#الراتب_ ما يكفي_ الحاجه… #حساب _المواطن_ يزبد_ للشعب

كانت هذه أحد أبرز الوسوم التي تصدرت موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» على مدى الأيام القليلة الماضية. جاءت تلك الوسوم بالتزامن مع الإجراءات والقرارات التي اتخذتها المملكة السعودية في أول أيام العام الجديد 2018 برفع أسعار البنزين والكهرباء وفرض ضريبة القيمة المضافة، حيث سادت حالة من الغضب والرفض من قبل مواطني المملكة لمثل تلك الإجراءات.

في المقابل من تلك الإجراءات كانت المملكة قد أكدت العمل على حماية مواطنيها من تداعياتها عبر برنامج دعم نقدي تحت اسم «حساب المواطن». بالفعل صرفت الحكومة السعودية أولى دفعاته قبل عشرة أيام من بدء تطبيق إجراءاتها لخفض الدعم ورفع الأسعار. فلماذا إذن سادت تلك الحالة من الغضب؟ وماذا عن برنامجها وإجراءاتها المتخذة لدعم مواطنيها هل كانت كافية أم أن الأمر لا يخلو من سلبيات؟


كيف تحولت الدولة من الرفاهية إلى التقشف؟

تزامنت تلك الحالة من الغضب التي انتابت السعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي مع ذكر العديد منهم للعاهل السعودي الراحل الملك «عبد الله بن عبد العزيز»، مشيدين به وبعهده، ومؤكدين أنه كان حريصًا على تلبية احتياجات المواطن ورعايته من قبل الدولة، وأنه لم يدخر جهدًا في العمل على تحسين أوضاع أبناء المملكة.

بالفعل كان الأمر كذلك، وقد ظهر بشكل واضح في رؤيته للمملكة التي كان المواطن المحور الأساسي بها. فقد عمل الملك الراحل على تحسين أوضاع الطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل. فأصدر عددًا من الأوامر الملكية

قضت بتثبيت

بدل غلاء المعيشة ومقداره 15%، ضمن الراتب الأساسي للمواطنين. كما اعتمد الحد الأدنى لرواتب العاملين في الدولة كافة من السعوديين بثلاثة آلاف ريـال شهريًا.

لم يكن العاطلون عن العمل بعيدين عن هذا الدعم، حيث تم إطلاق برنامج «حافز» ووجّه من خلاله اعتماد صرف مُخصص مالي قدره ألفا ريـال شهريًا، للباحثين عن عمل في القطاعين العام والخاص. ولتحقيق الاكتفاء لمستحقي الضمان الاجتماعي ومن شابههم.

أمر برفع

الحد الأعلى لعدد الأفراد في الأسرة التي يشملها الضمان الاجتماعي من 8 أفراد إلى 15 فردًا. كما أصدر أوامره بدعم البنك السعودي للتسليف والادخار، لتمكينه من تلبية طلبات القروض الاجتماعية، وتمويل المنشآت الصغيرة، توفيرًا لفرص العمل.

هذا فضلًا عن أوامره

بضرورة إنهاء

الطلبات على القروض والتسريع في عملية الحصول على القرض، وغيرها من القرارات التي كان هدفها الأساسي دعم المواطن وخاصة الطبقات المتوسطة ومحدودي الدخل بالمملكة.

ظل الوضع هكذا إلى أن بدأت المملكة في سبتمبر/أيلول 2016 باتخاذ سلسلة من الإجراءات التقشفية في مختلف القطاعات، على خلفية ارتفاع العجز في ميزانياتها نتيجة تراجع عائدات النفط.

بدأت تلك الإجراءات

بترشيد الإنفاق الحكومي عبر إلغاء وإيقاف بعض العلاوات والبدلات والمكافآت التي تمنح موظفي الدولة. وامتدت بعد ذلك لتشمل فرض رسوم على الوافدين والمرافقين لهم وتخفيض الدعم للمحروقات والكهرباء والماء. إلى أن أعلنت في اليوم الأول من العام الجديد عن مجموعة من القرارات التي رفعت بها الدعم عن الطاقة وبعض السلع الأساسية، فيما اعتبره البعض بمثابة ضربات عنيفة تلقاها المواطن السعودي مع بداية العام الجديد.

كان أول هذه القرارات زيادة أسعار الطاقة، فقد خفضت الحكومة الدعم المقدم للكهرباء،

ورفعت أسعار

البنزين بنسب تراوحت بين 83% و127%، وهي بالطبع نسبة زيادة عالية إذا ما قورنت بدخول المواطنين وحاجة ما يقرب من 13.5 مليون من أصل نحو 20 مليون مواطن للدعم الحكومي. أما القرار الثاني فتمثل في

بدء فرض

ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% على أغلب أسعار السلع والخدمات، الأمر الذي من شأنه رفع الأسعار داخل الأسواق بنسب قد تصل إلى 15% كما أشار العديد من المحللين.


ماذا فعلت المملكة لحماية مواطنيها إزاء خفض الدعم؟

في المقابل من قرارات خفض الدعم ورفع الأسعار، أكدت الحكومة عدم إغفالها لتداعيات تلك القرارات على المواطن، وأنها عملت على تخفيف آثارها عبر برنامج «حساب المواطن» الذي أطلقته العام الماضي.

وضحت الحكومة

أن الهدف من البرنامج هو دعم الفئات المتوسطة ومحدودي الدخل. إذ سيمنحون بموجبه مبالغ مالية لمواجهة الضرائب على السلع والخدمات والارتفاعات في أسعار الوقود والكهرباء، وما هو مرتقب من ارتفاع في أسعار المياه وغيرها.

كما وحدت مختلف برامج الدعم المقدمة للمواطن تحت مظلة هذا البرنامج، مشيرة إلى أن هذا الدعم سيُحدد حسب دخل رب الأسرة وعدد من يعولهم، وأنه لن يتسم بالثبات، ولكن سيخضع للمراقبة الدورية من قبل السلطات كل ثلاثة أشهر، وسيتغير صعودًا وهبوطًا طبقًا لها.

وعلى الرغم من دور البرنامج في ترسيخ ثقافة الترشيد لدى مواطني المملكة كما أشار العديد من الخبراء والمسئولين السعوديين، فإن ثمة مخاوف وملاحظات أساسية متعلقة به؛ أولها: أن مقدار الدعم للمقدم سيتوقف على أساس الدخل الشهري للأسرة، وبعد انخفاض مستوى الدخل على خلفية توقف العلاوة السنوية فهذا الدعم ربما لن يكون قادرًا على تعويض انخفاض متوسط دخل الأسرة.

ثانيها: أن عدم ثبات قيمة الدعم وخضوعه لتقديرات الحكومة على الرغم مما يحمله من ميزة نسبية في إمكانية رفع نسبة الدعم لبعض الأسر، فإنه على الجانب الأخر يُخضِع المواطن للمزاجية الاقتصادية للسلطات. كذلك حدد البرنامج فئة المستفيدين بأنه كل مواطن يحمل الجنسية السعودية ومقيم بها، ما يعني استبعاد فئة «البدون» بسبب عدم حملهم أوراقًا ثبوتية.

وبشكل عام، فتأثير البرنامج محدود بالمقارنة بأثر ارتفاع أسعار الطاقة والخدمات، والضرائب المرتقبة،

ويبدو هذا واضحًا

من قيمة المبلغ المخصص للبرنامج الذي يبلغ 30 مليار ريـال فقط. بما يعني اقتصاص 370 مليار ريـال من المبالغ المخصصة لدعم الطاقة والتي كانت تبلغ نحو من 400 مليار.


كيف جاء الموقف الشعبي؟

في هذا السياق

أودعت المملكة

الدفعة الأولى من هذا البرنامج، والتي بلغت نحو ملياري ريـال قبل عشرة أيام من رفع أسعار البنزين والكهرباء. وقد شملت قرابة 3 ملايين أسرة وفرد مستقل، بإجمالي 10.6 مليون مستفيد بما يشكل 82% من المسجلين. وسيتم تحويل الدفعة التالية بعد أيام، وتحديدًا في العاشر من يناير /كانون ثاني الجاري. ولكن هل يعني ذلك أنها استطاعت التوفيق بين إجراءاتها لخفض الدعم وعدم المساس بأوضاع مواطنيها؟

الإجابة على هذا التساؤل نبعت من الموقف الشعبي وردود أفعال مواطني المملكة عقب القرارات الأخيرة برفع أسعار البنزين وفرض ضريبة القيمة المضافة. فقد ساد الشارع السعودي حالة من الغضب إزاء تلك القرارات وتوالت التأكيدات أن قيمة الدعم الذي يقدمه البرنامج لا تساوي شيئًا أمام حجم الضرائب وفرق الأسعار الجديد.

أطلق المواطنين حملات عدة على «تويتر» لإبداء رفضهم لهذه الزيادات والتأكيد أنها لا تتناسب مع الدعم المقدم. من أبرزها وسم «#حساب_ المواطن _يزبد_ للشعب» الذي

تصدر لائحة

الهاشتاجات الأكثر تداولًا في العالم. كذلك

عاد وسم

«#الراتب_ما يكفي_الحاجه» للمرة الرابعة منذ نحو خمس سنوات بعد ظهوره للمرة الأولى عام 2013 للتعبير عن معاناة المواطنين خلال موازنتهم بين مصروفاتهم المرتفعة وأجورهم المتدنية.

كما توالت الانتقادات لسياسة لولي العهد «محمد بن سلمان» لإقرار هذه الإجراءات في ظل إنفاق الدولة مليارات الريالات على قطاعات الترفيه والرياضة وتنظيم الحفلات وغيرها. وما عزّز تلك الانتقادات الأنباء عن شراء اليخوت والقصور الفاخرة واللوحات الفنية التاريخية. هذا فضلًا عن تصاعد نفقات الدولة في الخارج كما هو الحال في قرارها مؤخرًا بالمساهمة إلى جانب الإمارات بنحو 130 مليون يورو لدعم قوة مكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي. وإنفاقها المرتفع على القطاعين العسكري والأمني، والذي بلغت نسبته 31% من ميزانيتها بما يعادل ثلث الميزانية، وغيرها من النفقات التي تأتي على حساب دعم المواطن وتخصم من نصيبه من الميزانية المخصصة للخدمات العامة.


ماذا عن التداعيات المحتملة؟

في ظل حالة الغضب هذه، فإجراءات خفض الدعم من المحتمل أن تنطوي على مخاطر عدة فيما يخص مستقبل ولي العهد وخطواته السياسية. الأمر الذي

أشار إليه

العديد من المحللين، موضحين أن هذه الإجراءات ستؤدي إلى انخفاض شعبيته وتراجع التأييد لرؤيته 2030. وقد يمتد إلى حد المطالبة بمجالس منتخبة تشارك في الحكم بعد أن انتقل المواطن إلى المساهمة في إيرادات الخزينة الوطنية.

فدائمًا ما اكتسب حكام المملكة ودول الخليج بصفة عامة التأييد الشعبي والشرعية بفضل شمول المواطن بالرعاية والدعم المطلوب وإعادة توزيع العائدات النفطية. أما الآن فقد تم تقليص هذا الدعم، وأصبح المواطن أحد موارد الخزينة العامة للدولة، يتحمل ثمن ما يحصل عليه من سلع وخدمات عن طريق الحكومة، ينتظره مزيد من الارتفاعات المرتقبة في الضرائب ومختلف القطاعات. الأمر الذي ربما يؤدي إلى المخاطرة بشرعية الأنظمة الحاكمة مع مرور الوقت، والمطالبة بالمشاركة في عمليات الرقابة على الإيرادات والنفقات العامة للدولة.

كما قد يدفع إلى زيادة المطالبات الشعبية بضرورة إنهاء المملكة لحربها في اليمن التي أصبحت تشكل عبئًا على الميزانية، وغيرها من الخطط التي تستهدف بها المملكة توسيع نفوذها في الخارج.

أخيرًا، يبدو أن المملكة قد أدركت خطورة هذه التداعيات وما يمكن أن تؤدي إليه حالة الغضب لدى مواطنيها، فعملت سريعًا على تدارك هذه الحالة عبر إصدار أمر ملكي تم بموجبه التخفيف من وطأة تقليص الدعم، حيث

أكد هذا الأمر

إضافة بدل غلاء معيشة للمخصص الشهري لمستفيدي الضمان الاجتماعي بمبلغ 500 ريال لمدة سنة، وتحمل المملكة ضريبة القيمة المضافة عن مواطنيها المستفيدين من الخدمات الصحية الخاصة، والتعليم الأهلي الخاص.

كما قضى

بصرف العلاوة السنوية لموظفي المملكة من المدنيين والعسكريين، وغيرها من البنود التي هدفت لتخفيف تداعيات خفض الدعم.