اعذروني… فالحياة لم تعد تُحتمل





رسالة الفنانة داليدا لمحبيها قبل انتحارها

تتردد تلك الكلمات في ذهن ما يقارب من 800 ألف حالة سنويًا على مستوى العالم، ليصبح الانتحار ظاهرة عالمية تدق ناقوس الخطر، إلا أن الشهر الحالي، سبتمبر/أيلول 2017، شهد انتحار 4 مصريين في 6 أيام فقط، بحسب تقارير الطب الشرعي، وسط غياب برامج المكافحة من أي من الجهات المعنية في مصر.

وتُخصص منظمة

الصحة

العالمية شهر سبتمبر/أيلول للتوعية من مخاطر الانتحار للحد من تكرار هذه الظاهرة، وسط مؤشرات وإحصائيات تشير إلى حالة انتحار كل 40 ثانية، وأن الفئة الأكثر عرضة للانتحار على وجه خاص هم الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و34 عامًا.

ولطالما كان الدين والأخلاق حاجزاً وسداً منيعاً للانتحار في بلادنا العربية، ورغم ذلك تخبرنا الإحصائيات بأن نسبة الانتحار في تزايد مستمر وقوي، تحديداً في السنوات الأخيرة حيث بلغت حالات الانتحار درجة مقلقة، في ظل توفر بيئة مشجعة وسط حالة من عدم الاستقرار والأزمات والحروب، التي تشهدها المنطقة.


لماذا تتنامى ظاهرة الانتحار في الدول العربية؟

إننا نحبّ الحياة… ونحبّ الموت متى كان طريقًا إلى الحياة





الكاتب السوري أنطون سعادة

الوطن العربي ثري بالمكتئبين الذين يقفون على بعد خطوات من الانتحار؛ نتيجة للأوضاع السياسية غير المستقرة في معظم البلدان العربية؛ كالتضييق السياسي وغياب العدالة والديمقراطية، والحروب الأهلية، كل هذا يتسبب بشكل مباشر في انتشار البطالة والفقر، ما يتبعه من الفشل الدراسي والمهني والاجتماعي.

وعلى الرغم من أن العلاقة بين الانتحار والاضطرابات الناجمة عن تعاطي الكحوليات معلومة في البلدان مرتفعة الدخل، إلا أن البلدان المنخفضة والمتوسطة الأجور تستأثر بنحو 78% من حالات

الانتحار

في العالم، وأول تلك الأسباب الحالة الاقتصادية المتردية التي تعاني منها الشعوب العربية كافة، بنسبة تصل إلى 69% من مسببات الانتحار.

بالإضافة إلى ذلك، تقترن النزاعات والكوارث والعنف وسوء المعاملة أو الفقدان والشعور الانعزالي بالسلوك الانتحاري، وترتفع معدلات الانتحار كذلك بين الفئات المستضعفة التي تعاني من التمييز مثل اللاجئين والمهاجرين؛ والمتحولين جنسيًا، وثنائيي الجنس، والسجناء.

وجاء السودان على رأس قائمة البلدان العربية، حيث احتل المرتبة الأولى في نسبة الانتحار التي بلغت 17.2%، وسجلت السعودية وسوريا الدولتلن العربيتان اﻷقل من حيث نسبة الانتحار وبلغت نسبة الانتحار فيها 0.4%.

ويأتي ترتيب

مصر

– التي يتم تسجيل 3 آلاف حالة انتحار سنوياً بها – في المرتبة الـ 12 من بين الدول العربية ضمن الترتيب التالي: (السودان، جيبوتي، الصومال، البحرين، المغرب، قطر، اليمن، اﻹمارات، تونس ، الجزائر، اﻷردن، مصر، ليبيا، العراق، عمان، الكويت، لبنان، سوريا، السعودية).


لحظة الانتحار

قرار وضع حد لحياة الإنسان ليس بالأمر الهين، فهناك قوة تدفع المنتحر للمضي قدمًا نحو حتفه بخطوات صارمة وجادة دون هوادة، ويؤكد علماء

النفس

أن المنتحر يعيش حالة واحدة من ثلاث حالات، تكون هى مصدر قوته:

  • أولها الحالة الانتقامية؛ وفيها يوجه المنتحر عدوانه نحو شخص في مخيلته قد تسبب له في ألم معنوي، فيوجه طعنته إلى ذلك الشخص عن طريق قتل نفسه.
  • الحالة الثانية هى الاستسلام؛ وفيها يكون المنتحر بلغ من اليأس أشده حتى عطبت كل آماله وانتهت كل أسبابه للحياة.
  • أما الحالة الأخيرة عدوانية؛ حيث يقدم الشخص على الانتحار بدافع الرغبة في ممارسة العنف حتى لو كان تجاه نفسه.

وكما جاء فى موقع «بولد سكاى»، فهناك مجموعة من

العلامات

التي تظهر على بعض الأفراد قبل الشروع في الانتحار، والتي تتمثل أهمها في الجلوس بمفرده لمدة تتجاوز العشر ساعات يوميًا، وترك اللحية، وارتداء ملابس قديمة، علاوة على ذلك الشعور بعدم الرغبة في التحدث مع أحد، وتناول الأكل بكميات كبيرة.


الانتحار الإلكتروني

إذا أردت مشاهدة الموت بالصوت والصورة، ما عليك سوى تصفح حسابك الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث دخل موقع «الفيسبوك» عالم الانتحار بامتياز، ليكون أول التطبيقات المبتكرة التي شهدت هذه الظاهرة، حيث أقدمت فتاة على

توثيق

عملية انتحارها على البثّ المباشر الخاصّ بالتطبيق، موجّهةً رسالة لحبيبها بأنّه السبب في انتحارها.

وبعد تلك الحادثة، شهد الموقع حالات انتحار مماثلة، كان آخرها تلقف مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في الرابع من سبتمبر/أيلول الجاري، خبر وفاة طالب كُلية الطب «

شريف

قمر»، بعد قيامه بالتصويت على تويتر لاختيار الطريقة الأمثل للانتحار، وتفاعل معه متابعوه ظناً منهم أنها مزحة، وبعدها بساعات قليلة أعلن أحد أصدقائه انتحاره.

فى غضون أيام، تم الإعلان عن تدشين

مؤسسة

«شريف قمر» والتي فتحت باب التطوع، وأعلنت عبر حساب مؤسسها «محمد ممدوح» عن أهدافها العامة المتمثلة في دعم أصحاب الميول الانتحارية، وتقديم خدمة نفسية جيدة لغير القادرين، وتوصيلهم بمختصّين يستطيعون تقديم المساعدة.

مأساوية قصة الطبيب المصري، دفعت شابا يدعى محمد ليناشد أصدقاءه على «الفيس بوك»:

ومن جانبه، قام مسئولو موقع «فيس بوك» بعد انتشار خبر وفاة شريف بشكل كبير، بكتابة منشور أعلى حسابه لتخليد ذكراه وللترحيب بالزائرين للحساب: «نأمل أن الذين يحبون شريف سيجدون الراحة فى زيارة حسابه الشخصي لتذكر والاحتفاء بحياته».

ولم يكَد جمهور «التواصل الاجتماعي» يحتفي بمبادرة أصدقاء شريف، حتى عاجلتهم أخبار ملاقاة الشاب «السيد الشرقاوي» مصرعه، بعد ساعات قليلة من كتابته منشورا على «فيسبوك»، يُعبِر فيه عن نيته في الانتحار.


الوقاية والعلاج

أرجوكم… متسيبوش بعض، الاكتئاب مش شوية زعل وبيروحوا لحالهم… الاكتئاب سرطان بياكل فيك لحد ما يجيب أجلك… ربنا يرحمك يا صديقي، هتوحشني.

يعتبر الانتحار من الأمور التي يمكن الوقاية منها، فهناك عدد من التدابير التي يمكن اتخاذها لمنع الانتحار، مما يتطلب وضع استراتيجية شاملة متعددة القطاعات للوقاية منه. تشمل تلك التدابير بحسب منظمة الصحة العالمية:

1- يجب الاعتراف بأن هذا الشخص مريضٌ يحتاج إلى مساعدة طبية عاجلة.

2- منع فرص الوصول إلى وسائل الانتحار (مثل مبيدات الآفات، الأسلحة النارية، وبعض الأدوية).

3- ربط المنتحر بنماذج شخصيات فشلت ونجحت، ليُغذي لدى المقبل على الانتحار الشعورُ بأنه يمكن أن يبدأ حياته مرة أخرى.

4- تطبيق سياسات الكحول للحد من استخدام الكحول على نحو ضار.

5- التشخيص والعلاج والرعاية المبكرة للمصابين باضطرابات نفسية الناجمة عن تعاطي مواد الإدمان والآلام المزمنة والاضطرابات العاطفية الحادة.

6- تدريب العاملين الصحيين المتخصصين في تقييم وإدارة السلوك الانتحاري.

7- توفير رعاية المتابعة للأشخاص الذين حاولوا الإقدام على الانتحار.

ثلاثية «العجز واليأس وفقدان الأمل» تمثل الطريق المُمهد للتخلص من الحياة، فالحديث عن الانتحار يصيب المرء بقشعريرة تنتاب الجسد، لكن هذه الحادثة تنتشر بكثرة وقد تحدث مع أيّ شخص، وفي هذا الصدد يدلي الكاتب الأمريكي «أوليفر هولمز» بنصيحة في إحدى كتاباته:

يقرص الموت أذني باستمرار ويقول «عش حياتك، فأنا قادم».