السينما والفن فرعان للأيديولوجيا ولا يمكن لأحد أن يهرب إلى أي مكان، فالجميع مثل قطع في لعبة الصور المبعثرة، كل له المكان المخصص له، فالسينما بكل وضوح تنتج واقعا، وهكذا تتكلم الأيديولوجيا





جان لوك كومللي

دائما ما يكون حضور الموضوعات السياسية في السينما، خاصة تلك المرتبطة بشخصيات أو جماعات محددة، محفوفا بالجدل، وفي أغلب الأحيان لا يستطيع القائمون على العمل الفني تقديم صورة نزيهة بشكل كبير، ذلك أن الأيديولوجيا والظروف المحيطة تترك أثرها فيظهر العمل الفني مائلا إما تأييدا أو رفضا.

وحينما يتعلق الأمر بالإسلاميين يزداد الأمر سوءا، ذلك أن لهم ماضيا طويلا من التشويه عبر السينما، حيث تمكن خصومهم من رسم صورة نمطية محدودة لا تراعي حتى التباينات بين فصائلهم، وربما ساهم في ذلك عدم امتلاكهم تلك الأداة الساحرة، ما رسخ تلك الصورة في مخيلة الجمهور.

ومع تجدد الأعمال الفنية التي ترصد الإسلاميين يصبح من المفيد استعراض أجزاء من كتاب «صورة الإسلاميين على الشاشة» للباحث أحمد سالم.


كيف نميز بين العالم كما هو وبين رؤيتنا له؟

تملك السينما قدرة خارقة على الإقناع، حيث تحتوي الأفلام على الصوت والموسيقى والصور المتحركة في شكل فريد من نوعه، يجمع بين الراديو والفن والمسرح





الكاتب روبرت فيسك

كان الكاتب والمعلق السياسي الأمريكي «والتر ليبمان» أول من استعمل مصطلح الصورة النمطية في كتابه «الرأي العام»، وقد رأى أن الإنسان يصنع لنفسه داخل ذهنه صورة عن العالم الذي لا يستطيع الوصول إليه، موضحا أن التنميط يتضمن وسائل تنظيم الصور والانطباعات التي تتسم بالثبات والبساطة وانتقاء ملامح وإبرازها لتمثل الكل، ومن الواضح أن عملية بهذا التعقيد والتركيب قابلة بشدة لوقوع الخلل في إحدى مراحلها، مما يؤدي لصورة ذهنية مشوهة أو غير دقيقة.

يقول ليبمان في فصل «الصور النمطية للدفاع»: إن الأفراد عادة لا يفرقون بين العالم كما هو وبين رؤيتهم للعالم كما يرونه، أو بين ما يمكن تسميته بالحقيقة الموضوعية والحقيقة الذاتية.

ومن هنا نستطيع أن نقول بأن الواقع قد بدأ ينهار بالفعل، وذلك لأن أفراد المجتمع أصبحوا يبنون تصوراتهم من خلال ما يقرأ ويسمع ويرى عبر وسائل الإعلام.

وفي ظل عالم مليء بالاختلاف والصراعات ستكون هناك إرادة لتشويه أو تشكيل الصور الذهنية بصورة تتوافق مع رؤية صانع الصورة، حتى ولو لم يكن يعتقد أنه يشوه الصورة.

يشبه نعوم تشومسكي وسائل الإعلام في الدول الديموقراطية بأدوات القمع في الدول الشمولية، وإذا كان من البديهي أن يحتفظ البعض بعقلية نقدية ويتمتع بمقاومة تأثير الإعلام، فإن الهدف لا يكون إلغاء هذه الاستثناءات وإنما إبلاغ الرسائل المصنوعة هذا الحد الكافي من الجمهور والتأثير فيهم بحيث يكونون أعمدة شعبية يستقر عليها القرار السياسي، حتى لا تشكل الاستثناءات خطرا ذا بال على صناع القرار.

وأهم الأسباب التي تؤدي للتنميط غير الدقيق بخلاف التوظيف السلطوي المباشر هي:

– الكسل: فالمبدع السينمائي قد لا يملك حافز الإتقان والأمانة المعرفية التي تجعله ينقر خلف دقة الصورة، خاصة إذا كان هو باعتبار ما واحدا من الجماهير الذين تم تشكيل وعيهم من قبل.

– الجشع: الذي يدفع صانعي الأفلام إلى مجاراة السوق في آلياته، فهم يصنعون ما يألفه الناس.

– الصمت وغياب ناقدي عملية التنميط والتشويه: ويرجع جاك شاهين إلى هذا السبب الفضل في مشاهدة صورة إنسانية راقية عن الأفارقة الأمريكيين في السينما الأمريكية بعد عقود من التمييز والإساءة.

– اتساق الصورة المعروضة من منظور صانعها: فبعض صانعي الأفلام يعتقد أنه أمين في نقل الصورة مع قناعته الفكرية الذاتية بأنه يخوض معركة ما من خلال الكاميرا، خاصة إذا أُسست هذه القناعة بواسطة خبراء ومثقفين.


لماذا يعد «الإرهابي» صورة نمطية بائسة عن الإسلاميين؟

أمير الجماعة للشاب علي – فيلم الإرهابي

يعد فيلم الإرهابي للمؤلف لينين الرملي أهم عمل فني قدمته السينما المصرية عن جماعات العنف الإسلامية.

يظهر علي عبدالظاهر «عادل إمام» شابا فقيرا محبطا جاهلا ينتمي لإحدى الجماعات الإرهابية، ويشارك في عملياتها الموجهة للأفواج السياحية ومحلات بيع شرائط الفيديو، معتقدا أنه يعيش في مجتمع كافر.

يطلب منه الأمير اغتيال أحد ضباط الشرطة وكاتبا معاديا لجماعته، لكن علي وزملاءه يفشلون في اغتيال الكاتب، وأثناء هروبهم تصدم علي سيارة فاتن، وتنقله مصابا إلى منزلها لكي يتعافى هناك.

ويختلط علي في هذه الأثناء بأسرة حداثية تضم شابا يساريا وفتاة إعلانات، وتربطها علاقة جيدة مع جيرانها، بما في ذلك أسرة مسيحية، وأيضا علاقة صداقة مع نفس المفكر الذي كان ينوي علي قتله.

ويواصل السرد الدرامي تطوره حتى مشهد النهاية الذي تقوم فيه الجماعة الإرهابية بقتل علي بعد أن أدت إقامته مع تلك الأسرة لتغير أفكاره وعودته لصوابه.

للمصادفة فإن بعض النقاد قارنوا بين «الإرهابي» وفيلم «في بيتنا رجل» الذي أنتج عام 1961، وصُوِّر فيه بطل مصري مقاوم ضد الإنجليز -عمر الشريف- يختفي في بيت أسرة مصرية وتربطه علاقة عاطفية بابنتهم -زبيدة ثروت- ورغم كون البطل إرهابيا في نظر الإنجليز والبوليس السياسي، فإن صانع الصورة أراد إظهاره في صورة من يريد تحرير وطنه من المحتل الإنجليزي وبطش وإجرام البوليس السياسي المصري المتماهي مع المحتل.


يرى المشاهد في «الإرهابي» صورتين متقابلتين لمجموعتين متناقضتين، الأولى باللون الأسود وجه متجهم ومشاعر صلبة غاضبة، سكن فقير وبيت مظلم الإضاءة ونساء مرتديات النقاب داخل البيت، والثانية باللون الأبيض مشرقة مستنيرة متسامحة تحب الحياة وتنغمس في مباهجها.

وليصل المشاهد لربط ذهني بين الاعتدال ورفض الإرهاب الأسود وبين مجموعة من الآراء والسلوكيات «الحداثية» المرتبطة بالأسرة، رغم أن منها أفكارا لا يقتصر رفض قبولها على الإرهابيين، فتصبح الفكرة الأساسية هي لكي لا تصبح إرهابيا يجب أن تكون حداثيا.


لماذا نكرر أخطاء الماضي؟

هناك مخطط للتخلص من بعض أعداء الدين، بعض زبانية الحكومة اللي بيعذبوا إخواننا المقبوض عليهم زي المقدم جلال بتاع مصلحة السجون والكاتب الزنديق فؤاد مسعود شل الله يده ولسانه ولا أراه خيرا أبدا، بيتهجم علينا في الجرايد والندوات

لا يجادل الكاتب في وقوع عمليات عنف وإرهاب من قبل جماعات إسلامية، لكنه يشير لأمرين وهما الكذب المشوه للصورة واختزال الصورة في لقطة قد تكون صادقة في حد ذاتها لكنها مقتطعة من سياق ممتد، مثل الإشارة لأن الضابط مسئول عن عمليات تعذيب، وهي إشارة بلا قيمة، لأنها تأتي على لسان أمير الجماعة، بينما في فيلم «عمارة يعقوبيان» مثلا عُرِضَت صورة أمينة ومكتملة للضابط المتورط في تعذيب وحشي لأفراد الجماعات الإسلامية يصل لانتهاكهم جنسيا، ما يدفع طه الشاذلي -محمد إمام- للانتقام وقتله.

الآلة الإعلامية للسلطة وجهت عدسة الكاميرا نحو الضابط الذي قتل، وأسرته المكلومة وأبنائه الذين أيتموا، لكنها ضيقت عدسة الكاميرا على هذا المشهد فحسب وغطت على آلاف البيوت التي عرفت اليتم والفقد بلا ذنب إلا الظن والتخمين ومحاولة توسيع دائرة الاعتقال والتعذيب لتغطية قلة كفاءة جهاز الشرطة وعجزه عن التعامل القانوني السليم مع المخطئين بالفعل.

يقول الدكتور «حسن بكر»:

فالإجراءات البوليسية أحيانا تشمل آلاف المواطنين الذين ليس لهم صلة مباشرة بأعضاء الجماعات الإسلامية، فإذا أرادت الشرطة اعتقال شخص تقوم باعتقال عشرات الأشخاص من أقاربه وأصدقائه، وبدلا من أن يكون هناك متطرف واحد، يصبحون عشرة متطرفين ومتعاطفين

لا يمكن لأحد أن ينكر ما وقعت فيه بعض الجماعات الإسلامية من تصرفات دموية، ولا يمكن لأحد أن ينكر ما كانوا عليه من قلة الوعي وحماقة التصرف وفساد التصور والغرور الكاذب والجهل بطرق إصلاح الأمم والمجتمعات.

لكن ما واجهت به الدولة هذا الواقع لم يزده إلا سوءا في تكرار أحمق لأخطاء الدولة الناصرية التي تمت إدانتها من القضاء المصري نفسه قبل عشرة أعوام فحسب من عودة الأجهزة الأمنية لتكرار نفس الممارسات مرة أخرى، لتؤكد لنا تلك الأجهزة الأمنية والجماعات الإسلامية على حد سواء أن التاريخ يعلمنا شيئا واحدا، وهو: أنه «لا أحد يتعلم من التاريخ».