شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 85 فنسنت ويليام فان جوخ (30 مارس/آذار 1853- 29 يوليو/تموز 1890) هو رسام هولندي ينتمي لمدرسة «ما بعد الانطباعية». على الرغم من أن بعض أعماله الآن من أغلى اللوحات سعرًا في العالم، إلا أن فان جوخ عاش فقيرًا ومات وهو غير معروف، لم يكن هناك أي إيمائة على أن هذا الشاب سيصبح أحد أهم وأشهر الرساميين في التاريخ، حتى أنه لم يبع طوال حياته إلا لوحة واحدة فقط من لوحاته. توفى فان جوخ في فرنسا عن عمر يناهز 37 عام بعد أن تلوث جرح سببه طلق ناري أطلقه فان جوخ على نفسه محاولًا الانتحار. يتناول العديد من النقاد فان كوخ وفنه كفنان معذب بسبب مرضه العقلي، وقد ساهمت هذه الرؤية في فهم وتحليل أعمال فان جوخ الفنية، ما وضعه لاحقًا بين الرساميين الأكثر شهرة وتأثيرًا في العالم. حياته ولد فان كوخ في أسرة من الطبقة المتوسطة مكونة من ثمان أفراد. كان والده قس بروتستانتي وأمه ربة منزل. لم يبد على فان كوخ أي ميول للرسم في طفولته وحتى سن السادسة عشر. في هذه السن المبكرة عمل مع أحد تجار اللوحات حيث كان ينقل اللوحات بين لندن وباريس. وعلى الرغم من أن ثلاثا من أخوته امتهنوا نفس المهنة إلا أن فان جوخ سريعًا ما شعر بالسقم وقرر أن يسير على خطى والده، فعمل في بعثة تبشيرية بين عمال المناجم في بلجيكا. تعتبر الفترة التي عمل فيه فان جوخ كتبشيري بين عمال المناجم أحد المحطات المهمة في حياته حيث اختبر عمليًا حياة الفقراء. يظهر تأثير هذه التجربة في أولى أعمال فان جوخ وهي لوحة «آكلو البطاطا The Potato Eaters» والتي انتهى منها عام 1885. في تلك الفترة تقرب فان كوخ من الرسام الفرنسي جان فرنسوا ميلت[1] الذي أثر أسلوبه في الرسم في فان كوخ، وقد ظهر هذا جليًا في أعمال فان كوخ المبكرة. في عام 1886، استقر فان كوخ في باريس وقد انغمس تمامًا في الانطباعية وما بعد الانطباعية. أظهرت أعماله في تلك الفترة ألوانا مشرقة وحيوية، وبدا عليه التأثر بالمدارس اليابانية في الرسم. أثرت باريس حياته الفنية بشدة عندما تعرف فيها على رموز فنية عالمية مثل بول جوجان[2]، كلود مونيه[3]، كاميل بيسارو[4]، وغيرهم. لكن بحلول 1888، بدأت حالته العقلية في التدهور أكثر، حتى أنه حمل سكين وهدد صديقه بول جوجان بالقتل بعد أن حاول جوجان ترك البيت الذي يعيشان فيه سويًا. في نفس اليوم قطع فان جوخ قطعة من أذنه وقدمها هدية لغانية كان على علاقة بها. دخل فان جوخ بعدها المستشفى وعندما خرج كان العالم الذي يربطه بجوجان قد تبخر. من هذه النقطة بالذات بدى جليًا أن الحالة العقلية لهذا الرسام ستحدد أسلوبه في الرسم. شهد عام 1889 حالة من النشاط الفني في حياة فان جوخ ورسم فيها لوحة «ليلة مضيئة Starry Night» والتي أصبحت فيما بعد أحد الأيكونات الفنية العالمية. في عام 1890 انتقل فان جوخ إلى قرية “أوفرس-سر-واز Auvers sur Oise” الواقعة في أحد ضواحي باريس حيث أمضى فيها عامه الأخير. لوحة «على أعتاب الخلود Eternity’s Gate» والمعروفة أيضًا باسم «عجوز ينوح» Sorrowing Old Man في تلك القرية اشتد نشاط فان جوخ الفني لدرجة أنه كان يرسم لوحة كل يوم. على الرغم من ذلك، كان فان جوخ يعاني من انتكاسات متتالية فلا يكاد يخرج من المصح العقلي حتى يدخل مرة أخرى. في 27 يوليو أطلق فان جوخ على نفسه الرصاص، لم تكن الرصاصة قاتلة لكن تلوث الجرح أدى لوفاته بعد ذلك في 29 يوليو 1890. قبل محاولة الانتحار بأيام رسم فان جوخ آخر لوحاته وهي «على أعتاب الخلود Eternity’s Gate» والمعروفة أيضًا باسم «عجوز ينوح Sorrowing Old Man». على الرغم من أن فان كوخ كان في ريعان شبابه في تلك الفترة إلا أنه رسم نفسه كهلا عجوزا ينوح. لفهم طبيعة فان جوخ النفسية التي أفضت به إلى الانتحار علينا أخذ ما يلي بعين الاعتبار. في إحدى رسائله لأخيه ثيو يقول فان جوخ: «لن أعيش بدون حب». فان كوخ الذي كان يرى أن لا قيمة للحياة بلا حب لم يجد هذا الحب أبدًا. يُكمل قائلًا في رسالة أخرى: «كلما ازددنا خبرة في هذه الحياة، كلما ازددنا كهولة». ألهذ السبب رسم فان كوخ نفسه كهلا وهو في سن السابعة والثلاثين؟! هل يأس من أن تطرق السعادة بابه يومًا! يردف فان كوخ قائلًا: «سيستمر الحزن للأبد». عانى فان كوخ من الفقر والمرض العقلي وفشل في العلاقات العاطفية ولم يذع صيته خلال حياته كفنان، فقرر وضع نهاية لهذا البؤس في مرحلة ما. وثيقة وفاة فان جوخ بعض أهم لوحاته تميز استخدام فان جوخ للفرشاة بالعنف. خطوطه حادة ومِقدامة وجريئة، أراد فان جوخ ليس فقط التعبير عن مأساته بل حاول أن يجد العزاء فيما ينتجه من أعمال فنية. يقول فان جوخ في أحد خطاباته لأخيه ثيو: «وظيفة الفن هي تقديم المواساة لمن حطمتهم الحياة». يعتبر فان جوخ ليس فقط أحد رواد مدرسة ما بعد الانطباعية لكن من رواد المدرسة الوحشية أيضًا.[5] أنتج فان جوخ خلال العشر سنوات التي قضاها في الرسم ما يقرب من 2.100 عمل فني بين 860 لوحة زيتية، 1300 لوحة بألوان مائية، أضف لذلك عشرات الاسكتشات والمطبوعات. كان الرسم بالنسبة لفان جوخ هو اليوتوبيا التي يحتمي بها من قسوة واقعه.. 1. الخطوات الأولى لوحة «الخطوات الأولى» 1890 عبارة عن أسرة صغيرة ينحني الأب فاتحًا ذراعيه لطفلته التي تحاول أنْ تخطو خطواتها الأولى بمساعدة الأم في حديقة منزل ريفي. اللوّحة تحمل إحساسا بالدفء والحميميّة في أجواء أسرية بسيطة. لا تُظهر اللوحة ملامح أيّا من أفراد الأسرة. طمس فان جوخ ملامحهم تمامًا لأنهم في الحقيقة «غير موجودين». يُماثل حجم الأب في اللوحة حجم فان جوخ في الحقيقة، لكن لم يكن لدى فان جوخ هذه الأسرة. باءت كل محاولاته في تكوين أسرة أو أصدقاء بالفشل. هذه الروح المُعذبة كانت تطوق للحب لكن لم تجد من يأبه بها، فشل في الارتباط وفي تكوين صداقات لأنه كان يقضي أكثر من نصف العام في المصحات النفسية للعلاج. يأس من أن يكون له أسرة وطفل وأن يكون أبا أو له حبيبة، فرسم البيت والحديقة والزوجة والطفلة ويداه الممدودتان على أتم استعداد لتلقي هذا القدر من الحميمية. رسم فان جوخ اللوحة وانتحر في النهاية ليعيش فيها. 2. آكلو البطاطا The Potato Eaters لوحة الخطوة الأولى لوحة آكلو البطاط تعتبر لوحة «آكلو البطاطا The Potato Eaters» من أشهر أعمال فان جوخ، وقد انتهى من رسمها عام 1885. تأثرت اللوحة بتجربة فان جوخ كتبشيري بين عمال المناجم في أوائل حياته، حيث اختبر صعوبة حياتهم والظلم الواقع عليهم من قِبل الأثرياء. رسم فان جوخ في هذه اللوحة أسرة ريفية تجتمع حول مائدة طعام، وعلى ضوء مصباح خافت، يتناولون وجبة البطاطا بأيدي تدل على طبيعة العمل الشاق الذي يمارسونه. في خطابه رقم 497 لأخيه ثيو، يقول فان جوخ عن اللوحة: كما ترى، أردت أن يرى الناس حقيقة أن هذه الأسرة، التي تأكل البطاطا على ضوء المصباح الخافت، حرثوا الأراضي بتلك الأيدي نفسها التي يضعوها في الطبق. هذه اليد تتحدث عن حقيقة العمل اليدوي، وأن هذه هي وسيلتهم الحقيقة لكسب قوتهم. عمد فان جوخ عند رسم اللوحة إلى اختيار نماذج قبيحة وخشنة وحادة ليعطي انطباعا أن هذه الأسرة هي الحقيقة والواقع المؤسف. كان فان جوخ شديد الولع بالليل وما يضفيه على العالم من سكينة وهدوء. برز اهتمامه في رسم السماء ليلًا في ثلاث لوحات هي: ليلة مليئة بالنجوم Starry Night – ليلة مليئة بالنجوم فوق نهر الرون Starry Night Over The Rhone – شرفة المقهى Café Terrace. تظهر السماء ليلًا في لوحات فان جوخ مليئة بالتموجات والحركة على عكس القرية الساكنة أسفلها في اللوحات، يبرز فان جوخ المعاني التي يريدها بالتباين والتناقض بين السماء والأرض. كذلك يربط فان جوخ بين الأرض والسماء عن طريق الشجر كجسر بين حالتين متناقضتين هما: الأرض الساكنة والسماء المليئة بالتموجات والحركة فوقها. تحمل لوحات فان جوخ الليلية شعورا بالإثارة بعيدًا عن نهج الانطباعية التقليدي. تعطي ضربات الفرشاة الحادة انطباعا للرائي ويكأن اللوحة تتحرك باستمرار في السماء وصامتة وساكنة تمامًا في الأرض. لوحة ليلة النجوم لوحة ليلة مليئة بالنجوم على نهر الرون لوحة شرفة مقهى في الليل ختامًا، أثرت مأساة فان جوخ حياته الفنية بشكل كبير، وكان لها دور كبير في تحريك فرشاته واختيار مواضيعه، بل وحتى يعود الفضل لها فيما وصل لها فان جوخ من عالمية. كان الرسم بالنسبة لفان جوخ هو اليوتوبيا التي يحتمي بها من قسوة واقعه. في إحدى رسائله إلى أخيه، يُعرب فان كوخ عن رؤيته للوحاته قائلا: «لا أريد أن أرسم مجرد مشاهد عاطفيَّة أو حزينة، بل لوحات ينفذ منها ألمي العميق». عَوّل فان جوخ بشكل كبير على الحب كمخلص له من كل عذابته إلا أنه، ويا للأسف، لم ينجح في أي من علاقاته العاطفية. أضف لذلك أن خلال حياته لم يكن ذائع الصيت ولم يبع من لوحاته إلا واحدة، ساهمت كل تلك الأمور في تدهور حالته العقلية حتى انتهى إلى الانتحار. [1] جان فرنسوا ميلت (1814- 1875) هو رسام فرنسي أحد مؤسسي مدرسة باربيزون الفنية التي تعتبر جزء من المدرسة الواقعية. [2] بول جوجان (1848- 1903) هو رسام فرنسي معاصر لفان جوخ وهو أحد رواد المدرسة ما بعد الانطباعية. [3] كلود مونيه (1840- 1926) رسام انطباعي فرنسي، معاصر لفان جوخ، يعتبر مؤسس المدرسة الانطباعية. [4] كاميل بيسارو (1830- 1903) رسام فرنسي وهو أحد رواد الانطباعية والانطباعية الجديدة وله إسهامات في ما بعد الانطباعية. [5] المدرسة الوحشية هي مجموعة كبيرة من رسامي القرن العشرين الذين ركزوا على الألوان الحيوية العنيفة والمواضيع الجريئة، أبرز روادها هو الرسام الفرنسي هنري ماتسي (1869- 1954). قد يعجبك أيضاً السيرة الذاتية: 9 من أشهر الأعمال الأدبية لأدباء معاصرين نقطة «كايروكي» البيضاء ومعركة الانحياز للجمهور أحمد خالد صالح: الجمهور كان يشعر أن والدي واحد منهم يحيى الفخراني: التلقائية المخطط لها شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram هند مسعد محمد Follow Author المقالة السابقة دراما العهد.. شرعية الاقتباس وأهمية الرمز المقالة التالية تحت السيطرة، إبداع التفاصيل وغموض الإنسان قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك الكذبة الثالثة: سحر البساطة 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك السينما والأكوان المتعددة: هل شعرت يومًا أنك في مكان آخر؟ 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك رواية «ما وراء النهر»: ثورة طه حسين على الرواية الكلاسيكية 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك القصة الكاملة وراء هاشتاج ديزني بالمصري 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك منوّرة بأهلها: حكاية ملفتة أوشكت أن تفُسد ذاتها 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك نجوم بلا موهبة: قيراط حظ ولا فدان شطارة 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كيف صورت السينما المنزل كمصدر رعب للنساء؟ 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «خالد حسيني»: الواقع الأفغاني في الأدب الأمريكي 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «Toni Erdmann»: ألمانيا صاحبة الوجهين 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «Tickling Giants»: باسم يوسف في عيون أمريكية 03/03/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.