قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أصدق بيت قالته العرب قول «لبيد»:

ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهُ باطل *** وكل نعيمٍ لا محالةَ زائلُ

قال الإمام السنوسى – رحمه الله – في تأمله لاسم الله الأعظم «الله»؛

«هو اسم علم على الإله الواجب الوجود المعبود بحق. وحظ العبد منه دوام التعلق به فى الظاهر والباطن ، والفناء به عن كل ما سواه – تبارك وتعالى – لأنه لما كان اسماً جامعاً للذات والصفات والأفعال انمحى من القلب، عند استحضار كمال هذه الثلاثة العديمة المثال فى حقه تعالى، كل ما عداه – تبارك وتعالى – من الذوات والصفات والأفعال. ولهذا كان هذا الاسم الأعظم، الفرد الجامع، ذكراً لأصحاب الفناء والبقاء. نسأله سبحانه أن يمن علينا بما من به عليهم بلا محنة»[1].

ويقول الإمام الغزالى: «فأما قوله: (الله )، فهو اسم للموجود الحق، الجامع لصفات الإلهية، المنعوت بنعوت الربوبية، المتفرد بالوجود الحقيقى، فإن كل موجود سواه غير مستحق الوجود بذاته، وإنما استفاد الوجود منه. فهو من حيث ذاته هالك، ومن الجهة التى تليه موجود، فكل موجود إلا وجهه، والأشبه أنه جار في الدلالة على هذا المعنى مجرى أسماء الأعلام، وكل ما ذكر فى اشتقاقه وتعريفه تعسف وتكلف» .

(فائدة): اعلم أن هذا الاسم أعظم أسماء الله – عز وجل – التسعة والتسعين؛ لأنه دال على الذات الجامعة لصفات الإلهية كلها حتى لا يشذ منها شيء، وسائر الأسماء لا يدل آحادها إلا على آحاد المعاني، من علم أو قدرة أو فعل أو غيره، ولأنه أخص الأسماء، إذ لا يطلقه أحد على غيره لا حقيقة ولا مجازًا، وسائر الأسماء قد يسمى به غيره، كالقادر والعليم والرحيم وغيره، فلهذين الوجهين يشبه أن هذا الاسم أعظم الأسماء.

(دقيقة): معاني سائر الأسماء يتصور أن يتصف العبد بشيء منها حتى ينطلق عليه الاسم، كالرحيم، والعليم، والحليم، والشكور، وغيره ،وإن كان إطلاق الاسم عليه على وجه آخر يباين إطلاقه على الله – عز وجل – زأما معنى هذا الاسم فخاص خصوصاً لا يتصور فيه مشاركة، لا بالمجاز ولا بالحقيقة.

ولأجل هذا الخصوص يوصف سائر الأسماء بأنها اسم الله – عز وجل – ويعرف بالإضافة إليه، فيقال: الصبور والشكور والمللك والجبار من أسماء الله – عز وجل – ولا يقال: الله من أسماء الشكور والصبور، لأن ذلك من حيث هو أدل على كنه المعانى الإلهية وأخص بها، فكان أشهر وأظهر، فاستغنى عن التعريف بغيره، وعرف غيره بالإضافة إليه.

(تنبيه): ينبغى أن يكون حظ العبد من ذا الاسم التأله، وأعني به أن يكون مستغرق القلب والهمة بالله – عز وجل – لا يرى غيره ولا يلتف إلى سواه، ولا يرجو ولا يخاف إلا إياه، وكيف لا يكون كذلك وقد فهم من هذا الاسم أنه الموجود الحقيقى الحق، وكل ما سواه فان وهالك وباطل إلا به، فيرى أولاً نفسه أول هالك وباطل، كما رآه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حيث قال: «أصدق بيت قالته العرب قول لبيد:

ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهُ باطل *** وكل نعيمٍ لا محالةَ زائلُ


المراجع



  1. شرح الأسماء الحسنى: عبد الله محمد بن يوسف السنوسى الحسني، تحقيق نزار حمادى، مؤسسة المعارف، بيروت، ص26
  2. المقصد الأسنى فى شرح معانى أسماء الله الحسنى: أبى حامد الغزالى، دار السلام، 2008، ص74