قبل عشرة أيام قدم قطبا مدينة ميلان وجبة كروية دسمة من الإثارة والندية انتهت لصالح الأزرق والأسود 3-2 بالرمق الأخير من عمر المباراة ودفعت بفريق «لوسيانو سباليتي» إلى وصافة جدول الترتيب ومطاردة نابولي فيما تراجع الروسونيري للمركز العاشر وتجرع الهزيمة الثالثة على التوالي بمنافسات السيري أيه.

منذ أن انتهت المباراة وظهرت على السطح نقاشات عدّة، نقاشات عن أحقية «مونتيلا» بقيادة مشروع ميلان الحالي بعد الانتدابات الكبرى التي قام بها المستثمر الجديد، وحول التحسن الملحوظ بأداء ونتائج النيراتزوري هذا الموسم مع «سباليتي»، وبالتأكيد عن المهاجم الأرجنتيني الذي قدم أفضل مبارياته هذا الموسم وصنع الفارق الذي رجح كفّة الإنتر

مسجلًا هاتريك

مستحق من أربعة تسديدات فقط علي «دوناروما».


أرقام «إيكاردي»

التي عكست كفاءة وفاعلية كبرى أمام المرمى خلال الموسم الحالي بتسجيله هدفًا كل 80 دقيقة، و كذلك الموسم الماضي بـ24 هدفًا في 34 مباراة أصبحت تفرض حقيقة واحدة وهي أن الإنتر يمتلك أحد أقوى مهاجمي العالم وأكثرهم قدرة على النضوج والتطور مع أكثر من مدرب خلال المواسم الماضية.

احتفال «ماورو» بهدفه الأخير بشباك ميلان يحمل دلالة واضحة عن رغبته وتطلعاته خلال الفترة القادمة سواء بإيطاليا أو بعد بضعة أشهر في روسيا، صاحب الـ 24 عامًا لا يريد أن يضع نفسه بمقارنة مع «ميسي» أو «رونالدو» بالتأكيد، ولكن أراد أن يقول بأنه مركز الثقل في الإنتر والقادر على قيادة رفاقه لتجاوز تلك الفترة من تاريخ النادي.


ماورو المتمرد

لم يبدأ الأمر أبدًا في إيطاليا، بل بدأ في كتالونيا، فبعد أن انتقل والدا «ماورو» الذي كان قد أتم عامه السادس من روساريو بالأرجنتين إلى إسبانيا بحثًا عن فرص أفضل للعمل، التحق الصغير بمدارس ناشئي النادي الإسباني «فيسينداريو» حيث ظهرت منذ الصغر شراسته أمام المرمى، ليجاوز مجموع ما سجله «إيكادري» من أهداف بسنوات الأكاديمية الإسبانية 500 هدف!

لم تكن الفرق الكبرى غافلة عما يحققه الناشئ الذي ذاع صيته بين كشافي المواهب، بل عى العكس.

يقول محرر موقع fourfourtwo

«جريج ليا» بأن أندية: أرسنال، ليفربول، ريال مدريد، فالنسيا، كما إشبيلية، كانت كلها مهتمة بخدمات «إيكاردي»، لكن الأخير انتهى به المطاف في برشلونة حيث انتظم في صفوف «لا ماسيا» بعد توقيعه لعقد يمتد من 2008 وحتى 2013.

اندمج الأرجنتيني بنمط الحياة داخل مدرسة برشلونة، وأُعجِب المدربون بشخصيته القوية داخل منطقة الجزاء أثناء العرضيات تحديدًا مُسجلًا

38 هدفًا بموسمين

، لكن بقي الرهان على مدى ملاءمة إمكانيات «ماورو» لأسلوب اللعب الجماعي بمنظومة فرق البلوجرانا!.


وداع كتالونيا

وجد مدربو برشلونة صعوبة بإقناع «ماورو» بأدوار مختلفة في صناعة اللعب وخلق المساحة للأطراف وللاعبي الوسط المنطلقين عن تلك المهام التي يتقنها أمام المرمى، لذلك استقر الأرجنتيني وممثلوه على طلب الرحيل من برشلونة بعد موسمين قضاهما بفريق تحت 19 عامًا، كان وكيله آنذاك «أبيان مورنو» قد اختار الطيران نحو إيطاليا.

لم يكن صعبًا تسويق لاعب يحمل اسمه كل هذا الزخم بمراحل الناشئين، لذلك قررت سامبدوريا انتدابه عن طريق الإعارة ثم أقدمت على التعاقد معه نظير 400 ألف يورو،

ليخرج وكيله آنذاك «أبيان مورينو»

مؤكدًا أن لاعبه سيكون صاحب شأن كبير كمهاجم بإيطاليا على شاكلة «باتيستوتا»، هذا الاختيار لاسم مهاجم 9 صريح كلاسيكي يحمل دلالة تحدٍّ واضحة، بل أن «إيكاردي» نفسه قد صرح غير مرة بعدم ندمه على الرحيل كان آخرها

بحواره مع «الماركا»

الذي قال فيه إنه كان يبحث عن مكان يناسب خصائصه كمهاجم أكثر من الليجا.

والمكان كان رديف سامبدوريا حيث تفجرت قدرات الشاب التهديفية فسجل 13 هدفًا بأول 19 مشاركة، وهو الأمر الذي جعل مدربي الفريق ينظرون له كمهاجم المستقبل في الفريق الأول، بل أن حالة الثقة التي لاقاها هناك دفعته لمضاعفة أرقامه بالرديف حيث أنهى موسمه هناك مسجلًا

27 هدفًا بـ 35 مباراة.

كان الفريق الأول بأشد الإاحتياج لتلك الإمكانيات في خضم صراعه لأجل الصعود للسيري أيه، لذلك أشركوا «إيكاردي» في مباراته الرسمية الأولى عام 2012 أمام فريق يوفي ستابيا؛ 10 دقائق فقط هي كل ما احتاجه ابن الـ 19 ربيعًا آنذاك للتهديف باللقاء الذي انتهى 2/1 لصالح فريقه!.

تأهل سامبدوريا لتُفتح لـ«إيكاردي» آفاق أوسع؛ بظروف عادية يبحث أي مهاجم ناشئ مع فريق صاعد عن ترك بصمة خلال مشاركاته بهدف تعزيز فرصه، لكن الأرجنتيني نال ما هو أكثر وأعمق أثرًا من ذلك مساء يوم 6 يناير 2013، كان فريقه على موعد لملاقاة بطل إيطاليا: يوفنتوس الذي يضم نخبة من أروع اللاعبين تبدأ بالتأكيد عند أحد أفضل حراس المرمى بتاريخ اللعبة «بوفون» ولا تنتهي عند «بوجبا وبيرلو وماركيزيو». دخل «ماورو» المباراة بعد أن تأكد غياب مهاجمي الفريق «ماكس لوبيز ونيكولا بوزي» للإصابة، فكان للصغير أن يقلب الطاولة على البيانكونيري ويحوّل الهزيمة من 1/0 إلى2/1 مسجلًا بمرمى «جيجي» هدفين عبّرا عن شخصية كبيرة.


لكن ذلك لم يكن سوى مقدمة لما قام به بعد 21 يومًا من تلك المباراة عندما قاد هجوم فريقه لفوز عريض على بيسكارا بنتيجة 6/0، كان له نصيب الأسد منه بحصيلة 4 أهداف سجلهم بعدما أرهق مدافعي الخصم باختراقاته الطولية وتسديداته المتقنة نحو المرمي؛ كان أداؤه مؤشرًا لإدارة سامبدوريا بأنها ستستعد قريبًا لدخول قاعة المفاوضات مع كبرى الأندية للحصول على أعلى سعر في الأرجنتيني.

عمومًا لم ينتهِ

موسمه الأول

في السيري أيه الذي سجل فيه 11 هدفًا وصنع 4 آخرين إلا وكانت أندية

“يوفنتوس، ميلان، إنتر”

قد أبدت اهتمامًا بضمّه، لكن النيراتزوري كان أكثرهم انشغالًا بتدعيم خط هجومه، لذلك حسم الإنتر صفقة «إيكاردي» مقابل 13 مليون يورو، ليدخل الأخير مرحلة هي الأهم ويرتفع أداؤه إلى مستوى جديد خطير!.

خلال أربعة مواسم من ذلك الانتقال، سيصبح «إيكاردي» رجل الإنتر الأول على صعيد الشخصية والتأثير وقيادة دفة الفريق، وسيحظى بمكانة خاصة عند الإدارة التي سترفض كل محاولات الاستغناء عنه وتعمل على مضاعفة الشرط الجزائي لرحيله بعد أن حصد

لقب هداف

السيري أيه بموسمه الثاني فقط مع الفريق وبعمر 21 عامًا، «ماورو» اندمج بسرعة وعبر مرحلة الناشئ الجيد نحو مرحلة اللاعب الذي يعوّل عليه ويُبنى من حوله الفريق.

قبل أيام بسيطة خرج الأسطورة الأرجنتينية «خافيير زانيتي» الذي يشغل حاليًا منصب نائب رئيس النادي الإيطالي

بتصريحات

عبر فيها عن أهداف الإدارة الحالية، قال «زانيتي» بأن النادي يسعى لضمان التأهل هذا الموسم لدوري الأبطال بالشكل الذي يلائم تاريخه وطموح المُلّاك الجدد، استدرك ليكشف ثقته بتشكيل النيراتزوري الحالي وعلى رأسه «إيكاردي» واصفًا إياه بـ«كريسبو الجديد».


أرض وجو

علي ذكر «كريسبو»، دعني أفاجئك بأن المعدل التهديفي لـ«ماورو» قد جاوز ذلك الخاص بـ«هيرنان» مع الإنتر، كان الأخير

قد سجل

49 هدفًا في 120 مباراة بقميص النيراتزوري، بينما «إيكاردي» قد أضاف 89 هدفًا بـ ـ151 مباراة وغالبًا لن ينتهي الموسم إلا وقد احتفل بهدفه رقم 100!.

الأرجنتيني داخل منطقة الجزاء يشبه العقرب الذي يستدرج فريسة لجحره؛ يحفظ «إيكاردي» منطقة الجزاء عن ظهر قلب، ويتميز بقدرة هائلة على استلام الكرة على حدودها مما يؤهله ليكون الخيار الأول لزملائه بالتمرير الطولي أو العرضيات، أضِف لذلك حساسية فريدة وتمكن كبير أمام المرمى، كل ما يحتاجه «ماورو» هو تلك المساحة البسيطة التي تكفيه للهروب من الرقابة وعندها سيتحول لكابوس أي حارس مرمى.

المواسم الأربعة الفائتة شهدت تطورًا كبيرًا

بأرقام «إيكاردي»

، فمثلًا تمكن الموسم الماضي من تسجيل 24 هدفًا وصناعة 43 فرصة، إذا عدت لأرقامه بالموسم قبل الماضي ستجد أنه سجل 16 هدفًا صنع 34 فرصة فقط، الأكثر من ذلك أنه احتاج

للتسديد 109 مرة

لأجل نفس الـ24 هدفًا، بينما احتاج «ميرتينز» مع نابولي لـ148 تسديدة لأجل 28 هدفًا، أما «دجيكو» الذي تصدر قائمة الهدافين بـ29 هدفًا فقد سدد 178 مرة؛ هذا مؤشر هام عن دقة تصويبات الأرجنتيني التي يستفيد منها حاليًا «سباليتي» لملاحقة نابولي ومزاحمة اليوفي.

«سباليتي» يعتمد مع الإنتر على اللعب المباشر وإرسال العرضيات بحيث يستفيد من قدرات «بريزيتش، كاندريفا» بامتداد الخط و«ماورو» في القلب، واليوم يواصل «إيكاردي» المعهود عنه من تطور أدائه فقد أصبح أفضل مهاجمي العالم تعامًلا مع الكرات العرضية سواء الأرضية أو الهوائية. ليلة أمس أذاق دفاعات فريقه السابق سامبدوريا المُر بهدفين من كرات عرضية: الأولى جاءت وسط تكتل دفاعي والثانية من مرتدة، طريق «إيكاردي» معروف للمرمى بدون أي معوق تمامًا كالصاروخ الذي لا يعبأ بالرادارات!.

إنتر ميلان، الدوري الإيطالي، ماورو إيكاردي.

الصورة تكشف اعتماد سباليتي على العرضيات أمام فيورنتينا هذا الموسم، الإنتر قام بـ17 عرضية وصنع 12 فرصة للتهديف أغلبهم من عرضيات، المصدر: www.squawka.com

لم يكن الأرجنتيني مميزًا خارج منطقة الجزاء بصناعة الأهداف والضغط وتفريغ منطقة الجزاء من المدافعين، لكن يبدو أن «سباليتي» يعمل تدريجيًا مع الشاب على معالجة الأمر، يقول

موقع «سكوكا

» إن «ماورو» قد صنع هذا الموسم 10 فرص بـ10 مباريات، صحيح أن أحدًا منها لم يتحول لأهداف لكنها نسبة غير سيئة.

«إيكاردي» لاعب كرة قدم موهوب وقوي ويعرف مزاياه جيدًا، يعمل على مضاعفة أثر ما يجيده والحد من مشاكله وهو بالنهاية مُصِر على أن يفوز بشيء ما وهو ما يجعلنا نظن بأن اسمه سيزداد لمعانًا وبريقًا خلال السنوات القادمة؛ هنيئًا لأنصار الإنتر بواحد من أفضل مهاجمي العالم، بالانسجام الذي عمل عليه «سباليتي» وبالعودة مرة أخرى لغمار المنافسات.


https://www.youtube.com/watch?v=NPRJs6_faa4&t=341s