في السادس من سبتمبر/أيلول الحالي أقر البرلمان الكتالوني قانوناً يحدد فيه أُسس الاستفتاء على

استقلال

الإقليم الكتالوني عن الدولة الإسبانية. والذي مُقرر له أن يجرى في الأول من أكتوبر/تشرين الأول لعام 2017. وجاء إقرار القانون بموافقة 72 نائباً، بينما امتنع 11 آخرون وقاطعت المعارضة التصويت. وردت المحكمة الدستورية الإسبانية في الثامن من سبتمبر/أيلول بوقف الاستفتاء حتى البت في دستوريته. بينما أكد رئيس الحكومة الإقليمية بكتالونيا «كارلاس بوتشديمونت» في العاشر من سبتمبر/أيلول عزمه إجراء الاستفتاء في ميعاده.

ولم يكن حلم الاستقلال الكتالوني عن المملكة الإسبانية وليد اللحظة بل له عمق تاريخي منذ أن تكونت المملكة الإسبانية.


البعد التاريخي وجذور الاستقلال


فقدت

كتالونيا استقلالها السياسي عام 1714 بعدما ضمها قسراً الملك الإسباني فيليب الخامس، ومنذ ذلك اليوم لم يكف الشعب الكتالوني عن النضال من أجل الحصول على الاستقلال والاعتراف بهويته الكتالونية المميزة له. وفي عام 1871 أُتيحت الفرصة للإقليم أن ينفصل عن المملكة، ولكن تمكنت الأخيرة من الاحتفاظ بالإقليم وقامت بتقديم وعود من أجل تحقيق مطالبه.

ودارت حرب أهلية في ثلاثينيات القرن الماضي بين الحكومة المركزية وحليفتها الكتالونية وجيش فرانكو والتي هُزم فيه التحالف المركزي الكتالوني، ومارس جيش فرانكو تنكيلاً وقمعاً واضطهاداً للهوية الكتالونية فَمُنعت اللغة الكتالونية من اعتبارها لغة رسمية كما مُنع تدريسها في المدارس، وأُنكرت الهوية الكتالونية، الأمر الذي أدى لنمو النزعة الاستقلالية لدى الشعب الكتالوني.

وبعد سقوط النظام القمعي بقيادة فرانكو، نُظّم استفتاء شعبي من أجل استعادة الحياة الديموقراطية لإسبانيا، وصوّت الشعب خلاله بنسبة 90% لصالح الدستور الإسباني الذي ينص على «وحدة الأمة الإسبانية التي لا تنفصم»، كما أنه «يضمن ويعترف بحق الحكم الذاتي للقوميات والأقليات والأقاليم التي تتكون منها إسبانيا».

وفي عام 1979 حصل الشعب الكتالوني على حق الحكم الذاتي، وترتب عليه الاعتراف باللغتين الإسبانية والكتالونية كلغتين رسميتين للإقليم، بينما سُمح للسلطة آنذاك بتولي مسئوليات التعليم والصحة والثقافة والسياسة، وتم تشكيل قوة أمن كتالونية خاصة بها.

كتالونيا، إسبانيا

ملصق دعائي للتصويت لصالح استقلال إقليم كتالونيا عن إسبانيا.


تصدي الحكومة الإسبانية للنزعة الاستقلالية

ولكن، بعد التعاون بين الحكومة الإسبانية والبرلمان الكتالوني، أُثيرت خلافات بين الجناح القومي المؤيد لاستقلال كتالونيا والجناح المعارض لذلك الانفصال.

ففي 2006

أُقر قانون جديد للحكم الذاتي

وأُستفتي عليه الشعب وذلك من أجل توسيع صلاحيات الحكم الذاتي، وتصدر هذا القانون تعريف كتالونيا بأنها أمة، الأمر الذي أثار حفيظة الحزب الشعبي المعارض، وقام بالطعن عليه أمام المحكمة الدستورية الإسبانية.

الأمر الذي ترتب عليه إلغاء المحكمة الدستورية الإسبانية، في يونيو/حزيران 2010، الجزء المتعلق بتعريف كتالونيا بأنها أمة مما أدى لتظاهر الكتالونيين تحت شعار:

نحن أمة … نحن من نقرر.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2012، أُجري استفتاء رمزي شارك فيه 37% من مواطني الإقليم وصوتوا لصالح خيار الاستقلال عن الدولة الإسبانية. بينما أعلن رئيس الحكومة الكتالوني أرتور ماس في يناير/كانون الثاني 2015 عن إجراء انتخابات مبكرة ذات طابع استفتائي في سبتمبر/أيلول من العام نفسه، وذلك من أجل التوصل لنتيجة في مسألة انفصال كتالونيا عن إسبانيا. ولكن المحكمة الدستورية قامت في يونيو/حزيران 2015 بإلغاء الاستفتاء الرمزي معللة ذلك بمخالفته دستور البلاد.

وفي سبتمبر/أيلول 2015 أُقيمت الانتخابات المبكرة وفاز التيار القومي بأغلبية تمثلت في 72 مقعداً مقابل 63 مقعداً لصالح الأحزاب الرافضة لاستقلال كتالونيا. وتمكنت الأغلبية البرلمانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 من إصدار قرار برلماني يعلن بدء «عملية تأسيس الدولة الكتالونية المستقلة».

بينما قبلت المحكمة الدستورية الطعن المقدم من الحكومة الإسبانية من أجل البت في دستورية القرار. وتم الوقف الاحترازي لمدة خمسة أشهر لأي إجراءات تسعى إلى تنفيذ قرار البرلمان الكتالوني.

وفي 31 ديسمبر/كانون الأول 2016، أعلن رئيس الوزراء الإسباني رفضه القاطع لإمكانية إجراء أي استفتاء بالإقليم الكتالوني وقال:

وفي 10 يونيو/حزيران 2017 أعلنت الحكومة الإسبانية بشكل تأكيدي على أنها ستُعرقل أي محاولة لاستقلال كتالونيا. ومن بعدها صدر قرار البرلمان الكتالوني في السادس من سبتمبر/أيلول، والذي أعلنت بسببه وزارة الداخلية

السيطرة على جهاز الشرطة

الكتالوني لمنع أي تحركات من الحكومة الإقليمية لإجراء الاستفتاء.


كتالونيا أغنى قطاعات إسبانيا

من غير الممكن إجراء استفتاء على السيادة الوطنية والمساواة بين الإسبان.

تعد كتالونيا بعاصمتها برشلونة أغنى

قطاعات إسبانيا

حيث تضم كتالونيا أربعة قطاعات متمثلة في (برشلونة، وجرنده، ولاردة، وطراغوتة). ويبلغ مساحة الإقليم الكتالوني 32 ألف كيلو متر مربع، أي 8% من إجمالى مساحة إسبانيا. وعدد سكانها لا يتجاوز 14% من سكان إسبانيا. ورغم صغر مساحته إلا أنه ينتج قُرابة 20% من إجمالي الناتج القومي الإسباني، بإجمالي 210 مليارات يورو، ويتحكم في 70% من تجارة إسبانيا الخارجية.

يجري في إقليم كتالونيا سبعة أنهار مياه عذبة مما يجعله قادرا على إنتاج حاجته من الكهرباء اللازمة للصناعة. كما تساعد تلك الأنهار في زراعة المحاصيل المختلفة من الذرة والقمح، وتساعد أيضاً على الرعي فتُرعى هناك الماعز والماشية والخنازير.

كتالونيا، إسبانيا

برشلونة، كتلونيا.

كما أن كتالونيا وحدها تنتج ثُلث الإنتاج الصناعي الإسباني، وربُع صادراته، ونصف نتاجه من الأجهزة الإلكترونية والسيارات. كما أن برشلونة تجذب كثيراً من السياح الآتين لإسبانيا، وتحوي ميناء من أكبر الموانئ التجارية في البحر الأبيض المتوسط، وبها أربعة مطارات دولية.

كل تلك المقومات الاقتصادية تُعزّز من صيحات الاستقلال لدى الإقليم الكتالوني، مُستعلية بقوتها الاقتصادية في مواجهة الدولة الإسبانية. حيث يرى سكان الإقليم الكتالوني أن الحكومة الإسبانية تفرض ضرائب كبيرة عليهم، وصلت إلى 10% من ناتج الإقليم المحلي، وهي نسبة تفوق الـ ٢٠ مليار يورو سنويًا.

وبينما تعاني الدولة الإسبانية من مشاكل اقتصادية وضعف في الموازنة العامة وارتفاع عجزها وتزايد نسبة البطالة، ناهيك عن الإجراءات التقشفية التي تقوم بها البلاد، يأتي انفصال كتالونيا كخطوة ستضعف الدولة الإسبانية كثيراً، وهو ما شعرت به إسبانيا، مما جعلها تصدر قراراً تُمهل فيه كتالونيا 48 ساعة كي تتخلى عن قرار انفصالها عن إسبانيا.

وهددتها بتجميد مواردها المالية

إذا لم تنصع لطلباتها ضمن المهلة المحددة، وأوقفت إجراء الاستفتاء الذي وصفته بأنه غير قانوني.

وأخيراً، حذّر وزير العدل الإسباني أنه إذا تمت خطوة انفصال الإقليم الكتالوني وتحققت آماله في الاستقلالية فإن ذلك سيكون

النهاية للدولة الإسبانية

، وستتوالى سقوط قطع الدومينو عند تساقط القطعة الأولى. كما أنه سوف يُشجع إقليم الباسك، موطن منظمة أييتا الانفصالية، على الانفصال أيضاً.