بالطبع لا يمكننا اعتبار كتاب مالك بن بني «الظاهرة القرآنية» كتابا في السيرة النبوية هكذا بإطلاق، فمالك نفسه يؤكد في كتابه أنه ليس بصدد تعليق «صورة جديدة في متحف شديد الغنى» (ص 109) على حد تعبيره، فالسيرة موجودة بالفعل بل متنوعة بين «كتب الأقدمين مثل ابن إسحاق وابن مسعود أو ما تخرجه المطابع الحديثة ككتب

دينية

و

درمنغهام»

، وبالطبع فنحن لا نجد في كتابه ذكرا لمغازي الرسول أو أخباره على ما درجت عليه كتب السيرة قديما وحديثا، لكن هذا كله لا ينفي إمكانية اعتبار كتاب مالك كتاب سيرة وإن كان بشكل مختلف؛ سيرة ليس هدفها تسجيل حياة النبي الخارجية، بل هدفها «تخطيط صورة نفسية» داخلية للنبي تعين على فهم الوحي، فمالك من أجل بحث ظاهرة الوحي يحاول رسم صورة لما يشعر به النبي لحظة معاينته، مما يجعل كتابه من أحد الأوجه كتابا يحكي سيرة النبي في هذه اللحظة المحددة بالذات، لحظة النبوة الانخطافية أو اللدنية، الغائبة دوما عن الاهتمام -خصوصا في كتب السيرة الحديثة- أي أن كتاب مالك هذا هو كتاب في سيرة «النبي الانخطافي».

لكن هذا كله لا ينفي إمكانية اعتبار كتاب مالك كتاب سيرة؛ سيرة ليس هدفها تسجيل حياة النبي الخارجية، بل هدفها «تخطيط صورة نفسية» داخلية للنبي تعين على فهم الوحي.

هذا الجزء من حياة النبي الذي يتناوله الكتاب «لحظة النبوة اللدنية أو الانخطافية» هو ما يعطي كتاب الجزائري الكبير فرادته وطرافته في الحقيقة، ونستطيع أن نضيف أيضا، وراهنيته. صحيح أنه ومنذ عصر النهضة وإلى الآن لم تنقطع الكتابات عن النبي، إلا أن تناولها لهذه المساحة الانخطافية ظل قليلا بشكل ملحوظ، وهذا لما قلناه في مواضع أخرى عن انبناء كتب السيرة التي كتبها العرب المحدثون -لو استعرنا من عنوان

حسن


بزاينية

لكتابه «كتابة السيرة النبوية لدى العرب المحدثين»- في مواجهة اتهامات استشراقية متعلقة بسياسة النبي في الأغلب أو زيجاته، مما جعل اهتمامها بالنبي الخارجي أو الواقعي أكبر من اهتمامها بلحظة معاينة الوحي، فضلا عن انطواء هذه السير على اعتذارية حتمت تركيب نبي عقلاني يناسب الأزمنة الحديثة مما يعني تقليل مساحة لحظة تتم دوما على حدود كل عقل، هذا بالإضافة لكون النبي محمد في هذه السير كان مطلوبا لتأدية مهام قومية أو وطنية ليس للوحي ولحظاته أي دور فيها! من هنا تأتي أهمية كتب مالك بن نبي وراهنيته باعتباره كتابا يحوي محاولة جرئية لتناول لحظة ظلت مهمشة.

لكن في الحقيقة، فإن محاولة مالك على طرافتها، إلا أنها قد أخفقت تماما كما نظن -وكما سنحاول أن ندلل في مقالنا هذا- عن إنجاز سرد ثري لهذه اللحظة يقربنا من فهمها، فـ «النبي الانخطافي» الذي رسم صورته مالك هو أيضا ليس إلا تركيبا حديثا للغاية لا يفترق كثيرا عن صورة النبي عند هيكل أو العقاد أو سهلب أو غيرها من الصور في «المتحف شديد الغنى» الذي يتحدث عنه مالك، فلحظة تلقي الوحي التي قل الحديث عنها عند هيكل لاعتبارات العقلانية خضعت هنا لإعادة صياغة فرغتها من «النبوة»، ليظهر النبي وهو يعاينها، لا كنبي يواجه أكثر التجارب حدية على الإطلاق، بل كرجل ديكارتي حصيف يتنكر للذائقة الذاتية ويبحث عن أدلة موضوعية لإثبات نبوته كما يُطلب من «رجل له فكر موضوعي كفكره» (ص149).

فلحظة تلقي الوحي خضعت عند مالك لإعادة صياغة فرغتها من «النبوة»، ليظهر النبي وهو يعاينها، لا كنبي، بل كرجل ديكارتي حصيف يتنكر للذائقة الذاتية ويبحث عن أدلة موضوعية لإثبات نبوته.

هذا التركيب الغريب التي عليه صورة النبي في «الظاهرة القرآنية» نتج من إصرار مالك على إدخال النبي في نظام معرفي حديث ومؤقت وشديد الظرفية وقراءته من خلاله وتفسير كل اتجاهاته وفقا له حتى في أشد لحظات التنافر مع هذا النظام العقلاني الصارم، أي لحظة معاينة الوحي، صحيح قد يكون اهتمام مالك بتقديم حجج وأدلة حديثة ومتماسكة للمسلم في زمنه الحديث يحاجج بها عن أحقية الوحي وعن القرآن هو ما جعله يصيغ تصوره للنبي وفقا للتصورات الحديثة، وهذا أمر مفهوم تماما، لكن إثبات “أحقية” ظاهرة ما لا يمكن قبل اكتشاف «حقيقتها»! هذه الحقيقة أهدرها مالك تماما بإصراره على فهم الوحي وإعادة تعريفه بصورة تمكن من دمجه في مفاهيم العقلانية الحديثة التي لا يمكنها أبدا فهم الوحي، فكما يقول

شايغان

بحق فإن العقلانية في شكلها البيكوني والديكارتي هي نسيان الذاكرة الأزلية[1]! أو مشكاة أنوار النبوة! لذا فإن محاولة مالك قراءة النبي عبرها لم تفعل سوى إنتاج صورة مشوهة له.


ما الوحي؟

بسبب هذا الانطلاق أو على الأقل المراعاة للعقلانية الحديثة في كتاب مالك، وإدانة أحكام الذات لصالح الأحكام الموضوعية التي تلغي أي مشاركة للذات في بناء أي حكم صحيح موثوق، فإن مالك يرفض عددا من التفسيرات المقدمة للوحي، وخصوصا هذا التعريف الذي قدمه الأستاذ الإمام في رسالة التوحيد، والذي أعاد

رشيد رضا

نشره على صفحات المنار لإعادة التوازن لـ «المسلمين المعاصرين» الذين بدأوا يشكون في الوحي. فمالك لا يقبل بهكذا تفسير للوحي: «عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنه من قبل الله»، لأن هذا التعريف وباعتباره أن يقين النبي في الوحي هو يقين «ذاتي» –من نفسه- لا يمكنه أن يزيل حيرة المسلم المعاصر الذي تعلّم التفرقة بين «الذات» و «الموضوع» وتعلم الاحتكام فحسب لـ «الموضوعي»، لذا فمالك يبغي إعادة تعريف الوحي متخلصا من شبهة الذاتية في تحصيل النبي ليقينه، من أجل هذا يعيد مالك البحث في وقائع تلقي النبي للوحي وما أحاط بها وكيفية تعامله معها، فيعيد رسم لحظة تلقي الوحي كي يسائلها هذا السؤال الحيوي تماما في نظرته، وهو: كيف تيقن النبي من أنه تلقى وحيا من الله؟ الهدف من هذا هو البحث عن تلك الأدلة الموضوعية التي لجأ إليها النبي محمد للتأكد من أن ما تلقاهه كان وحيا.

ولإعادة رسم هذه اللحظة اعتمد مالك على المصدرين الرئيسيين أي القرآن والسنة، بالإضافة لبعض قصص السيرة، ونحن نظن أن مالكا في إعادة رسم هذه اللحظة واستخدامه للمصادر قد تتبع منهجية تشبه تلك التي اتبعها كاتب السيرة القديم، وإن لم يلجأ لنص السيرة إلا في مواضع محددة، وظننا أن هذا هو الموضع الأكثر ثراء في كتاب مالك، فعلى ما حددنا في

موضع سابق

فإن كاتب السيرة في هذا القطاع المتناول للحظة الانخطافية، قد لجأ ومن أجل سردها، للقرآن في شموله وكذلك للإسرائيليات، أو على حسب ما عبرنا هناك: «القرآن منفتحا على الإسرائيليات»، وهذا بالضبط ما يفعله مالك ها هنا في محاولته إعادة رسم لحظة تلقي النبي محمد للوحي، فمالك يلجأ لنبوة أرميا لتأكيد فكرة «الانخطافية» كمظهر رئيس لهذه اللحظة، أو فلنقل :لاكتشاف حقيقة الوحي كظاهرة «انخطافية»، كذلك فإن قراءة مالك لقصة يونس وعلاقته بالوحي تشي بدمج القرآن في الإسرائيليات، فالحديث عن رغبة يونس الهرب من الوحي أو «التملص من النبوة» يتعبيره (ص92) غير بيّن لأول وهلة في القرآن، وليس التفسير الأشهر لما ورد فيه عن يونس، ولا يمكن فهمه إلا بكون قصة القرآن قد دخلت في صلة بقصص الإسرائيليات، عبر تقنيات الدمج والحذف والإضافة –وهي تقنيات تحدث عنها تفصيلا

الربيعو

و

عبدولي

في غير السيرة: في كتب «التاريخ العام» بالنسبة للربيعو، وفي سيرة «النبي إبراهيم» بالنسبة للعبدولي، و

جعيط

في السيرة- وكنا اعتبرنا في «

السيرة والتأريخ لحدث الوحي

» الانفتاح على الإسرائيليات والاستفادة من تجارب النبوة في التقليد العبري من أهم ما يميز نص السيرة في سرده لحدث الوحي، وأقمنا عليه دفاعنا عن نصوص السيرة كمدخل لتأريخ اللحظة الانخطافية في مواجهة تجاهلها عند أصحاب المقاربة النقدية والتشكيكية من المستشرقين.

في الحقيقة نحن هنا أمام استثمار ممتاز للأدوات يقوم به مالك لاكتشاف حقيقة الوحي يجعل كتابه ورغم الجزء المحدد الذي يتناوله كتاب سيرة ممتاز بحق، يستحق التثمين والالتفات من هذا المدخل، خصوصا مع هذا التحرك شديد الرشاقة بين التجارب النبوية العبرانية عموما ونبوة محمد تحديدا، انطلاقا من «أنه يصح دراسة رسالة النبي في ضوء غيره من الرسالات، والعكس» (ص64)، بإدراك رهيف لأوجه التشابه لا يُغِّيب الوعي بخصوصية تجربة النبي محمد.

إعادة رسم هذه القصة يشغلها بالطبع سؤال مركزي، وهو سؤال كيف تيقن النبي من أنه تلقى وحيا؟ وأين هي الأدلة الموضوعية التي استند عليها؟ هذا السؤال نابع كما قلنا من رغبة في إعادة تعريف الوحي بالتخلص من شبهة اليقين الذاتي، من هنا تأتيأهمية قصة حسر خديجة للخمار، فهذه القصة في رأي مالك هي الدليل على أن النبي لم يبنِ يقينه عن الوحي على أمر ذاتي، فطالما أن حسر خديجة لخمارها قد أدى لغياب الملاك، فهذا يعني موضوعية الظاهرة واستقلالها عن النبي واعتمادها على مؤثرات كلها خارجة عنه –أو عن ذاته- مما يجعل يقين النبي المحصل هنا هو يقين موضوعي لا ذاتي.

هذا يعني أن القصة كلها هي قصة مبنية في إطار قيم أخرى ليست هي قيم الموضوعي والذاتي المنتزعة من عقلانية الأنوار، وإنما من قيم الإلهي/الشيطاني المنتمية للتوحيد بكل عمق.

هذا التفسير يبدو لأول وهلة معقولا بل ربما فذا، لكن قليل تدقيق يثبت أنه محض تأويل سيّء نتج من رغبة مالك في إثبات «موضوعية» الوحي أو قراءة هذه اللحظة بمفاهيم الذات/الموضوع، هذا لأن فكرة أن النبي محمد كان يحيا هذه اللحظة صراعا بين الذاتية والموضوعية انطلاقا من أنه «قد كان يجب أن تثور هذه الأسئلة لأول وهلة في ذهن النبي» (ص150)، هو إسقاط لتفريق لم يبلغ من الصرامة ما بلغه إلا في مرحلة متأخرة تماما يفصلها عن النبي عشرة قرون على الأقل ولم تدم كذلك لمدة طويلة، في حين أن الأقرب هو أن النبي لم يشغله هذا التفريق أصلا، وإنما شغله تفريق آخر شديد الوضوح في القصة نفسها ومنطقها بل ولفظها، ثم في مسار القرآن بعد هذا في تشكيله لمعنى الوحي –أو تكشف معنى الوحي- وهو التفريق بين الوحي الإلهي والمس الشيطاني، فحسر خديجة للخمار الحجاب هو لمعرفة هل هذا الذي يراه شيطانا أم ملاكا، في منطوق القصة نفسها والذي يقتبسه مالك نجد: «يا بن عم، اثبت وأبشر، فوالله إنه ملاك وما هو بشيطان» (ص150)، مما يكشف تماما حدي حيرة النبي ويؤكد عدم تعلقهم بالذاتي والموضوعي، ويتأكد هذا أكثر في كون «الوحي» وعلى مدار تشكله كمفهوم توحيدي داخل القرآن فإنه سيشكل ذاته في مواجهة المس الشيطاني بالذات بكل أنواعه سواء «الكهانة» أو «الشعر» على ما حاولنا أن نوضح في موضع آخر[2]، لا في مواجهة الظواهر الذاتية!

هذا يعني أن القصة كلها -سواء أكانت صحيحة أم لا- فهي قصة منبنية في إطار قيم أخرى ليست هي قيم الموضوعي والذاتي المنتزعة من عقلانية الأنوار، وإنما من قيم الإلهي/الشيطاني المنتمية للتوحيد بكل عمق. ونحن لا نستطيع قراءة القصة كما يقرأها مالك إلا لو اعتبرنا الشيطان في القصة رمزا للذاتية والملاك رمزا للموضوعية! لكن بعدها سنضطر للتساؤل هل هذه القصة هي قصة معاينة النبي محمد للوحي أم قصة معاينة ديكارت للنور الفطري والتي لعب فيها الشيطان دور التخييل والتضليل المفسد للحقائق الموضوعية في مقابل الإله الرحيم!!



إن الظواهر الروحية تكشف عند دراستها وفقا لستيس عن عدم خضوعها لهذا التقسيم المنحصر في ظواهر عالم الموضوعات عالم الزمان، وغير القادر على فهم ظواهر تتم في عالم الأزل.

إن سقوط مالك في ما ينتقده وعدم قدرته على مفارقة العقلانية الحديثة في قراءته للوحي يظهر لنا بكل وضوح لو عرجنا تعريجا سريعا على كتاب آخر يؤرقه إشكال مماثل: «التصوف والفلسفة» الذي كتبه

ولتر ستيس

محاولا التساؤل عن مشروعية التجارب الروحية في العصر الحديث، أو أحقية هذه التجارب، بعد أن خايل العلم بفراغها وعدم القدرة على إثباتها أو نفيها، وهو نفس تساؤل مالك بن نبي. إلى جانب أن ستيس يشاركه نفس التذمر من الوضعيين -لكن مع ستيس بالمعنى الأكثر دقة لكلمة وضعيين- فكتبه دوما تستحضر نقاشا تجاه

راسل

و

مور

وغيرهم من أعلام الفلسفة الوضعية.

في هذا الكتاب نجد أن

ولتر ستيس

وعلى عكس مالك ينتبه لكون إثبات أحقية التجارب الروحية لا يمكنه المرور من داخل الثنائيات التي خلقتها العقلانية الحديثة التي هي نسيان النبوة كما استعرنا من شايغان، لذا فبينما يصر مالك على قراءة الوحي باعتباره ظاهرة موضوعية لا ذاتية، فإن ستيس يخرج تماما من هذه الثنائية ليتساءل أولا عن مدى مشروعيتها في العموم أولا ثم في الخصوص في دراسة وفهم ظاهرة روحية. إن الظواهر الروحية تكشف عند دراستها وفقا لستيس عن عدم خضوعها لهذا التقسيم المنحصر في ظواهر عالم الموضوعات عالم الزمان وغير القادر على فهم ظواهر تتم في عالم الأزل، لذا يبدأ ستيس من هذه الظواهر محاولا البحث عن منطقها الخاص غير القابل للدمج داخل هذا الفصل شديد الحداثة والتأقيت.

إن كتاب مالك يظل راهنا بل شديد الراهنية، ويظل كتابا فريدا بحق في وسط الكتب التي تناولت السيرة والوحي في فترته وربما إلى الآن، كذلك يظل الهيكل الرئيس للفكرة وللاستدلال واستخدام المصادر شديد الفعالية لوصف لحظة الوحي خصوصا مع تشابهه مع منهجية كتاب السيرة في ظننا، وانفتاحها على التجارب العبرية كما أسلفنا، لكن استعادة هذا الكتاب كي يساعدنا في إثارة السؤال عن معنى الوحي وكيفيته، هذا السؤال الأهم على الإطلاق بالنسبة لثقافة يمثل الوحي ذاكرتها الأزلية، كانت غير ممكنة إلا بعد تفكيك هذا الحضور للعقلانية الحديثة في بنائه لأهدافه وحججه ورسمه لقصة الوحي، فقد بدا كيف أن هذه العقلانية شديدة الضيق لأن تصف ظاهرة الوحي أو تساعد في رسم لحظة تلقيه، حتى أننا وفي ذهننا ملاحظة شايغان، نتسائل عن مدى إمكانية قراءة النبوة، لا انطلاقا من الحداثة وعقلانيتها، بل وتماما في مواجهة نسختها شديدة الضيق هذه!


[1] في كتابه «الأصنام الذهنية والذاكرة الأزلية» يعتبر شاريغان أن الحداثة هي مكافحة للذاكرة الأزلية، هذا يتجلى تماما في منهج بيكون القائم على التخلص من كل أوهام الذهن، أحد ما يعتبره بيكون أوهاما ليس إلا الذاكرة الأزلية لكل حضارة، وذاكرتنا الأزلية مستمدة من مشكاة أنوار النبوة فيما يرى شاريغان (ص52).[2] حاولنا في «

الشيطان شهيدا

» تتبع تشكل أو تكشف مفهوم الوحي الإبراهيمي في مواجهة النظام العقدي الجاهلي، وكيف أن هذا المفهوم الذي صيغ «كبيان من الواحد بالحقيقة الواحدة» هو مفهوم مصاغ في مواجهة الشعر والكهانة كتخرص عن حقائق يشوبها الغموض. [3] في الحقيقة نحن نظن أن رغبة مالك في إثبات موضوعية الوحي، هي أيضا السبب في اهتمامه بهذه السمة في النبوة أي «الانخطافية»، حيث أنها تعني سلبية النبي تماما أمام ظاهرة قاهرة له هو غير قادر على استدعائها أو التحكم فيها، وهذا أيضا تضييق كبير للفكرة، فالانخطافية لا يمكن اختزالها للموضوعية، الانخطافية سمة مميزة لكل التجارب الدينية القوية وربما أكثر سماتها تعبيرا عن كونها تجربة فريدة تتم في حضرة «الآخر تماما» بتعبير

أوتو

الشهير.