رحيل صادق العظم: لم يعد هناك من ينقد ذواتنا بعد الهزيمة

هكذا نُعي جلال صادق العظم – الأكاديمي، والمفكر السوري – من قبل عائلته على حساب ابنه عمرو صادق العظم على الفيسبوك، لتنتهي بذلك مسيرة امتدت نحو ثمانية عقود، تخللتها محطات مثيرة للجدل.

من هو «صادق جلال العظم»؟

العظم هو فيلسوف ومفكِّر سوريّ، ولد في دمشق عام 1934، وتخرّج من قسم الفلسفة في الجامعة الأمريكية ببيروت عام 1957، ليحصل بعدها على الدكتوراة من جامعة «ييل» في الولايات المتحدة الأميركية باختصاص الفلسفة المعاصرة، حيث قدّم أطروحته حول الفيلسوف الفرنسي «هنري برجسون».ترأّس صادق جلال العظم تحرير مجلة الدراسات العربية الصادرة في بيروت، ثم شغل منصب رئيس قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية في كلية الآداب بدمشق بين عامي 1993-1998.

بعد تقاعده تنقل العظم بين جامعات عدّة في العالم، حيث عمل أستاذًا في جامعتي برنستون وهارفارد في أميركا، وفي جامعات هامبورغ وهومبولت وأولدنبورغ في ألمانيا، وفي جامعة توهوكو في اليابان وفي جامعة أنتويرب في بلجيكا، وهو عضو في أكاديمية العلوم والآداب الأوروبية، وأسس في القاهرة منذ عدة سنوات رابطة الكتاب السوريين.

فاز بعدّة جوائز دوليّة، كان آخرها «وسام الشرف الألماني» من معهد جوته الألماني في الـ9 من يونيو 2015، كما نال جائزة ليوبولد لوكاش للتفوق العلمي سنة 2004، والتي تمنحها جامعة توبينجن في ألمانيا وجائزة إيرازموس الشهيرة في هولندا.

كماانتُخب العظم في سنواته الأخيرة رئيسًا لـ «رابطة الكتّاب السوريّين» التي واكبت الثورة وعبّرت عن الرغبة العميقة في تحرير العمل الثقافيّ من وصاية السلطة ومصادرتها.

تجربته الفكرية

أشعل صادق جلال العظم الكثير من المعارك النقدية، فقامت عليه قيامة العالم القديم كله ومنذ «النقد الذاتي بعد الهزيمة»، «ونقد الفكر الديني» مرورًا بـ «دراسة نقدية لفكر المقاومة الفلسطينية» حتى «ذهنية التحريم ثم ما بعد ذهنية التحريم»، ظهر كأن هوايته ابتداع الأفكار، والتصدي للمعتقدات الراسخة، واستحثاث الصدام مع الموروثات الدينية والمجتمعية.حوكم العظم بسبب كتابه «نقد الفكر الديني» الصادر عام 1967 إثر نكسة يونيو/حزيران 1967 وصدر عليه حكم بالسجن مطلع عام 1970 لكن المحكمة أعلنت براءته لاحقا في العام نفسه.

ويضم الكتاب مجموعة أبحاث تتصدى بالنقد والمناقشة العلمانية والمراجعة العصرية لبعض نواحي الفكر الديني السائد والذي يسيطر إلى حد بعيد على الحياة العقلية والشعورية للإنسان العربي، إن كان ذلك بصورة صريحة وجلية أو بصورة ضمنية لا واعية. بمحاولة تهدف إلى شرح مضمون الأيديولوجية الدينية ونقلها من حالتها الضمنية العفوية اللاشعورية إلى حالة تتشبه بالعرض والتنظيم الفكري والوعي المنطقي واستبدال الفكر الديني بالفكر العلمي التحليلي.

وقد صدرت بعض المؤلفات خصيصًا للرد على العظم في هذا الكتاب من قبل معارضيه كما حدث في كتاب «البرهان اليقيني للرد على كتاب النقد الدينى» للكاتب «جابر حمزة فراج».

أما عن كتابه «النقد الذاتي بعد الهزيمة» فقد قدم العظم رؤية نقدية لبنية المجتمع والثقافة العربية بعد هزيمة الخامس من يونيو 1967 راصدًا مجموعة من الظواهر الاجتماعية والسياسية والدينية التي تقود دومًا إلى الهزيمة ومن أبرزها الجهل بالذات والآخر، والتبرير، والتلفيق، والقدرية، والهروب من المسؤلية، وفي هذا السياق يقول العظم:

موقفه من الربيع العربي

رغم تباعد عمره مع عمر المشاركين بفاعلية في تلك الأحداث، إلا أنه لم يكن منقطعًا عنها، بل أيدها ووضع لمصطلح الربيع العربي تعريفًا خاصًا به على حد قوله:

لُقب العظم بأبرز «العقلانيين العرب»، ووصفه البعض بأنه كان ينتمي لماركسية لا يشوبها شيئا من الشعبوية والتي تمكنت تباعًا من أشكال الماركسية الشائعة.

وعلى عكس كثير من اليساريين والماركسيين في سوريا، والعالم يبدو موقف صادق جلال العظم واضحًا في انحيازه للثورة السورية وعلى الرغم من إعلانه عن «تخوفاته من تيار الاسلام السياسي السوري في حال سقوط النظام، وقبله»،فقد كان يرى أنه لا يمكن له التقاعس والتخاذل في مسألة الوقوف مع ثورة الشعب السوري على حكم تفوق في طغيانه وقتله وتدميره على سوموزا وبينوشيه وجنرالات الأرجنتين وشاه إيران مجموعين كلهم معًا على حد قوله.

وانتهت مسيرته في يوم الأحد 11 ديسمبر/ كانون الأول 2016 بوفاته بإحدى مستشفيات العاصمة الألمانية برلين، حيث فشلت عملية اسئصال ورم خبيث في المخ عن عمر يناهز 82 عامًا بعد فترة من إعلان الوفاة ونفيها من قبل أسرته طول الأيام السابقة لوفاته.

وقد نعى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية صادق جلال العظم في بيان له وتقدم بتعازيه لعائلته ولجميع أصدقائه ورفقائه ولسائر أبناء الشعب السوري.