شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 67 الحلقة الأولى – الحلقة الثانية قضيت مع ذكريات الأخ شاكر ساعات رهيبة، وهو يقص عليّ تفاصيل مغامراته مع الخنق، حتى شعرت بأنني على وشك الاختناق أنا نفسي. لقد آلمتني حنجرتي من كلماته. المشكلة أنه لن ينتحر ثانية .. لن يجرب ألعابًا ماسوشية، فقد وجد غايته النهائية في السادية، وهذا يعني أنه ما زال خطرًا داهمًا. رجل ذو نظارة سميكة وعينين جاحظتين وحبل في جيبه هو رجل لا يدعو للثقة. كنت أعرف أنني عاجز عن مساعدته .. من العسير أن تعالج الوسواس القهري، فماذا عن سفاح سادي قتل أطفالًا كما اعترف. لا أجرؤ ولا يسمح ضميري بأن أبلغ الشرطة ضده. رباه! سوف تكون لحظة سعيدة في حياتي تلك اللحظة التي يكتشف فيها أنني حمار ويتركني. الخلاص منه يحتاج إلى احتفال صغير بالفعل. لكن المصيبة هي أنه يثق بي. يعتقد أنني ساحر. الشعر الأبيض المحيط برأسي يوحي له أنني عبقري. هذا هو تأثير الهالة halo effect الذي يعرفه الأطباء. طبيب تحيط برأسه هالة من شعره أبيض هو طبيب يعرف كل شيء، وقد عقد معاهدة مع الموت! في الأيام الماضية قرأت خبرًا في جريدة عن طالبة في مدرسة ثانوية، وجدوها مخنوقة وملقاة في زقاق في الضاحية القاهرية (…). لم تكن هناك سرقة ولم يكن اغتصاب. قضية غامضة جدًا .. علامات حبل على العنق. كنت أنا أدرك على وجه التقريب ما حدث .. أعرف من الفاعل وكيف فعل، ولماذا فعل .. شاكر عندما جاء لعيادتي رقد وأغمض عينيه، وراحت تفاحة آدم وتصعد وتهبط كأن لها حياة خاصة. سألته بعد قليل: -ـ«هل مارست الخنق مؤخرًا؟» نظر لي وابتسم .. ثم أبعد عينيه، فأردفت: -ـ«طالبة ثانوي .. زقاق في (…) .. » ابتسم من جديد دون أن ينظر لي .. الإجابة وصلت يا ابن الـ (…) .. وصلت كاملة. إذن أنت لا تتحسن .. لو كان بيدي لحقنته بسم في عنقه وأرحت المجتمع، لكن هذا ليس عملي للأسف .. *************** منذ فترة لا بأس بها عرفت سوسن. كانت من مريضاتي وقد جاءت للعيادة تشكو اكتئابًا مزمنًا. مع تداعي المعاني عرفت أنها تعاني إحباطًا شديدًا .. إحباطًا عاطفيًا لا بأس به بسبب انصراف زوجها عنها. كانت جميلة بحق .. سوسن تبدو كالسوسن ولها عبير السوسن، وقد بدا لي أن زوجها – الذي قالت ان اسمه منصور – أحمق بالتأكيد. لكن مقولة (ما أقبحك حلالًا وما أحلاك حرامًا) تتكرر في كل مرة. لا أعرف متى لثمت يدها بلا مقدمات وهي تتكلم، فتبادلنا النظرات وتلاقت عينانا .. ثم .. بعد هذا كان لا بد من أن نجد مكانًا، وكان ذلك الفندق الذي اعتدت أن أستأجر غرفة فيه كلما جاءت الفرصة. الفرصة هي أن يسافر زوجها، وهو يفعل ذلك مرة كل أسبوع. وفي تلك الليلة لا بد أن أجد كذبة مقنعة تقنع ثريا. أحيانًا أزعم أنني سأبيت بالمكتب، وأحيانًا أقول إنني سأتأخر وهذا معناه أن أرجع قبل الشروق .. في تلك الليلة قالت لي وهي تعبث في شعري الأبيض: -ـ«هل تعتقد حقًا أن زواجنا مستحيل بسبب الكلبتومانيا؟» حقًا هذا ألعن شيء يقال لي .. بالطبع لا زواج. لو تمسّكتْ برأيها فهي النهاية. لم أرتوِ منها بعد لكن يمكن للمرء أن يجد زجاجة خمر أخرى. نظرت لها متسائلًا فقالت: -ـ«لم أعد أتحمل الحياة مع منصور .. » -ـ«ما الجديد؟» أخذت شهيقًا عميقًا وقالت: -ـ«أعتقد أنه جن .. أعتقد أنه جدير بأن يكون بين مرضاك» -ـ«كيف جن؟» تحسست عنقها وقالت: -ـ«هل هناك أناس يعشقون الحبال؟ إنه يعلق الحبال في كل مكان! الأهم أنني أراه في بعض الأوقات ينظر لعنقي في نهم ويسيل اللعاب من فمه !» نهضت متوترًا ثم اعتصرت كتفيها وهززتها بقوة آلمتها: -ـ«زوجك لا يدعى منصور .. أليس كذلك؟» قالت في رعب: -ـ«بلى … » -ـ«وليس صاحب مصرف .. هو محام .. أليس كذلك؟» -ـ«بلى .. كيف عرفت؟» اسمه شاكر .. محام .. لا شك في هذا. لقد كانت تكذب علي منذ البداية على سبيل التمويه، أما هو فقال صدقًا على طول الخط. أمرتها في عصبية أن تبدل ثيابها وترحل. على الأرجح لن نلتقي ثانية .. لم تفهم وظلت تنظر لي في دهشة وأنا أرتدي السترة وانتعل الحذاء، وأغادر الغرفة فورًا. *************** يجلس شاكر أمامي وهو ينظر للسقف كعادته .. ربما لأنه يعرف أن الناس ينظرون للسقف عند الأطباء النفسيين .. إذن هو يعرف على الأرجح كل شيء عن علاقتنا أنا وسوسن .. ربما هو الحبر أو الأقاويل .. المهم أنه وصل للحقيقة. افتراض أن هذه صدفة أمر مستحيل. إذن ماذا ينتظر؟ لماذا لم يلف الحبل حول عنقي وينتهي كل شيء؟ إن انفرادنا يتكرر. على طريقة الاختيار المتعدد في الامتحانات.. هناك أربعة تفسيرات معقولة: التفسير الأول هو أنه يعرف أنه سيقع في يد الشرطة ويُعدم لا محالة، إذا فعلها في عيادتي، وهناك أكثر من شاهد على تواجده. ربما كان يبحث عن فرصة آمنة. التفسير الثاني هو أنه يلعب معي لعبة القط والفأر ويطيل لذة الانتظار. التفسير الثالث هو أنه يأمل في أن أقدم له الشفاء، باعتباري متخصصًا في علم نفس الجريمة. أي أنه يريد أن يجمع بين الشفاء وقتلي. ربما هذا كله .. السبب خليط من كل التفسيرات. أنا أميل لهذا الاحتمال الرابع. لكن المشكلة هي أنني لن أتمكن أبدًا من علاج هذا الرجل، أو الجلوس معه في غرفة مغلقة .. شاكر يجب أن يموت. موته سوف يجلب لي الأمان، وسوف يحقق للبشرية خدمة أكيدة كالخلاص من وباء التيفوس. فكرت قليلًا ثم قلت له: -ـ«أستاذ شاكر .. حان الوقت لتجربة طريقة جديدة للعلاج. أنا أريد وضعك في الظروف المناسبة للخنق بالضبط .. وسيكون عليك أن تقاوم رغبتك هذه. سيتم ذلك تحت إشرافي الكامل». -ـ«كيف؟» كتبت له عنوانًا على قصاصة ورق .. مخزن ورق مقوى قديم مهجور في إحدى الضواحي. سأكون هناك في العاشرة مساء الغد .. وسوف يكون هو كذلك هناك. معًا سوف نقاوم تلك الرغبة الجنونية التي سيشعر بها .. سوف أعلمه كيف يحرق الحبل الذي يضعه في جيبه، ولا يخنقني .. نظر لي بوجه مغلق ولم يقل أي شيء. فقط غمغم: -ـ«هذا خطر داهم ..» -ـ«لا تقلق .. انا أعرف ما يجب عمله» لو كانت الأفكار تظهر في بالون كما في القصص المصورة، لرأيت فوق رأسه بالونًا يظهرني محتقن الوجه بارز اللسان والحبل حول عنقي.. أعرف ما يفكر فيه جيدًا. *************** غادر شاكر مكتبي فانتظرت قليلًا… ثم فتحت شاشة الكمبيوتر ورحت أفتش في الملفات القديمة .. ملفات المرضى السابقين .. هذا هو .. بعد قليل اتصلت بنشأت زاهر .. المهندس الشاب .. جاء صوته يتساءل عن سبب اتصالي، فهذه أول مكالمة بيننا منذ عامين .. قلت له: -ـ«هل ما زالت تلك الرغبة العارمة تعصف بك؟ أنا سأحقق لك مرادك بالحرف .. فقط تعالَ لعيادتي ظهر غد. سأشرح كل شيء وسأطلب منك أن تذهب لمكان معين في العاشرة مساءً. مخزن ورق مهجور وطبعًا معك ما يلزم» صاح في لهفة : -ـ«حقًا! هل تمزح؟ هل تخدعني؟» -ـ«لا أستطيع شرح المزيد هاتفيًا .. فقط تعالَ ظهرًا» هذه مزية أن تعمل في علم نفس الجريمة. أنت تقابل الكثيرين. نشأت من مرضاي الذين يتعذبون طيلة الوقت .. نصحته بالصبر والتحمل لفترة طويلة، لكني اليوم أمنحه الفرصة كاملة. من الوساوس القهرية الغريبة، تلك الرغبة الكاسحة التي تجعله يتمنى أن يذبح قاتلًا من الأذن إلى الأذن. كانت مشكلته الأساسية هي أنه لا يجد قتلة بما يكفي. إن ما أقوم به اليوم هو أدق وصف لتعبير: قتل عصفورين بحجر واحد. ألا ترى هذا معي؟ تمت قد يعجبك أيضاً الواقعة البوشكارية هؤلاء يقدمون لكم دراما رمضان 2017 المرض النفسي و«الحياة في مكان آخر» «Room 237»: البحث عن ستانلي كوبريك شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram أحمد خالد توفيق Follow Author المقالة السابقة إسعاد يونس: لأن فاقد الشيء لا يعطيه المقالة التالية «آخر أيام المدينة»: قصيدة في عشق مدينة تقهر أبنائها قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك رابونزل: في البدء كان البقدونس 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك Captain America: عندما أشعلت Marvel الحرب بين أبطالها 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك أفضل 10 مسلسلات أجنبية في عام 2021 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك أوسكار أفضل مونتاج: ما المميز في الخمسة المرشحين؟ 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك المرأة والأدب: 8 روائيات مصريات أثرين الحياة الأدبية 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «ما وراء الشتاء»: الحكي عن المصادفات والاغتراب والحب 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «شوق الدرويش»: الحب المحرم بين الحرية والعسكر 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك هؤلاء الكتّاب يقدمون لكم دراما رمضان 2019 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك موت صغير: عن حياة إمام المتصوفة «ابن عربي» 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم خط دم: كل ده كان ليه؟ 03/03/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.