في ظل تراجعٍ في كم وجودة الأفلام في مصر في الأعوام الأخيرة، وخاصة هذا العام، نتيجة الاحتكارات الجزئية للإنتاج والاعتبارات الرقابية اللانهائية، تشهد صناعة المحتوى التلفزيوني أو بمعنى أدق المحتوى الذي تنتجه المنصات المدفوعة مثل شاهد التابعة للإم بي سي السعودية ووتش ات المصرية صحوة مثيرة للاهتمام، بأعمال قصيرة المدة ذات طبيعة مستكشفة للأنواع بشكل واضح، يمكن بسهولة تصنيفها في فئات واضحة: رعب، بوليسي، موسيقي، كوميدي، إثارة نفسية … وهكذا، بعضها دامج لتلك الأنواع في وحدات غير مكتملة، لكن بها ما يدعو للمشاهدة، لكن الأساسي في تلك الموجة هو الابتعاد عن النوع الرئيسي للدراما المصرية وهو الميلودراما، تظل الأعمال المنتجة للتلفزيون خاصة في المواسم مثل رمضان تميل إلى الميلودراما أو الكوميديا العائلية، لكن مع بعض الاستثناءات التي تطرق موضوعات تاريخية أو خيالية أو تناقش قضايا معاصرة مثل جزيرة غمام وبطلوع الروح، وهما أنجح وأكثر المسلسلات الرمضانية نيلًا للمديح هذا العام.

على صعيد الأعمال القصيرة المنتجة للمنصات يوجد توجه واضح لمحاكاة أو توفير نسخ مصرية مضاهية للأعمال “العالمية”، أعمال ذات طابع مثير وغامض وموضوعات شائكة هاربة من الرقابة المصرية، مثل الليلة واللي فيها ومنعطف خطر، أو أعمال كوميدية خفيفة تشبه الكوميديا العائلية المعروضة في التلفزيون، لكن ذات طبيعة أقل ميلودرامية في المقياس الزمني والقصصي، مثل موضوع عائلي ووش وضهر، بجانب الموضوعات المتناولة هنالك اهتمام بالعناصر التقنية والفنية المجردة نظرًا لاختلاف طبيعة التمويل والميزانية أو قصر عدد الحلقات، يظهر في عدة أعمال اهتمام خاص بعنصر تصميم الإنتاج والمؤثرات البصرية، يتضح ذلك بشكل رئيسي في أعمال مثل الغرفة 207، منعطف خطر ومجنونة بيك، وعلى الرغم من غياب القيم التجريبية على مستوى السرد أو التناول في الأعمال الدرامية لعام 2022 فإنها تجتمع على التجريب النوعي والاهتمام بالبصريات بشكل رئيسي، مما جعل كثيرًا من مشاهدي المنصات العالمية يولون اهتمامًا أكبر للأعمال المصرية هذا العام.

أفضل 10 مسلسلات مصرية في عام 2022:

  1. جزيرة غمام
  2. بطلوع الروح
  3. وش وضهر
  4. الليلة واللي فيها
  5. منعطف خطر
  6. ريفو
  7. منورة بأهلها
  8. مجنونة بيك
  9. موضوع عائلي
  10. الغرفة 207

1. جزيرة غمام


جزيرة غمام هو أحد المسلسلات الصادرة في موسم رمضان الدرامي، ينتهج صيغة الثلاثين حلقة الكلاسيكية في الدراما المصرية، لكنه يختار توجهًا بعيدًا عن الميلودراما قريبًا من الواقعية السحرية ذات الخصوصية المحلية والدينية، المسلسل من تأليف عبد الرحيم كمال ويتبع تقاليده الأثيرة في الشخصيات النقية الصوفية والصراعات الأبدية بين الخير والشر، ويؤطر قصته الملحمية في إطار تاريخي، لكن يبدو بدون زمن وكأنه في بداية الخلق، لكنه يرسخه في الخصوصية المصرية بجعل المسلسل في صعيد مصر في جزيرة خيالية منغلقة على نفسها يزورها الغرباء فيفسدونها، تدور الأحداث في أطر متعددة لكن تتوسطها شخصية عرفات (أحمد أمين)، الشاب ذو الطبيعة الساذجة والقلب النقي في تمثل أقرب لمسيح مخلص على أرض عتيقة، يواجه الشر متجسدًا بشكل واضح دون مواراة في شخصية خلدون (طارق لطفي) الذي يؤدي الدور بمسرحية محببة تجعله شيطانًا كاريزماتيًّا مغويًا، بمساعدته امرأته العايقة (مي عز الدين) التي تمثل نموذجًا يمكن تبسيطه في مريم المجدلية العاصية التائبة، أو المغوية ذات القلب الذهبي.

تساعد مباشرة العمل وتناول الرموز كما هي في صناعة قصة أشبه بقصص قبل النوم، بسيطة ومعقدة وغنية، تعلي من قيمة المعجزات في وجه الشرور الأرضية والسماوية، وتترك مساحة للخيال المقرون بالمرجعية التاريخية فيما يخص التصميم البصري للمسلسل، سواء للشخصيات نفسها أو لمواقع الأحداث، واختيارات جماليات الإضاءة والتأطير، ما جعل جزيرة غمام أحد أنجح أعمال العام هو اهتمام الفريق التقني والمخرج حسين المنباوي الشديد بالتفاصيل البصرية بجانب القصصية، لكن دون فرض لجماليات بصرية منفصلة على العمل، تنبع الجماليات بشكل كامل من البيئة المحيطة، مثل ضوء الشموع الذي يخلق إضاءة باروكية أو ضوء الشمس الباكر الذي يصبغ الجزيرة بستار أزرق خفيف، في جزيرة غمام تتضافر العناصر الفنية في خلق حكاية أشبه بمثل عتيق عن  تكرار كل عناصر الزمن بشكل لا نهائي.

2. بطلوع الروح


بطلوع الروح عمل آخر من أعمال موسم رمضان، لكنه ينتهج صيغة العمل القصير التي بدأت منذ عدة سنوات وسط الأعمال الطويلة كبديل مضغوط ذي طبيعة مكثفة، المسلسل من إخراج كاملة أبو ذكري وتأليف محمد هشام عبية، يتناول العمل موضوعًا آنيًّا وشائكًا، وهو تهريب الأفراد المنضمين للجماعات المسلحة لزوجاتهم وأبنائهم لحدود سوريا عن طريق تركيا، ينتهج بطلوع الروح نوعًا أشبه بالإثارة النفسية، يتناول المواضيع الكبرى من خلال الصغرى، وينتقل من الخاص للعام، تعتمد أبو ذكري على لقطات مقربة من وجه بطلتها روح (منة شلبي)، تستدعي قلق ورعب شخص ما يتم سلب إرادته بالكامل وإفقاده الأهلية على جسده ومصيره، تصنع أبو ذكري عالمًا يمكن وصفه بالنسائي في وسط الجنون الرجولي الحاصل في الخارج، لكن ذلك العالم الرجولي لا يخلو من النساء المتبنيات لأيديولوجيات العنف والسيطرة.

يعمل المسلسل بشكل أفضل كلما توجه إلى الداخل، إلى التفاصيل الشخصية والداخلية، لكنه يفقد قوته عندما يتجه للتفاصيل الكبرى ويمثل الأشياء بوضوح ويحاول الولوج إلى نوايا وتصورات تلك الجماعات عن نفسها، ومحاولة خلق سرديات شخصية لمسببات تطرفهم، مثل الوقوع في الحب بجنون مثلًا، وهو مسبب ساذج حتى وإن كان حقيقيًّا، فإنه يمكن وضعه مع مئات المسببات الأخرى لخلق شخصيات معقدة دون اختزالها في الهوس العاطفي، كذلك يعمل التمثيل بشكل أفضل في المسلسل على الجانب المطفأ الدقيق أكثر من الانفتاح التعبيري المبالغ فيه لبعض الأداءات، لكن بشكل عام ينجح بطلوع الروح في خلق بورتريه لامرأة تطرد خارج حريتها لخدمة أهداف لا تخصها وتحصل على حريتها مرة أخرى في لفتة لاحتمالية وجود الأمل في أكثر المواقف جحيمية.

3. وش وضهر


وش وضهر مسلسل من عشرة حلقات من إنتاج منصة شاهد وإخراج مريم أبو عوف وتأليف ورشة سرد، وهو العمل الأكثر انغماسًا في الخصوصية المكانية في كل أعمال العام، لا يوجد ما هو عام في وش وضهر، ولا رغبة في إعادة إنتاج النجاحات النوعية العالمية، كما أنه غير واضح نوعيًّا، يميل نحو الكوميديا لكن يصعب تصنيفه بالكوميدي، يبدأ العمل بحلقات ذات طبيعة سريعة وخفيفة الظل، ذات أسلوبية واضحة من القطعات المونتاجية السريعة والقفزات الزمنية المتعددة للأمام والخلف، مع مرور الحلقات يفقد أسلوبيته وينحو نحو طبيعة خطية تفقده حيويته لكن ما يجعله مثيرًا للاهتمام هو انغماسه في مساحات مكانية خاصة مثل التصوير في طنطا وإظهار معالمها شديدة العادية المألوفة لأي شخص عاش فيها أو له أصول في محافظة الغربية، وسائل المواصلات والزحام والشقق ذات الأبواب القديمة، يوجد ميل لجعل المكان العادي رومانسيًّا لكن دون إضافات خارجية، تكمن الرومانسية في كونه مكانًا للهروب من الواقع المديني الصاخب.

يحكي وش وضهر قصة جمال (إياد نصار) رجل أربعيني ساخط على حياته يهرب في ميكروباص من القاهرة لطنطا ويخلق لنفسه هوية جديدة باعتباره طبيبًا، يصبح هناك سمكة كبيرة في بركة صغيرة، يعامله سكان البلدة باعتباره المنقذ والعبقري، وهناك يجد الحب والتفهم في ضحى (ريهام عبد الغفور)، لدى المسلسل طبيعة غير حاكمة على تصرفات شخصياته الأخلاقية، وهي من أهم الميزات في أعمال ذلك العام، خاصة المنتجة بعيدًا عن الشبكات المحلية المحكومة رقابيًّا وشعبيًّا، تجد الشخصيات الحب والتقبل حتى في أكثر اختياراتها إشكالية، تنتهي القصص والخطوط بشكل سعيد، وربما محافظ، لكن التناول العام يمثل نفحة هواء وسط أعمال تريد بشدة أن تكون نسخًا محلية من تصورات عالمية.

4. الليلة واللي فيها


الليلة واللي فيها هو أقصر مسلسلات القائمة، من إخراج هاني خليفة وتأليف محمد رجاء، عمل مكثف من ست حلقات قصيرة ومتلاحقة، ينتمي لنوع الإثارة النفسية ويستكشف جوانب مظلمة من النفس الإنسانية في صيغة قصة تحدث على مدى ليلة واحدة، يستغل الليلة واللي فيها فسحة من الحرية في تناول الموضوعات المتعلقة بالعنف والجنس لا يمكن وجودها في المنظومة الإنتاجية التقليدية، وعلى الرغم من تقليدية طرحه للموضوع تقنيًّا من حيث خيارات مثل جعل المشاهد الاسترجاعية flashbacks  بألوان مطفأة واللجوء للكشف الحواري، فإنه يستدعي التجريب في تناول الموضوع نفسه وطبيعة النهاية غير الميلودرامية وغير الحاكمة على العنف.

يخلق الليلة واللي فيها ضد بطلة وهو ما يندر رؤيته في الأعمال المحلية في الشخصيات النسائية، تنتقم دون عواقب واضحة، لدى رشا (زينة) ميول مازوخية تحاول كبتها لصالح الحفاظ على العائلة النووية التقليدية والحياة المادية الفسيحة، يمكن وصف العمل بكونه صراعًا بين حقيقة النفس غير المجتمعية في مقابل القيم المجتمعية التي توفر حياة رحبة ومقبولة بشكل واسع، يسمح الليلة واللي فيها لشخصياته بممارسة العنف والرغبات غير المؤسسية دون أن تنتظرهم مصائر تقليدية، كما يمرر داخل صراعه الرئيسي بعض النقد المجتمعي للثروة والاختلافات الطبقية، يمثل الليلة واللي فيها مشاهدة مثيرة وخاطفة، ويمتلك واحدة من أفضل نهايات دراما هذا العام، على عكس معظم الأعمال التي تبدأ محكومة ثم تنفرط، يحافظ الليلة واللي فيها على تلك القبضة ويصنع بنهايته بداية جديدة.

5. منعطف خطر


ينتمي منعطف خطر إلى نوع تندر رؤيته في الأعمال المصرية بعيد عن البروباجندا الوطنية وهو النوع البوليسي، ذلك النوع الذي يستدعي للأذهان أقسام الشرطة الأمريكية، وعمليات التحقيق المضنية، والذي غالبًا ما تتوسطه شخصيتان لشرطيين محققين، أحدهما هادئ والآخر غاضب، وتسري تحته تساؤلات فلسفية عن الأخلاقيات والجرائم في العوالم المعاصرة، يستدعي منعطف خطر كذلك جماليات النوار الأمريكية، حيث التباين الشديد في الإضاءة والغموض البصري والسردي العام، العمل من إخراج السدير مسعود وكتابة محمد المصري يتناول جريمة قتل إحدى شهيرات الإنترنت، ومن خلال المحقق هشام (باسل خياط) تسير الحلقات في شكل ألغاز قصيرة للوصول للقاتل، مما يفتح قضايا متعددة داخل القضية الرئيسية، يتبع العمل نمط المحقق الكاريزماتي ذي الشخصية القوية الذي تتراوح أساليبه بين العنف اللفظي والألاعيب النفسية.

العمل نفسه يقع في عالم ما بعد رقمي وما بعد مكاني، لا خصوصية محددة للمكان أو الزمان، بل يدور في بحر من الجماليات المستقاة من أعمال مشابهة له، وعلى الرغم من توجهه العام لاستكشاف أخلاقيات معاصرة، فإنه لا يخلق صراعات أعمق من أن الإنترنت مليء بالشرور، وأن قيم الشباب في انهيار مستمر، والمحقق ذو ماضٍ أسري غير مستقر. ربما تكون الخصوصية الوحيدة هي صراع بين العدالة الشرطية والعدالة القبلية المتعلقة بتقاليد الصعيد وأخذ الثأر، لكن عدا ذلك يمكن اعتبار منعطف خطر تجربة في استكشاف الجماليات المظلمة بصريًّا والتلاعب بالإضاءة والمونتاج لخلق وحدات بصرية متميزة في كل مشهد، كما يمتلك قصة تحقيق مثيرة تضاهي مثيلاتها في إنتاجات البلدان الأخرى.

6. ريفو


لاقى ريفو نجاحًا كبيرًا فور صدوره، لأسباب رئيسية واضحة وهي الميل العام نحو النوستالجيا والقيم البصرية الإعلانية في الأعمال الحالية، ريفو مسلسل من عشرة حلقات من إنتاج ووتش ات المصرية وإخراج يحيى إسماعيل وتأليف محمد ناير، تقع أحداثه في خطين زمنيين في أجواء من موسيقى الروك الناعمة واستكشاف التاريخ الأسري والفني، تقوم ركين سعد بدور مريم ابنة سيناريست مشهور كان على علاقة بفريق موسيقي مصري ازدهر واندثر في تسعينيات القرن الماضي، يعتمد العمل على مؤشرات بصرية تم ابتذالها إعلانيًّا مثل السترات الملونة وشرائط الكاسيت، لكن حتى مع عدم دقته في تصميم الإنتاج او الأزياء فإن أجواءه العامة تستدعي حنينًا لفترة عاشها الكثيرون، ولم يختبرها الكثيرون، لكن التشبع بها أصبح أشبه باختبارها.

تتعامل تيمات ريفو بشكل رئيسي مع الماضي وتقبله وإعادة نبشه، واستحضاره في الحاضر لتصبح الحياة تجربة أقل مأساوية مما هي عليه، معظم شخصيات العمل تعاني من انكسارات ماضية جعلتهم نصف أحياء في الحاضر، لكن فعل التحقيق فيما مضى يوقظ فيهم ما جعلهم ما هم عليه في يوم من الأيام، تسير الأحداث في وضع أشبه بجمع قطع من أحجية للوصول لحقيقة ما، لكنه، وعلى الرغم من خفته إلا أنه يميل نحو تقاليد ميلودرامية في تشابك علاقاته العائلية والشخصية، لكنه يبقى تجربة بعيدة عن السائد ذات نبضات موسيقية محببة.

7. منورة بأهلها


منورة بأهلها من إنتاج منصة شاهد وإخراج يسري نصر الله وتأليف محمد أمين راضي، هو أحد أكثر أعمال العام صعوبة في التصنيف النوعي، يتعامل منورة بأهلها مع ثنائية المدينة المركزية المحملة بالشرور في مقابل المحافظات ذات الطبيعة المنغلقة، كل ما نراه يحمل وجهًا آخر، يتناول منورة بأهلها وجود قوى خفية تحكم الواقع الأرضي في انعكاس لسيطرة أصحاب الثروة على سير الحياة، ويتسم بطبيعة خيالية عنيفة وجرافيكية، ومنحنيات حبكة لا تتوقف، لكنه يتصاعد لأكثر أفكار مؤلفه تطرفًا حتى يتم التشبع من الغرابة فتصبح مشاهدته أثقل مع الوقت.

يعمر منورة بأهلها ببحر من الشخصيات الرئيسية والفرعية والعلاقات المتشابكة، كلها تصب في مصلحة السردية الرئيسية في حجم الشرور الميتافيزيقية التي تمثلها المدينة، وكيف تبتلع زائريها وتمتص صباهم وبراءتهم، يحدث ذلك بأكثر السيناريوهات رعبًا وغرائبية من التآمر على الرضع حتى أكل لحوم البشر، يستكشف منورة بأهلها جوانب سردية مظلمة نادرًا ما يتم طرقها في الدراما المحلية إلا في أعمال مؤلفه المهتم بنوع من الواقعية السحرية المحلية.

8. مجنونة بيك


تم تصنيف مجنونة بيك كمسلسل غنائي، وهي واحدة من الاستكشافات النوعية الدائرة في أعمال هذا العام، لكن مع أولى حلقاته سيتضح أنه ليس غنائيًّا بالمعنى المتوقع، بل يحتوي بعض الفقرات الغنائية والاستعراضية، ربما على غرار التنصيف المصري للأعمال الغنائية التي قام بها المطربون في العصر الذهبي للسينما، أخرج العمل جو بوعيد  وكتبه عمرو مدحت، ومثل معظم إنتاجات العام هنالك اهتمام كبير بتصميم الإنتاج في مجنونة بيك، في خلق عالم بصري يتخطى الزمان والمكان والخصوصيات المحلية، تقع أحداث العمل بين القاهرة والإسكندرية، تظهر من الإسكندرية لقطات واسعة للبحر وبعض المعالم المعمارية، لكن عدا ذلك يختار المسلسل عالمًا بصريًّا أشبه ببيوت الدمى الملونة، وهو عالم تم استكشافه مرارًا في الإعلانات التجارية التي يقوم بإخراجها وتصميمها شباب متأثرون بعوالم ويز أندرسون وغيره من المخرجين الشكلانيين.

تقع الأحداث ذات الطبيعة الخفيفة المرحة حول فتاة (مريم الخشت) واقعة في حب شاب (آدم الشرقاوي) عرفته في سنوات الجامعة، وبعد عشر سنوات تطارده مجددًا بحثًا عن سعادة مفقودة في عالم التحقق المهني وترك الأحلام القديمة خلفها، تتخلل تلك الأحداث وصلات غنائية واستعراضية لا يمكن اعتبارها جزءًا رئيسيًّا من نسيج العمل، لكنها تميزه عن الأعمال المشابهة له، وترسخ من طبيعته البصرية الملونة التي تستدعي أفلام الرسوم المتحركة، خاصة مع صوت مريم الخشت التي شاركت في الكثير منها في الماضي.

9. موضوع عائلي


يعتبر موضوع عائلي من تأليف وإخراج أحمد الجندي هو أقرب الأعمال القصيرة المنتجة بواسطة المنصات للأعمال العائلية التلفزيونية، لكن يكمن الفارق في مدة الحلقات القصيرة التي تجعله أقرب لمسلسل راحة (comfort  show) يمكن مشاهدته أثناء تناول الطعام أو قضاء وقت مع الآخرين، تدور الأحداث بشكل مرح في إطار من المصادفات العائلية التي تغير الحياة، كأن يتضح أن لشخص أرمل وحيد ابنة بشكل سري، يتناول موضوع عائلي تيمات الأبوة ولم الشمل الأسري بشكل تقليدي ومحافظ، لكنه يعتمد كتابة أخف ظلًّا مما نراه عادة في ذلك النوع من الأعمال وأداءات جيدة من ماجد الكدواني وسماء إبراهيم تجعل أجواءه الدافئة أكثر إقناعًا.

مثل معظم الأعمال العائلية مؤخرًا تدور أحداث موضوع عائلي بين أفراد طبقات عليا لها ممتلكات ضخمة من فنادق وشركات وثروات يقع الخلاف الرئيسي عليها، يجعل ذلك الخيار الخلافات متمثلة في مواضيع غير جدلية: وهي ثروات العائلة وتشابك العلاقات الداخلية لتلك العائلة، يكثف ذلك الأحداث ويقلل من فرص تعقيد سردي يقلل من خفة عمل يصلح لمشاهدة يومية غير متطلبة، يعتمد على نبضات موسيقية تقليدية وخيارات بصرية واضحة: منازل مضاءة جيدًا وإجازات على الشواطئ وقصص حب فتية متوقعة، تجعل سهولة توقع مساراته من موضوع عائلي مشاهدة مطمئنة دون مفاجآت.

10. الغرفة 207


الغرفة 207 عمل مبني على رواية لأحمد خالد توفيق أكثر كتاب الرعب المصريين شعبية وشهرة، ومن إخراج محمد بكير واقتباس تامر إبراهيم، يتناول العمل يوميات العاملين في فندق فاخر في ظل خطر قادم من غرفة غامضة ذات تاريخ مظلم من العنف والأحداث الماورائية، يقوم محمد فراج بدور الشخصية الرئيسية جمال، وعلى مدى الحلقات تتناوب الشخصيات المختلفة في الظهور مع ثبات ريهام عبد الغفور في شخصية امرأة خيالية مغوية تمثل شرور الغرفة الغامضة، أكثر ما لفت النظر لغرفة 207 هو الاهتمام بتصميم الإنتاج والطبيعة الثرية للمؤثرات البصرية وخيارات التصوير والإضاءة المستدعية للرعب القوطي الذي يحدث في غرف القصور المسكونة المظلمة.

اختار صناع الغرفة 207 خيارات بصرية فارهة وفترة زمنية تجعل خصوصية المكان محل جدال، تقع الأحداث في مرسى مطروح، لكن الجماليات الغامضة لفترة الستينيات والتي تميل أكثر للأربعينيات تجعل المسلسل مبهم بصريًّا لكنه ذو طبيعة عمومية، لأن بصريات الأماكن الفاخرة والأزياء الموحدة يسهل جعلها ذات طبيعة عالمية وغير محلية أو خاصة بمنطقة أو زمن محددين، يخلق ذلك جماليات مجردة تعتمد على التباين الضوئي وسيطرة اللون الأحمر الغني المستدعي للرعب الدموي ومساكن الأشباح.

بجانب الجماليات يتبع الغرفة 207 سردًا يتكرر كل حلقة باختلاف الشخصيات، هنالك الغرفة التي من الممكن اعتبارها ممثلة لخطايا الماضي، حيث تدفن الأسرار المظلمة ويعاقب أصحابها بأثر رجعي، تطلب شخصية ما المكوث في الغرفة، ويعلم جميع المسئولين داخل الفندق ما سيحدث، وأن النهاية ستكون دموية، تصبح للغرفة إرادتها الخاصة، تتحدى ساكنيها وتكشف لهم أسرارهم، وربما تقتلهم، يعمل المسلسل كلغز عن أصل الغرفة، لكن تكراره السردي يصبح تمرينًا على تصور سيناريوهات عدة لأفراد يتعرضون للأذى في مكان محدد، لكنه يبقى تجربة نوعية متقنة الصنع، خاصة أن نوع الرعب ليس من أكثر الأنواع شهرة في مصر.