منذ أيام قليلة تم اختيار فيلم «اشتباك» من إخراج «محمد دياب» لتمثيل مصر في المسابقة العالمية لأكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة والمعروفة بـ«الأوسكار»، وكانت اللجنة المنوطة باختيار الفيلم المصري قد اجتمعت الأربعاء الماضي الموافق 31 من أغسطس/آب 2016 بالمجلس الأعلي للثقافة، وقد جاءت أغلبية الأصوات لصالح فيلم اشتباك بإجمالي ثمانية أصوات، في حين حصل أقرب المنافسين فيلم «نوارة» للمخرجة «هالة خليل» علي ستة أصوات، فيما حصل فيلم «باب الوداع» من إخراج «كريم حنفي» علي صوتين فقط.

واجتمعت اللجنة بعضوية 17 عضوا هم المخرج «علي بدرخان»، والسيناريست «خالد عبدالجليل»، والناقد «طارق الشناوي»، والناقد «كمال رمزي»، ومدير التصوير «سعيد شيمي»، والمنتج «محمد العدل»، والمخرج «خالد يوسف»، ومهندس الديكور «فوزي العوامري»، والمخرج «عمر عبد العزيز»، ومدير التصوير «سامح سليم»، والأب «بطرس دانيال»، ومدير التصوير «محسن أحمد»، والدكتورة «غادة جُبارة»، والمخرج «محمد ياسين»، والمخرج «محمد علي»، والناقد والصحفى «خالد محمود»، والناقد «محمود عبد الشكور ».

علي الرغم من

البداية المبكرة لصناعة السينما في مصر

، تلك التي تزامنت مع ظهور فن السينما في العالم، إﻻ أنها، وبعد ما يقارب المائة عام، لم تستطع المنافسة علي جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، تلك الجائزة التي تدخل هذا العام عقدها السابع منذ بدايتها في عام 1947. العديد من الأفلام المصرية تم اختيارها للمنافسة بدءا من فيلم «باب الحديد» 1958، و«دعاء الكروان» 1959، مرورا بـ«اللص والكلاب» 1962، و«أم العروسة» 1964، وانتهاء بـ«فتاة المصنع» 2014، إﻻ أن أيا منها لم يستطع الوصول إلي الخمسة الكبار الذين يتم إعلان ترشحهم للجائزة كل عام.

السينما العربية لم يحالفها الكثير من الحظ أيضا، فعلي مدار عمر الجائزة الذي يدخل عامه السبعين هذا العام، فقط ستة من الأفلام العربية استطاع الوصول إلي القائمة النهائية، هي أفلام «زد» 1969 (الجزائر) وهو الفيلم العربي الوحيد الحاصل علي الجائزة، وفيلم «الكرة» 1983 (الجزائر)، وفيلم «غبار الحياة» 1995 (الجزائر)، وفيلم «أيام المجد» 2006 (الجزائر)، وفيلم «خارج القانون» 2010 (الجزائر)، وفيلم «عمر» 2013 (فلسطين)، وفيلم «تمبكتو» 2014 (موريتانيا)، وأخيرا الفيلم الأردني «ذيب» 2015.

في هذا التقرير نستعرض ثلاث عوامل من شأنها أن تزيد من فرصة فيلم «اشتباك» في الوصول إلي القائمة النهائية لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم ناطق بلغة غير الإنجليزية.


على المستوى الفني

من أهم العوامل علي الإطلاق التي تدعم من موقف فيلم اشتباك هو المستوى الفني العالي الذي خرج به، فمنذ عرضه الأول في افتتاح قسم «نظرة ما» بمهرجان «كان» الفرنسي، ﻻقي الفيلم استحسان نقدي واسع النطاق من رواد المهرجان الذي يضم أهم نقاد وصنَّاع السينما في العالم.

يعتبر الفيلم مغامرة فنية كبيرة، وتمثل التحدي الأكبر علي المستوي الفني في تصوير الفيلم بالكامل من داخل عربة الترحيلات التي ﻻ تتجاوز مساحتها 8 أمتار، مع وجود هذا العدد الكبير من الممثلين، وهو ما استدعي الابتكار في نقل الصورة، خاصة مع الاعتماد علي أسلوب اللقطات الطويلة «long shots» في جانب كبير من الفيلم، وهو ما استطاع مدير التصوير «أحمد جبر»، تنفيذه بقدر كبير من الحرفية والموهبة.

من أهم الجوانب الفنية أيضا، مشاهد الاشتباكات التي دارت خارج العربة، وتم تصويرها من الداخل، فقد استطاع المخرج «محمد دياب» تنفيذ هذه المشاهد بقدر كبير من الدقة والإتقان بحيث يتم نقل الانفعال والحركة بهذه المشاهد والتي تدور خارج العربة، دون الحاجة إلي خروج الكاميرا، ليشارك المشاهد الممثلين طوال الوقت ذلك الشعور بالاختناق داخل العربة دون الانقطاع عما يدور خارجها من أحداث.

وبالنظر إلي أن الجوانب الفنية هي أحد أهم العوامل التي يستند إليها اختيار الأفلام المنافسة، فيمكننا القول أن فيلم اشتباك قد خرج بالفعل علي مستوي هذه المنافسة.


على المستوى الإنساني

جائزة الأوسكار لأفضل فيلم ناطق بلغة غير الإنجليزية هي أكثر جوائز الأوسكار ذات الصبغة العالمية، حيث يتنافس عليها أفلاما من كافة بقاع العالم، وعليه فإن الجوانب الإنسانية هي أحد أهم معايير اختيار هذه الأعمال المتنافسة، والتي تستطيع تجاوز حواجز اللغة لتتحول إلي حالة فنية صالحة للاستهلاك العالمي أيا كانت لغتها الناطقة.

ويمكننا أن نلمس تأثير هذا العالم في اختيارات الأفلام المتنافسة علي الجائزة علي مدار تاريخها، ففي العام الماضي اقتنص الجائزة الفيلم الهنغاري «Son of Saul» الذي تدور أحداثه أثناء الحرب العالمية الثانية في معتقل «أوشوفيتز» سيء السمعة، حيث يتم إجبار المعتقلين علي إحراق جثث الضحايا من بني جلدتهم، في حين يحاول أحد المعتقلين البحث عن شيئ من النجاة الروحية بإنقاذ جثة أحد الأطفال.

فيلم اشتباك لم يخل من هذا الجانب الإنساني، بل ربما كان التركيز الأكبر من صنَّاع الفيلم علي إبراز هذا الجانب في محاولة لتذويب مظاهر الخلاف السطحية والخروج برسالة صريحة أنه علي الرغم من هذه الخلافات إﻻ أننا في الأصل في مركب واحدة، أو علي حد تعبير الفيلم، في عربة ترحيلات واحدة.

وقد ذهبت رسالة الفيلم الإنسانية إلي حد وصفه من قبل موقع «

هافنغتون بوست»

(النسخة الأمريكية) بأنه «رسالة عن الإنسانية» حيث تقول الكاتبة «نينا روث» «فيلم دياب الذي تدور أحداثه بالكامل داخل سيارة ترحيلات إبان التظاهرات الرافضة لخلع الرئيس المنتخب محمد مرسي في يوليو/تموز 2013، هناك داخل هذه السيارة المغلقة يقدم دياب صورة مصغرة من مصر الحديثة، حيث أعضاء الإخوان المسلمين يتشاركون في هذه المساحة الضيقة مع غيرهم من المواطنين الداعمين للحكم العسكري، رجال ونساء وأطفال، كلهم هناك كجزء من مصر الجديدة الفوضوية في مرجل على وشك الغليان.»


على المستوى العملي

ربما كان خروج الفيلم بالشكل اللائق فنيا، بالإضافة إلي نزوعه إلي الجوانب الإنسانية، من أهم عوامل اختيار الأفلام المتنافسة علي جائزة الأوسكار لأفضل الأفلام الناطقة بغير الإنجليزية، ولكن كم من الأفلام علي مستوي العالم يتوافر فيها هذين العاملين؟ بالطبع الكثير من الأفلام، وهنا تأتي أهمية العامل الثالث وهو الدعايا اللائقة للفيلم في الدوائر المنوطة بالاختيار والتزكية للأفلام المتنافسة.

ربما كان الاستقبال الكبير لفيلم اشتباك في مهرجان كان، أهم المحافل السينمائية في العالم، نقطة كبيرة لصالح الفيلم في هذا الاتجاه، ولكنها بالطبع لم تكن كافية. ومن حسن الحظ أن الفيلم توافرت له العديد من العوامل الأخري الكفيلة بلفت الانتباه إليه، قد يكون أهمها توزيع الفيلم خارج مصر خاصة في أوروبا، حيث أعلنت شركة «بيراميد» الموزعة للفيلم عن تعاقدها مع أكثر من 10 شركات توزيع كبري لتوزيع الفيلم في معظم دول أوروبا وآسيا منها 200 دار عرض في فرنسا وحدها، بالإضافة إلي عرضه جماهيريا في دور العرض بدول مثل إسبانيا، وسويسرا، وفرنسا، وألمانيا، والبرتغال، والبرازيل، وكولومبيا، واليونان، وتايوان والصين.

فضلا عن ذلك فإن الفيلم قد حظي بتقدير

الصحافة العالمية

بعد عرضه في مهرجان كان، وأشادت به العديد من المنصات الإعلامية العالمية مثل موقع The Hoolywood Reporter، ومجلة Vriety، وجريدة الجارديان الأمريكية وغيرها. وذلك بالإضافة إلي إشادة العديد من النجوم العالميين ذي الثقل الإعلامي أمثال توم هانكس ودانيال كريج.


ربما كانت هذه العوامل كافية لوصول فيلم «إشتباك» إلي الخمسة الكبار المتنافسين علي جائزة الأوسكار لأفضل فيلم ناطق بلغة غير الإنجليزية، وربما ﻻ تكون كذلك. ولكننا ندعو ونأمل أن نري فيلم اشتباك بالمنافسة كأول فيلم مصري يصل إلي هذا الأوسكار بعد ما يقارب القرن علي انطلاق فن السينما في مصر.