يعيش لبنان الآن حالة من التيه والاستقطابات اعتاد عليها، إلا أن الخوف الأكبر يكمن في اندلاع حرب ثالثة بين حزب الله وإسرائيل التي قد ترى أن الظروف الإقليمية باتت مواتية لذلك؛ فالدول العربية ناقمة على الحزب الموالي لإيران، وبعضها على استعداد لتوجيه ضربة عسكرية ضد الحزب، أو التعاون مع إسرائيل من أجل كسر شوكة الحزب.


حزب الله ليس كما كان في تموز 2006.. بل أقوى!

ساهمت عسكرة الثورة السورية في تقوية حزب الله، فمشاركته في عمليات القتال أكسبته خبرات عسكرية بجانب سهولة حصوله على السلاح من سوريا وإيران، فقد زادت

ترسانة الحزب

من 33 ألف صاروخ وقذيفة قبل حرب عام 2006 إلى ما يقدر بـ 150 ألف صاروخ.



لا يرغب حزب الله أو إسرائيل في الاصطدام حاليًا وبالمثل لن تقبل أطراف دولية وإقليمية بحرب جديدة في المنطقة.

وأكثر ما تضررت منه إسرائيل بسبب مشاركة الحزب في سوريا حصوله على المزيد من الأسلحة كمًا وكيفًا، فقد حذر وزير الاستخبارات الإسرائيلية إسرائيل كاتس، مطلع الشهر الجاري، من أن بلاده ستستمر في قصف أي قوافل أسلحة لحزب الله يسعى للحصول عليها، فقد دمرت إسرائيل منذ بداية الحرب في سوريا حوالي 100 قافلة لحزب الله، بجانب اغتيال عدد من قيادته مثل سمير القنطار.

رغم حالة الكراهية والرفض التي يلاقيها حزب الله في الدول العربية، فإن إسرائيل لا تخطط حاليًا لاستهداف مناطق الحزب في لبنان، وإنما استمرار استنزافه في سوريا، ومحاولة التنسيق مع الدول العربية وخاصة الخليج للتضييق عليه سياسيًا واقتصاديًا.

ويدعم ذلك استبعاد

الصحف الإسرائيلية

اندلاع حرب ثالثة ضد لبنان تستهدف الحزب، فهناك تخوف من قدرات الحزب، ففي حرب 2006 سقط ما يقرب من 4 آلاف صاروخ على إسرائيل، بجانب تدمير أكثر من 30 دبابة ميركافا إسرائيلية بجانب الخسائر البشرية، أما الآن فقد أصبحت ترسانة حزب الله وخاصة من الصواريخ أقوى من ذي قبل.

ورصد تقرير من

موقع «ساوث فرونت»

إمكانات الحزب، مشيرًا إلى أن عدد مقاتليه بلغ حوالي 65 ألف عامل واحتياطي، يقاتل ثمانية آلاف منهم في سوريا حاليًا، ويمتلك الحزب معدات عسكرية متنوعة مثل دبابات طراز تي 55 و62 و72، وعربات غوزديكا 2 إس1، وبي إم بي 1، وناقلات جند، بجانب مضادات للدبابات والمدرعات مثل قذائف كورنيت، لكن أكثر ما يقلق إسرائيل هو الصواريخ القادرة على تهديد مدن إسرائيلية عدة، أما الأسلحة الأخرى فهي لا تقارن بما يمتلكه جيش الاحتلال.

من جانبه، لا يرغب الحزب أو إيران حاليًا في حرب مع إسرائيل، خاصة أنهم ما زالوا متورطين في سوريا، وهو ما يمنح إسرائيل قدرًا من الاطمئنان، فهي تريد أن تدفع السعودية لاستهداف الحزب بشكل مباشر.


السعودية: أسد يزأر بلا أنياب

في خطاب مفاجئ أعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري

استقالته من الرياض

، متهمًا حزب الله بدعم الإرهاب وتوعد بقطع أيدي إيران في المنطقة، وهو ما أقلق حزب الله وحلفاءه لأنه بذلك يرفع الغطاء السياسي عن الحزب بالداخل والخارج، فاتهام رئيس الحكومة له بدعم الإرهاب ومطالبته بترك سلاحه وارتباطاته الخارجية يزيد من حالة السخط الداخلي ضده بجانب تسهيل مهمة استهدافه من قبل الخارج.



دخل لبنان في دوامة جديدة لكن هذه المرة ستزيد الأمور اشتعالا لفرض الخليج عزلة عربية عليه.

وجاءت خطوة الحريري بتنسيق سعودي، فبيان استقالته أعلنه من الرياض وما زال مقيما هناك، يدير التحركات القادمة ضد الحزب بجانب خوفه من العودة لبيروت في ظل هذه الظروف، فقد أكد وجود محاولات لاغتياله، ويكون بذلك نسف الحريري الاستقرار الهش الذي كان يميل لصالح حزب الله وحلفائه، بعد ما حققوا انتصارا سياسيا كبيرا تمثل في وصول حليفهم ميشيل عون لرئاسة الجمهورية، والصمت على تدخله العسكري في سوريا.

وجاء الغضب السعودي الخليجي على حزب الله ليس لدوره في سوريا فقط، وإنما الخوف من التهديد الإيراني ووكلائه، حيث حول الخليج دفته ناحية حزب الله خاصة بعد استمرار حالة الفشل في اليمن، فقد تصور الخليج أن بإمكانه دحر الانقلاب الحوثي وكيل إيران خلال عملية تستغرق نحو 3 أشهر وفق ما أعلنته “عاصفة الحزم” في مارس /آذار 2015، لكنها تقترب من عامها الثالث ولم تحقق إلا اليسير من أهدافها، فما زالت صواريخ الحوثي وقذائفه تنال الأراضي السعودية.

ومنذ أيام أطلق الحوثيون صاروخا باليستيا وصل الرياض ونجحت قوات الدفاع الجوي السعودي في تدميره، واتهمت المملكة إيران وحزب الله بدعم الحوثيين سواء بالصواريخ أو الخبراء، وبعد فشل المملكة وغيرها في إضعاف حزب الله من خلال استهدافه في سوريا، اتجهت للمواجهة المباشرة بداية بمحاولة عزله عربيا ودوليا إلى جانب التضييق عليه في الداخل اللبناني.

وإلى جانب رفع الغطاء السياسي عن حزب الله من قبل السعودية، أرادت الأخيرة الضغط على الحكومة والرئاسة اللبنانية بالداخل، فقد أعلن وزير الدولة السعودي لشئون الخليج العربي ثامر السبهان أن بلاده ستتعامل مع حكومة لبنان

كحكومة حرب

بسبب حزب الله، مؤكدا أن ميليشيات الحزب تؤثر في القرارات، التي تتخذها الحكومة اللبنانية، وهدد السبهان باستخدام الوسائل السياســية كافة وغيرها لمواجهة الحزب.

واستمرارا لعملية الضغوط على الحزب وحلفائه بالداخل اللبناني،

طالبت كل من

البحرين والسعودية والكويت والإمارات رعاياها بمغادرة لبنان فورًا بجانب منع الآخرين من السفر إليها، في توجه لتكرار سيناريو قطر، وقد تمتد الضغوط بإيقاف التعامل التجاري معها وفرض حظر بري وجوي وبحري.

ومن المتوقع ألا تكون الضغوط الاقتصادية ذات تأثير كبير على الداخل اللبناني لأن وضعها ليس كقطر المحاطة بالدول المقاطعة، وإنما الخوف يكمن في تأجيج الصراع الطائفي مجددًا بين اللبنانيين، بجانب توظيف ورقة سعد الحريري التي ستعيد لبنان إلى حالة الاضطراب التي كان عليها قبل انتخاب ميشيل عون رئيسًا للجمهورية في أكتوبر/تشرين الأول 2016، بعد فراغ في هذا المنصب بلغ سنتين و5 أشهر.

ومع التسريبات الإسرائيلية بوجود تنسيق مع السعودية لتوجيه ضربة لحزب الله، واتهام الأمين العام للحزب حسن نصر الله المملكة بإعلانها الحرب على لبنان وحزب الله، إلا أن ذلك غير وارد، فالمملكة غير قادرة على توجيه ضربة عسكرية مباشرة للحزب في معاقله الجنوبية لأسباب سياسية وعسكرية، فسياسيا لن تقدر المملكة على وضع نفسها موضع الاحتلال الإسرائيلي باستهداف الحزب بجانب إثارة الطائفية في لبنان التي يرفضها الجميع سواء داخل لبنان أو خارجه.

كذلك لا يمكن للطائرات السعودية قطع المسافة إلى لبنان بسهولة بجانب رفض دول عدة مرور أو انطلاق طائرات المملكة من أراضيها، فالرياض لم تقدر وحلفاءها على دحر جماعة «أنصار الله» الحوثية رغم العمليات العسكرية المستمرة والجوار المباشر، لذا من المرجح أن تكتفي الرياض في الوقت الراهن باستمرار موجات الضغوطات السياسية والعزلة على لبنان ككل وليس حزب الله فحسب.

فحتى توجيه ضربة سعودية خاطفة لمعاقل الحزب لن يجدي، فسبق أن قامت إسرائيل بذلك في حرب 2006 واستمرت أكثر من شهر ولم تفلح، بل زادت شعبية الحزب وقتها، وإنما هنالك حاجة لشن حرب طويلة، وهذا غير ممكن لعدم وجود أراضٍ تنطلق منها المملكة تجاه الحزب، ومن المستبعد كذلك تعاونها مع إسرائيل في ذلك، وإنما قد توفر مستقبلًا غطاء سياسيًا وشعبيًا لإسرائيل لاستهداف معاقل حزب الله.


الجميع يرفض حربًا جديدة



من المتوقع ألا تكون الضغوط الاقتصادية ذات تأثير كبير على الداخل اللبناني لأن وضعها ليس كقطر المحاطة بالدول المقاطعة، وإنما الخوف يكمن في تأجيج الصراع الطائفي مجددًا بين اللبنانيين.

أدرك كثيرون مخاطر اندلاع حرب جديدة في المنطقة العربية التي تشهد نزاعات عدة ما زالت قائمة منذ سنوات لم تحسم بعد بجانب صعود تنظيم داعش، فمع رسائل السعودية بأنه قد تُوجه ضربة عسكرية لحزب الله، سواء بشكل مباشر أو بالوكالة، خرج العديد من الأصوات لرفض مثل هذه الخطوة.

فمن ناحية، رفضت مصر هذه الخطوة، وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن

مصر ضد توجيه

ضربة عسكرية لحزب الله أو إيران، وإنها ضد أي عمل عسكري بالمنطقة، وذلك في إشارة إلى أن القاهرة لن تدعم الرياض في مثل هذه الخطوة.

كذلك أعلنت الولايات المتحدة أنها تدعم الحكومة اللبنانية، لكنها تعتبر حزب الله منظمة إرهابية، وسبق أن قدمت واشنطن منحة عسكرية للجيش اللبناني بلغت 42.9 مليون دولار لدعمه في حربه ضد الجماعات الإرهابية رغم الصلات القوية بين الجيش وحزب الله، كما أعلن وزير الخارجية الأمريكي يوم 10 نوفمبر/تشرين الثاني أن «الولايات المتحدة

تحذر أي طرف

داخل لبنان وخارجه من استخدام لبنان كساحة لخوض صراعات بالوكالة أو من أي سلوك يسهم في زعزعة استقرار تلك البلاد».

كذلك لن تؤيد روسيا حاليًا استهداف السعودية أو إسرائيل لأحد شركائها في سوريا بشكل مباشر ، رغم أنها سمحت لإسرائيل بتنفيذ عشرات من الغارات الجوية ضد أهداف لحزب الله في سوريا واغتيال قيادته، فهي قد تغض الطرف عن ضربات لأهداف محددة، وليس فتح جبهة جديدة مجاورة لسوريا تضيع ما حققته هناك.