محتوى مترجم
المصدر

Open Democracy
التاريخ
2018/05/28
الكاتب
ريان دبوس

إذا كان الترفيه الإعلامي – مزيج المعلوماتية والترفيه – هو بالفعل أعجوبة القرن الحادي والعشرين، فيجب على المرء أن يتساءل عما إذا كانت تغطية العالم للحرب السورية – التي دعمتها صحيفة نيويورك تايمز على أكمل وجه – تتبع قواعد التقرير والرواية الجيدين.وإذا كان انتشار لعبة العروش وغيرها من العروض ذات المفاهيم السامية؛ يخبرنا بأي شيء يتعلق بعاداتنا الاستهلاكية التليفزيونية، فهو أن جيل الـ Netflix يحب المشهد: المكلف، والسريع والمليء بالحركة. كيف يتمكن المسنون من مشاهدة أفلام صامتة بطيئة للغاية؟مع نطاق اهتمامنا المتناقص، لا عجب في أن احتياجاتنا الترفيهية طغت على استهلاكنا الإخباري. هذه الحاجة إلى الإثارة التي تُثمّن وقت المرء تمثل مشكلة، خاصةً إذا تعلق الأمر بسوريا التي يجب حل نزاعها، خلافًا للبرامج التلفزيونية، في أقل عدد ممكن من الحلقات.تظهر النتائج التي توصلت إليها استنادًا إلى ردود الأفعال حول مقالات نيويورك تايمز الجذّابة حول سوريا منذ عام 2011 هوسًا بالمشهد، مع كل السمات المذهل منها والاستثنائي التي تتوافق مع نظرية المعلومات والترفيه. انتهى بي الأمر بإيجاد أربعة أنواع من المشاهد التي استخدمتها صحيفة نيويورك تايمز، بقصد أو غير ذلك، في تغطيتها لمسرح الحرب في سوريا، سواء كان ذلك هو مشهد تحالفات متآمرة في الصراع، مع نقاشات مثيرة تستحثها، وعناصرها من التشويق والحاجة إلى المثيرات، وأخيرًا، رسومها التصويرية المروعة. أليست الحلقة الأخيرة من سوريا مثالية قبل مشاهدة «الموتى السائرون» أو «وست وورلد» عروضنا المروعة المفضلة؟


مشهد السياسات والتحالفات

مشاهد الحرب في حلب، سوريا — 26 ديسمبر/كانون الأول 2012

تساءلت صحيفة نيويورك تايمز في سبتمبر/ أيلول 2015 في عنوان مقالها: «

من يقاتل من في سوريا؟

». إلى جانب إعجابهم بالعنوان المتناغم الرائع، والذي إذا ما كانت سوريا عبارة عن رواية رمزية، فسيُنظر إليها بحماس لمساواة مَن بمن. عُرض محتوى المقال وهو أكثر ما يلفت النظر. على غرار الطريقة التي تُكرس بها الدقائق الأولى من عرض تلفزيوني غالبًا لتذكير المشاهدين بالعناوين الرئيسية السابقة، تحتفظ صحيفة نيويورك تايمز بقالب لكل بلد متورط في الصراع كـ«الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا وغيرها»، مع ثلاثة رموز متطابقة أسفل اسم كل بلد؛ الانسحابات:x،التصديات:y، كيف تقاتل:z.هكذا يصبح المقال محاولة لإظهار مختلف القوى العظمى المتورطة في النزاع، ومن المثير للاهتمام إغفال العلامة النهائية؛ «لماذا القتال؟». اقتُطعت ملاحظة إضافية حول المصالح المتباينة حول سوريا، والتي يمكن اعتبارها – منطقيًا – قوة دافعة للصراع. ربما ليس عمدًا، لكن على الأقل تضيف للإفادة فقرات عن بلدان أخرى أقل مشاركة في الصراع، مثل المملكة العربية السعودية وقطر وفرنسا والمملكة المتحدة.يصبح التركيز في المقال بدقة على هذا الهوس بإنتاج قطعة مثيرة من نوع ما، والتي بسبب وجود الكثير منها فقط يمكنها تصوير الصورة الكاملة، وتقييد نفسها لتقديم أكبر عدد ممكن من الشخصيات الحيوية للجمهور، بدلًا من شرح سبب خلاف هذه الشخصيات. يصبح العدد مهمًا هنا، مع تطبيق القاعدة القديمة «كلما كان المرء أكثر سعادةً يُنفذ بمثالية».أيضًا، ماذا يدعو لذكر الرئيس السوري الأسد تسع مرات في المقال؟ ربما يضيف عنوان بجانب اسمه شيئًا إلى تصويره في القصة. وهذا سيئٌ جدًا، فهو ليس كُونت أو لُورد.


مشهد من النقاش

إلى جانب تصوير سوريا كساحة معركة لكل أباطرة عالمنا، نجحت صحيفة نيويورك تايمز في جذب انتباه قُرّائها عبر تركيز قدر كبير من تغطيتهم على الأزمة الأخلاقية والحاجة إلى التدخل الذي يجب أن يثيره الصراع.يمكن لهذه المقالات – انطلاقًا من مجموعتي – أن تُجمع في فئتين:الأولى: التحريض غير المباشر على أساس ما تقوله الأطراف الخارجية، مع مقالات تحت عنوان «عمال الإنقاذ: الأسلحة الكيميائية في سوريا مرة أخرى»، «الأمم المتحدة تكشف: التدمير المتعمد للمستشفيات في سوريا، «51 دبلوماسيًا أمريكيًا يحثون على الإضراب ضد الأسد في سوريا».الثانية: تحريضًا مباشرًا يعتمد على ما تدعو إليه وسائل الإعلام، بعناوين مقالاتها: «هل الهجوم على سوريا مبرر؟: متسع للنقاش»، «5 أسباب للتدخل في سوريا الآن» أو مباشرة إلى نقطة واحدة «قنبلة سورية، حتى لو كانت غير شرعية».على الرغم من إمكانية اعتبار العنوان الرئيسي المتحفظ للفئة السابقة أخطر من حماسة الأخير بسبب حركته المشبوهة، حيث إن الدعاية الأخطر هي تلك التي لا تبدو دعاية، تركيزي في هذا المقال على مشهد يوجه أفكاري تجاه العناوين التي تحرضنا مباشرة على التصرف. في الواقع، يعتبر عنوان «هل يعتبر الهجوم على سوريا مبررًا؟ – متسع للنقاش» مثيرًا للاهتمام لأنه يبدو كمنبر للحوار، والذي يقيّم كلا من إيجابيات وسلبيات التدخل.مع ذلك، فإن صياغة السؤال، التي لا تعتبر محايدة: «هل الهجوم على سوريا مبرر أم لا؟»، بطريقة ما يجيب السؤال نفسه، مع الكلمة المستقلّة «مبرّر» وهي أكثر ما يميّز العنوان. ليس من المفاجئ أن يتحول النقاش أحادي الجانب في المقال التالي تحت عنوان «5 أسباب للتدخل في سوريا»، والذي يمكن قراءته مع مقالات أخرى مثل «5 أسباب للتعبير عن الحب»، أو «5 أسباب لتجنب اتباع حمية غذائية خالية من المواد الدسمة» أو «5 أسباب لغسل اليدين»/ تلك اقتراحات قدمها لي جوجل لإكمال عبارة «خمسة أسباب».بعيدًا عن المبالغات، لا يمكن للمرء رفض استخدام صيغة «خمسة أسباب» التي اختارتها صحيفة نيويورك تايمز لمناقشة أن التدخل في سوريا من شأنه أن يسبب حطامًا وأضرارًا جانبية. لم تعتد على ترديد العناوين ذات الكلمات المتشابهة المذكورة سابقًا لكنها لا تنأى بنفسها عنها. بالنسبة لأرقام القراء، تنسجم صحيفة النيويورك تايمز مع جدولك الزمني وتتعامل بسلاسة بغض النظر عن معرفتك أو انطباعك عن سوريا. آخر ما تريد أن تفعله وسائل الإعلام هو وضع علامة على ما يزعجها «لماذا لا تهتم بسوريا؟» كعناوين بريد مزعج، تضيع إلى الأبد في الآليات القاسية لقواعد فيسبوك.


مشهد من التشويق

بحثت في العناوين والمقالات المثيرة لكل ما لدينا من رغبات بشعارات جذابة لا تُنسى كـ«قصف سوريا!»، وقصص مثيرة للاهتمام كـ«المملكة العربية السعودية وإسرائيل في مواجهة إيران؟ عدو عدوي صديقي؟» لكن هذا حقًا هو التشويق الحقيقي الذي يربط كل مقالاتهم التي تخلق تأثيرًا أكبر بكثير على قرائهم.من الواضح أن تعدد تحالفات الصراع ومصالحها المتباينة يترك مجالًا لظهور هواية محبي التلفزيون المفضلين، بعد حلقات التشويق والتكهنات. في الواقع، من عناوين مثل «يقال إن وكالة الاستخبارات المركزية تساعد في توجيه السلاح للمتمردين السوريين» إلى «في التحول، يقال إن السعوديين يساعدون المتمردين في سوريا»، يمكن للمرء ملاحظة استخدام كلمة يُقال، والتي تستخدم عادة للإشاعات وثرثرات الصحف. من الواضح أن استخدامها في سياق الصراع أكثر خطورة، خاصة وأن وسائل الإعلام العملاقة مثل صحيفة نيويورك تايمز لديها الوسائل للتأكد. لكن اختيارهم لتغطيتهم مع ذلك قد يكون أقل من محاولتهم الشجاعة لكشف حقيقة الأمر وربما أكثر غموضًا في الطبيعة المثيرة للغموض.«انتشر عملاء وكالة المخابرات المركزية مع كواتم الصوت في بدلاتهم في سوريا؟» بالطبع هذا مثير. ما تفعله صحيفة نيويورك تايمز بنجاح هو عدم فهم الصراع في حد ذاته، لكن فهم الجمهور (على النقيض)، والاستفادة من أوهامنا وتخيلاتنا، وتاريخنا من خيالنا لمهام سرية كثيرًا ما تستخدم في الحرب الباردة، وأفلام هوليوود.لا تعتبر مراجع الحرب الباردة هي الأدوات الوحيدة المعتادة لضرب خيالنا كقراء يتذكرون التاريخ. حيث تنتقل مقالات مثل «المتمردون السوريون المرتبطون بالقاعدة يلعبون دورًا رئيسيًا في الحرب» أو «الأمم المتحدة تُوصل كوريا الشمالية إلى برنامج الأسلحة الكيميائية السوري» بسرعة أكبر إلى خيالنا الجماعي، والآن نعيد النظر بحماس إلى أجواء ما بعد 11 سبتمبر/ أيلول ونسمع مرة أخرى رئيس أمريكي طائش يرسم لنا محور الشر، وهو يبحر من كوريا الشمالية إلى إيران و الآن سوريا.هذه هي التصورات والخطابات السابقة المثيرة التي تستفيد منها صحيفة نيويورك تايمز طوعًا أو كرهًا، عندما تحد تغطيتها لسوريا إلى حدودها الأوسع والأكثر إثارة للدلالات التي يتركها مثل هذا السياق لنا، بوعي أو دون. قد يجادل المرء في أهمية تغطية صحيفة نيويورك تايمز لمثل هذه الجوانب المثيرة للإعجاب في الصراع «مصادفة».هل توجد وكالة الاستخبارات المركزية حقًا في سوريا؟ هل ما زالت القاعدة موجودة؟ بالطبع، لكن هناك شيئًا يمكن قوله عن الخيارات التي تضعها صحيفة نيويورك تايمز في وقتها المحدود للتغطية في سوريا. عندما تتطرق فقط إلى الجانب المذهل من هذه الأنشطة السرية، بدلًا من إدانتها جميعًا، يبدأ المرء في التساؤل عما إذا كانت صحيفة نيويورك تايمز متحمسة في اكتشاف من يلحق الأذى بدلًا من أن تصاب بالذعر من الأذى نفسه.نفرض مرة أخرى قوانين العروض التلفزيونية ومراقبيها المثيرين. لنفترض أن الحلقة تنتهي بجريمة. إذا كانت الضحية شخصية ثانوية أو إضافية، فهل تفكر مليًا في ذلك؟ لا، لأن معرفة هوية القاتل أكثر إثارة – من المثير جدًا أنك ستجذب أصدقاءك على تويتر حول هذا الموضوع، وستُحمس المزيد من الأشخاص لمشاهدة العرض. أو قراءة الأخبار.


مشهد من نهاية العالم

حلب, سوريا, الجيش الحر, الثورة السورية

تنافس متآمر

، ومعضلات قاسية، ومؤامرات مثيرة .. كل المكونات اللازمة لعرض مثير. على الرغم من ذلك، ربما يكون العنصر المفقود هو أحد المكونات الكلاسيكية؛ الكلاسيكية بمعنى الكلاسيكية الحقيقية، الإغريق القدماء. المتعة الحقيقية لأوديب الملك – على سبيل المثال – هو مشهد أوديب الذي أسرع إلى نهايته في بحثه عن قاتل الملك لاوس؛ يعرف الجمهور مقدمًا أنه هو نفسه القاتل. يكشف هذا عن مأساة وشيكة، ونهاية العالم القريبة، لدرجة أننا كنا مهووسين بالعثور عليها في كل قصة نقرؤها أو نشاهدها.يجب أن تكون المخاطر كبيرة وإلا لماذا تنزعج؟ يجب أن تكون مملكة كاملة أو علاقة حب عاطفي في خطر. نحن بحاجة إلى أن نتعلم في نفس الوقت أن نحب شخصياتنا ونكره فقدانها، ونحب كيف تتكشف الأحداث السيئة وكرهها إذا لم تظهر النهاية السعيدة بطريقة ساحرة في النهاية، ويفضل أن تكون في آخر دقيقة.نرى بالتأكيد هذا المكون الرئيسي للرواية الناجحة في تغطية صحيفة نيويورك تايمز لسوريا. تربط عناوين المقالات مثل «التعددية السورية المتدهورة» في عام 2012 أو «الأراضي الممزقة: كيف أصبح العالم العربي متفرقًا» في عام 2016 بين هذه الفكرة لنهاية العالم وبين فكرة القارئ الحالية عن المأساة فيما يتعلق بالشرق الأوسط ككل: تساهم مقالات نيويورك تايمز في الربط بين خيالنا في الشرق الأوسط من صراعات أخرى مع الحالة الخاصة لسوريا.فكرة أن هذه المنطقة حُكم عليها بمصير مروع هي أفضل مثال على ذلك في واحدة من أكثر عناوين نيويورك تايمز إثارة: «سوريا هي العراق». عدنا إلى التناغم الشهير، لكن ما يفعله هذا هنا ليس فقط مماثلًا لحالة سوريا في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين مع الدولة العراقية في العقد الأول من عمرها، لكن يستمد العنوان قوته من كل الدلالات المرتبطة بالعراق؛ الدمار، والفوضى، ونهاية العالم. من المثير للاهتمام أن هذا المقال يرجع لعام 2012، قبل انفجار الصراع. كيف تعتبر العلاقات الحالية؟ من خلال هذه النقطة، تعرف من يمكنه صياغة الكلمات بشكل أفضل. أتركك مع آخر مقال من عام 2018. «لمدة 8 أيام، يبدو الوضع في سوريا أقرب للحرب العالمية الثالثة».«سوريا»، هذه الكلمة التي ارتبطت قبل عقد من الزمان، على الأغلب بالطعام اللذيذ، لديها الآن معنى مختلف؛ توتر، دمار، ترويع. تغيير ما تعنيه سوريا لنا هو الدافع وراء الانطلاقة المثيرة التي قمنا بتبسيطها منذ عام 2011، وهي قصة عن أباطرة مبهجين ومحبوبين يراقبون تلك المقاطعة المرغوبة، وهي قصة حول استخدام ترسانة مخفية لتغيير مسار الأحداث، قصة عن الأسرار وعملاء غامضين عبروا الحدود، قصة حول نهاية العالم. لكن ما لم تكن ولا يمكن أن تكون القصة حوله، هم الموتى؛ لأنهم لا يستطيعون التصرف ولا الحديث. من أيضًا سيتحرك على شاشاتنا؟ من أيضًا يجب أن يتحرك؟ بالتأكيد ليس نحن. نحن متفرجون على أي حال.