لا نريد أن يصبح الإسرائيليون عربًا، من واجبنا أن نقاتل ضد روح الشرق التي تفسد الأفراد والمجتمعات، وأن نحافظ على القيم اليهودية الحقيقية كما تبلورت في الشتات.

هكذا أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ديفيد بن جوريون عن موقفه من اليهود العرب، فعلى الرغم من الأولوية والأهمية الفائقة التي أعطاها مؤسسو «إسرائيل» لهجرة اليهود، إلا إنهم منذ البداية ميّزوا بين هجرة اليهود من الدول الأوروبية، ونظرائهم من الدول العربية، والذين تم النظر إليهم بدونية، باعتبارهم أقل مكانةً على المستويين الاجتماعي والثقافي.

إلا أن هجرة اليهود العرب إلى فلسطين لم تكن نزهة، بل تم اعتبارها في السنوات الأولى لتأسيس «إسرائيل» أهم عنصر من عناصر الأمن القومي والقوة العسكرية لهذه الدولة. لذلك لم يتوانَ مؤسسو دولة إسرائيل عن سلك كل السبل لتحقيق أغراضهم من تلك الهجرات، حتى أنهم استطاعوا بطريقة أو بأخرى إخضاع بعض الحكام العرب، لتنفيذ ما كانت ترنو إليه الحركة الصهيونية العالمية، فكيف ساهم الحكام العرب في بناء دولة إسرائيل المزعومة؟


يهود اليمن بين البساط السحري وبساط الريح

بدأت هجرة يهود اليمن إلى فلسطين منذ أمد بعيد، حيث يعتبر عام 1882 عامًا مصيريًا في تاريخ الهجرة الجماعية ليهود اليمن إلى فلسطين، حيث خرجت قافلة تضم حوالي 150 فردًا متوجهة إلى فلسطين بعد أن وصلتهم إشاعات بأن يهوديًا ثريًا يُدعى روتشيلد اشترى أراضي ليستوطن بها اليهود ويتحقق خلاص فلسطين.ومع نهاية عام 1882 وصل عدد يهود اليمن في القدس إلى حوالي 450 فردًا. وفي عام 1910 عملت منظمة «العامل الصغير» الصهيونية على استحضار جالية يهودية يمنية لتحل محل العمال المزارعين العرب في المستعمرات اليهودية، فأرسلت «شموئيل يفنئالي» سكرتير منظمة «الاستيلاء على الأراضي» إلى اليمن لتنظيم الهجرة إلى فلسطين.وقد بلغ عدد من تدفق من يهود اليمن إلى فلسطين المحتلة خلال عهد الانتداب البريطاني (1917-1948) حوالي 15,360 يهوديًا، وباندلاع الحرب العالمية الثانية بلغ عدد يهود اليمن في فلسطين حوالي 28 ألف يهودي.وبعد قيام «إسرائيل» أرسلت المنظمات الصهيونية عملاءها إلى اليمن للعمل بين صفوف اليهود لتحريضهم على الهجرة إلى فلسطين عن طريق إغوائهم بالإغراءات الكاذبة.



بدأت هجرة يهود اليمن إلى فلسطين منذ عام 1882، بعد أن وصلتهم إشاعات بأن يهوديًا ثريًا اشترى أراضي ليستوطن بها اليهود ويتحقق خلاص فلسطين.

أما على

الصعيد الرسمي لليمن

، فقد وافق «الإمام أحمد» بعد تمنع طويل من والده على هجرة اليهود من بلاده. وربما يعود قرار الإمام إلى الضغوط المتكررة عليه من قِبل السلطات البريطانية، وقيام عملاء الصهيونية بخلق أسباب الفتنة بين اليهود والعرب في اليمن مما اضطر الإمام للسماح بالهجرة لكل من شاء، للتخلص من الصهيونية.وقد هاجر في عامي 1949 و1950 باقي الطائفة اليهودية اليمنية في أكبر عملية تهجيرية وهي عملية

«البساط السحري»

. وقد فاقت تكاليف هذه الهجرة 425 مليون دولار، عبر 430 رحلة جوية تم خلالها ترحيل حوالي 47.400 يهودي.كما قامت إسرائيل بتهجير نحو خمسين ألف يهودي من اليمن خلال 1949-1950 في إطار عملية سميت بـ

«بساط الريح»،

وقد تم التفاوض حول شروط العملية مع السلطات اليمنية، وتم إخراج اليهود عبر مدينة عدن، فيما سبق تلك العملية تمهيد قام به العملاء الصهاينة في اليمن بافتعال أسباب لإثارة الفتنة بين السكان اليهود وغير اليهود في اليمن وعدن، وقد طلب ملك البلاد آنذاك «الإمام يحيى حميد الدين» من جميع اليهود الذين أرادوا مغادرة البلاد بيع ممتلكاتهم، كي لا يعود هؤلاء اليهود في المستقبل ويطالبوا بحقوقهم ملكياتهم في اليمن.


فضيحة لافون وتأميم قناة السويس

كانت بداية هجرة اليهود إلى مصر في العصر الحديث بتشجيع من محمد علي، وقد تمتع اليهود، الذين زادت هجرتهم إلى مصر في عهد الخديوي إسماعيل، بكل الامتيازات الأجنبية، وحسب تعداد السكان لعام 1917 فقد بلغ عدد أفراد الجالية اليهودية في مصر حوالي 59.581 يهوديًا، وكان التطور الاقتصادي في مصر هو عامل الجذب الأساسي لقدومهم واستيطانهم فيها.لكن مع قيام «إسرائيل» عام 1948 واندلاع الحرب بين اليهود والعرب، اضطرب وضع اليهود في مصر. وبعد قيام ثورة يوليو، ازداد الموقف اضطرابًا، بعد أن تغيرت موازين القوى بين العائلات اليهودية والسلطة الحاكمة في مصر، فقام معظمهم بتصفية أعمالهم وأملاكهم، وهاجر الكثير منهم إلى أوروبا وإسرائيل.وقد ازدادت هجرة اليهود من مصر بعد فضيحة لافون عام 1955، وهي العملية التي حاول فيها الموساد الإسرائيلي إفساد العلاقة بين مصر والدول الأجنبية عن طريق إظهار عجز السلطة عن حماية المنشآت والمصالح الاجنبية.وقتها كان عدد اليهود في مصر 145 ألف يهودي جرى تهريبهم بأموالهم عن طريق شبكة «جوشين» السرية التي كانت تتولى تهريب اليهود المصريين إلى فرنسا، إيطاليا، ثم إلى إسرائيل.وقد أكد معظم المؤرخين أن كل الظروف تضافرت لإخراج اليهود من مصر بعد الثورة، حيث قام عبد الناصر بإخراجهم من مصر خاصة بعد فضيحة لافون. لكن الترحيل الفعلي لباقي اليهود تم بعد عام 1961 بعد صدور قرارات التأميم، فلم يعد لليهود مكان في الحياة الاقتصادية، ففروا بأموالهم وأنفسهم.ويرى البعض أنه ليس صحيحًا أنه قد تم ترحيل اليهود بسبب ديانتهم، ولكن بسبب الخوف من أن يصيروا طابورًا خامسًا لإسرائيل في مصر، وعبد الناصر كان حريصًا على أن يمنعهم من اللعب بمقدرات البلاد.


محمد الخامس يمنع والحسن الثاني يخضع

تؤكد المصادر المغربية الرسمية أن عدد اليهود المغاربة وصل في أواخر الأربعينات إلى أكثر من 300 ألف يهودي، وكانوا مقربين من المُستعمِر الفرنسي ومُتحكِمين في الكثير من مفاصل الحياة الاقتصادية والسياسية المغربية، ولكن وبعد إعلان قيام «إسرائيل» عام 1948، بدأت تصلهم رسائل من بن جوريون ومن قادة إسرائيليين آخرين يطالبونهم بالهجرة إلى أرض الميعاد.



سهّل الملك المغربي «الحسن الثاني» هجرة اليهود إلى فلسطين، مقابل وعود بمساعدات مالية من الولايات المتحدة وممثلين عن الموساد.

وبالفعل وبدعم من فرنسا، بدأت هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل على دفعات، فوصل حوالي 20 ألف يهودي عام 1948 و1949، و40 ألف ما بين عامي 1952 و1955، ولكن وبعد حصول المغرب على استقلالها عام 1956، وتشكيل حكومة بزعامة حزب الاستقلال المغربي ذي النزعة القومية أعلن

الملك محمد الخامس

منع هجرة اليهود إلى إسرائيل ومنحهم كافة حقوقهم السياسية والمدنية والاقتصادية.ومع هذا استمرت الهجرة سرًا حتى عام 1961، حين توفي الملك محمد الخامس ونُصّب مكانه

الحسن الثاني

لتبدأ مرحلة جديدة من هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل. فالرئيس الأمريكي أيزنهاور وقبل انتهاء ولايته عام 1961، وأيضًا الرئيس الأمريكي كينيدي والفرنسي مانديس وممثلين عن الموساد وعن جمعيات يهودية عالمية عرضوا على الملك الجديد مساعدته ماديًا ومعنويًا إن سهّل هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل.وبالفعل تمت الصفقة التي تمثلت في مبلغ مالي وصل إلى 250 دولار عن كل يهودي مغربي يهاجر إلى إسرائيل.


يهود العراق من أحداث فرهود إلى قانون الجنسية

كان اليهود في العراق أحد أكبر المجتمعات اليهودية العربية، وأعرقها، وقد قُدّر عددهم قبل عمليات التهجير بحوالي 150 ألف، توزّع معظمهم في المدن الكبرى، وتشير الإحصائيات إلى أن يهود بغداد شكلوا يومًا ما ثلث سكان المدينة، وكان بعض يهود بغداد من أغنى أغنياء اليهود في العالم ولم يتجاوز عدد اليهود العراقيين الذين تركوا البلد نهائيًا إلى فلسطين بين عامي 1924 – 1944، الخمسة آلاف.أما عن موقف يهود العراق من الصهيونية، فقد سمع اليهود البغداديون لأول مرة عن الصهيونية من خلال الصحافة العبرية نهاية القرن الـ 19، وبادر أفراد قلائل في البصرة وبغداد لتبادل الرسائل مع المنظمة الصهيونية العالمية، والتي اتخذت من برلين مقرًا لها. أما الغالبية العظمى من يهود العراق كانت الصهيونية لا تمثل بالنسبة لهم أي أهمية، وكان المثقفون والمفكرون اليهود العراقيون يدركون خطر الدعوة الصهيونية.إلا أن التحولات العاصفة في أربعينيات من القرن العشرين كانت قوية جدًا، وأطاحت حتى بالموقف الأساسي لليهود العراقيين، حيث جاءت أحداث

«الفرهود»

عام 1941، لتشكل نقطة حاسمة في تحويل موقف اليهود العراقيين المناهضين للصهيونية، إلى تأييدهم لها.ففي الأول من يونيو، وعقب سقوط حكومة رشيد عالي الكيلاني خلال انقلاب 1941، اندلعت أعمال عنف ونهب في بغداد، واستهدفت سكان المدينة من اليهود خلال احتفالهم بعيد الشفوعوت اليهودي، مما أسفر عن وقوع 175 قتيلًا وحوالي ألف جريح يهودي، ودُمِّرَ خلال المذابح حوالي 900 منزل تابع لليهود.وفي المجمل، ارتفعت وتيرة التوتر والكراهية بين العرب واليهود في العراق، حيث تمت الدعوة إلى مقاطعة المتاجر اليهودية، كما هدد نوري السعيد عام 1948 بطرد 100 ألف يهودي عراقي بغرض إحراج إسرائيل، وكذلك أصدرت الحكومة العراقية قانونًا في شهر مارس 1950 يسمح بهجرة من يرغب من اليهود مع إسقاط الجنسية العراقية عنه.وبعد صدور

قانون الجنسية

في العراق فإن عدد اليهود الذين تقدموا للتسجيل للمغادرة والاستفادة من القانون بلغ حوالي 60 ألف، ليصل مجمل عدد اليهود الذين غادروا العراق نهائيًا إلى فلسطين المحتلة من عام 1948 إلى 1953 حوالي 90 ألفًا.


جعفر النميري بين موسى وسليمان



كانت أحداث الفرهود نقطة تحول في مواقف العديد من يهود العراق الذين كانوا مناهضين للصهيونية.

يُنسَب إلى الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري أنه أول من قدَّم تسهيلات لنقل يهود الفلاشا (يهود إثيوبيا) في بداية ثمانينيات القرن العشرين، إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة القدس، في العملية التي عُرفت باسم

«عملية موسى»

في 1984، وهاجر فيها آلاف الإثيوبيين إلى الأراضي المحتلة.وتواصلت فيما بعد عمليات تهجير الفلاشا من إثيوبيا، حيث هاجر أكثر من 20 ألفًا من الفلاشا في عام 1985 في عملية أطلق عليها اسم

«عملية سبأ»

، وذلك بفضل جورج بوش الأب نائب الرئيس الأمريكي وقتئذ، والذي زار الخرطوم من أجل طمأنة النميري وتأكيد الضمان الأمريكي لنجاح العملية، ووافق النميري بشرط عدم توجه الطائرات الأمريكية التي ستنقل المهاجرين إلى تل أبيب مباشرة بل عبر مدينة أخرى.كما أعدت إسرائيل

«خطة سليمان»

، ووافق النميري عليها بتشجيع من جورج بوش الأب، وقد اشترك في هذه العملية إلى جانب الموساد والمخابرات المركزية الأمريكية وجعفر النميري، كلا من: مكتب منظمة الإغاثة الدولية في الخرطوم الذي تعاقد مع الفلاشا بعقود صورية لتشغيلهم في بلاد أجنبية، ووزير الدفاع البلجيكي اليهودي الذي سهّل عبور الطائرات عبر مطار بروكسل. وقد نجحوا في تهجير 14 ألف يهودي من الفلاشا.

وبعد،

فيمكن استنتاج أن هجرة اليهود إلى فلسطين كانت نتيجة جملة من التحولات، لعب فيها الجانب الرسمي العربي دورًا محوريًا، إلى جانب نشاط الحركة الصهيونية وسلطات الاستعمار، ما عزز من الزيادة الديمغرافية لصالح الكيان المحتل، مما كان له أبلغ الأثر في تقوية ودعم أركان دولة إسرائيل المزعومة.


المراجع




  1. أحمد مصطفى جابر، “اليهود العرب والصهيونية قبل النكبة من اللامبالاة إلى الاستحواذ”، مدى الكرمل.

  2. نشوى الحوفي، “ماذا فعلت الثورة باليهود المصريين؟”، موقع جريدة الشرق الأوسط، 23 يوليو 2002.

  3. أحمد كامل راوي، “هجرة يهود اليمن ودور الصهيونية”، موقع الجزيرة نت.

  4. نرمين نزار، “قراءة في تاريخ اليهود المصريين”، موقع الاشتراكي، 25 فبراير 2008.

  5. أميرة محمود منصور، “الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة (الجزء الثالث، بعد عام 1948)”، موقع احتلال، إبريل 2015.

  6. “أبرز عمليات نقل يهود الدول العربية لإسرائيل”، موقع الجزيرة نت، 24 مارس 2016.

  7. أشرف شتيوي، “دراسة: يهود الفلاشا”، موقع جريدة الشعب، مايو 2014.

  8. إدريس ولد القايلة، “ملف المغرب واليهود والموساد (2-3)”، موقع ديوان العرب، 1 ديسمبر 2005.