لقد استغرق الأمر 10 دقائق

هكذا أعلنها الرئيس الأمريكي

دونالد ترامب

عن المدة التي استغرقتها جهوده للإفراج عن الناشطة آية حجازي، قالها صريحة واضحة لا تحتاج إلى تأويل ولا تفسير، فخلال تلك الدقائق القليلة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استطاع ترامب أن يؤمن خروج آية من السجن «والتي كانت ستمُضي 28 عاماً إضافية داخله».

ورغم ما تحمله كلمته من إهانة للقضاء المصري، ويؤكد على خضوعه ليس للسلطة التنفيذية وحسب، وإنما لرغبات حلفائه أيضاً فإنه لم يجرؤ مسئول أن يرد بكلمة تحفظ ماء الوجه، ومما زاد الأمر قبحاً أن كلمات ترامب تزامنت مع تصديق السيسي على قانون السلطة القضائية الجديد، والذي سيمكنه من توسيع نفوذه على باقي أفرع القضاء التي لم تنصع لإرادته وإرادة حلفائه في واشنطن والرياض وتل أبيب بعد.

ورغم ما في القانون والتصريح السابق من فضائح فإن المجلس الأعلى للقضاء لم يشعر بأي إهانة إلا في

تحقيق صحفي

أعده الصحفي طارق حافظ أثبت فيه بالمستندات، كيف صار القضاء المصري عقاراً وإرثاً للقضاة وأصدقائهم الضباط يعينون فيه أبناءهم وأقاربهم، ليتهمه المجلس بعدة تهم أغربها تهمة:

خدش الرونق العام للمجلس الأعلى للقضاء





وهو ما تطلب تحقيقًا مع الصحفي لمدة 15 ساعة متصلة.

لقد حملت كلمات ترامب أشد الإهانة للسلطة القضائية وللقضاء المصري كاملاً، فبكل بساطة أقر بأن سجن ثمانية أبرياء في ظروف غير آدمية لمدة 3 سنوات كانت لمكايدة الرئيس الأمريكي السابق، وبعد أن سكن البيت ضيف جديد على هوى الرئيس لم تستغرق مهمة إنهاء معاناة أولئك الأبرياء سوى 10 دقائق، وهو ما وضحه ترامب خلال فخره بإنجازه

قائلاً

:

فقط طلبت من الحكومة خروجها، لقد عمل أوباما خلال 3 سنوات من أجل هذا الأمر، وكانت المحصلة صفرًا، أنا لم أبرم صفقة مع السيسي، لقد كان هنا في البيت الأبيض وقلت له سأقدر ذلك حقًا إذا نظرت في هذا الأمر وسمحت لها بالخروج، قد سُمح لها بالخروج، وليست هي فحسب، بل ثمانية أشخاص آخرين في القضية

فرغبة السيسي ورغبات حليفه في البيت الأبيض صارت أوامر فوق القانون والعدالة في مصر، ولم ينظر أحد داخل المجلس الأعلى للقضاء بعين الخجل إلى القضاء الأمريكي الذي ألغى قرارات ترامب بتعليق دخول مواطني 7 دول، وأصدر بسرعة البرق أحكاماً تُبطل تلك القرارات لأنه رأى أن العدالة فوق رغبات وقرارات أيٍّ من كان، إلا أن مجلسنا –والحمد لله –لم يرَ في تلك الفضيحة الدولية خدشاً لرونقه.

وبعد أن صدق السيسي على قانون الهيئات القضائية سادت موجة كبيرة من الشماتة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر الكثيرون أن هذا القانون بمثابة انقلاب منه على القضاة الذين عاونوه في البطش والتنكيل بفئات الشعب المختلفة، وهو ما نظرت إليه نظرة استغراب في بداية الأمر كون هذا القانون قد تم تفصيله خصيصاً لبعض القضاة الذين لم ينصاعوا لإرادة السيسي، وإن يكن أبرزهم المستشار يحيى دكروري نائب رئيس مجلس الدولة؛ صاحب أول حكم ببطلان اتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، والذي رفض في عزة وكرامة الانصياع لأوامر السيسي بعدم الكلام في هذا الموضوع، وحكم بما أملاه عليه ضميره، والذي من المرجح أن يحرمه القانون من رئاسة المجلس.

وكذلك المستشار أنس عمارة نائب رئيس محكمة النقض وأقدم المستشارين سنا وعضو تيار استقلال القضاء، والذي ألغى عددا من الأحكام الهيستيرية التي صدرت في هذه الفترة مثل حكم القاضي ناجي شحاتة في قضية اقتحام قسم كرداسة والذي حكم فيها بإعدام 183 إنسانا، والمرجح أيضاً حرمانه من رئاسة المجلس الأعلى للقضاء.

وكان استغرابي من كون تلك الأفعال ستكون نتائجها السيئة في نهاية الأمر ضد ملايين المواطنين الذين سيحرمهم القانون من قضاة محترمين، والذي هو أشد من حرمان أولئك القضاة من مناصب لن تتعدى بضع سنين، إلا أن هذه الشماتة كانت جزءًا مما رآه ويراه الناس من حال القضاء المصري، الذي طفا على وجهه بعض القضاة الذين صاروا أدوات للسلطة في التنكيل بالناس.

فصار الحبس الاحتياطي –الذي يمتد إلى عدة سنوات –بديلاً قانونياً عن الاعتقال فصار الظلم والباطل قانونياً، وكذلك الأحكام الهيسترية التي صدرت في عشرات القضايا حتى تخصص بعضهم في الحكم بالإعدام على العشرات بكل أريحية، وبل وخرج أحدهم ليعلن خصومته مع أحد المتهمين في الإعلام ويتحدث في بعض المواضيع السياسية التي تخص بعض القضايا التي ينظرها ويحكم فيها بأحكام بالغة الظلم دون أن يمثل للتحقيق أو المحاسبة، إلا أن كل هذا لم ينل –والحمد لله –من الرونق العام للمجلس الأعلى للقضاء.

الحقيقة المخجلة في قضية الصحفي طارق حافظ أو قضية «رونق القضاء» أن ما ورد في تحقيقه الصحفي يستدعي محاكمة منظومة القضاء المصري والعاملين عليها وليس من كشفها، فالمنظومة التي يُعين فيها 47 قاضيًا أبناءهم –خلال هذه الحركة وحدها -ومنهم من كانت هذه المرة الثانية والثالثة و7 من أبناء الضباط والقيادات الأمنية تستوجب السؤال عن المعايير التي تقوم من خلالها المنظومة بتنصيب القضاة الذين من المفترض أن يكونوا صوت العدل في الأرض، والمنظومة التي تقوم بتعيين ضابط شرطة متهماً بالتعذيب والقتل العمد قاضياً تستوجب الوقوف مع القائمين عليها ومحاسبتهم.

ولقد جانب الصحفي الصواب حينما وصف المنظومة بالعزبة، حيث إن العزبة يقوم صاحبها بمعرفة ما يدور داخلها ومحاسبة المقصرين فيها، أما في حالتنا فنحن لم نرتقِ إلى العزبة، حيث إن الشعب صاحب تلك المنظومة ودافع الرواتب والبدلات الخرافية للعاملين فيها شمعت السلطة فمه بالشمع الأحمر وكبلت يديه وقدميه بجنزير دبابة.