ظهرت الديمقراطية المسيحية في بدايات القرن التاسع عشر مدعومة بالأفكار المحافظة والتعليم الاجتماعي الكاثوليكي لتجمع بين المعتقدات الكاثوليكية التقليدية من ناحية والأفكار الحديثة من ناحية أخرى. في التقسيم الأيديولوجي، تصنف الديمقراطية المسيحية على أنها يمين وسط فيما يتعلق بالنواحي الثقافية الأخلاقية والاجتماعية، بينما ممن الناحية الاقتصادية تدعم اقتصاد السوق مع مراعاة الجوانب الاجتماعية.في أوروبا يعتبر الديمقراطيون المسيحيون أنفسهم بديلاً فعالّا عن الاشتراكيين الديمقراطيين؛ لكن إجمالا يمكن القول أنهم يميلون إلى اليسار في أفكارهم الاقتصادية بينما يميلون إلى اليمين في أفكارهم الاجتماعية .


النشأة التاريخية

تعود أصول أفكار الديمقراطية المسيحية إلى المنشور الصادر من بابا الفاتيكان ليو الثالث عشر والذي أقر بالأوضاع السيئة التي يعاني منها العمال، وبأهمية فعل شيء ما لتغيير ذلك. جاء هذا المنشور كرد فعل لارتفاع أسهم اليسار والنقابات العمالية، تلا ذلك عدة منشورات بابوية بنفس المضمون كان آخرها في 2009 صدر من البابا بانديكت السادس عشر.على الرغم من أن أفكارها تأسست على الأفكار الكاثوليكية، إلا أن الديمقراطية المسيحية ليست أيديولوجية كاثوليكية بالمعنى الدقيق؛ إذ أصبحت بمثابة بوتقة تحمل بداخلها الأفكار المحافظة بشتى اختلافاتها بما في ذلك عناصر وأفكار بروتستانية. إذ أنها بعد الحرب العالمية الثانية وضعت نفسها بعيداً عن اليمين المتطرف من ناحية لتجنب ربطها بالويلات التي شهدتها أوروبا بسبب هذه الحرب ،ومن ناحية أخرى لجذب الذين ما زالوا يعتنقون أفكارا يمينية غير متطرفة وهؤلاء لم يكونوا بالعدد اليسير. كما ظهرت أيضا أحزاب تعتنق أفكار الديمقراطية المسيحية في أمريكا اللاتينية، تحديدا في فنزويلا والسلفادو و تشيلي.الجدير بالذكر أن البروتستانيين ذوي التوجهات المحافظة قاموا بتأسيس الأحزاب الديمقراطية المسيحية كرد فعل لانتشار الجماعات ذات النزعة الليبرالية المستوحاة من الثورة الفرنسية والقائمة على أن السيادة للشعب.وعلى الرغم من كون الديمقراطية المسيحية هي فكر كاثوليكي روماني بالأساس إلا أن لها معتنقيها من الأرثوذكس و البروتستانت، كما أن الجانب الديني لهذه الأفكار توارى تدريجيا مع سيادة النزعة العلمانية على المناخ السياسي العالمي عمومًا، والأوروبي على وجه الخصوص.أما عن منظريها، فيعد الفيلسوف المسيحي توما الأكويني القروسطي أهم ملهمي الديمقراطية المسيحية. تعتبر شروحاته لأفكار أرسطو عن الوجود وعن المسيحية بمثابة الأساس الفكري الذي بنيت عليه الأيديولوجية . يرى أكويناس أن الحقوق البشرية مبنية على «القانون الطبيعي» وهي تعرف بأنها الاشياء التي يحتاجها الإنسان لكي يحيا ويؤدي دوره بشكل طبيعي. كما يعد كل من إتيان جيلسون وإيمانويل منير أهم مفكريها المعاصرين .


الديمقراطية المسيحية في أوروبا

لأحزاب الديمقراطية المسيحية وجود و تأثير قوي في أوروبا، نخص بالذكر كلا من إيطاليا و النرويج و ألمانيا. وتوجد أيضا ولكن على استحياء في كل من فرنسا و النمسا و المجر و فنلندا.

حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني

تأسس عام 1945، هو الحزب الحاكم بألمانيا، حزب يميني وسطي يقوده حالياً فولكر كودر بينما تعتبر المستشارة الألمانية القديرة أنجيلا ميركل أحد أبرز أعلامه، يقود الحزب ألمانيا منذ عام 2005 ويحوز 29 مقعدا من أصل 69 مقعدا ألمانيا بالبرلمان الأوروبي. يعتمد خطابه السياسي على أنه حزب لكل الألمان دون النظر للنوع أو الديانة.

الحزب الديمقراطي المسيحي الإيطالي

تأسس عام 1943 على أنقاض حزب الحرية؛ حيث أنه حمل نفس شعاره و استقطب مؤيديه. لعب الحزب دوراً كبيراً في الحياة السياسة الإيطالية حتى اندثاره في 1994 بعد أحكام قضائية ضد الحزب على خلفية اتهامات بالفساد، وحلت محله أحزاب صغيرة مثل حزب الشعب الإيطالي وحزب الوسط الديمقراطي المسيحي.

الحزب المسيحي الديمقراطي النرويجي

تأسس الحزب عام 1933، يقوم الحزب على تبني ودعم الأفكار الأخلاقية و الثقافية المسيحية ، حزب بطبعه وسطي محافظ اجتماعياً بينما يميل إلى اليسار في أفكاره وتكوينه الاقتصادي، على المستوى الأوروبي ينضوي الحزب تحت ائتلاف حزب الشعب الأوروبي، ويعد السياسي العتيد كيجيل ماجن بونديفيك الذي تولي منصب رئاسة الوزراء من 1997 إلى 2000 ومن 2001 إلى 2005 أحد أبرز وأهم أعلامه.

الحركة الجمهورية الشعبية الفرنسية

تأسست عام 1944 على أنقاض حزب الإصلاح الاجتماعي عقب نهاية الاحتلال الألماني لفرنسا في الحرب العالمية الثانية، يمين وسط تقترب أفكارها كثيراً من الديقراطية المسيحية وإن لم تحمل نفس الاسم، تراجع دورها السياسي أثناء الحرب الباردة مع حالة الاستقطاب الشديدة بين اليمين و اليسار التي سادت أوروبا آنذاك، نشط في منتصف الستينات لدعم مشرح اليمين الوسط جيان ليسانوت ثم عاد للخفوت مجددا!.


مستقبل الديقراطية المسيحية



يعود ظهور أفكار الديمقراطية المسيحية لمنشور صدر عن بابا الفاتيكان كرد فعل لارتفاع اسم اليسار والنقابات العمالية.

تعتبر الديمقراطية المسيحية في مفترق طرق؛ فمن ناحية دأبت الأحزاب السياسية المختلفة على نفي أي صفة دينية لها خصوصا في الآونة الأخيرة إعمالا لمبادئ العلمانية وتأكيدا على التوجهات الحداثية لهذه الأحزاب. ومن ناحية أخرى، يتجه غالبية المحافظين ومعتنقي الفكر اليميني إلى اليمين المتطرف؛ حيث يرونه قادرا على تلبية رغباتهم مع تزايد التحديات التي تواجه أوروبا، على وجه التحديد تلك المتعلقة بالمهاجرين، والرضوخ لسياسات الاتحاد الأوروبي من عدمه. وحتى الدول التي يسود فيها الفكر الوسطي فهي غالبا ما تتجه إلى يسار الوسط حيث يسود خطاب العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة خصوصًا مع تزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء.ومن ثم فإن يمين الوسط عموما، والديمقراطية المسيحية على وجه الخصوص، تواجه تحديًا كبيرًا، ولعل أبرز تجليات ذلك ما يواجهه أكبر تحالفاتها، الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني بقيادة المستشارة أنجيلا ميركل، الذي يواجه انتقادات كبيرة لسياساته خصوصا تلك المتعلقة بالهجرة، وانعكس ذلك على شعبيته في الشارع حيث وصلت لأدناها منذ سنوات وفقا لآخر استطلاعات الرأي.