ملخص تنفيذي

على مدار العقود الماضية، أصبحت المملكة العربية السعودية من كبار اللاعبين الاستراتيجيين بالمنظومات الشرق أوسطية والعربية والأسيوية، ولا يزال ينتظر المملكة مستقبل أفضل نظرًا لتراكمات القوة والثروة التي تمتلكها. بيد أن أزمة انتقال السلطة التي تعصف اليوم بأرجائها في ظل الغموض الذي يكتنف تلك العملية حير الكثيرين من صناع القرار حول العالم. ومع عدم وجود هيكل وبنيان دستوري قوي وصارم وكذلك غياب كيانات تسوية النزاعات أو ضعفها على أقل تقدير ومنذ فترة طويلة، أصبحت المملكة في مهب سيناريوهات صفرية لابد فيها من طرف رابح وطرف خاسر يفرض فيها الرابح رؤاه على الجميع.

وفي هذا الإطار، تفرض توجهات السياسة الأمريكية الحالية بالتكثيف العسكري والاستراتيجي نحو شرق آسيا والسعي لتسوية المشكلات مع إيران بالطرق السلمية من أجل تحجيم الطموحات البحرية للصين في الباسيفيك ظلالها بكل تأكيد على الأوضاع السعودية بعد تنصيب الملك سلمان. فالولايات المتحدة ترغب في الدفع بالمملكة خارج غابات الحلول المخيفة من تفتت السلطة والانقسام الجغرافي للبلاد واستغلال موازين القوى الجديدة لصالحها خصوصًا في مسارات إخضاع السياسات الاجتماعية للملكة للنظام النيوليبرالي الاجتماعي وإعادة تشكيل المجتمع حسب هذا النظام. لكن النظرة الأمريكية القاضية بعدم قابلية الأوضاع بالمنطقة العربية لتفجرات جديدة في إطار المنظور الأمريكي الوظيفي للمملكة كطرف تمويل وتسوية إقليمية يطرح أسئلة بالغة التعقيد ينبغي على واشنطون الإجابة عليها في وقت قصير قادم.



أصبحت المملكة العربية السعودية من كبار اللاعبين الاستراتيجيين بالمنظومات الشرق أوسطية والعربية والأسيوية

كرست مرحلة الملك فهد لوجود العائلة السديرية (التي ينتمي إليها الأمير سلمان) داخل الطبقات السياسية والاقتصادية. لكن مع قدوم الملك عبد الله لكرسي العرش، حاول تحجيم هذه العائلة قدر استطاعته واستعان بخدمات مجموعة من التكنوقراط تحت قيادة السيد خالد التويجري الذي عينه رئيسًا للديوان الملكي ومساعدًا خاصًا له. وقد استطاع التويجري تعميق وجوده داخل البلاط الملكي عن طريق جملة من الخدمات والمشروعات التجديدية التي طرحها خلال السنوات الماضية حتى حاز رضا الملك. في ذات الوقت، مهّد الملك لابنه متعب بتوليته رئاسة الحرس الوطني الذي تم تحويله بعد ذلك لوزارة. ثم جاء تعيين الأمير مقرن – وزير المخابرات السابق – وليًا لولي العهد لتبدأ مرحلة مفتوحة من الصراع بين الجناح السديري (بقيادة الأمير سلمان) ومعسكر الملك عبد الله بثلاثيته (مقرن / متعب / خالد). ويمتلك الجناح السديري أوراق ضغط مؤثرة منها وزارة الدفاع، والتقارب الحثيث مع الهيئات العلمية الوهابية (الذين ازعجهم وجود الحداثيين داخل بلاط القصر)، ومصالح اقتصادية وعلاقات وطيدة بالمؤسسات الدفاعية بالدول العظمى، في حين يكتسب معسكر الملك معظم نقاط تأثيره عن طريق شرعية الملك وقوة الحرس الوطني والحرس الملكي التي تقارب قوة الجيش السعودي قاطبة.

لكن المعركة الأعمق من معركة الأشخاص هي المعركة بين استمرار عقد السلطة التزاوجي القديم بين آل سعود وآل محمد بن عبد الوهاب (آل الشيخ) الذي تم إقراره منذ عقود على يد عبد العزيز ويقضي بانتقال السلطة من أبناء عبد العزيز الأكبر لأبنائه الأصغر (وهو الخط الذي يتبناه المعسكر السديري بقيادة سلمان)، أما المعسكر الثاني فيرى وجوب فسخ هذا العقد لعدم صلاحيته لقيادة المملكة في المرحلة المقبلة وتأسيس ملكية دستورية (تنتقل فيها خلافة العرش من الأب للابن) يتم من خلالها إعادة توزيع الثورة والسلطة ووضع المملكة على خط تحديثي تجديدي يتوافق مع ثقلها في السوق الرأسمالي والتجاري الدولي (وهو الخط الذي يتبناه معسكر الملك الراحل عبد الله).



كرست مرحلة الملك فهد لوجود العائلة السديرية (التي ينتمي إليها الأمير سلمان) داخل الطبقات السياسية والاقتصادية

بإعلان سلمان ملكًا على البلاد، تلقى معسكر الملك عبد الله ضربة ألحقته بمركز الوصيف في هذه اللعبة. وعلى الرغم من الصعوبات التي يواجهها الملك سلمان ومعسكره السديري والمشكلة في ميراث طويل في الديوان والبلاط الملكي لا يروقهم، إلا أن الملك بحزمة قراراته قد أراد تغيير المجال السعودي بسرعة قبل أن ينقضي زخم تنصيبه ويبدو أنه قد نال بعضًا مما أراد. ومع أن هذه القرارات قد يصنفها البعض على أنها أكثر من تحمل المملكة في هذه المرحلة العصيبة التي باتت فيها مهددة من اتجاهات استراتيجية ثلاث، إلا أنها تنطوي على تفهم وقبول بقواعد اللعبة المحددة أمريكيًا والقاضية بعدم الإضرار أو المساس بالحرس الوطني أو زعامة متعب له. ويمكن القول بأنه لأول مرة في تاريخ المملكة تكون اللعبة الأساسية خارج صراعات البلاط بين الملك وولي عهد، حيث أصبحت اللعبة الآن شبه مكشوفة بين محمد بن سلمان ومتعب بن عبد الله ومحمد بن نايف. وعلى الرغم من المشاكل التي ثارت حول تعيين نايف وليًا لولي العهد وعدم حصوله على بيعة، فإنه من المرجح أن يكون هو الأقرب لحسم هذا النزاع لصالحه نظرًا لتحقق ثلاثة شروط أساسية فيه ألا وهي: انتماؤه للعائلة السديرية وعدم وجود أبناء ذكور له وتبنيه للرؤى الأمريكية حول قضايا الأمن الإستراتيجي بالمنطقة.


مقدمة



تشكل العملية الحالية لانتقال السلطة في المملكة العربية السعودية واحدة من كبرى المعضلات التي تواجه المملكة والمنظومة الرسمية الإقليمية بشكل عام

تشكل العملية الحالية لانتقال السلطة في المملكة العربية السعودية واحدة من كبرى المعضلات التي تواجه المملكة والمنظومة الرسمية الإقليمية بشكل عام. فعلى الرغم من مرور السعودية بخبرات متنوعة في عملية نقل السلطة، فإنها في الوقت الراهن تكتسب أهمية كبيرة وخطورة أكبر، ليس فقط لأنها تشكل أول اختبار لنظام “البيعة” الذي ولد ميتًا ولكن لأنها تأتي في سياق تغيرات إقليمية ودولية تضع النظام الملكي أمام خيارات حدية ومفترق طرق سيكون له أثر كبير في تشكيل ملامح النظام السياسي العربي في المرحلة القادمة.

وتستمد اللحظة الراهنة أهميتها لعدة أسباب: منها ما هو متعلق الإلتزامات الإقليمية والدولية الضاغطة للملكة كالحرب على داعش وأزمة سوق النفط العالمي والتسويات التي تقودها السعودية في إطار ملف فلسطين، ومنها ما هو متعلق بعدم البت / ضعف الوسطاء في النزاعات الأسرية داخل بيت سعود منذ نيف وعشرين عامًا، وغيرها ذا علاقة بالتقاليد الهشة في انتقال السلطة داخل آل سعود، وكذلك الصراع بين النزعات التقليدية والتجديدية الحداثية التي تم إنكارها رسميًا لسنوات.


هشاشة العرف الدستورى

يمكن القول أن العربية السعودية لم تشهد نمطاً واحداً لنقل السلطة، بل ظهرت ثلاثة أنماط يمكن اعتبارها خارج سياق الانتقال التقليدي لولاية العهد بعد وفاة الملك، حيث تولى الملك (فيصل) بعد عزل الملك (سعود ) في عام 1964 وانتهى حكم فيصل باغتياله في 1975، وتم إعلان الملك (خالد) رغم أحقية الملك (فهد) الذي تولي الملكية في 1982 وحتى عام 2005.

وهنا يمكن القول أن المملكة السعودية لم تشهد تقاليد دستورية راسخة لسياسات نقل السلطة، ومن ثم، فإن المرحلة الحالية تشكل اختبارًا صعبًا لإيجاد تسوية بين فرقاء البيت السعودي ونظام البيعة في القلب منه.



المملكة السعودية لم تشهد تقاليد دستورية راسخة لسياسات نقل السلطة، ومن ثم، فإن المرحلة الحالية تشكل اختبارًا صعبًا لإيجاد تسوية بين فرقاء البيت السعودي

لا يضع نظام البيعة قواعد واضحة لانتقال السلطة، فالملك يكتسب صلاحيات واسعة في ترتيب السلطة وطريقة انتقالها على نحو يمكنه من تفريغ الإجراءات المتفق عليها من مضمونها، كما جعلت “هيئة البيعة” مفتوحة للتغيير حسب تغيرات النفوذ داخل الأسرة الملكية. وليس أدل على ذلك من كسر هذا النظام بتعيين الملك الراحل عبد الله للأمير مقرن وليًا لولي العهد بعد أخذه أغلظ المواثيق له في ظل امتعاض كبير ساد العائلة آنذاك، ثم قام الملك سلمان بتكرار نفس الأمر مع الأمير محمد بن نايف لكن على نحو آخر، حيث أجمعت معظم الأوساط السعودية على عدم مشاورة الملك سلمان للعائلة أو هيئة البيعة مطلقًا في أمر تعيين محمد بن نايف وفوجئوا به يبابع مع الملك عشية دفن الملك عبد الله. فهذه الممارسات السياسية تطرح أسئلة غاية في الخطورة عن آلية إدارة الصراعات وتحكيم النزاعات بين أجنحة البيت السعودي الذي يحكم مملكة تعتبر الرقم الأصعب في منطقة تتمتع منذ فترة بالتهاب محيطاتها الجيوسياسية والاستراتيجية.


صراعات الأجنحة داخل العائلة الملكية: نظرة تاريخية

ترتكز فلسفة الحكم منذ تأسيس المملكة العربية السعودية على أن يتولى آل سعود العرش وينال آل الشيخ (عائلة الشيخ محمد بن عبد الوهاب) أمور الدين والدعوة وخلافه. وقد سارت هذه المزاوجة أحد أكبر الأقانيم المؤسسة التي قامت ولا زالت تستند إليها المملكة. وقد اضطلعت هيئة كبار العلماء التي يترأسها آل الشيخ بأدوار سياسية تقوم في معظمها على إصدار فتاوى ذات صبغة سياسية بدا لمراقبين كثيرين أنها بحض من آل سعود. فمنذ الإفتاء بجواز عزل سعود وصحة تولية فيصل حتى اليوم، كان العلماء الوهابيون بالمملكة يقومون بدور كبير في ترسيخ هذه القاعدة الهيكلية على أكمل وجه.



ترتكز فلسفة الحكم منذ تأسيس المملكة العربية السعودية على أن يتولى آل سعود العرش وينال آل الشيخ أمور الدين والدعوة وخلافه

على الجانب الآخر، تاريخيًا يشكل الجناح السديري الذي تكون من السيدريين السبعة (أبناء الملك المؤسس عبد العزيز من حصة السديري: وهم الملك فهد وسلمان والأمراء سلطان “وزير دفاع المملكة لنصف قرن” ونايف “وزير الداخلية لفترة طويلة” وأحمد “وزير الداخلية السابق” وعبد الرحمن وتركي الثاني) أحد أقوى التشكيلات العائلية داخل عائلة آل سعود، كونهم أكبر عدد من الأخوة الأشقاء من أبناء عبد العزيز البالغين 36 ابنًا. كما أن أخوالهم من آل السديري يكونون أكبر تجمع اقتصادي بالمملكة نظرًا للميزات الاقتصادية الضخمة التي حفاهم بها الملك فهد والتي تشكل معظمها في إطار تعاقدات المؤسسات الدفاعية والأمنية والحيوية (كشركة أرامكو وفينيل للخدمات الأمنية) قدر بعض المحللين أرباحها بقرابة 25 مليار ريال سنويًا. كما أن السديريون هم الأقدر على جذب علماء الوهابية بقيادة آل محمد بن عبد الوهاب نظرًا للجهود السياسية التي قادها الملك فهد نحو توسيع صلاحيات وكينونة الهيئات الدينية كهيئة كبار العلماء وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فترة حكمه، وكذلك جهود سلمان في الرياض ونايف وسلمان في الداخلية طوال فترات تواجدهم وإفساحهم المجال لأعضاء تلك الهيئات في التوسع والتمدد بشكل أكثر كرمًا مما تنص عليه أنظمة وقوانين المملكة. وكذلك، تم استغلال تلك الهيئات في تعميق الرضا القبلي بين كبار العواقل والقبائل عن سياسات الملك وحكومته على مدار فترة طويلة. لكن مع كل هذا يكمن سبب جوهري آخر وراء التقارب الحثيث بين عائلة السديري والهيئة الوهابية بقيادة آل الشيخ ألا وهو توحد الغريم.

مع ارتقاء الملك فهد عرش المملكة أوائل الثمانينات من القرن الماضي، حاول القضاء على أي توتر سياسي من مهده وتعيين ولي عهده من غير إخوته الأشقاء والاهتمام الزائد بالترسيخ للكيان السديري داخل البنى العميقة للملكة وفي كل المجالات غير ولاية العرش. وكانت هذه الرؤية التي اختار على أساسها الملك عبد الله وليًا للعهد. وقد أفلح الملك فهد فعلاً في مسعاه واستطاع تمكين السديريين داخل مؤسسات واقتصاد الدولة على نحو غير مسبوق. لكن الأمير عبد الله ولي العهد استطاع هو الآخر من تقوية نفوذه داخل البلاط الملكي واستغل فترة مرض فهد التي طالت في توطيد أركان حكمه قبل أن يعتلي العرش في 2005. وقت أن اعتلى العرش، كان الأمراء السديريون في أوج قوتهم ورأى أهمية الاستناد إلى وجوه جديدة وشابة يستند إليها في صراعه لتوطيد حكمه وسط السديريين الذين ضيقوا السبل أمام الملك وأبنائه. فقام الملك بتعيين خالد التويجري – الشاب الحيوي ذا الأفكار الحداثية التجديدية – رئيسًا للديوان الملكي السعودي ثم بعد فترة أسند الرئاسة العام – أصبحت وزارة فيما بعد – للحرس الوطني السعودي لابنه الأمير متعب بن عبد الله.


السديريون في مواجهة تحالف الملك عبد الله

نظرًا لصلاحيات الملك الواسعة داخل هيئة البيعة، فرض الملك قاعدة جديدة وهي استحداث منصب لولي ولي العهد وعين فعلاً الأمير مقرن بن عبد العزيز وليًا للأمير سلمان الذي يعتبر رأس حربة السديريين في البلاط الملكي آنذاك. ويرى سايمون هندرسون – خبير الشئون الأمنية والاستراتيجية والمتخصص بالشأن السعودي – أن تعيين مقرن كان للحد من طموحات السديريين في تبليغ سلمان كرسي العرش كثاني ملك لهم بعد فهد،[1] والدفع به كرأس حربة قوية في مواجهة سلمان الذي يروج له في السعودية والولايات المتحدة أنه معتل الصحة منذ زمن. ونظرًا لما يقال عن شخصية مقرن الضعيفة وضعف جذره القبلي، فإن مراد الملك الراحل من تنصيب مقرن نائبًا لولي العهد هو تولية متعب بن عبد الله وليًا للعهد في حال تم تصعيد مقرن خادمًا للحرمين.



فرض الملك قاعدة جديدة وهي استحداث منصب لولي ولي العهد وعين فعلاً الأمير مقرن بن عبد العزيز وليًا للأمير سلمان الذي كان رأس حربة السديريين في البلاط الملكي

لكن المعسكر السديري كانت له ردود بالغة القوة على هذه الخطوة خصوصا مع إمساكهم بتلابيب المؤسسات الدفاعية والأمنية بالبلاد. فقد تكاتف السديريون زودًا عن مكتسباتهم التي لا يرون لها مستقبلاً إذا نكصوا أو تخلوا عن حقوقهم في كرسي العرش. وكان من مظاهر ردود الفعل القاسية أن قام محمد بن سلمان –وزير الدفاع والديوان وكبير مستشاري الملك الحالي – بإجبار الملك عبد الله على سحب قرارات بتعيين ثلاثة نواب لوزارة الدفاع على نحو متتالي لم يمكث أكثرهم في الوزارة بضع شهور، وذلك كرد فعل لعدة أمور منها تنحية الأمير أحمد – أخو الملك سلمان – من وزارة الداخلية وتعيين محمد بن نايف مكانه. كذلك، سادت تهكمات داخل المملكة من الأمير مقرن كونه ابن أمة يمنية كانت ملكًا لعبد العزيز بن سعود. وكل هذه الأعمال من إرهاق الخصم تم الاستعانة فيها بالماكينة الوهابية التي تتعاطف كثيرًا مع سلمان ومعسكره السديري، نظرًا لسياسات سلمان القديمة وقت توليه إمارة الرياض بالإضافة إلى السياسات القبلية الأكثر رسوخًا لدى السديريين من غيرهم.


السديريون يربحون كرسي العرش مجددًا

مع شدة اعتلال صحة الملك عبد الله خلال الأشهر الماضية، قام المعسكر السديري بلملمة أوراقه وتصنيفها والدفع بها حسب الوقت والظرف من أجل التاج الملكي. ويمكن أن يقال أنه بنظرة معمقة في النتائج يجوز أن نقول أن المعسكر السديري كان الأفضل تخطيطًا والأشد حنكة من معسكر متعب والتويجري. وليس أدل على هذا من قرارات التعيين وإعادة هيكلة المؤسسات التي صدرت في الساعات الأخيرة التي تدفع للتساؤل عن العقل المدبر أو خزانة الفكر داخل المعسكر السديري.

وعلى الرغم من قوة أوراق معسكر الملك عبد الله الذي تراكمت له ميزات وفيرة على مدار حكم الملك عبد الله، إلا أن هذا المعسكر قد خسر لعبة العرش “مرحليًا”. ويرى مراقبون مثل ديفيد هيرست – محلل شئون الشرق الأوسط – أن ما حدث في البيت السعودي عشية وفاة الملك عبد الله لا يعد نقل سلطة وحسب بل انقلابًا سديريًا متكامل الأركان[2] نظرًا لاستراتيجية التحركات وعمق التغيرات التي حصلت بالبيت السعودي خلال ساعات من موت الملك. لقد كان درسًا كلاسيكيًا في كيفية قيام تجمع مصالح باستغلال وبسط نفوذه في الوصول لأهدافه داخل مجتمع كلاسيكي متهاوي البنية، وكذلك في تقديم أجوبة تناسب الظروف الوقتية والمكانية في أوقات ضاغطة. ومع جوهرية التغيرات التي طرأت على مؤسسة الحكم بالمملكة، إلا أنه لا يمكن اعتبارها انقلابًا بالمبنى والمعنى. فالملك صاحب الحق الشرعي في إحداث التغييرات التي تناسبه في ظل غياب قواعد وأنماط دستورية تحدد له حدود صلاحياته. فمن الواضح أن قوى تحركها ولاءات سابقة عمدت إلى الإيقاع وخلط أوراق الملك من اليوم الأول، وليس هنالك أدل على ذلك من حادثة انقطاع التيار الكهربي على المعزين في قصر اليمامة الملكي في اليوم الأول للملك على العرش.



بزيارة الرئيس أوباما اكتسبت الحاشية الجديدة تأييد كبرى القوى الدولية وأكبر حلفائها وشركائها الدوليين

قبل ذلك بأيام، قرر الرئيس أوباما الهبوط بطائرته في أراضي المملكة إثر قدومه من الهند لأربع ساعات فقط للتعزية في الملك عبد الله. لكن الصحافة الغربية كان لها رأي آخر؛ حيث رأت أن الرئيس أوباما أراد أن يستوثق بنفسه من الأقاويل التي تثار بشأن صحة الملك سلمان والاطمئنان على تنسيقات اللحظات الأخيرة للحكم السعودي الجديد. وقد يفسر هذا الأمر ذلك وفد التعزية الضخم المصاحب للرئيس أوباما مما أحرج – حسب مراقبين غربيين – الملك سلمان وحاشيته مما دفع الملك للانسحاب تحت حجة اللحاق بصلاة العصر. حرج آخر لاحق السعوديين جراء وجود السيدة ميشيل أوباما بدون غطاء للرأس وهو ما اعتبر اختبارًا لدرجة تشدد القيادة الجديدة التي استنكف بعض أمرائها التسليم باليد على السيدة أوباما. وفيما يبدو أن الرئيس أوباما قد ناقش مع الملك سلمان خطة المملكة في الحرب على داعش وكذلك التغييرات المنتظرة داخل الحكومة السعودية وسياساتها حول سوريا ومصر.

بزيارة الرئيس أوباما اكتسبت الحاشية الجديدة تأييد كبرى القوى الدولية وأكبر حلفائها وشركائها الدوليين. وقد شكلت هذه الزيارة دافعًا للقصر السعودي باتخاذ القرارات الكثيفة التي تمت بعد الزيارة بساعات. ويمكن القول أن كثافة القرارات الصادرة عن الملك الجديد قد تشير إلى إقدام زائد من مؤسسة العرش الجديدة بقدر مساوٍ للاعتداد بالقدرات في إعادة تشكيل الصخور العميقة في النظام السعودي.


قرارات القيادة السعودية الحالية ودلالاتها

بعد مرور أيام معدودة على موت الملك عبد الله، قام الملك سلمان وديوانه وحاشيته السديرية باستصدار مايربو على الثلاثين قرارًا ملكيًا بتعيينات وإعادة هيكلة بعض المؤسسات وإلغاء بعضها الآخر طال بعضها مواقع حساسة داخل الدولة.

فقد أعاد الملك تشكيل مجلس الوزراء بكامل هيئته وضم إلى قيادته الأمير محمد بن نايف نائبًا ثانيًا لرئيس مجلس الوزراء. وعلى الرغم من أن الوزارات الأمنية كالدفاع والداخلية والحرس الوطني لم يجر فيها تغييرات واسعة، إلا أن تثبيت محمد بن سلمان (الثلاثيني العمر) في وزارة الدفاع أمر ليس بالقليل في تاريخ المملكة وفي تاريخ قادة الجيوش على مستوى العالم حيث يعد أصغرهم على الإطلاق. ما عدا ذلك، يأتي تثبيت محمد بن نايف ومتعب بن عبد الله في الداخلية والحرس والوطني حفاظًا على قواعد اللعبة من الاهتزاز. لكن التغييرات التي تم إجراؤها في الاستخبارات ومجلس الأمن الوطني امر جدير بالتوقف عنده. فقد تم تعيين فريق عسكري – ذا ولاء سديري – في الاستخبارات بدلاً من خالد بن بندر وتم إلغاء مجلس الأمن الوطني الذي يترأسه بندر بن سلطان وإلغاء منصبه كمبعوث شخصي للملك. وقد تم استصدار قرار بتشكيل لجنة الشئون السياسية والأمنية لتحل محل مجلس الأمن الوطني بقيادة الأمير محمد بن نايف. في إطار هذه التغييرات السيادية الهامة، تبرز مسألتان تتعلق بمسار الانتقال السعودي بأكمله وهما: أولا: يعتبر إلغاء مجلس الأمن الوطني تحجيمًا لدور بندر بن سلطان ومتعب بن عبد الله اللذان هيمنا على المجلس والسياسات الدفاعية للبلاد وقت وجود الملك الراحل، وعلى العكس يأتي تشكيل لجنة الشئون السياسية والأمنية برئاسة محمد بن نايف ليعكس رؤية الملك سلمان ووميضًا من السياسات الدفاعية الجديدة للملكة كون اللجنة واقعة تحت رئاسة وزير الداخلية “الأمن الداخلي” وهو ما يعطي أولوية لقضايا التماسك الداخلي في الأساس. ثانيًا: أن التغييرات الجديدة في هياكل المؤسسات الأمنية يخدم وبشكل أساسي الأمير محمد بن سلمان ويجعل منه رقمًا صعبًا في مستقبل صناعة القرار السعودي.



تشير تلك القرارات إلى أن القدرات التخطيطية للمعسكر السديري ليست بالبسيطة بل وخاطفة حيث استطاع السديريون استغلال شرعية ملكهم في فرض إرادتهم على البيت السعودي

وقد قامت القرارات الجديدة بمنح ميزات إضافية لأبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب والعلماء الوهابيين، حلفاء السديريين الذين عانوا من سياسات ديوان الملك عبد الله لردهة من الزمن. فقامت القرارات الجديدة بتعيين أحدهم في وزارة الأوقاف والشئون الدينية وإعادة تعيين آخر في رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم تعيين رئيس الهيئة السابق عبد اللطيف آل الشيخ في وزارة الشئون البلدية والقروية وهذا لأمرين: الأول أن هذه الوزارة بمهامها هي المسئولة عن التنسيق مع المحليات والقبائل في الأمور الجهوية والمناطقية وتعتبر ممثل الدولة في المناطق والمدن التي تقل فيها مظاهر حضور الدولة كمدن الوسط والجنوب ومن الجيد للدولة تصدير وجه من آل الشيخ لإدارة ملف التفاوض مع القبائل نيابة عنهم. والثاني أن هذه الوزارة هي عبارة عن كنز مفتوح لمن يقودها نظرًا لوفرة العطاءات الخاصة بالمجالس المحلية وخلافه في ظل الثغرات والعموميات التي يزخر بها النظام الأساسي للمناقصات والعطاءات والمشتريات الحكومية السعودي. وهذا المناخ سيسمح للهيئات الوهابية في الانتشار من جديد في إطار أنشطة الجمعيات الخيرية المحلية وكذلك جمعيات مكافحة التنصير والتعريف بالإسلام الدولية بعد تنفس العلماء الوهابيين الصعداء لسنوات متتالية.

في وزارات الرأي العام كالإعلام والتربية والتعليم، تم تعيين وزراء محافظين على النهج الوهابي فيها، لإنهاء عقد ونيف من السنين من سيطرة الجناح التغريبي الذي استقدمه خالد التويجري لتنفيذ خطته التحديثية. وكان من بين القرارات الاستراتيجية للملك سلمان إلغاء اللجنة العليا لسياسات التعليم التي تم تشكيلها لتعديل مناهج التعليم السعودي حسب الكاتالوج الأمريكي كما يجادل البعض.

بالنسبة لوزراء المجموعة الاقتصادية فقد تم الإبقاء عليهم جميعًا وهو ما يشير إلى عدم وجود خطط بديلة للعرش الجديد في المجال الاقتصادي. أما وزارة البترول فتغييرها كما هو معروف لا يخضع للاعتبارات السياسية فقط في البلد الذي يعد أكبر مصدر للنفط في العالم.

تشير تلك القرارات إلى أن القدرات التخطيطية للمعسكر السديري ليست بالبسيطة بل وخاطفة حيث استطاع السديريون استغلال شرعية ملكهم في فرض إرادتهم على البيت السعودي بأجمعه وإنهاء خطط معسكر الملك عبد الله ولو بشكل مؤقت.


خرائط القوة والنفوذ داخل القيادة السعودية

صباح القرارات الملكية التي أصدرها الملك سلمان قبل يومين، أجرت آليات ثقيلة تابعة للحرس الوطني السعودي عملية إعادة انتشار في محيط منطقة الرياض والمنطقة الشرقية تبعها كثافة حضور لدبابات الجيش في نفس المواقع تقريبًا. الأمر كان معلمًا بصراعات مخبوءة خلف الستار داخل مواقع النفوذ ببيت آل سعود.

كعادة الدول الحديثة وحسب المتبع في التحليلات الواقعية والسلوكية للنظم، تعتبر المؤسسات الدفاعية بالمملكة هي أقوى مؤسسات المملكة وأكبرها نفوذًا إلى جانب الشركة العربية الأمريكية للزيت (أرامكو) المسئولة عن معظم واردات البترول السعودي. وتتمتع المملكة بجيش كبير مسلح بأحدث الأسلحة والعتاد الحربي نظرًا للتراكمات المالية التي حققتها خزينة المملكة عبر عشرات السنين. على هذا، فإن المملكة بها شكل من أشكال التوازي في القوة بين الجيش والحرس الوطني وربما الداخلية كرستها قرارات ممتدة على مدار ربع قرن أحدثت شكل من أشكال الولاء داخل العواقل والقبائل السعودية.



لا شك أن أرضيات الصراع بين قادة الأجهزة الأمنية الثلاثي محمد بن سلمان ومتعب بن عبد الله ومحمد بن نايف تشكل قلقًا يؤرق شركائهم الدوليين

فمنذ تولي الملك عبد الله ولاية عهد الملك فهد في الثمانينات، كان الحرس الوطني غاية في الضعف ولا يتعدى كونه حرسًا شرفيًا. في ذلك الوقت، أشار السيد عبد العزيز التويجري (والد خالد التويجري رئيس الديوان السابق) على الأمير عبد الله بتطوير الحرس الوطني ولا يعتقد أنه جال بخاطره أن يكون الحرس على المستوى الذي عليه اليوم. فمنذ لك التاريخ وحتى اليوم، يعتبر الحرس الوطني من كبار القوى اللاعبة في الساحة السعودية وله تاريخ يصعب نسيانه وحاضر يصعب تغافله نظرًا لعدة عوامل منها أن معركة الخفجي (المعركة الوحيدة التي تمت على أراضي سعودية بحرب الخليج) هو الذي خاض غمارها وأدى فيها أداءًا معقولاً. كذلك فإن مؤسسة الحرس الوطني تعتبر من كبرى المؤسسات التي توفر أنشطة خدمية ممتازة للعسكريين وللمواطنين على حد سواء ولها سمعة راقية في هذا المجال داخل الحضر السعودي. وهذا الأمر تحديدًا جذب للمؤسسة ولقائدها ومطورها (الملك عبد الله) ما هو أكثر من رضا الجماهير ألا وهو: ولاء قيادة وصف قوات الحرس الوطني. إلى جانب هذا كله، تولي الولايات المتحدة ومؤسساتها الدفاعية والأمنية كالجيش الأمريكي وكالة الاستخبارات المركيز ووكالة الأمن القومي NSA بالحرس الوطني اهتمامًا شديدًا إلى جانب العلاقات الممتازة التي تجمع بين أمانة الحرس الوطني والمجمع الصناعي العسكري الأمريكي والسعي الحثيث للتعاقد على أحدث العتاد الحربي الأرضي والذي يخدّم على الاستراتيجيات العملياتية للقوات. في الحقيقة، تمتلك قوات الحرس الوطني معظم أدوات الحرب الهجينة من عتاد عسكري تقليدي ونفوذ تكنولوجي ومعلوماتي وقبلي.

وعلى أن العلاقة الهيكلية بين مساحات نفوذ الحرس الوطني والجيش السعودي أمر يجب الوقوف عنده إلا أنه ما يكسبه اهتمامًا إضافيًا هو أن وزير الحرس الوطني وقائد قواته هو الأمير متعب بن عبد الله ووزير الدفاع وقائد الجيش هو محمد بن سلمان.

من زاوية المقارنات الاستراتيجية، يمتلك الحرس الوطني عدد قوات (110,000 عسكري) يقارب عدد منسوبي القوات البرية السعودية بأكملها (150,000 عسكري). من زاوية التسليح، يمتلك الحرس الوطني تقريبا كافة أسلحة الدفاع الاستراتيجي والعملياتي وأسلحة تطوير الهجوم (ما عدا الدبابات) من أسلحة آليات ومدفعيات ودفاع جوي من أحدث الطرازات وهو يجعله مناوئًا بقوة للجيش السعودي عالي التفوق وعتيد التسليح.



بإعلان سلمان ملكًا على البلاد، تلقى معسكر الملك عبد الله ضربة ألحقته بمركز الوصيف في هذه اللعبة

لكن ما يتميز به الحرس الوطني عن الجيش أن جزءًا من تشكيلاته تشكيلاً قبليًا بحيث يتم الاستعانة بالقبائل في عمليات الحرس الدفاعية تحت مظلة قوات الحرس في مواقع وجودها على الأراضي السعودية. فهذه السياسة سمحت للملك عبد الله الذي لم يكن يتمتع بحضور قوي داخل العائلة الملكية وقت أن كان أميرًا نظرًا لعدم وجود إخوة أشقاء له بأن يكون تشكيلاً قبليًا يوازي الحضور القوي جدًا للسديريين. وقد أفلح ونجح في إيجاد أرضية نفوذ لهذه القبائل داخل إطار قوات الحرس الوطني إلى جانب الإفساح لها في بعض الوزارات والهيئات الحكومية.

إلى جانب هذا، تتمتع قوات الحرس الوطني باهتمام كبير من قبل المؤسسات الدفاعية الأمريكية على قدم المساواة مع الجيش السعودي. وهذا يحيلنا إلى أهمية قراءة الرؤية الأمريكية في خريطة القوة والنفوذ السعودية وموقع كل طرف منها.

في الوقت الحالي، يبدو الجيش السعودي أكثر تركيزًا على الأمن الحدودي لا سيما في حدوده الشمالية الشرقية (حيث داعش) والجنوبية (حيث التمدد الحوثي). أما قوات الحرس الوطني، فإن اهتمامها منصب على حفظ اللحمة الجغرافية والقبائلية والوقاية الأمنية للأراضي السعودية المترامية من أي تهديد يعرض وحدتها ومقدراتها للخطر. وهذا يعني أن الطرفين لا يجب أن يقع بينهما أي شقاق ناجم عن رغبة في إخضاع طرف داخل العائلة الملكية للآخر (لا سيما محمد بن سلمان ومتعب بن عبد الله) على الأقل في الفترة الحالية.

مما لا شك فيه أن أرضيات الصراع بين قادة الأجهزة الأمنية الثلاثي محمد بن سلمان ومتعب بن عبد الله ومحمد بن نايف تشكل قلقًا يؤرق شركائهم الدوليين لا سيما والمملكة في مقتبل تحديات ضخمة تهدد أمنها واستقرارها مثل خطر الزحف الحوثي الجنوبي على المنطقة الجنوبية بالسعودية أو الزحف الداعشي على الأراضي الشرقية أو ظهور ثورة شيعية مسلحة في المنطقة الشرقية أو اثنان من الثلاثة أو الثلاثة معًا. وهذا مدعاة للتفكير في الوصول إلى أرضيات وقواعد مشتركة لإدارة النزاع يُضمن التزام الأطراف بها.



يمكن القول بأنه لأول مرة في تاريخ المملكة تكون اللعبة الأساسية خارج صراعات البلاط بين الملك وولي عهد

ومن أهم الأمور الملحة التي يجب الاتفاق حولها هو الاتفاق على عقيدة دفاعية تتحرك من خلالها جميع الأجهزة والمؤسسات بالإضافة إلى توزيع الأدوار مع عدم الإضرار أو الإجحاف بالآخر وقت اشتراكه في تصفية إحدى المخاطر. فعل سبيل المثال، لابد من ضمان عدم إضرار قوات الحرس الوطني بالعرش السعودي في الوقت الذي يحشد فيه الجيش للتعامل مع خطر خارجي من المخاطر المذكورة. كذلك، فإنه لابد من ضمان أن الجيش لن يسع للتضييق على الحرس الوطني حال وجود مواجهات داخلية تقع في إطار وظائفه.

أما فيما يتعلق بموقع محمد بن نايف كرئيس للجنة الشئون السياسية والأمنية، فإن دوره في رئاسة اللجنة وكذلك وجوده في سلم العرش السعودي يؤهلاه للعب دور وساطة محوري بين الطرفين حسب ما تقتضيه الحاجة على الأرض وحسب الرغبة الأمريكية والغربية إن أرادوا. ومن المرجح أن تدعم الولايات المتحدة تحديدًا وجود بن نايف في هذا الموقع بل والحصول له على تأييد متعب بعد إقناعه بمحورية الدور الذي يلعبه في الحرس الوطني.


خاتمة

بإعلان سلمان ملكًا على البلاد، تلقى معسكر الملك عبد الله ضربة ألحقته بمركز الوصيف في هذه اللعبة. وعلى الرغم من الصعوبات التي يواجهها الملك سلمان ومعسكره السديري والمشكلة في ميراث طويل في الديوان والبلاط الملكي لا يروقهم، إلا أن الملك بحزمة قراراته قد أراد تغيير المجال السعودي بسرعة قبل أن ينقضي زخم تنصيبه ويبدو أنه قد نال بعضًا مما أراد. ومع أن هذه القرارات قد يصنفها البعض على أنها أكثر من تحمل المملكة في هذه المرحلة العصيبة التي باتت فيها مهددة من اتجاهات استراتيجية ثلاث، إلا أنها تنطوي على تفهم وقبول بقواعد اللعبة المحددة أمريكيًا والقاضية بعدم الإضرار أو المساس بالحرس الوطني أو زعامة متعب له. ويمكن القول بأنه لأول مرة في تاريخ المملكة تكون اللعبة الأساسية خارج صراعات البلاط بين الملك وولي عهد، حيث أصبحت اللعبة الآن شبه مكشوفة بين محمد بن سلمان ومتعب بن عبد الله ومحمد بن نايف. وعلى الرغم من المشاكل التي ثارت حول تعيين نايف وليًا لولي العهد وعدم حصوله على بيعة، فإنه من المرجح أن يكون هو الأقرب لحسم هذا النزاع لصالحه نظرًا لتحقق ثلاثة شروط أساسية فيه ألا وهي: انتماؤه للعائلة السديرية وعدم وجود أبناء ذكور له وتبنيه للرؤى الأمريكية حول قضايا الأمن الإستراتيجي بالمنطقة.


المراجع