محتوى مترجم
المصدر

thenation
التاريخ
2015/08/08
الكاتب
هيلاري غودفريند

إنها ليست المرة الأولى التي تَظهر فيها مزاعم بشأن تآمر لإحداث انقلاب في الآونة الأخيرة في تلك الجمهورية الصغيرة في أمريكا الوسطى. بعد شهرين من الانتخابات النصفية التي جرت في الأول من مارس/ أذار، وجدت السلفادور نفسها دون هيئة تشريعية.

وفي خطوة غير مسبوقة، علَّقت الدائرة الدستورية في المحكمة العليا أداء اليمين من قِبل الممثلين المنتخبين حديثًا في انتظار إعادة فرز الأصوات، مما أدَّى عمليًا إلى إيقاف عمل فرع كامل من الحكومة. وقد نعت الرئيس الحالي للجمعية التشريعية الوطنية هذا الإجراء بـ«الانقلاب التقني» ووصفته السفارة الامريكية بأنه «مؤسسية».


تصعيدات داخلية

شهدت الأسابيع القليلة الماضية في السلفادور تصعيدًا لسلسلة من التكتيكات التي يعتبرها مسؤولون رسميون وناشطون جزءًا من إستراتيجية «انقلاب ناعم» ضد الحكومة التقدمية المنتخبة ديمقراطيًا في البلاد.

منذ تنصيب الرئيس اليساري «سلفادور سانشيز سيرين»، في العام 2014، أُرهِقت موارد الدولة نتيجة للتصاعد في جرائم القتل التي تقوم بها العصابات، في ما وصفه قائد الشرطة «موريسيو لاندافردي» بالحملة المتعمَّدة بأمر من زعماء العصابات لزيادة معدَّلات القتل بدوافع سياسية محتملة.

في وقت سابق من هذا الشهر، احتشدت مجموعة من الجنود المسلحين بالزي العسكري للمطالبة بتعويضات أكبر؛ تبرَّأت القيادة العسكرية من أعمالهم واتهمت 14 منهم بالتحريض. وفي الأسبوع الماضي، أدت تهديدات العصابات ضد سائقي الحافلات إلى إيقاف العشرات من طرق النقل الجماعي في جميع أنحاء العاصمة «سان سلفادور»، وهو ما اعتبره مسؤولون عملًا تخريبيًا ضد الشعب.

وقد قامت جماعات الجناح اليميني بتعميم دعوات على وسائل التواصل الاجتماعي لاستقالة الرئيس. وساهم هجوم وسائل إعلام الجناح المحافظ في البلاد ضد الحزب الحاكم يوميًا في خلق مناخ من انعدام الأمن.

تعود خطط تقويض الحكم اليساري في السلفادور -في الواقع- إلى سنوات قبل انتخاب «سانشيز سيرين»، الزعيم الأول لمليشيات الحزب اليساري (جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني) الذي أصبح رئيسًا للسلفادور. وتتركز الإستراتيجية على المحكمة العليا في البلاد – وكانت حكومة الولايات المتحدة منخرطة فيها من البداية.

بعد اقتراح الرئيس «أوباما» في يناير/ كانون الثاني بتوفير مليار دولار كمساعدات لأمريكا الوسطى بزعم المساعدة في وقف موجة الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة، تمحور النقاش في الكونغرس حول المخاوف بشأن سيادة القانون، والمؤسسية، والحكم الرشيد في ما يسمَّى «المثلث الشمالي» من مضيق أمريكا الوسطى: (غواتيمالا، وهندوراس، والسلفادور).

وتشير السياسة الخارجية للولايات المتحدة في المنطقة -مع ذلك- إلى أن هذه المصطلحات تعني شيئًا مختلفًا جدًا بالنسبة إلى وزارة الخارجية. ويوفِّر دعم واشنطن للحكومات القمعية المعادية للديمقراطية في هندوراس وغواتيمالا الأمثلة الأكثر وضوحًا على ذلك.

لكن في السلفادور، اتخذت دعوة الولايات المتحدة للمؤسسية منعطفًا أرويليًا حقًا، حيث نتج عن تصاعد هجمات المحكمة العليا ضد السلطتين التنفيذية والتشريعية تقويضًا نشطًا للحكم، بدعم كامل من الولايات المتحدة.

برزت الديمقراطية السلفادورية الوليدة لتوها بعد عقود -بل قرون- من الحكم الأولغاركي والعسكري القمعي. وتلت اتفاق السلام لعام 1992، الذي وضع حدًا لحرب أهلية وحشية استمرت 12 عامًا، واستمرت بعد ذلك 20 عامًا من إدارات الحزب اليميني (التحالف القومي الجمهوري) المدعومة من قِبل الولايات المتحدة، وهي الحكومات التي تميَّزت باللبرلة المدمِّرة للاقتصاد والفساد المستشري.

لكن في عام 2009، انتُخِب الصحفي التقدمي «موريسيو فونيس» رئيسًا بدعم من الجبهة اليسارية، وكانت تلك هي الإدارة التقدمية الأولى من نوعها في البلاد. وفي عام 2014، حصل اليسار مرة أخرى على الرئاسة، لكن هذه المرة مع ترشيح قائد حرب العصابات السابق التابع للجبهة «سانشيز سيرين».

تشكل الإطاحة باليمين الأولغاركي من السلطة خطوةً استثنائيةً إلى الأمام من أجل الديمقراطية في السلفادور. وبالإضافة إلى وضع حجر الأساس للبرامج الاجتماعية التي وسَّعت من حصول الأغلبية الفقيرة على الرعاية الصحية عالية الجودة والخدمات التعليمية، تم تنفيذ إصلاحات مؤسسية واسعة.

وقد أصبحت العملية الانتخابية في البلاد أكثر شفافيةً وإمكانية؛ وتشتمل التدابير على نظام التصويت السكني، الذي افتتح الآلاف من مراكز الاقتراع الجديدة، ونظام التصويت الغيابي للسلفادوريين في الخارج.

وقد حقق قانون المعلومات العام إمكانية للوصول إلى معهد المعلومات العام، وتكمن مهمته في تسهيل طلبات المواطنين فيما يتعلق بالحصول على المعلومات الحكومية. وبالإضافة إلى ذلك، تم الكشف عن فضائح فساد ضخمة للإدارات السابقة بملايين الدولارات، ولقد واجه العشرات من المسؤولين السابقين، بما في ذلك الرئيس السابق، محاكمة بتهمة إساءة استخدام الأموال العامة.

ومما لا يثير الدهشة أن ميزة هذه الإنجازات الديمقراطية قد فقِدت إلى حد كبير على يد النخبة السلفادورية العنيدة وحلفائها الأمريكيين، وهي النخبة التي اعتادت على استخدام خزائن الدولة كبنك شخصي، ونهب الموارد الطبيعية للبلاد وقواها العاملة واستغلالها عبر الحدود مع الإفلات من العقاب.


التدخل الأمريكي

لعدة سنوات، هللت وسائل الإعلام الرجعي السلفادوري للتهديدات الأمريكية بأن انتخاب حكومة يسارية سيعني كارثة للعلاقات الدبلوماسية: في الانتخابات السابقة، هدد مسؤولو وزارة الخارجية وأعضاء الكونغرس بقطع التحويلات بالغة الأهمية من المهاجرين السلفادوريين إلى عائلاتهم، بل وبترحيل السلفادوريين من الولايات المتحدة في حال انتصر التابعون للجبهة في صناديق الإقتراع.

لكن على عكس الوضع في هندوراس، حيث دعمت واشنطن علنًا انقلابًا عسكريًا ضد الرئيس المنتخب ديمقراطيًا، «مانويل زيلايا» في عام 2009، اختارت الولايات المتحدة إستراتيجية لينة في السلفادور. فمع الحفاظ على علاقات دبلوماسية ودية مع إدارات للجبهة، عملت واشنطن مع حلفائها في السلفادور من أجل فرض إصلاحات مؤسسية وسياسات اقتصادية من شأنها تقييد أيدي الإدارات السلفادورية الحالية والمستقبلية.

يحد ذلك من قدرة الحكومة على تنفيذ التغييرات الهيكلية التي يمكن لها تحدي النيوليبرالية، والأجندة الموالية للشركات. وفي نفس الوقت، من خلال تمويلات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والتشجيع العام، حرضت واشنطن القوات المحلية المزعزعة للاستقرار التي تسعى لعرقلة الحكم اليساري الناجح.

وبإدخال المحكمة العليا، قلق الجناح اليميني السلفادوري من فقدان السلطة التي أساء استخدامها لفترة طويلة، وتحول إلى إستراتيجية جديدة، كانت واشنطن على وعي تام بها. في العام 2008، عشية الانتخابات الرئاسية لعام 2009، أرسل سفير الولايات المتحدة في السلفادور «تشارلز جليزر» برقية (تم تسريبها في وقت لاحق من قِبل ويكيليكس) إلى وزارة الخارجية في واشنطن تضم معلومات أخبره بها «سلفادور سامايوا»، وهو زعيم سابق في الجبهة أصبح محللًا يمينيًا. كتب السفير جليزر:

قال لنا «سمايوا» إن (الخطة ب) في أعمال الجبهة (اليسارية) عن حكم إبعاد السلفادور؛ تعني أنه يجب أن يفوز «موريسيو فونيس» في انتخابات مارس/ أذار عام 2009. وقد ورد أن مشروع الخطة قد ركز على على منع الخسارة الكارثية لـ«أرينا» (الحزب المحافظ، الموالي للولايات المتحدة) في الجمعية التشريعية، والاختيار المبكر لقضاة المحكمة العليا من قبل الجمعية الحالية، وتعزيز المؤسسات التشريعية السلفادورية الموجودة قبل انتخابات عام 2009.

وتواصل البرقية:

يركز عنصر هام من الخطة على السيطرة على المؤسسات الرئيسة، بما في ذلك المحكمة العليا والقوات المسلحة. وفيما يتعلق بالمحكمة، لاحظ «سمايوا» أن خمسة قضاة يجب أن يتم استبدالهم قبل 1 يوليو/ تموز عام 2009، أربعة منهم في الدائرة الدستورية للمحكمة… إنهم يعتقدون أن انتخاب قضاة جدد غير قابل للتحقيق.

ويختتم السفير بالقول: إن حقيقة أنهم يأخذون نظرة طويلة ويحاولون منع الجبهة من حكم السلفادور أمر يبعث على الاطمئنان.

تحققت أسوأ مخاوف وزارة الخارجية؛ فقد فازت الجبهة في الانتخابات التاريخية في عام 2009. وكما وعد، انتقل اليمين السلفادوري إلى خطة (ب)، وكما أظهرت تدخلات المحكمة العليا مؤخرًا، تعمل الإستراتيجية بشكل جيد جدًا.

وقد شكلت الدائرة الدستورية في المحكمة العليا، التي تم انتخابها في عام 2009 من قِبل الجمعية التشريعية التي يهيمن عليها قضاة «أرينا»، واحدة من أقوى التحديات التي تواجه تنفيذ برنامج الحكومة وصعود السلطة السياسية للجبهة.

منذ انتخابهم، قام أربعة من القضاة الخمس في الدائرة – معروفين باسم «فانتاستيك فور» لتدخلاتها غير المسبوقة في السياسة الوطنية – بالدفاع بشراسة عن المصالح المالية للنخبة الثرية. وفي فبراير/ شباط عام 2014، اعتبر القضاة أنه من غير الدستوري فرض ضريبة على السيارات التي يتم استخدامها لمساعدة ضحايا الحوادث المرورية.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2014، علقت الدائرة مبادرة اقترحها الرئيس «سانشيز سيرين» لحفز دفع مئات الملايين من أموال الضرائب المستحقة للدولة، وفي أبريل/ نيسان عام 2015، قضى «فنتاستك فور» ضد ضريبة الواحد في المئة للدخل الأدنى التي مرت تحت إدارة الجبهة.

وفي الآونة الأخيرة، في يونيو/ حزيران، أصدرت الدائرة ضربة لتحطيم إدارة «سانشيز سيرين» من خلال تجميد 900 مليون دولار من السندات الحكومية التي تمَّت الموافقة عليها من قِبل الجمعية التشريعية لتمويل البرامج الاجتماعية وتوفير الدعم الأمني بالغ الأهمية في مواجهة ارتفاع عنف العصابات.

حذَّر الرئيس «سانشيز سيرين» في أعقاب قرار الغرفة بتعليق الوصول إلى السندات قائلًا: يبدو أن الدائرة الدستورية تريد أن تقيد يدي الحكومة اقتصاديًا… إن أعمالهم أكثر أيديولوجية، وإنها تستجيب إلى المجموعات المهيمنة في البلاد ومصالح حزب «أرينا».

تقوض هذه الإجراءات نجاح إدارة الجبهة عن طريق منع التمويل عنها، وتظهر بشكل صارخ الولاءات السياسية للقضاة. لكن سياستهم كانت قد وضعت أيضًا خلال الانتخابات النصفية في عام 2015، بما يتجاوز بوقاحة سلطتها.

ومع تجاهل تام للمحكمة العليا للانتخابات، بموجب قانون الحد الأقصى للهيئة الانتخابية في البلاد، فرضت الدائرة سلسلة من التغيرات الجذرية في نظام التصويت في البلاد في الأشهر وحتى الأيام التي سبقت الاقتراع.

وتهدف التغييرات إلى إضعاف قوة الأحزاب السياسية في أعقاب الانتصارات الانتخابية المتتالية للجبهة والتي عززت اليسار وأضعفت المعارضة اليمينية. لكنها تسببت أيضًا في الريبة بين الناخبين وإثارة عدم الثقة في المحكمة الانتخابية، وبالتالي، فإن حكومة للجبهة، التي اتهمت من قِبل وسائل الإعلام المحافظة في البلاد بالتأخيرات التي لا مفر منها وغيرها من صعوبات العملية الانتخابية الناتجة عن قرارات الدائرة.

أصبحت هذه الديناميكية لزعزعة الاستقرار واضحة، خاصّة عندما أمرت الدائرة بإعادة فرز الأصوات ومنعت السلطة التشريعية من مهامها، في انتظار النتائج. وقد كان ذلك في خضم اضطرابات بعد الانتخابات حيث اتهم رئيس الجمعية التشريعية القضاة بسن انقلاب تقني ضد الحكومة.

تدعم سفارة الولايات المتحدة، مع ذلك، المحكمة العليا بكل قوة. وليس هذا مفاجئًا، نظًرا لما كشفه موقع «ويكيليكس» من معرفة السفارة بتخطيط الجناح اليميني لاستعادة السلطة التنفيذية من الجبهة. في عام 2013، أطاح «فنتاستك فور» برئيس الدائرة الدستورية التقدمي في واحد من أكثر الأحكام غير المنطقية المثيرة للجدل حتى الآن، وقد أعلنوا أن القضاة لا ينبغي أن يكون لهم أي انتماءات مباشرة مع الأحزاب السياسية.

وعندما وجه الغضب عبر مختلف فروع الحكومة، هدد السفير الأمريكي «ماري كارمن أبونتي» علنًا بملايين الدولارات من مساعدات التنمية لمؤسسة تحدي الألفية، معلنًا على الملأ؛ أنه من المؤكد أن سيادة القانون وقوة المؤسسات تعد من بعض المعايير التي تأخذها مؤسسة تحدي الألفية بعين الاعتبار عندما تتخذ القرارات الهامة…. لقد كنا واضحين بشأن قرارات الدائرة الدستورية وأنها يجب أن تٌحترم لأن ذلك في صالح مؤسسية في البلاد.

يحتل «أبونتي» بشكل روتيني عناوين الصحافة الوطنية بدفاعه عن «فنتاستك فور»، مع تأكيدات من قبيل احترام سيادة القانون أمر مهم جدًا، وتهديدات مبطنة من قبيل في الوقت الحالي يتم احترام أحكام [الدائرة]، وهذا أمر مهم جدًا بالنسبة إلينا.

وبطبيعة الحال، قامت السفارة بتوجيه مثل هذه النداءات بشأن حكم القانون عندما انقلبت الدائرة على الإصلاحات الضريبية الجديدة التي وافقت عليها السلطة التشريعية، أو عندما انخرطت المحكمة الانتخابية العليا في تقويض الانتخابات الحرة والنزيهة.

على الرغم من الخطاب الأمريكي بشأن المؤسسية وسيادة القانون، فإن التحول الدراماتيكي للمحكمة العليا السلفادورية من كونها مدافعة عن الدستور إلى صانعة سياسات يهدد ضوابط وتوازنات النظام في البلاد. وتهدد غارات «فنتاستك فور» المتهورة في المجال التشريعي والتنفيذي المؤسسات الديمقراطية التي ضحى السلفادوريون كثيرًا من أجل بنائها.

وبعيدًا عن سيادة القانون، إن ممارسات الدائرة هي جزء من استراتيجية زعزعة الاستقرار المخططة جيدًا بمعرفة كاملة من الولايات المتحدة ودعمها لإعادة تأسيس اللامساواة، والقمع السياسي، والإفلات من العقاب في السلفادور.

يجب ألا تسمح ازدواجية السفارة بإخفاء نوايا وزارة الخارجية الحقيقية في المنطقة. وكما يتحدث «أوباما» والكونغرس إلى المؤسسات، نحن بحاجة إلى أن ننظر إلى ما هو أبعد من الخطابة وأن نتعرف على الأولويات التي وجهت دائمًا السياسة الخارجية للولايات المتحدة: إغلاق الباب أمام استمرار الأنظمة التي تولد الأرباح لنخبة قليلة، وتستبعد الأغلبية المهمشة تاريخيًا.