اعتمد الإسلاميون على مدار عقود على صبغ معاركهم دومًا بالصبغة الإسلامية الدينية، فدومًا هي معارك من أجل الإسلام، ومن أجل رفعة دين الله، وتوطئة حكم شرع الله في الأرض.

ورغم أنهم ألبسوا كل هذه المعارك لباس التقوى، إلا أنك تجدهم في النهاية يتعاملون ببراجماتية في كثير من المواضع. فبينما كانت جماعة الإخوان المسلمين في مصر ترفع شعار «الإسلام هو الحل»، كانت تتفاهم مع نظام مبارك وجهازه الأمني في الانتخابات، وفي بعض المواقف المعلنة من قبل الجماعة.

ومن وجهة نظري لا عيب في ذلك؛ فهي حركة سياسية، مهم أن تستغل كل المساحات التي يتاح لها اللعب عليها. لكن العيب هو تصدير خلاف ذلك، هو تصدير المبادئية، وأن الموقف هو موقف أخلاقي بحت لا لعبة سياسية.



لو أن المعركة بالأساس لم تحول لمعركة حق وباطل، ولم تخرج عن كونها معركةً سياسية، لكان التوصيف أدق، ولتحولت محاولات الانتصار في هذه المعركة إلى محاولات واقعية منطقية.

عمومًا، خسر الإسلاميون في مصر كثيرًا بسبب هذا الاتجاه، فهذه الشعارات لم يثبت فشلها فقط، بل ثبت أنها ما كانت إلا آلة حشد أو جمع للجماهير فقط. ففي رابعة كانت منصة الاعتصام لا تنفك عن حشد الناس بالدعوات الدينية، ووصف المعركة كونها معركة حق وباطل، فسطاط إيمان وفسطاط كفر.

وبينما كان يُحشد الناس بهذا الوصف، كانت جماعة الإخوان المسلمين تفتح بابها للتفاوض دون مشكلة، وهو ما أعلنه وزير الخارجية القطري آنذاك –الدفاع حاليًا- خالد العطية، عن قبول الإخوان ممثلين في «خيرت الشاطر» التفاوض مع المؤسسة العسكرية، لكن التواصل انقطع من ناحية الأخيرة. وهو ما أكده قبل عامين القيادي بالجماعة «حمزة زوبع»، بقوله إن الاعتصام كان هدفه الضغط على المؤسسة العسكرية للتفاوض.

فلو أن هذه البراجماتية جرى إعلانها، ولو أن المعركة بالأساس لم تحول لمعركة حق وباطل، ولا تخرج عن كونها معركةً سياسية انقلبت فيها المؤسسة العسكرية على أول رئيس منتخب بعد ثورة يناير/ كانون الثاني، وحبسته وقمعت مؤيديه؛ لكان التوصيف أدق، ولتحولت محاولات الانتصار في هذه المعركة إلى محاولات واقعية منطقية، يمكن أن تكون أدوات في معركةٍ سياسية، وعلى الأقل سيدرك الناس أن هذه المعركة بها خياران، نصر أو هزيمة، وسينتصر فيها من يمتلك أدوات القوة وعوامل الانتصار، لا من يعبد الله أكثر أو يقيم الليل أطول!

وهذه هي ذات المشكلة التي وقع فيها الإسلاميون، كل الإسلاميين، في قراءة التاريخ الإسلامي، فنحن –من تربى داخل الحركة الإسلامية- قرأنا التاريخ الإسلامي بوصفه تاريخًا ناصع البياض لا تشوبه شائبة، وأن الخلافات الإسلامية بعد الخلافة الراشدة كانت آية من آيات الله على الأرض، عدل وسلام وسلم وإسلام.

لكننا بعدما أتيح لنا إمكانية قراءة الروايات الأخرى، التي تقول إن هذه الدول قامت على الدماء والقتل والظلم والضعيف لا مكان له فيها، أدركنا حجم خطأ ما تربينا عليه، فدولة بني أمية، قتل في عهدها رهطٌ من الصحابة منهم من قطعت رأسه في الحرم ومُثّل بجثته، وفي عهدهم استبيحت المدينة المنورة فكانت واقعة الحرّة، وفي عهدهم قتل الحسين و14 من آل بيت رسول الله.

وكذلك العباسيون قتلوا وذبحوا وامتحنوا الأئمة في خلق القرآن، وعذبوا من خالف المأمون في قوله، وهكذا. فما المشكلة لو درّس الإسلاميون لمنتسبيهم التاريخ بوصفه دولًا سياسية، وإمبراطوريات كان هدفها السيطرة والتوسع؟ سيكون الأمر أبسط وأسهل لفهم هذه الصراعات.



للدول مؤسساتٌ دينية قد تكون أعرق وصاحبة صوت مسموع أكثر من صوت التنظيمات الإسلامية الحركية في هذه المعارك.

إن الإسلاميين بوصفهم الأضعف في كل الصراعات التي يخوضونها حاليًا، وخصوصًا من يحملون منهم السلاح، سيكونون هم الخاسرون في هذه المعركة (الحق والباطل) نتيجة الأخطاء الإنسانية، ناهيك عن الجرائم التي قد يرتكبها هؤلاء.

فمثلًا التنظيم (إكس) الذي يقاتل في إحدى جبهات الحرب في سوريا، حينما يرتكب جريمة ضد مواطنين عُزّل أبرياء، سيوصف بكونه مجرمًا إسلاميًا، لا مجرمًا فقط، وسيوصم ما ينتمي له من معتقد بوصمة الجريمة هذه، حتى وإن كانت جريمة سياسية.

فلو كان هذا الـ(إكس) لا يقدم نفسه كفصيل ديني، فلن يتحمل الدين نتيجة جرائمه وهذه في تقديري صُلب أهمية فصل الديني عن السياسي، واعتبار المعارك السياسية معارك سياسية فقط، لن يدخل الجنة من انتصر فيها ولن يدخل النار من هزم فيها، كلها معارك لأغراض دنيوية تتعلق بحيوات الناس وتقديرات مواقفهم، لا علاقة لها بالله وبالجنة والنار، كلها معارك سياسية، نشأت لغرضٍ سياسي، وستنتهي بنتيجة سياسية.

كما أنه وبعيدًا عن الحرب وكون التنظيمات الإسلامية قد تكون مشاركة في صراعاتٍ مسلحة، فإنه حتى الصراعات السياسية سيخسر فيها الإسلاميون من هذا الإقحام للدين في المعركة، حيث إن للدول مؤسسات دينية قد تكون أعرق وصاحبة صوت مسموع أكثر في هذه المعارك.

ففي مصر، حينما وظفت الدولة مؤسسات الأزهر والإفتاء في صراعها مع جماعة الإخوان المسلمين في أعقاب أحداث الثالث من يوليو/ تموز، كان لهذه المؤسسات الرسمية موقف ديني ذو صوتٍ أعلى من صوت التنظيمات الإسلامية الحركية.

هذه التيارات نفسها، هم أوائل من عانوا من مشكلة استخدام الدين في السياسة، فقد حُرّض عليهم باسم الدين ومن شيوخ وعمائم، ودُعِيَ عليهم على المنابر، وسجنوا وعذبوا، وكان من يعذبهم ويسجنهم يستخدم خطابًا دينيًا أيضًا لتبرير ما يقوم به ضدهم، فلماذا لا يعي الإسلاميون الدرس حتى الآن؟



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.