اشتعل الصراع العالمي على كعكة الطيران المدني في السنوات الأخيرة، ومن رحم هذا الصراع ظهرت شركات طيران الخليج، القطرية، والإمارات، والاتحاد، كمارد آخذ في التضخم ليهدد الشركات الأمريكية والأوروبية.

بعد قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر من التحالف العربي بين السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر، انتظر الجميع خطوات متسارعة للأزمة، خصوصًا مع عدم إعلان مطالب محددة، وبالتالي غياب آفاق للحل وتخطي الخلاف.

يفاجأ الجميع بعدها بقرار شركات الطيران السعودية والبحرينية والإماراتية تعليق جميع رحلاتها الجوية من وإلى الأراضي القطرية. وبعد أن أعلنت الهيئة العامة للطيران السعودي حظر جميع الرحلات القادمة من قطر عن الهبوط في مطارات المملكة، سارعت الخطوط القطرية بإعلان إلغاء رحلاتها المتوجهة للأراضي السعودية.

بعد الاشتباك بين الخطوط الجوية والقطرية، ظهرت شركتا الاتحاد والإمارات أيضا ببيانات تؤكد إيقاف الشركتين كل الرحلات من وإلى قطر، وبدأت شركة الاتحاد في تنفيذ القرار بعد يوم واحد من ظهور الأزمة، وعرضت شركة الاتحاد على زبائنها في نفس البيان استرداد كامل مدفوعاتهم أو الحجز على رحلات أخرى قادمة توفرها الشركة.


الحصار الجوي: لماذا بهذه السرعة؟

تمتلك الخطوط الجوية القطرية أسطولًا

ضخما

يتكون من 197 طائرة، تنقل بها ملايين المسافرين سنويا إلى أكثر من 150 وجهة حول العالم. إنها ليست مجرد شركة طيران، لكن ما يتم ضخه بها من الاستثمارات يعد طريقا لخروج قطر من نفق الاعتماد الاقتصادي الكامل على العوائد النفطية لمواجهة تحديات المستقبل بشأن انخفاض أسعار النفط.

لم تكن فكرة الاستثمار في مجال الطيران المدني فكرة الحكومة القطرية وحدها، شاركتها أيضا الحكومة الإماراتية من خلال دعمها لشركتي الاتحاد والإمارات في دبي وأبو ظبي. فالشركتان تستقبلان استثمارات ضخمة كطريق للخروج بالاقتصاد المحلي من الاعتماد على البترول إلى الاستثمارات المدنية المختلفة. فرئيس شركة الإمارات، الشيخ «أحمد بن سعيد آل مكتوم»، يجلب لشركته كل ما تحتاجه من دعم.

أبرز تلك الاستثمارات الخاصة بمجال الطيران المدني في الآونة الأخيرة يتمثل في استثمار بقيمة 32 مليار دولار في إنشاء

مهبط

للطائرات. سيكون للمهبط سعة متوقعة تصل إلى 220 مليون مسافر لكل عام، وهو أضخم أربع مرات من مطار «جون كينيدي» بنيويورك في الولايات المتحدة. هذا المهبط سيكون المستفيد الأكبر منه هو شركة الإمارات للطيران. تشترك شركة الاتحاد هي الأخرى في نصيب كبير من رعاية الحكومة الإماراتية مع طيران الإمارات. لا يوجد تهديد عالمي للشركتين أكبر من «قطر إيروايز» أو شركة الطيران القطرية.


صراع شركات الطيران: سبب للأزمة أم استغلال لها؟

حتى في حالة الحروب الكبرى مثل الحرب الباردة، كانت شركات الطيران الغربية تستخدم أجواء الاتحاد السوفييتي للعبور إلى محطات بعيدة مثل الدول الآسيوية، كما كانت شركات الطبران السورية تمر عبر الأجواء الخليجية في أثناء الحملة الخليجية الأخيرة ضد النظام السوري بقيادة «بشار الأسد». قد يكون هذا الأمر مفهوما في ظل حاجة الجميع لتجنيب الطيران المدني عواقب المشاكل السياسية. من هنا يجب أن نسأل لماذا تقرر الدول المتحالفة الوصول إلى هذا القدر من التطرف في حصار قطر إلى إغلاق المجال الجوي؟

من هنا انبثقت

نظرية

اعتبرها البعض مستبعدة، لكنها تثبت أحقيتها بالنظر –على الأقل- بمرور الوقت. تأتي تلك النظرية للقول بأن الحصار الذي تقوم به الدولة المتحالفة ضد النظام القطري يحمل في طياته سببا رئيسا، وهو القضاء على شركة الخطوط الجوية القطرية، تلك الشركة المدعومة من الحكومة القطرية، والتي تعتبر التهديد الأبرز للاستثمارات الضخمة للإمارات في شركتيها الاتحاد والإمارات.

لقد كانت شركة الطيران القطرية سببا رئيسا في تكبد طيران الإمارات لخسائر كبيرة وفقدانها لجزء كبير من السوق في الآونة الأخيرة، هذا التفوق القطري سبّب إزعاجا كبيرا للإمارات. في هذه اللحظة تصبح الإطاحة بالقطرية للطيران –حال إمكانها– أولوية قصوى للحكومة الإماراتية بمثابة التخلص من تهديد حقيقي وجاد لأكبر خططها المستقبلية.


«القطرية»: الأفضل عالميا

أصدر موقع «سكاي تراكس» الشهير تصنيفه السنوي لأفضل شركات الطيران المدني حول العالم لعام 2017، التصنيف أبرز حصول شركة الطيران القطرية على مركز

الأفضل

في العالم متفوقة على نظيرتيها الأساسيتين في الإمارات.

هذا الإنجاز لم يكن غريبا على الشركة القطرية التي دعمت وجودها حول العالم في السنوات الأخيرة بأسطول ضخم ومسارات متباينة تضمن جذب نسبة كبيرة من سوق المسافرين عبر العالم. بهذا الإنجاز تزيح الشركة القطرية منافستها الأولى في العالم، طيران الإمارات، عن المركز الأول، والذي فازت به في العام الماضي وكانت الشركة القطرية في المركز الثاني. هذه هي المرة الرابعة التي تنال فيها الشركة القطرية هذا المركز المرموق بعد أن حققته في 2011، و2012، و2015.

لم تكن تلك هي الضربة الأولى من الشركة القطرية لنظيرتها الإماراتية، فقد استطاعت الشركة القطرية الحصول على

رعاية

الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا لتحل محل طيران الإمارات، لتحصل بذلك على شرف رعاية الاتحاد الدولي لكرة القدم في خمس بطولات كبرى، من بينها كأس العالم القادمة بروسيا وكأس العالم للأندية وكأس العالم للسيدات. ضربة أخرى كبيرة للإمارت.


الأزمة وأزمة التوقيت

كانت خطط الشرطة القطرية في السنوات الماضية أبعد ما تكون عن المحلية، فقد

قامت

الشركة بالاستحواذ على نسبة تقترب من 20% من مجموعة الخطوط الجوية الدولية شركة الطيران البريطانية الإسبانية التي تضم بدورها كلا من «بريتش إيرويز»، و«إيبيريا». كا تمتلك نسبة 10% من الخطوط الجوية الجنوب أمريكية، لتفتح بذلك لنفسها مجالا واسعا في الأمريكيتين الجنوبية والشمالية. هذا التوسع يعني المزيد من الزبائن، والمزيد من المقاعد المحجوزة في رحلاتها الممتدة.

هذا التوسع الكبير لشركة الطيران القطرية، ومع انخفاض عائدات النفط والغاز في الفترات الأخيرة، شكل ضغطا كبيرا على الشركة. فبعد أن اشترت الطائرات الكبيرة والعملاقة أصبح الآن عليها ملء تلك الطائرات بالمسافرين. من ناحية أخرى بدأ صبر أصحاب الأسهم، وعلى رأسهم العائلة الملكية، في النفاد، حيث لا يأتي

الربح المتوقع

من استثمارات بهذه الضخامة.

يجب ألا ننسى في هذا السياق تلك

العراقيل

التي وضعتها الإدارة الجديدة للرئاسة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب. فقد تضررت 10 شركات بقرار حظر جهاز «الحاسب النقال» الذي اتخذته إدارة الرئيس ترامب، وتنص على أن المسافرين من بعض المطارات في الشرق الأوسط يحظر عليها نقل أي جهاز إلكتروني أكبر من الهاتف الذكي بداخل الطائرة.

لم يكن هذا هو القرار الوحيد الذي أثر بالسلب على شركات الطيران الشرق أوسطية، ومنها شركة الطيران القطرية، فقد اتخذت إدارة ترامب قرارا آخر بخصوص منع مواطني ست دول دول ذات أغلبية مسلمة من دخول الولايات المتحدة الأمريكية، صحيح أن هذا القرار اُعْتُرِض عليه من قبل المحاكم في الولايات المتحدة لكن بعض الدلائل تشير لحدوث انخفاض حقيقي في عدد المسافرين من الدول الشرق أوسطية إلى المطارات الأمريكية.


ما هي حدود خسائر القطرية؟

لمحاولة تحديد الخسائر المباشرة التي سوف تواجهها شركة الطيران القطرية، فإنه وبحسب بعض التقارير تخدم الشركة القطرية حوالي 18 وجهة في الدول الأربعة التي قاطعتها، وهو ما

يمثل

18% من الطاقة الاستيعابية للشركة. وبخصوص الأزمة، قال «أكبر البكر» في إبريل/نيسان الماضي إن الشركة واجهت

انخفاضا

في الحجوزات على رحلاتها، لكن الأمر كان قابلا للاستدراك.

الآن، وبسبب هذا الحظر الجوي، ستضطر الشركة القطرية لأخذ مسارات أطول، بالإضافة إلى التكلفة العالية التي ستتحملها نتيجة الالتفاف على الحظر والمرور عبر المجال الجوي الإيراني للوصول إلى وجهات في أوروبا وأمريكا. في محاولة لتوضيح الخسائر التي ستتكبدها الشركة للوصول إلى وجهات خارج أربع الدول المشاركة في الحظر،

ذكرت

صحيفة «الواشنطن بوست» مثالين مهمين:

المسار الأول من الدوحة إلى ساو باولو في البرازيل. هذه الرحلة بعد الحجب سوف تجعل الشركة القطرية مضطرة للهبوط في محطة أثينا باليونان، لكي تتزود بالوقود من أجل الرحلة الأطول. هذا المسار يضيف للرحلة مسافة 1088 ميلا، وساعتين ونصف الساعة إلى وقت الرحلة الطبيعي، دون احتساب الوقت الخاص بالترانزيت في العاصمة اليونانية.

الرحلة الثانية من الدوحة إلى الخرطوم. هذه الرحلة كانت تأخذ ثلاث ساعات ونصف الساعة قبل الحظر، وتأخذ فيها الطائرات مسارا مباشرا عبر الأجواء السعودية. بعد الحصار، سوف تكون الطائرات مضطرة للالتفاف الكامل حول شبه الجزيرة العربية، لتتجنب المجالين الجويين للسعودية والإمارات. لقد ضاعف هذا المسار وقت الرحلة عما كان قبل الحظر.


رفض دولي

وعلى المستوى الدولي، رفض

الاتحاد الدولي

للنقل الجوي «إياتا» الذي يعقد اجتماعه العام في المكسيك المقاطعة الجوية ضد قطر. وفي تصريحاته حول الأزمة، قال رئيس الاتحاد إن الأولوية تبقى لمبدأ الحدود المفتوحة، معتبرا أن الطيران جزء من الحرية، وهذا مرتهن بحدود جوية مفتوحة بين كل البلدان.

الشركات الأمريكية تستنجد بترامب لحظر الشركات الخليجية

على مستوى أكثر تعقيدا، كانت شركات الطيران الإماراتية، الاتحاد والإمارات، إضافة إلى شركة الطيران القطرية قد أعلنت في عام 2014 عرضها لـ 2.7 مليون مقعد على

رحلاتها

في الولايات المتحدة الأمريكية، بينما قامت الشركات الثلاث في العام التالي بإعلان نمو أكبر في الولايات المتحدة، بإضافة ولايات كثيرة، مثل أولاندو وأتلانتا وبوستون ولوس أنجيلوس، وزيادة سعة خدماتها في نيويورك بالنسبة للشركة القطرية، بينما ستزيد الإمارات سعتها في بوستون وسياتل.

ومع كل هذه الاستثمارات التي تضخها الشركات الخليجية في مجال الطيران المدني في الولايات المتحدة، لم تكن شركات الطيران الأمريكية سعيدة بهذه الأخبار. فقد ادعت الشركات الأمريكية أن تلك الشركات الخليجية تتلقى دعما كبيرا يبلغ 42 مليار دولار من حكومات بلدانها، وبالتالي فإنه من حقها أن تطلب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن

يحظر

تلك الشركات من دخول السوق الأمريكية بدعوى المنافسة غير العادلة.

لن يكون من السهل استجابة ترامب لهذه المطالب حتى لو كانت تحت مزاعم الحفاظ على فرص الأمريكيين في الحصول على وظائف أكثر – وهو ما يفضله ترامب كثيرا – وذلك لأن ترامب يحتاج لاستخدام أدواته السياسية في الإمارات وقطر من أجل تحقيق أهداف متوسطة وقريبة المدى في المنطقة على رأسها احتواء نفوذ إيران في الشرق الأوسط ومكافحة الجماعات الإرهابية في المنطقة. لكن ترامب أيضا لن يمانع أن يقضي الحلف السعودي الإماراتي على شركة الطيران القطرية، وهي المنافس الأشرس للشركات الأمريكية.