متى آخر مرة زرت فيها دولة أجنبية عن بلدك؟ كم كلفك هذا الأمر، ولماذا سافرت؟

حسنًا؛ قد تبدو إجاباتنا عن هذه الأسئلة مختلفة كلٌّ حسب موطنه ووظيفته وظروفه المعيشية، لكن ماذا لو أغمضت عينيك لتفتحها على أناس يعد السفر بين النجوم بالنسبة لهم أمرًا روتينيًا؟

قبل إجابتك عن هذا السؤال الأخير؛ أعتقد أنك تذكرت عرّاب السفر بين النجوم «إلون ماسك» الذي يسعى جاهدًا لإرسال البشر

للمريخ

، لكن هذا ليس محور حديثنا اليوم، وإنما ما زلنا في إطار الحديث عن السفر للفضاء، وإرسال البشر لعوالم فضائية جديدة كليًا من خلال شركة «ستراتولونش سيستمز – Stratolaunch Systems» التي انضمت لقائمة الشركات التي تعمل في هذا المجال.

منذ عدة أيام؛

أعلن

الملياردير الأمريكي والشريك المؤسس لشركة البرمجيات «مايكروسوفت – Microsoft»، «بول آلن – Paul Allen» أنه يقوم ببناء طائرة ضخمة تعتبر هي الأكبر من نوعها على الإطلاق في العالم.



الطائرة Stratolaunch

طائرة بول آلن ستراتولاونش - stratolaunch

هكذا يطلق عليها؛ وتطلبت صناعتها إصدار تصاريح إنشاء خاصة من السلطات المحلية من أجل توفير الأدوات اللازمة لبنائها.


صممت

الطائرة بهيكل مزدوج؛ أي جسمين لطائرتين يصل طولها بالمجمل إلى 72 مترًا، ويصل طول جناحيها إلى 117 مترًا، وارتفاع ذيلها 15 مترًا، ومزودة بستة محركات من نوع «برات آند ويتني – PW4056» النفاثة التي تستخدم في طائرات «بوينغ 747» لتشغيلها.

تزن الطائرة نحو 250 ألف كلغ، ويصل وزنها في حمولتها القصوى؛ أي بعد إلحاق الأقمار الصناعية والصواريخ بها إلى 590 ألف كلغ.! تم استخدام أكثر من 96 كيلومترًا من الأسلاك في صناعتها.

استغرق تصنيع الطائرة ستة أعوام حيث بدأ بناؤها عام 2011، واكتمل من بنائها حتى الآن نسبة 76%، ومن المتوقع أن تصل تكلفة بنائها الكلية إلى نحو 300 مليون دولار أمريكي.

أما على مدى الأسابيع والأشهر المقبلة؛ فصرّح «جين فلويد – Jean Floyd» أحد المؤسسين للشركة؛ بأن الشركة ستقوم بإجراء اختبارات أرضية وجوية في ميناء موجاف الجوي والفضائي.

وباعتبارها الطائرة الأولى من نوعها لذا ستؤخذ سلامة الطيارين والموظفين والطاقم العامل في الشركة في المقام الأول، كما سيكون موعد إطلاقها في عام 2019 وفقًا لفلويد.

وكانت الطائرة قد تم سحبها إلى خارج مكان تصنيعها في الـ31 من مايو/ آيار الماضي لأول مرة لبدء مرحلة الاختبار الأرضي.


لماذا Stratolaunch؟

من منا لا يعشق الفضاء؟ ومنا من عشق الفضاء فعليًا مؤخرًا بسبب انتشار مشاريع عملاقة عديدة ركزت على إمكانية السفر للفضاء، وابتكرت بذلك أدوات ووسائل نقل نحو النجوم بعد أن كانت مجرد درب من الخيال.

بول آلن أحد عشاق الفضاء أيضًا، وبجانب تاريخ شركته مايكروسوفت التي تخصصت في البرمجيات وأنظمة التشغيل الإلكترونية للحواسيب؛ ارتأى السيد آلن أن يقوم بتطوير تاريخه بجانب مايكروسوفت بإنتاج وتصنيع تلك الطائرة التي تستهدف الفضاء من خلال حمل الأقمار الصناعية والصواريخ؛ وإطلاقها في مدار الأرض المنخفض الذي يصل إلى نحو 10 كيلومترات فوق سطح البحر بسرعة ودون مشاكل تتعلق بالإطلاق، أو أي تأخير بسبب الطقس.

يفسّر السيد آلن أن القيام بتلك الخطوة سيكون عاملًا فعالًا نحو الابتكار، حيث يقول:

كما يشير آلن إلى أن هناك ضرورة لتوسيع نطاق وصول الجمهور العام إلى الفضاء، وأن يصبح ذلك ثورة مجتمعية بنفس الطريقة التي عملت من خلالها شركات الحواسيب على وضع أجهزة الحاسوب في كل منزل؛ وجعلها جزءًا أساسيًا من الروتين اليومي.

أما عن آلن نفسه؛ فقيامه

بتصنيع

طائرة ستراتولونش؛ ينضم بذلك إلى صفوف كبار المخترعين ورجال الأعمال مثل «إيلون ماسك – Elon Musk»، «جيف بيزوس – Jeff Bezos»، «وريتشارد برانسون – Richard Branson» الذين سجلوا أسماءهم في التاريخ بتبنّيهم مشاريع عملاقة تعمل على جعل السفر إلى الفضاء أقل تكلفة، وأكثر ابتكارًا ضمن ما يعرف باسم «Billionaire space race».

الجدير بالذكر أن هذا المشروع ليس هو الأول لآلن في مشاريع الفضاء؛ حيث تشمل أعماله مشروع «

سبيس شيب ون – SpaceShipOne

» الذي بناه خصيصًا من أجل دخول الفضاء دون المداري، وفاز آلن وشركته بجائزة «أنساري إكس – Ansari X» بقيمة 10 ملايين دولار أمريكي؛ والتي بدأت من قبل مؤسسة «إكس برايز – X Prize Foundation» لإنشاء أول مركبة فضائية خاصة قابلة لإعادة الاستخدام. هذا المشروع الذي وضع آلن على قائمة زملائه السابق ذكرهم.

وبإلقاء نظرة على هؤلاء الثلاثة؛ نجد أن جيف بيزوس مؤسس أمازون قد أسس شركته «

بلو أوريجون – Blue Origin

» عام 2000، وهي شركة متخصصة في هندسة الطيران والفضاء. كما أنشأ إلون ماسك شركته الشهيرة SpaceX باستثمار 100 ملايين دولار أمريكي بعد عامين من ترؤسه لشركة تسلا.

ويعمل المشروعان على تطوير صواريخ قابلة لإعادة الاستخدام؛ والذي يجعل السفر إلى الفضاء أقل تكلفة. وكما نعرف جميعًا أن إلون ماسك يأمل في نهاية المطاف من إرسال البشر إلى المريخ. أما بيزوس فيأمل لنقل الصناعة كثيفة الطاقة إلى الفضاء.

وأخيرًا يركز ريتشارد برانسون الذي أنشأ شركة «

فيرجين غالاكتيك – Virgin Galactic

» على الجانب الترفيهي للسفر بين النجوم حرفيًا؛ وهي السياحة الفضائية.


عن الشركة المصنعة

عندما يكون الوصول إلى الفضاء أمرًا روتينيًا؛ فإن ذلك سوف يعمل على تسارع الابتكار بطرق تتجاوز ما يمكننا تخيله حاليًا. فعندما تصبح الابتكارات والوسائل الجديدة متاحة بسهولة ومريحة وبأسعار معقولة للجميع؛ فإنها تجذب وتمكن رجال الأعمال لتحقيق المزيد من المفاهيم الجديدة ذات الرؤى المختلفة.

أسس بول آلين شركته «

ستراتولونش سيستيمز- Stratolaunch systems

» ومقرها في «هانتسفيل، ألا – Huntsville, Ala» التابعة لشركة «فولكان إيروسبيس» التي يملكها عام 2011 بهدف تسهيل الوصول إلى المدار الأرضي المنخفض، وجعل الوصول أكثر راحة وثقة، وأمرًا روتينيًا؛ وفقًا لشعار الشركة.

تعاون آلن مع شركة «سكاليد كومبوسيتس – Scaled Composites» لتصنيع الطائرة ستراتولونش، وهي شركة طيران مقرها موهافي أسسها بيرت روتان.

وعند الانتهاء من بناء الطائرة ستراتولونش؛

ستصبح

أكبر من طائرة هوارد هيوز «هيركوليز إتش-4» الشهيرة والتي تعرف أيضًا باسم «سبروس غوس» التي حلقت مرة واحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1947.

أخيرًا؛ ربما لم يكن في الحسبان أن يقوم شخص مثل بول آلن بخطوة مثل تلك لعدة عوامل أهمها؛ أنه يمتلك نصيبًا في أشهر شركة برمجيات في العالم بالفعل، ويمتلك فريقًا رياضيًا أمريكيًا وله تاريخ مليء من الإنجازات والأعمال.

يمكن أن ترى كل ذلك – من وجهة نظرك – كافيًا ليأخذ تقاعده والاكتفاء بما حققه؛ لكن من يقف متأملاً في فضاء وكواكب ومسبارات تبعث لنا بالمزيد من الألغاز المحيرة عن الكون؛ يكون ذلك دافعًا كافيًا للعمل على الوصول لمسافات متفاوتة بين النجوم، أو حتى بالقرب من الغلاف الجوي الأرضي بطرق أكثر سهولة وأقل تكلفة.

ومن يدري؛ ربما حان الوقت للوقوف قليلًا وتأمل ما تحمله لنا عقول وعلوم حديثة من تطورات يمكن أن تأخذنا إلى خارج هذا الكوكب قريبًا!