو

. ومثل هذا التفكير كان كافيًا لدفع روسيا لنشر قواتها على حدود أوكرانيا، قبل بدء الغزو في 24 فبراير 2022. حاول زيلينسكي إظهار قوته بينما يحشد بوتين القوات على الحدود، فأعلن الأحكام العرفية وقطع العلاقات الدبلوماسية مع روسيا، ورفض عرضًا أمريكيًا بإجلائه عن كييف، متعهدًا أن يقاتل مع قادته دفاعًا عن العاصمة حتى الرصاصة الأخيرة، مستعينًا بالمدنيين الأوكرانيين، الذي قرر منحهم السلاح للدفاع عن العاصمة.

هذا المشهد وصفته «سي إن إن»، بـ«عودة النجم إلى خشبة المسرح»، لكنه هذه المرة خشبة مسرح الواقع، بعدما تحول زيلينسكي إلى

داوود الذي يواجه جالوت

». مع ذلك، يبدي محللون قلقهم من أن «النجم»

يفتقر هذه المرة إلى الخبرة

السياسية للوقوف في وجه الدب الروسي، وأن قراراته المتهورة ستقود العالم لحربٍ عالمية.