محتوى مترجم
المصدر

واشنطن بوست
التاريخ
2016/04/25
الكاتب
لورا براند، جوشوا ستاشر

في مصر، يوافق يوم 25 أبريل عيد تحرير سيناء، وهو يوم عطلة بمناسبة انسحاب إسرائيل عام 1982 من أراضي سيناء، التي احتلتها بعد حرب 1967. عادة ما يمثل هذا اليوم مصدرًا للاحتفال الوطني، لكن في هذا العام شابه التوتر، مع رفع قوات الأمن لحالة التأهب إلى الدرجة القصوى، وتحذير المواطنين من المشاركة في التظاهرات.

نبع قلق النظام مما تُوقع أن يكون زيارة رفيعة المستوى وناجحة استمرت خمسة أيام مبكرًا من هذا الشهر من قبل الملك السعودي سلمان. ومع ذلك، خلال الزيارة، لم يوقع الملك السعودي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتفاقات اقتصادية فقط، بل وقعا أيضًا حكمًا بعودة تيران وصنافير، وهما جزيرتان عند فم خليج العقبة بالبحر الأحمر، إلى السيطرة السعودية. وفي مصر، كانت

المعارضة

مباشرة، صريحة، وربما الأهم، رفيعة المستوى. حيث اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام التقليدي على حد سواء بالغضب تجاه هذا التنازل عن الأراضي.تأتي الاتفاقات – بقيمة حوالي

25

مليار دولار – في فترة استياء واسع النطاق على الصعيد الاقتصادي في مصر. بالفعل يتفق الباحثون والمحللون على أن البلاد تقترب سريعًا من الانهيار الاقتصادي. فقد بلغ سعر تداول الجنيه المصري، المربوط منذ عقود بالدولار، 7,83 جنيه للدولار في شهر فبراير. وبعد شهر، عند السماح بتعويمه لفترة وجيزة لتعويض قيمته في السوق السوداء، هبطت العملة سريعًا إلى

8,95

جنيه للدولار. قد يصبح

خفض

آخر لقيمة الجنيه ضروريًا قريبًا، بما أن قيمته في السوق السوداء تستمر في الهبوط.



مع كل تخفيض للعملة ترتفع أسعار السلع اليومية

وتنمو

المعارضة

مع كل تخفيض للعملة، ترتفع أسعار السلع اليومية

وتنمو

المعارضة. ما يجعل مرتبات الطبقة المتوسطة الصغيرة – ناهيك عن عشرات ملايين العالقين في براثن الفقر – تغطي قدرًا أقل من الاحتياجات اليومية. كما يصبح نظام المعاشات الخاص بالقطاع العام، المنتفخ بقوام بلغ 6,5 مليون موظف، دون قيمة بشكل متزايد مع ارتفاع الأسعار وهبوط قيمة الجنيه.في غضون ذلك، تراجعت

مستويات

السياحة في شواطئ البحر الأحمر منذ تفجير الطائرة الروسية في أكتوبر، ولم تتعافَ سياحة وادي النيل، التي تركز على مصر الفرعونية، بعدُ من انتفاضة 2011. وحتى الجيش، مع وجود

إمبراطوريته

الاقتصادية المتبجحة، أصبح في الآونة الأخيرة

داعمًا

ماليًا للدولة المصرية، بدلًا من أن ينتفع منها.تمثل جزء من معادلة النظام لتشتيت انتباه المواطنين – وهو الجانب الآخر من القمع المتزايد الذي ميز الفترة التالية للإطاحة بالرئيس محمد مرسي في يوليو 2013 – في المشروعات والمبادرات الضخمة، التي يقصد بها استثارة الحس الوطني لدى الجمهور وتعزيز الفخر الوطني. ضمن الخطط الضخمة التي أعلن عنها السيسي؛ بناء عاصمة جديدة ومليون وحدة سكنية. كما وسعت

الشركات

التابعة للجيش قناة السويس بسرعة فائقة،

وبتكلفة

8 مليارات دولار. ومع ذلك، معظم هذه المشروعات يبدو مرجحًا أن يبقى إما حبرًا على ورق أو، كحال تفريعة قناة السويس المحمودة بشدة، أن يفشل في مجرد الاقتراب من توقعات الإيرادات الموعودة.

يعول السيسي على مزيجٍ من المساعدات والاستثمارات من الإمارات الكويت والسعودية لمنع نظامه السياسي من الغرق.

سلط أدب الدولة الريعية الضوء على العلاقة المعقدة بين الأزمة الاقتصادية واحتمالات عدم الاستقرار أو الإصلاح في الدول الاستبدادية المعتمدة على الريع. ومع ذلك، مثلما أوضح الراحل سامر سليمان في كتابه «

خريف

الدكتاتورية»، نجح النظام المصري، عندما كان على شفا كارثة اقتصادية عام 1990، في تجنب الإصلاحات الواسعة وبقى في السلطة بفضل الإعفاء الواسع من الديون إثر المشاركة في التحالفات العسكرية الدولية ضد صدام حسين. والآن، يبدو السيسي معولًا على، حرفيًا،

مزيجٍ

من المساعدات والاستثمارات من الإمارات، الكويت والسعودية لمنع الاقتصاد المصري من الغرق.حتى الآن، كان النظام العسكري الأمني المصري الذي جاء في أعقاب يوليو 2013 ناجحًا إلى حد كبير في قمع المعارضة، سواء من خلال اعتدائه الوحشي على الأعضاء، الحقيقيين أو المُتخيلين، لتنظيم الإخوان المسلمين المحظور حاليًا، أو من خلال مضايقة، واعتقال – وما هو أسوأ – العمال، نشطاء المجتمع المدني والعاملين في مجال حقوق الإنسان. باستخدام إستراتيجية الشرعنة التي غلفت العديد من المبادرات السياسية بالوطنية المفرطة ووصفت المعارضين بأي شكلٍ بالخونة، وقد نجح النظام بالفعل في إقناع قطاعات واسعة من الشعب بأنه كان القوة الوحيدة القوية والوطنية كفاية للدفاع عن البلاد أمام بقايا الإخوان، أو حتى المتمردين الأكثر دموية في سيناء، زاعمي الانتساب إلى تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف اختصارًا باسم «داعش».

ومع ذلك، فشل السيسي ومستشاروه في تقدير تبعات أو النتيجة المنطقية لإستراتيجية الشرعنة المرتكزة بالكامل على الوطنية عندما أعلنوا عن عودة تيران وصنافير. تاريخ السيطرة والسيادة على الجزيرتين معقد، ويتضح ذلك في موجة التبريرات والانتقادات اللاذعة التي تلت ذلك. لكن بالنسبة للأغلبية العظمى من المصريين العاديين، تعتبر الجزيرتان جزءًا من التراب الوطني. تذكر تقارير إصابة

المدرسين

بالذهول عقب الإعلان، حيث أصبح فجأة ما درّسوه من الكتب المدرسية المعتمدة من الحكومة لعقود غير صحيح، وأصبحوا مترددين بشأن كيفية الرد على أسئلة طلابهم.ما كان أي من ذلك ليهمّ كثيرًا لو ظلت الجزيرتان مصدرًا للجدل «الأكاديمي» فقط. لكن ذلك لم يحدث. فبينما الاستياء العام مهم جدًا، تشير حقيقة أن هذه المعارضة كانت سريعة وعززت على نطاق واسع ما كان مسبقًا إعلامًا متملقًا حد الخنوع إلى أن الخط الأحمر قد عُبر بالفعل. مع انتقاد العديد من كبار المعلقين السياسيين للرئيس بسبب هذا الاتفاق، تشرعنت المعارضة لأول مرة، ما يفتح مجالًا أوسع للمعارضة من قبل هؤلاء المتشجعين بفعل الانشقاق الفعال عن صفوف النظام من جانب بعض داعميه الأقوياء.لماذا إذن تعد قضية الجزيرتين استفزازية إلى هذا الحد؟ ببساطة شديدة، ليس هناك شيء أكثر أهمية بالنسبة للهوية المدنية والخطاب الوطني من حدود وجغرافيا الأراضي الوطنية.أظهر أدب بناء الخطاب الوطني في أنحاء المنطقة أن التغييرات الكبرى في الرواية الرسمية – سواء أكان ذلك متعلقًا بتفسير الأحداث التاريخية، المهمة الوطنية أو القيم الاجتماعية – من المرجح أن تحدث فقط أثناء فترات الأزمات – السياسية، الاقتصادية أو الاجتماعية الثقافية. ومع ذلك، تظهر الأبحاث أيضًا أنه حتى في مثل تلك الظروف، هناك حدود لمدى إمكان (وكيفية) تعديل العناصر دون إجراء تغيير كبير في النظام.ما يحدث في معظم الأحيان هو نوع من إعادة البرمجة – أي؛ إعادة تفسيرٍ للرموز الوطنية والأحداث الرئيسية، إعادة تعريف للتوجهات الحالية للسماح بابتكار السياسات. بعبارة أخرى، قد يقدم الزعماء، النخب والأنظمة السياسية تنازلات عن الأشكال الأقل حقيقيةً من السيادة، كالقرارات الاقتصادية الوطنية، في صورة اتفاقات للتكيف الهيكلي. ويعد التنازل عن السيادة الإقليمية الوطنية، في غياب شروط الإكراه الشديد، حالة نادرة للغاية – ويحتمل أن تكون خطيرة.



منذ الإطاحة بالملكية جعلت الحكومات المتعاقبة السيطرة المصرية على أراضيها الوطنية جزءًا محوريًا من تاريخ البلاد

يعد مثل هذه الخطوة مثيرًا للإشكال بشكل خاص في القضية المصرية. فمنذ الإطاحة بالملكية عام 1952، جعلت الحكومات المتعاقبة السيطرة المصرية على أراضيها الوطنية جزءًا محوريًا من تاريخ البلاد ومهمتها. ويؤكد ذلك على أن السيادة على الأراضي الوطنية كان واحدًا من مبررات الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر لتأميم شركة قناة السويس عام 1956. ثم، بعد حرب يونيو 1967 المدمرة، بينما ترنح المصريون تحت تأثير الهزيمة، كانت السياسة المحركة لعبد الناصر هي «إزالة بقايا العدوان»، ما يعني استعادة السيادة المصرية على سيناء، التي احتلتها إسرائيل كنتيجة للحرب. وفي ذات السياق، قدم أنور السادات معاهدة السلام المثيرة للجدل خاصته مع إسرائيل عام 1979 على أساس أنها ستؤدي إلى الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المصرية، وهو وعد تحقق أخيرًا في يوم 25 أبريل، 1982.نتيجة لذلك، لا يستطيع السيسي – الذي

شبه

نفسه مرارًا بعبد الناصر – أن يرويج للوطنية التي لها جذور عميقة في الهوية المزروعة على مدار عقود وسط المصريين من خلال مجموعة من المصادر الإعلامية، الحكومية والتعليمية، وأن ينتهك إحدى الركائز الأهم لذات الهوية القومية الوطنية دون عقاب. توضح بعض الشعارات في الاحتجاجات الواسعة التي جرت منذ الإعلان عن هذا الاتفاق هذه الأساسات للرفض الشعبي للاتفاق، مثل؛ «الأرض عرض»، وتغيير الشعار الكلاسيكي ليناير 2011 «عيش، حرية، عدالة اجتماعية» إلى «عيش، حرية، الجزر دي مصرية».عندما ثار المصريون يوم 25 يناير 2011، اختاروا يوم العيد القومي للشرطة، الذي حدده مبارك، لبدء احتجاجاتهم. وللمفارقة، تقع قضية الجزيرتين، الواقعتين قبالة ساحل شبه جزيرة سيناء، في صميم مطالب احتجاجات عيد تحرير سيناء. هذا لا يعني أن العصيان الوطني سيتبع تظاهرات اليوم – منعت

الإجراءات

الأمنية الاستباقية المكثفة التجمعات الواسعة والكبيرة – وليس هناك شك في أن الاقتصاد المتدهور يشكل التحدي الأكبر لمعيشة ملايين المصريين. لكن هذه الحلقة تؤكد بالفعل على مدى قوة العناصر الأساسية للخطاب الوطني في تحدي القيادة، فتح المساحات المغلقة للتعبير عن المعارضة للنظام القمعي.