خرجت نتيجة انتخابات نقابة الصحفيين بنتيجة كانت صادمة للكثيرين، وذلك بعد فوز عبد المحسن سلامة على حساب يحيى قلاش أحد أفراد تيار استقلال المهنة، وكذلك خالد البلشي، اللذين كانا –ولا يزالان – من قادة الدفاع عن كرامة الصحافة ضد بطش وتسلط الدولة، واللذين دفعا ثمن ذلك تنكيلا وتشويهًا إعلاميًا.

إلا أنه بالنظر إلى تفاصيل النتيجة ومقارنتها بالنتائج السابقة وبالظروف المحيطة بها، مع الأخذ في الاعتبار العوامل الأخرى، مثل هجوم الدولة على تيار الاستقلال في شهور ما قبل الانتخابات، يتضح أن المعركة لم تنتهِ بعد، وإنما أخذت شكلا جديدًا ومختلفًا أكبر وأوسع من التنافس على مقاعد مجلس النقابة، والتي ستمتد إلى المؤسسات وزملاء المهنة في كل مكان، والذين أوضحت النتائج أن تيار الاستقلال يزداد شعبية بينهم وانتشارًا أكبر مما يظنه البعض.

خلال العام الماضي شنت القوى الأمنية حملة شرسة على قلاش والبلشي بعد دفاعهما المستميت وحشدهما الصحفيين في مواجهة الداخلية، بعد فضيحة اقتحام حرم النقابة من قبل عناصرها للقبض على الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا؛ تلك الحرب التي شملت أنواعًا شتى من الأسلحة القذرة، كمحاكمتهما بتهم باطلة والحكم عليهما بأحكام جزافية، وكذلك نشر أخبار كاذبة عنهما وتشويههما إعلاميًا في قنواتها ومواقعها الإلكترونية.

ورغم الحشد الكبير من المؤسسات الحكومية لمساندة المرشحين المنافسين لتيار الاستقلال حتى بلغ عدد الناخبين طفرة كبيرة لتشهد الانتخابات أكبر إقبال لها في تاريخها عددًا ونسبة من أعضاء الجمعية العمومية –حيث بلغ إجمالي عدد الأصوات 4500 مقابل 3200 عام 2015 – حصل قلاش على عدد 1930 صوتًا، وهو تقريبًا نفس العدد الذي حصل عليه في انتخابات عام 2015، حيث كانت النتيجة 1948 صوتًا مقابل 1079 صوتا لصالح ضياء رشوان المرضي عنه من قبل الأجهزة، بينما حصل البلشي هذا العام على 1061 صوتا مقابل 747 صوتا في الانتخابات التي أوصلته لمقعد مجلس النقابة عام 2013.

أي أنه رغم كل تلك الحرب الشرسة التي سخرت فيها السلطة كل قواها، استطاع تيار استقلال المهنة داخل الجمعية العمومية زيادة شعبيته، بل استطاع تحقيق مفاجأة مذهلة للجميع، وهي انتزاع مقعد تحت السن لصالح المرشح عمرو بدر الذي كان أحد أسباب المعركة، والذي بلا شك سيكون صوتًا للتيار داخل المجلس بكل ما يحمله من تاريخ نضالي، ذلك بالإضافة إلى الحفاظ على مقعد جمال عبد الرحيم، ثالث البلشي وقلاش في المواجهة والمحاكمة.

إن تلك النتائج السابقة تأتي في وقت سخرت فيه الدولة كل طاقتها لمصادرة المجال العام وتحويل مهنة الصحافة والإعلام في مصر إلى بوق إعلامي لها، فخلال السنوات القليلة الماضية استطاعت الأجهزة عبر رجالها الرسميين أو الحلفاء الاستحواذ على عدد كبير من المؤسسات الصحفية والغالبية العُظمى من الوسائل المرئية والمسموعة، بجانب المؤسسات الحكومية التي تُسيطر عليها، وبجانب التنكيل الشديد والضربات الأمنية للصحفيين التي أوصلت مصر إلى مركز مخزٍ في حرية الصحافة على مستوى العالم، والمركز الثالث عالميا في عدد الصحفيين المحتجزين.

لكن رغم ذلك استطاع التيار المناهض لتلك السياسات حشد نسبة أكبر عبر نضال مستمر على المستويين النقابي والمهني على حد سواء، وسط الجمعية العمومية للنقابة، والتي تمكنت قواعد وقوانين الدولة من حرمان الغالبية العُظمى من الصحفيين من الوصول إليها وسيطرة نسبة كبيرة جدا من صحفيي المؤسسات الحكومية عليها. فلقد كان للتيار دور ملموس وفاعل خلال الأعوام العصيبة الجارية التي شهدت خلالها المهنة وأفرادها تضييقا شديدا على المستوى المهني والمعيشي.

فمحاولات الدولة الاستحواذ على المؤسسات -ونجاحها على نطاق واسع– أدى إلى إغلاق بعض المؤسسات أو تقليل عدد الصحفيين بها بالاستغناء والفصل التعسفي لهم، مما شكل وضعا معيشيا كارثيا، خاصة في وقت يُعاني فيه الغالبية العُظمى من الشعب ظرفا اقتصاديا عصيبا من الغلاء الشديد نتيجة قرارات وتوجهات الدولة الظالمة مع ثبات أجورهم.

ولقد كان تحرك التيار في هذا الشأن قويا وفعالا من خلال الوسائل المتاحة التي كان للقوانين والتشريعات دور كبير في تحجيم مساحتها، والذي أعتقد أنه سيكون على نطاق أوسع بعد هذه الانتخابات، بعد أن تبددت اتهامات مدلسة لرموز هذا التيار بتسييس النقابة والدفع بها في معارك سياسية بعيدة عن العمل النقابي.

إن نتائج هذه الانتخابات يجب ألا تُحبط العاملين والفاعلين في المهنة، بل على العكس، فبرغم خسارة مقعد النقيب –المهم- فلقد احتفظت أيضا بوجودها عبر أسماء قوية ومهمة أمثال عمرو بدر وجمال عبد الرحيم ومحمد سعد عبد الحفيظ وغيرهم من الزملاء، الذين سيمثلون استكمالا لنضال وحراك زملائهم الذين خرجوا من المجلس، وصوتا قويا وفاعلا لبقية زملائهم في المهنة، ومدافعين عن حقوقهم وعن كرامة واستقلال مهنتهم السامية التي هي الداعم الأكبر لبناء دولة الحق والعدل، بجانب المؤشرات السابقة التي توضح مدى زيادة حجم التيار الممانع واتساع دائرته، والذي من شأنه أن يُغير في المعادلة بأكملها لاحقا.



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.